تواصلت عمليات القتل التي تمارسها القوات السورية، والوحشية التي ترتكبها عناصر من الشبيحة الموالية للنظام، حيث قتل 12 شخصا وجرح العشرات في عمليات أمنية ترافقها تعزيزات عسكرية في سورية لقمع الحركات الاحتجاجية ضد النظام السوري الذي اتهمته فرنسا بأنه ضالع في ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية". يأتي ذلك فيما رأى ناشطون معارضون أمس في المبادرة العربية التي من المقرر أن يقدمها الأمين العام للجامعة نبيل العربي السبت المقبل للرئيس السوري بشار الأسد، "أساسا طيبا" لمعالجة الأزمة في سورية. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "قوات الأمن قامت بإطلاق الرصاص خلال عملية امنية شنتها في مدينة حمص مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص وجرح العشرات". وأضاف المرصد أن "قوات الأمن قامت بعملية مداهمة لملاحقة مطلوبين في مدينة سرمين الواقعة في ريف إدلب شمال غربي سورية وقامت بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي مما أسفر عن مقتل شخصين وجرح ثلاثة آخرين". وذكر مدير المرصد رامي عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس أن "قوات أمنية وعسكرية اقتحمت بلدة النعيمة (50 كيلومترا جنوبي درعا) حيث أطلقت النيران بشكل كثيف كما سمعت أصوات انفجارات". وأشار إلى "سقوط جرحى" دون أن يتمكن من تحديد عددهم. وأظهر شريط فيديو مؤثر بثته عدة مواقع إلكترونية عناصر من الشبيحة ترتدي لباس الجيش وهي تطلق النار وتجهز على جريح ممدد على الأرض. وأظهر الفيلم جنديا آخر يقول بسخرية: "خليه بأرضه.. حُكم عليه بالإعدام"، ليقوم أحد زملائه بمعاودة إطلاق النار على الجريح من جهة أخرى، بينما كان جنود آخرون يصيحون صيحات التشجيع والفخر. وأشارت المواقع إلى أن هذا الشريط تم تصويره يوم الإثنين في حي الإنشاءات في مدينة حمص. وبالتزامن مع هذه الأحداث، صرح وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه في رد على نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي ترفض بلاده حتى الآن الانضمام إلى إدانة مجلس الأمن الدولي "إننا نلاحظ أن النظام السوري ضالع في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" من خلال قمعه للحركات الاحتجاجية في البلاد. وتابع جوبيه أن "القمع الذي يمارسه النظام مفرط ويؤدي إلى إراقة الدماء وهو غير مقبول على الإطلاق. لذلك على مجلس الأمن الدولي أن يوجه رسالة قوية" إلى دمشق "حتى يتوقف هذا القمع الوحشي". أما وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فتجاهل هذه النقطة بالكامل. وقال "الأولوية اليوم هي في بدء حوار مفاوضات". ميدانيا، ذكر المرصد أن "رجال الأمن استخدموا الرشاشات الثقيلة لقصف محيط جامع خالد بن الوليد في حمص". ولفت إلى أن "الاتصالات الأرضية قطعت عن كل أحياء المدينة وسط استمرار إطلاق الرصاص الكثيف من رشاشات ثقيلة في حي باب دريب في المدينة". وأشار إلى "تصاعد دخان أسود من أحد المباني". وذكر المرصد أن "تعزيزات عسكرية تضم 20 شاحنة محملة بالجنود دخلت حمص من جسر القصير كما وصل رتل من الآليات العسكرية يضم دبابات وناقلات جند مدرعة إلى مشارف حمص قادما من الرستن"، لافتا إلى أن "رتلا من الدبابات يسير باتجاه حمص قادما من تدمر (وسط)". وأكد أن "قذائف ثقيلة أطلقت في أحياء باب السباع وباب هود وباب تدمر، كما أطلق النار من رشاشات ثقيلة في شارع الحمرا وبابا عمرو". كما نفذت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات غرب البلاد "حيث اعتقلت 25 شخصا في حي قنينص في اللاذقية (غرب) وتسعة أشخاص من عدة أحياء في بانياس" بحسب المرصد. وأضاف أن "الأجهزة الأمنية في دير الزور نفذت مساء أمس حملة اعتقالات في أحياء الجورة والموظفين والحويقة أسفرت عن اعتقال 53 شخصا". وتظهر سلسلة من الانشقاقات في الجيش السوري الاستياء بين صفوف الجنود بشأن قمع الاحتجاجات الشعبية لكن نفوذ الجيش في مجمله لم يتأثر فيما يبدو مما يسمح للرئيس بشار الأسد بمواصلة استخدام القوة لتعزيز سلطته. ومن شأن حدوث مزيد من أعمال العنف أن يفاقم التوتر الطائفي داخل الجيش الذي يمثل قاعدة سلطة محورية للأسد الذي ينتمي للأقلية العلوية في حين قد يحسن المزيد من الانشقاقات الروح المعنوية للمعارضة في الوقت الذي يصعد فيه جهوده لإخماد الاحتجاجات التي دخلت شهرها السادس. لكن بعض المحللين تكهنوا بنقطة تحول يتغير فيها بشكل حاد ميزان الخوف الذي يصب في صالح الحكومة ويسرع بسقوطها غير أنه لم يتم الوصول إلى هذه النقطة بعد. وقال دبلوماسي في العاصمة السورية عن القوات المسلحة البالغ قوامها 220 ألف فرد معظمهم من المجندين "تبدو الانشقاقات على مستوى منخفض في الجيش في ازدياد لكنها مازالت لا تؤثر في فاعلية العمليات العسكرية". وقال نيكولاوس فان دام وهو باحث هولندي متخصص في السياسة السورية ومسؤول سابق كبير في وزارة الخارجية لرويترز، إن الانشقاقات في صفوف الجيش مستمرة لكن مادام نطاقها ضعيفا ولا تنطوي على خسارة أسلحة ثقيلة أو ضباط كبار فإنها لن تمثل خطرا يذكر على الأسد. وأضاف "إذا وقع تهديد عسكري من أي نوع على النظام فسيزداد ترابط كبار الضباط". وأشار إلى أن مصير كثير من كبار القادة مرتبط بشدة بمصير الأسد. وتابع بقوله "أي محاولة للقيام بانقلاب داخلي ستكون خطيرة للغاية على من يفكرون فيه. إذا اكتشف أمرهم سيقتلون رميا بالرصاص سريعا". وتشجع المحتجون بالإطاحة بالزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي الذي يرون تشابها بين حكمه الشمولي، كما شجعتهم أيضا الضغوط الخارجية على الحكومة. لكن أندرو تيريل أستاذ أبحاث الأمن القومي في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي قال لرويترز إن انشقاق أعداد كبيرة سيحدث في سورية على الأرجح "كما حدث في ليبيا إذا تطورت هذه الثورة من احتجاجات حاشدة إلى صراع مسلح يهدد النظام". وأضاف "الانشقاقات على هذا المستوى لم تحدث بعد". وتحدث مقيمون ونشطاء في مناطق مختلفة عن انشقاق مئات الجنود الذين استطاعوا الهرب من نظام المفوضين السياسيين على غرار الاتحاد السوفيتي السابق والشرطة السرية اللذين ضمنا فعليا عدم الانشقاق في الجيش خلال حكم عائلة الأسد المستمر منذ 41 عاما. ويقول نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان إن عشرات المجندين قتلوا بالرصاص لرفضهم إطلاق النار على المحتجين الداعين للديمقراطية. وترك آخرون الخدمة واختفوا عن الأنظار. ومن بين العوامل وراء استياء الجنود السنة هجمات شنها مسلحون علويون موالون للأسد على مساجد خلال عمليات توغل بالمدرعات في مدينتي حماه ودير الزور. وعرضت قنوات فضائية عربية مرارا لقطات تقول إنها لانهيار مئذنة مسجد في دير الزور بنيران دبابة وفقا لما ذكره نشطاء وضابط سابق. وتشير تقديرات لبعض الخبراء في الشأن السوري إلى أن إجمالي الانشقاقات في الجيش يبلغ نحو 700 منذ اندلاع الاحتجاجات في آذار (مارس) وترك كثير منهم الخدمة في شهر رمضان الذي حل في آب (أغسطس) هذا العام. وقال سكان ومقيمون في الخارج إن كثيرين لجأوا في البداية لتركيا ولبنان. والآن ربما يذهب البعض إلى العراق. وقال شيخ قبيلة لرويترز من دير الزور في الشرق إنه سمع دوي إطلاق نيران كثيف مساء الثلاثاء في منطقة الطويبة في بلدة البوكمال على الحدود مع العراق. وأضاف نقلا عن سكان أن الجيش يبحث عن هاربين من الخدمة العسكرية يشتبه في أنهم فروا إلى هذا الجزء من البلاد وهو ما يردد ما ورد في تقارير بشأن مناطق على الحدود مع تركيا ولبنان حيث استهدفت عمليات عسكرية مكثفة فيما يبدو مخابيء المشتبه بهروبهم من الخدمة في الأسبوعين الماضيين. وينتمي معظم المجندين في الجيش إلى الأغلبية السنية في سورية وينحدر كثيرون منهم من مناطق ريفية استهدفت في إطار جهود الجيش لإخماد الاحتجاجات الشعبية ضد الأسد. ومعظم قادة الجيش وكبار مسؤولي الأمن من الطائفة العلوية. ونفت السلطات السورية مرارا وقوع انشقاقات في الجيش. وطردت سورية وسائل الإعلام المستقلة منذ بدء الاحتجاجات مما يجعل من الصعب التحقق من الروايات عن التطورات على الأرض. لكن بعض الانشقاقات المزعومة تم تسجيلها بالفيديو ونشرت على مواقع للتواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب على الإنترنت. وأظهر مقطع آخر يصور ما يبدو أنه احتجاج شارك فيه المئات لافتة بالإنجليزية تقول "لدينا حلم - سورية الحرة". ويتحدث نشطاء ومقيمون أيضا عن تزايد الانشقاقات في مدينة حمص في وسط سورية والريف القريب منها. ونشر مقيمون في الرستن وهي بلدة سنية قرب حمص وتعد تقليديا قاعدة للتجنيد للجيش لقطات يوم الثلاثاء يزعمون أنها تظهر جنودا منشقين في شرفة يحيون حشدا من عدة آلاف في مظاهرة داعية للديمقراطية في البلدة الأسبوع الماضي. ورغم أنه لم يتسن التحقق من صحة تسجيلات الفيديو فهي تعطي دفعة لنشطاء المعارضة الذين يسعون لاستكمال الاحتجاجات بحملة إعلامية ودبلوماسية لإسقاط الأسد. وزادت التكهنات بشأن وحدة الجيش بعد أسبوع من سقوط القذافي حين طوقت قوة حكومية مدرعة بلدة قرب مدينة حمص في 29 أغسطس وأطلقت نيران أسلحة آلية بعد انشقاق عشرات الجنود في المنطقة وفقا لما ذكره نشطاء ومقيمون. ويقول باتريك سيل الذي كتب سيرة الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار، إنه ما دامت أجهزة الأمن والجيش موالية للأسد فسيكون من الصعب جدا الإطاحة به. وأضاف "يبدو لي أنه سيكون صراعا طويلا".