على رغم تركز الانظار الاقليمية والدولية على دارفور ووعود الحكومة السودانية بنزع اسلحة ميليشيا الجنجاويد لم يتم حتى الآن توفير الحماية للنساء. فالخرطوم تصرّ على عدم حدوث حالات اغتصاب واعتداءات جنسية في الاقليم ما يعني ان تأكيدات النساء اللواتي تجرأن واعلن عن عمليات اغتصاب متكررة قامت بها تلك الميلشيات هي ادعاءات كاذبة، وان تلك النساء فضلن لسبب ما وضع انفسهن في موقع الإهانة والذل. وحسب هذا المنطق فان كل النساء كاذبات في دارفور، وليست هناك انتهاكات لحرمة، فالخرطوم لم تعترف بحدوث حالات اغتصاب واعتداءات جنسية في المنطقة على رغم وجود اكثر من مليون و400 ألف نازح يعيشون في اجواء من الخوف وعدم الثقة بالسلطات الحكومية لحمايتهم من تلك الانتهاكات. وتلقت المنظمة الدولية لحقوق الانسان في الاممالمتحدة تقارير كثيرة عن حالات اغتصاب متكررة، وأوفدت الى المنطقة مفوضتها السامية لحقوق الانسان لويزا اربور برفقة مستشار الامين العام للامم المتحدة لمنع الابادة الجماعية خوان منديس لوضع تقارير عن الوضع العام للنازحين الذين يعيشون في مخيمات من دون حماية كافية، ولا يفضل عدد كبير منهم العودة الى مناطقهم لعدم ثقتهم بالحكومة وبالمساعدات التي ستقدمها، خصوصاً ان الشعور يقوى بأن الحكومة متواطئة مع الذين يقومون بالانتهاكات، اي ميليشيات الجنجاويد. منذ بداية ازمة دارفور تعرضت آلاف النساء للاغتصاب من قبل رجال الميليشيات التي تحوّلت مع تفاقم الازمة الى عمل عادي يتكرر يومياً، جرى وضعه ضمن خانة اسلحة الحرب المستخدمة في الاقليم. وهذا ما حدث في حرب البوسنة ثم في رواندا وكونغو برازافيل، واليوم تحتل دارفور موقفاً "بارزاً" في سجل الاغتصابات الناتجة عن الحروب. حرب دارفور واحدة من تلك الحروب التي تثير الاهتمام العالمي فقط عندما تصل الى مرحلة يصعب تجاهلها. فمنذ شباط فبراير 2003 أدت هذه الحرب حسب مصادر الاممالمتحدة والمنظمات الانسانية التي وصلت متأخرة جداً الى المنطقة الى وفاة اكثر من 50 ألف شخص واصابة اكثر من مليون و600 ألف آخرين بأضرار. وهرباً من عمليات القصف اليومي التي تقوم بها الميليشيات التي تمولها وتساندها الخرطوم، ضد المتمردين الذين يطالبون بحكم ذاتي للاقليم، اضطر قرويو المنطقة الى الهرب والتشرد في الجبال حيث يعيشون في خيام صنعوها بأنفسهم، كما هرب آخرون الى الحدود القريبة من تشاد المجاورة، وانضموا الى مخيمات أقيمت هناك تضم في غالبيتها النساء والاطفال. وعلى امتداد مساحات شاسعة من الاقليم الغربي يسود الصمت والحزن في الحقول المهملة والمنسية حيث يتكدس في المخيمات مئات الآلاف من اللاجئين، ويستقبلون دائماً موجات جديدة من المهجّرين الجدد، حيث تتجمع اجساد هزيلة تحكي عن الذل والاهانة وسط بكاء صامت. في تلك المخيمات يكبر الخوف مع حلول الظلام، خصوصاً عندما تلمح العيون الساهرة اطياف عناصر ميليشيا الجنجاويد المتنقلة على الروابي المحاذية للمخيم. هم هناك في الرابية مع جمالهم والسترات العسكرية والاسلحة النارية عدد من الجنجاويد دخل في سلك الجيش السوداني لكنه بقي مع الميليشيات. تدرك نساء المخيمات جيداً ان عناصر الميليشيا سيدخلون المخيم مع حلول الليل، وسيسلطون المصابيح اليدوية على وجوه النائمين، ثم يختارون الشابات والفتيات الصغيرات وبعضهن لا يتجاوزن الثامنة من العمر. فبعد اعلان تأسيس تنظيمين معارضين في شهري شباط فبراير ونيسان ابريل العام الماضي اعطت حكومة السودان السلطة الكاملة للجنجاويد التي هاجمت القرى واحرقتها وقتلت الرجال وسبت واغتصبت النساء واحياناً الفتيات الصغيرات امام أعين أهاليهن وسرقت الغلال والماشية، وهما مصدر العيش الوحيد للفلاحين في المنطقة. لقد تحوّل الاغتصاب الى سلاح فعّال في ازمة دارفور، هذا ما اكدته منظمة العفو الدولية في تقريرها الاخير، الذي اعتبرت فيه عمليات الاغتصاب الجماعية المستمرة من جرائم الحرب المعادية للانسانية، لكن المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً لوقفها الا في وقت متأخر في منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي. اما المساعدات الغذائية فلم تعرف طريقها الى مخيمات للجوء في دارفور الا قبل فترة وجيزة، لكن اهم ما حصلت عليه المنظمات الانسانية هي الشهادات التي توثّق تعرض النساء والفتيات للاغتصاب والاختطاف، ثم استخدامهن كرقيق قبل اطلاق سراحهن عند وصول دفعة جديدة من مواطناتهن المخطوفات. ان المهانة النفسية التي تقاسيها النساء في دارفور هي اشد قسوة من الاغتصاب. ومن تبقى على قيد الحياة وتملك قواها العقلية، تعيش في حالة من العار طيلة حياتها. وكثيرات من النساء والفتيات، حتى في المخيمات يرفض الوالد او الاخ او الزوج العيش معهن في الخيمة الواحدة. كما ساهم النزوح في جعلهن اكثر عرضة للاعتداء، وادى في الوقت نفسه الى زيادة عدد الزيجات المبكرة حيث يسعى الآباء الى تزويج فتياتهن بغية تقديم الحماية لهن. وتعرضت فتيات كثيرات في دارفور بعد عمليات الاغتصاب، الى الختان وتعاني غالبيتهن من مشاكل صحية ناتجة عن الطريقة الوحشية التي استُخدمت في هذه العمليات دين واحد وأثنيات كثيرة تختلف عمليات الاغتصاب في اقليم دارفور عن تلك التي حدثت في كل من البوسنة ورواندا، فهنا يجمع بين الطرفين المتقاتلين دين واحد ويفرق بينهما العرق والاصل. وحسب شهادات النساء، فان المهاجمين والمدافعين يستخدمون الشعارات الدينية نفسها، لكن ذلك لم يمنع عمليات الاغتصاب. هذا الفرق العرقي بين البشرة السوداء والبشرة السمراء، كان كافياً لانطلاق ازمة راح ضحيتها اكثر من مليون ونصف المليون من الضحايا. والجدير بالذكر ان دارفور هو اقليم شبه صحراوي يسكنه حوالي 8 ملايين نسمة يدينون بالاسلام لكنهم ينتمون الى عرقين مختلفين: الاول قادم من اصل عربي ومؤلف من بدو رُحّل، والثاني افريقي الاصل مؤلف من رعاة ماشية ومزارعين يسكنون القرى. وادى ازدياد عدد السكان في الاقليم، منذ سنوات عدة، اضافة الى قلة الموارد الطبيعية، خصوصاً الماء والمراعي، الى تفاقم حدة التوتر بين المجموعتين. وأخذت القبائل العربية بدعم من حكومة الخرطوم بمضاعفة تعدياتها على القبائل الافريقية فكان ان اعلنت الاخيرة تأسيسها تنظيماً مسلحاً في شهر شباط 2003، وعمد الى السيطرة على كل ما يمثل السلطة المركزية في الاقليم. وضم التنظيم حركتين مسلحتين هما: جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة. وفي رد فعل اقدمت الحكومة السودانية على تسليح القبائل العربية ومنحتها حرية التصرف في الاقليم. فهاجمت الجنجاويد القرى وقتلت من بقي فيها من الرجال وسرقت الغلال والماشية وأحرقت المنازل، ثم بدأت عمليات الاغتصاب ولم ينج المدنيون من اطفال ونساء من غضب الجنجاويد الذين دمّروا قراهم واحرقوها كي لا يستطيع اهاليها العودة اليها. ومع ازدياد الضغوط الدولية، طالبت حكومة الخرطوم بوقف النار، لكنها حتى الآن ترفض نزع سلاح الجنجاويد.