في سنة 1923 نفذ في لندن حكم الإعدام في امرأة في الثامنة والعشرين من عمرها تدعى ايديث طومسن وفي عشيقها فريدي باي واتر بتهمة قتلهما زوجها برسي طومسن، فأثارت ادانة هذه المرأة واعدامها نقاشاً شديداً في الأوساط البريطانية. وكان هذا النقاش يعاد الى الذاكرة ويثار من وقت الى آخر، خصوصاً حينما تبحث مشكلة عقوبة الإعدام التي ألغيت في بريطانيا منذ سنوات، وترتفع الأصوات مطالبة بإعادتها كلما تصاعدت موجة الجرائم. وموجز القضية ان امرأة شابة متزوجة، في الثامنة والعشرين من عمرها، غير سعيدة بزواجها، ولا تحمل أي عاطفة حب تجاه زوجها الذي كان محاسباً في احدى شركات الملاحة، ورجلاً عادياً باهت الشخصية، في حين انها كانت امرأة ذكية مشبوبة العاطفة ذات حيوية وجمال، اتخذت لها عشيقاً يصغرها بثماني سنوات، كان موظفاً في احدى شركات السفن التجارية. واستمرت هذه العلاقة خمسة عشر شهراً، كان الثلاثة: ايديث طومسون، وزوجها برسي طومسن، وعشيقها فريدي باي واتر، خلالها يقضون كثيراً من الأوقات معاً كلما عاد فريدي من احدى رحلاته. وكانت ايديث خلال غيابه تكتب اليه رسائل متتابعة، طويلة، سلسلة الأسلوب، فيها نكات ذكية، وعواطف جامحة، تصف فيها حياتها اليومية، وشوقها اليه. وكان بعضها صريحاً الى درجة ترددت معها المحكمة في قراءتها علناً أمام هيئة المحلفين التي كانت تتألف من أحد عشر رجلاً وامرأة واحدة وان كان القاضي يخاطبهم على الدوام قائلاً: أيها السادة. وكان عشيقها يكتب اليها ايضاً، ولكن رسائله كانت أكثر اختصاراً وأقل ذكاء وتأنقاً. ومن المفارقات الغريبة ما ظهر في رسائله الأخيرة ما يدل على ان فريدي الذي كان في العشرين من عمره قد مل هذه العلاقة، وانه كان يفكر في انهائها. ولكن شرارة الحب عادت حينما التقيا مرة اخرى. وفي الليلة الأخيرة قبل مغادرته في سفرته الأخيرة، وبينما كانت ايديث طومسن مع زوجها عائدين الى دارهما في مدينة ايلفورد بعد مشاهدة احدى المسرحيات، وهما يتحدثان عن المسرحية، في الطريق الخلوي المحفوف بالأشجار، خرج لهما عشيقها من بين الأدغال، ودفع الزوجة جانباً، ثم هجم على الزوج وطعنه بسكينة حادة اثنتي عشرة طعنة اردته قتيلاً. وأحيل القاتل وعشيقته الى القضاء، فأدينا، كلاهما، بجريمة القتل العمد، وحكم عليهما بالإعدام، وكان ذلك في عام 1922. إن ادانة فريدي بجريمة القتل العمد كانت متوقعة طبعاً، وأمراً لا نقاش فيه. ولكن أكثر الناس كان يظنون ان الحكم على المرأة سيكون بالبراءة أو الإفراج. ولذلك فوجئ الرأي العام بقرار الحكم عليها بالإعدام ايضاً. وكان الدليل الوحيد ضدها ما جاء في رسائلها الى فريدي من اشارات مازحة من انها لا تحب زوجها، ولا تأنس اليه، وتتمنى ان تتخلص منه بدس السم أو الزجاج المطحون في طعامه يوماً ما. ولكن المحلفين، على أثر ما حدث بعد ذلك، حملوا ما جاء في تلك الرسائل محمل الجد، وليس كإشارات مازحة. وقد اكد فريدي باي واتر في افادته بأنه ارتكب الجريمة وحده ومن دون اي تواطؤ او علم من ايديث. وقال: "انتظرت السيدة طومسن وزوجها، فلما وصلا دفعتها جانباً، وكذلك دفعت به الى الشارع فتشابكنا واخرجت سكيني من جيبي، وحدث الاسوأ. ان سبب هجومي عليه انه لم يتصرف مع زوجته كرجل قط، وقد بدا على الدوام اسوأ من أفعى بدرجات. كنت احبها ولم احتمل رؤيتها في تلك الحالة. لم أكن انوي قتله، بل اردت ان جرحه فقط، واتحت له الفرصة لينهض ويقاتل كرجل، ولكنه لم يفعل". ومع ذلك، فقد اصدر المحلّفون قرارهم بإدانة المرأة ايضاً، وأيّدت المحكمة قرارهم فحكمت عليها بالاعدام. وكانت رسائلها التي قرئت في المحكمة ونشرتها الصحف اليومية، هي التي وضعت حبل المشنقة في عنقها. وكان الرأي العام البريطاني معارضاً لإعدامها، هائجاً بسبب الحكم الذي وجده جائراً وغير قائم على أدلة كافية. ونظمت جريدة "دايلي سكتش" و"دايلي اكسبرس" الواسعتا الانتشار حملات للدفاع عنها، ووقع مليون شخص على عريضة لتأجيل تنفيذ الحكم. وكتبت ام ايديث رسالة الى الملكة تستدر عطفها وتطلب رفع الحيف عن ابنتها. ولكن الاعتراضات وعرائض الاسترحام اخفقت جميعاً. وحُرمت المرأة في السجن من جميع ما يخفف عنها في محنتها، وبسبب الغيرة التي كانت قائمة بين بعض رجال الكنيسة، لم يسمح لها بمقابلة القسيس الذي طلبته. ورسائلها التي كتبتها الى عشيقها من السجن لم توصل اليه، وكذلك لم توصل اليها رسائله. وتم اعدام المرأة وعشيقها، ونسي الرأي العام البريطاني هذه القضية او كاد. وبعد نحو عشرين عاماً صدر كتاب بعنوان "العدالة المجرمة" تأليف رينيه ايس تناول قضية ايديث طومسون من جديد. وكان كتاباً مثيراً للاهتمام بموضوعه وبما تضمنه من نواح انسانية وقضايا اخلاقية. وتضمن الكتاب عرضاً تفصيلياً وعميقاً للقضية كلها، وهو ينم عن مجهود استغرق سنوات من البحث والاستقصاء، وتضمن تفاصيل دقيقة عن اديث طومسون ومزاجها العاطفي، وحبها الجارف لفريدي، وما كانت تقرؤه من كتب، ومعظمها روايات غرامية لمؤلفين من الدرجة الثانية اصبحوا الآن منسيين. ويدل الكتاب على مراجعة لكل ما يمت بصلة الى القضية من قريب او بعيد، ودراسة لوثائق وزارة الداخلية وتقارير الشرطة وافادات الشهود، وظهر خلال البحث ان الرسائل الاصلية التي كتبتها ايديث طومسون وصورتها والتي كان يحملها عشيقها في جيبه على الدوام قد اختفت من أضابير الشرطة. ان النتائج التي يدل عليها هذا الكتاب بعد البحث الطويل والاستقصاء الدقيق كانت مخيفة بلا ريب. ولا يمكن لقارئ هذا الكتاب الا ان يخرج منه وهو واثق من ان ايديث لم تكن شريكة في جريمة قتل زوجها، ولم تكن لديها اي فكرة عما ينوي عشيقها القيام به، وانها لم تطلب اليه ان يقوم بشيء من ذلك، وان كان يحلو لها احياناً ان تلهب غيرته. ويبدو أن السيدة ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا في الثمانينات، كانت تفكّر في إعادة عقوبة الإعدام بعد إلغائها في منذ سنوات عدة. وعلق الكاتب لودفيك كندي في عرضه لهذا الكتاب في جريدة "الاوبزرفر" اللندنية الصادرة في 17 تموز يوليو 1988 قائلاً: "ستحسن مسز ثاتشر - وغيرها من من أنصار الإعدام في البرلمان ممن لا يدركون معنى الجريمة القضائية المتعمدة - صنعاً، إذا قرأوا وصف الأيام الأخيرة لايديث تومسون، قبل أن يشنوا حملة أخرى لإعادة عقوبة الإعدام". وعلى رغم أن هذا الكتاب لم يهدف بصورة مباشرة إلى الدفاع عن إلغاء عقوبة الإعدام، فإن الرأي الذي يوحي به مع ذلك واضح لا لبس فيه. ويذهب خصوم عقوبة الإعدام إلى أن هذه العقوبة اجراء غير مجد، وعملية انتقام لا تعود على المجتمع بفائدة، ولا تخفف نسبة الجرائم في أي مجتمع، ولا تشكل رادعاً عن ارتكاب الجريمة وفقاً لما أثبتته التجارب التي أدت إلى إلغاء هذه العقوبة في كثير من دول العالم. وإذا كان الغرض من عقوبة الإعدام هو "الردع" وليس الانتقام، فلا يبدو من احصاءات الجرائم الحديثة في الأقطار التي ألغت هذه العقوبة أن الغاءها أدى إلى زيادة في عدد الجرائم. ولم تجد الدراسات العلمية أدلة مقنعة تدل على أن عقوبة الإعدام تحول دون وقوع الجرائم أو تحد منها أكثر مما تفعله العقوبات الأخرى. وهناك اليوم 76 دولة ألغت عقوبة الإعدام على كل الجرائم العادية، و16 دولة ألغتها بالنسبة لكل الجرائم، إلا بعض الجرائم الاستثنائية كجرائم الحرب. وهنالك 20 دولة أخرى يمكن اعتبارها قد ألغت عقوبة الإعدام عملياً، فهي وإن أبقت تلك العقوبة في قوانينها الجزائية، فإنها لم تنفذ أي عقوبة إعدام خلال عشر سنوات أو أكثر. وبذلك يكون مجموع عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام 112 دولة. أما في بريطانيا فإن عقوبة الإعدام كانت في السابق مفروضة على مرتكبي عدد كبير من الجرائم. ففي القرن الثامن عشر حكم بالإعدام على حوالى 770 جريمة من أنواع مختلفة، ومعظمها من الجرائم المتعلقة بالأموال والممتلكات، إضافة إلى جرائم القتل طبعاً. ومع ذلك فقد بدأ خلال ذلك القرن فرض القيود على عدد الجرائم التي تستوجب عقوبة الإعدام وأنواعها. وكانت كتابات المفكرين في عصر الاستنارة أمثال مونتسيكيو وفولتير وسيزار بيكارا العالم الجنائي الايطالي حافزاً على اصلاحات مهمة، كما أن قوة طبقة العمال الصناعيين والحركات الإنسانية كانت ذات أثر فعال في تغيير تلك القوانين. وفي السبعينات من القرن العشرين تقلصت احكام الاعدام كعقوبة قانونية في كثير من الاقطار الاوروبية والاميركية كالبرتغال والدانمارك وفنزويلا والنمسا والبرازيل وسويسرا وبريطانيا او لم تعد تطبق وان لم تلغ من القوانين الجزائية. اما في الولاياتالمتحدة فإن القوانين الجزائية تختلف من ولاية لاخرى، وفي سنة 1973 قضت المحكمة العليا بأن القوانين التي تفرض عقوبة الاعدام كما كانت في ذلك الوقت غير دستورية وصدر عن المحكمة العليا قرار تال يؤيد دستورية تلك القوانين. وقد قيل ان السجن المؤبد ليس عقوبة رادعة كالإعدام، اضافة الى ان تلك العقوبة طالما عرضت موظفي السجن والسجناء الاخرين الى اعتداءات مجرمين خطرين بينهم، وان هذا الخطر يمتد الى المجتمع الخارجي ايضاً، لان امثال هؤلاء المجرمين قد يهربون من السجن او يحصلون على عفو بطريقة ما، بعد مدة ما، ويهددون اوراحاً اخرى. وكان روبرت ميسي المدعي العام الاقليمي لمدينة اوكلاهوما في الولاياتالمتحدة من الذين يرون ان تطبيق عقوبة الاعدام ضروري في بعض الحالات، وقد وصف مفهومه لمبررات فرض تلك العقوبة في احدى الحالات المعروضة امامه قائلاً: "في سنة 1991 تعرضت ام شابة لحالة يائسة لا حيلة لها تجاهها، واجبرت على مشاهدة طفلها يقتل أمامها، ثم تعرضت هي لعملية تمثيل بشعة وقتلت. لا يجوز ان يقيم القاتل في سجن تقدم له فيه ثلاث وجبات من الطعام يومياً، وينام في سرير ذي ملاءة نظيفة، وامامه جهاز تلفزيون يتسلى به، وزيارات من اسرته، وتتاح له الفرصة لتقديم عرائض التظلم واستدرار العطف وطلب العفو بلا حدود. ان بعض القتلة يجب ان يقتلوا". وتدل المعلومات المتوافرة لدى "منظمة العفو الدولية" على تنفيذ حكم الاعدام بحق 1526 سجيناً في 31 قطراً خلال عام 2002، وان 3248 شخصاً قد حكم عليهم بالاعدام في 17 قطراً من العالم. وفي عام 2002 كان 81 في المئة من عمليات الاعدام المعروفة قد نفذت في الصين وايران والولاياتالمتحدة التي اعدم فيها 71 شخصاً خلال تلك السنة. ان عقوبة الاعدام، وهي من العقوبات التي تعرف في لغة القانون الجنائي، ب"العقوبات النهائية" لا تزال موضوع خلاف شديد في شتى أقطار العالم، وبين جميع المعنيين بدراسة القانون الجنائي منذ عهد بعيد الى يومنا هذا. والحجة الرئيسية للقائلين بإلغائها اهي نها عمل بربري، انتقامي، وان ليس من حق الانسان، لاي سبب كان، ان يزهق روح انسان آخر، ففي حال ظهور أدلة جديدة تثبت براءة متهم أدين خطأ، ونفذت فيه العقوبة، فليس هنالك من سبيل لإزالة الظلم أو تصحيح الخطأ، وان تبرئة مجرم ليست في عرف القانون شيئاً مذكوراً بالقياس الى ادانة بريء، وقد تكون العدالة مجرمة في بعض الحالات