تستضيف الرياض في الايام المقبلة قمة "أوبك" الثالثة، مع ثلاثة عناوين رئيسة, هي "توفير الامدادات البترولية" و"دعم الرخاء" و"حماية البيئة". وسيعقد المؤتمر في 17 و18 من الشهر الجاري, لكن تسبقه نشاطات عدة, منها ندوة فكرية على مدى يومين يشارك فيها اكثر من وزراء الطاقة وخبراء النفط العالميين. وتشمل مواضيع الجلسات المختلفة"الطاقة في خدمة التنمية المستدامة"و"دور"اوبك"في توفير امدادات البترول وتعزيز الاستقرار"و"مستقبل النفط في ظل موارد الطاقة العالمية". ويشمل برنامج المؤتمر ايضاً جولة تعريفية لمجموعات من قادة الرأي في الدول الاعضاء في"أوبك"فنزويلا، اكوادور، نيجيريا, انغولا, الجزائر، ليبيا، السعودية, العراق، الكويت, قطر، الامارات وإيران لمدن مختلفة في المملكة العربية السعودية، حيث يتعرفون على معالم المملكة الدينية والصناعية. ويقام معرض لصناعة النفط والغاز في الرياض تشارك فيه الشركات البترولية العالمية, وشركات الخدمات والهندسة ذات العلاقة, اضافة الى ندوة تدريبية للمحررين الاقتصاديين السعوديين لتعريفهم بصناعة النفط والغاز السعودية والدولية. لا شك في ان مؤتمر القمة سيبرز ليس فقط اهمية المملكة لصناعة الطاقة العالمية بسبب الاحتياط الضخم من النفط الخام المتوافر لديها, لكن ايضاً قوة شركتها الوطنية"ارامكو السعودية"وخبرتها ومرونتها، وهي برهنت في السنوات الماضية على قدرتها في تنفيذ السياسات البترولية المتفق عليها بسرعة وبدقة جنبت العالم الكثير من الصدمات النفطية التي كان من الممكن حصولها بسبب الانقطاعات المفاجئة في الامدادات هنا وهناك. وكما هي العادة في مؤتمرات قمة"أوبك"التي تنعقد بصفة غير دورية, يتوقع ان يصدر المؤتمر"اعلان مبادئ"يحدد مواقف المنظمة من التطورات الاساسية الراهنة في اسواق النفط العالمية, وتتطرق هذه الاعلانات عادة الى مواضيع اقتصادية ونفطية عامة وشمولية . فقد صدر"اعلان مبادئ"تبنته من الدول الاعضاء في المنظمة على اثر الاجتماع الاول الذي عقد في الجزائر في عام 1975، صدرت فيه ارشادات جديدة في ما يتعلق بالسياسة النفطية على ضوء العلاقات الجديدة بين الدول المصدرة والشركات الدولية, خصوصاً بعد قرارات"أوبك"المهمة في خريف عام 1973. وأشارت تلك الارشادات الى ان على المنظمة, من خلال التشاور والتنسيق مع بقية دول العالم, تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد, مبني على اسس العدالة والتفاهم المشترك والاهتمام برفاهية الشعوب وازدهارها. كما صدر"اعلان المبادئ الثاني"بعد مؤتمر القمة الثاني في العاصمة الفنزويلية كراكاس في عام 2000، حيث أكدت دول"أوبك"التزامها المبادئ الاسترشادية للمنظمة من اجل تحقيق نظام طاقة عالمي مستقر. ويتوقع ان يصدر"اعلان الرياض"عن مؤتمر القمة الثالثة، ويتطرق الى اساسيات صناعة النفط الراهنة والتحديات التي تواجهها الدول المصدرة, مثل أهمية المحافظة على البيئة وتأمين الامدادات البترولية بصورة منتظمة. وبما ان قمة الرياض هي اجتماع لملوك دول"أوبك", وليس اجتماعاً لمجلس وزراء المنظمة, لا يتوقع صدور قرارات محددة حول الاسعار, على رغم بلوغها نحو 100 دولار للبرميل. فحقيقة الامر, ان هذا الموضوع متروك للسوق, اذ ان من الصعب على المنظمة معالجة الزيادة الهائلة والسريعة في اسعار النفط الخام في ظل الاضطرابات والتقلبات الكبيرة اليومية التي يشهدها الاقتصاد العالمي, خصوصاً بعد فك الارتباط بين اساسيات سوق النفط والسرعة غير المبررة في ارتفاع مستوى الاسعار يومياً. وكما هو معروف, هناك ظاهرة اقتصادية عالمية مضطربة هذه الايام تشمل اوجه اقتصادية مختلفة, كسوق العملات والمعادن الثمينة وحتى اسعار الغذاء. وأعربت المنظمة عبر التصريحات الصحافية بعيد اجتماع مجلس وزرائها في فيينا في ايلول سبتمبر الماضي, عن استيائها من الزيادات السريعة في الاسعار ومحاولة لجمها بحدود 80 دولاراً. لكن يتضح, ان على رغم الزيادات غير الرسمية في الانتاج منذ أيلول والتي فاقت نحو مليون برميل يومياً عن السقف المتفق عليه، بحسب بيانات المصادر الثانوية, وكذلك على رغم الزيادة الرسمية في الانتاج المتفق عليها ابتداء من اول تشرين الثاني نوفمبر والبالغة نحو نصف مليون برميل يومياً, فإن سوق النفط, كبقية الاسواق العالمية, ترفض ان تستقر. فالمخاوف من احتمال نشوب صراع عسكري بين الغرب وإيران بسبب ملفها النووي، تهيمن على تفكير المراقبين وتحفز المضاربين الى ولوج سوق النفط والمعادن الثمينة والعملات، للاستفادة من الارباح الممكن جنيها في حال نشوب هذا الصراع العسكري. وليس من باب الصدفة, ان اسعار النفط ارتفعت نحو 15 دولاراً خلال اسبوعين أخيراً لتصل الى نحو 100 دولار, بعد التهديدات التركية بغزو شمال العراق. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة