يسمونه مرة ب"القمر" ومرة اخرى ب"جهنم". الاصوات المسموعة فيه قليلة: قهقهة السجانين وصفير المروحة وصراخ المعتقلين تحت التعذيب. في بعض الاحيان يكون التعذيب بالضرب والاهانات والضغوط. وفي احيان اخرى يعذبون المعتقلين بشق قناة للمياه العادمة داخل الزنزانة او باسماعهم موسيقى صاخبة لا تطاق او ابتزازهم عن طريق استخدام احد افراد العائلة للتهديد والوعيد. والقاسم المشترك بين كل هذه الحالات كلمة اسرائيل. فهذا ما تقدمه للمعتقلين الفلسطينيين والعرب لديها. في هذا التحقيق ل"الوسط" تأكيد لوجود أكثر من معتقل سري لتعذيب الاسرى. "أنت... أنت أيها المخرب. تعال هنا. قلت انك لا تريد ان تعترف، أنا سأعلمك درساً بالاعتراف. أتعرف نار جهنم، ستكون هذه أهون من هذا الدرس. هذه النظارة السوداء، من خلالها ستشاهد نار جهنم". وأخرج المحقق الاسرائيلي نظارة كبيرة الحجم وسميكة: "امسك قطعة القماش هذه"، صرخ في وجه سامر جادالله وناوله كيساً من القماش السميك وأمره بوضعه على رأسه ثم سحب خيطاً من أسفله ليضمن تغطية وجهه كاملا. ثم قيد يديه ورجليه ودفعه الى الامام: "اذهب الى جهنم". نصف ساعة من السير في سيارة جيب رافقتها معاناة شديدة وقبل أن يخرج سامر من السيارة: "سمعت صوت باب حديدي يفتح ثم طرق بعدما دخلنا" راح سامر يشرح لنا ما شعر به فور نزوله من السيارة. "كنا ندخل من غرفة الى غرفة يفصل بينها باب حديدي حتى شعرت بالجندي يرميني على الارض وأنا مكبل اليدين والرجلين ورأسي مغطى بالكيس. فك الجندي قيودي ثم أوقفني الى جانب الحائط وأمرني بفك الكيس عن رأسي بعدما اوجهه الى الحائط. في هذه الاثناء خرج الجندي وبقوة كبيرة أغلق باباً حديدياً ثم صرخ من دون أن أشاهده: "هذه هي غرفة اعتقالك". كانت تلك غرفة "جهنم"، كما وصفها لنا سامر وآخرون من المعتقلين الفلسطينيين الذين وضعتهم سلطات الاحتلال في سجن ما تزال تفاصيله سرية ومكانه مخفياً ومصير بعض نزلائه طي الكتمان. لقد كشف أمر هذا السجن الرهيب للمرة الأولى عندما قدمت "مؤسسة حقوق الفرد" التماساً الى المحكمة الاسرائيلية العليا قالت فيه ان هناك معلومات عن وجود سجن سري مطالبة بالزام الجيش الاسرائيلي الكشف عن مكانه، واعلان اسماء المعتقلين الفلسطينيين والعرب القابعين فيه. ثم جرت تخمينات كثيرة حول موقع هذا السجن الذي تردد ان الاستخبارات الاسرائيلية تستخدمه مع الجيش سجناً سرياً للمعتقلين الذين يعتبرون في غاية الخطورة او لانتزاع اعترافات منهم. فتستخدم أساليب التعذيب الجسدية والنفسية داخل هذا السجن اكثر من اي مكان آخر، نظراً الى طبيعته ونوعية غرفه. وتقول معلومات ان اول سجين دشن هذا السجن كان مصطفى الديراني فور خطفه من لبنان حيث قضى فيه فترة طويلة، قبل أن ينضم اليه في ما بعد الشيخ عبدالكريم عبيد. وأكد محامي الديراني وجوده داخل هذا السجن، حسب ما تبين من الشكوى التي رفعها الديراني والتي أكد فيها تعرضه لعمليات تعذيب وارهاب وتنكيل. واللافت ان اسرائيل لم تنكر وجود هذا السجن لكنها قالت انه يقع ضمن معسكر وحدة خاصة من الجيش يطلق عليها اسم 1391. لكن احدا لم يفسر طبيعة هذه الوحدة، قبل أن يتبين انها ليست سوى السجن نفسه. وعلى رغم السنوات الطويلة التي استخدمت خلالها اسرائيل هذا السجن وزجت فيه العشرات من المعتقلين قبل ان ينكشف أمره أخيراً، الا انها لا تزال مصرة على موقفها بابقائه قيد الاستعمال رافضة الكشف الرسمي عن طبيعة هذا السجن وموقعه وظروف استخدامه. لكن المسؤولين الذين يظهرون في مواجهة المعتقلين الفلسطينيين في المحاكم الاسرائيلية لم يترددوا بالرد على المحامين حول ظروف اختفاء موكليهم بالقول انهم كانوا في "اعتقال سري". أين؟ ولماذا؟ وكم الفترة؟ وما هي ظروف الاعتقال؟ ولماذا اعتقال سري؟ لا جواب. في محاولاتنا لمعرفة مكان هذا السجن واذا كان الحديث يدور بالفعل عن سجن سري، وجدنا ان في اسرائيل أكثر من معتقل سري هو في الواقع معتقلات تعذيب للفلسطينيين والعرب. وفي تحقيقنا حول الموضوع واستماعنا الى معتقلين داخل السجون الاسرائيلية او ممن اطلق سراحهم او الى محامين دافعوا عن موكليهم المعتقلين تبين ان هناك اكثر من معتقل "تعذيب"، كما اطلق عليه بعض الاسرى، ولكن غرف كل معتقل تختلف عن الاخرى، انما القاسم المشترك بينها الاساليب المتبعة لتعذيب المعتقلين، سواء جسدياً أو نفسياً. وكشف معتقلون ل"الوسط" ان هناك من اضطر الى التوقيع على أوراق بيضاء للخلاص من جهنم هذه المعتقلات. اكثر من سجن المحامون، خصوصاً الفلسطينيين الذين يدافعون عن معتقلين فلسطينيين، والمسؤولون في "جمعية الدفاع عن الفرد" التي تتولى مسؤولية هذه القضية في المحاكم الاسرائيلية، لم يفاجئهم حديثنا معهم عن وجود اكثر من معتقل سري، وقالوا ان الافادات التي استمعوا اليها من المعتقلين تدل على ان اسراراً كثيرة تختفي وراء اعتقال العشرات وعمليات تعذيبهم ومنع المحامين من لقائهم. وفي حديثنا مع أكثر من معتقل مر في هذه التجربة تبين ان الاحاديث بين المعتقلين أنفسهم داخل السجون وبعد نقلهم من هذه المعتقلات تدل على ان اسرائيل تملك أكثر من معتقل لتعذيب الفلسطينيين والمعتقلين العرب خصوصاً من عناصر "حزب الله" اللبناني. السجن السري الذي يجري التركيز عليه، ويطلق عليه اسم 1391 في الصورة المنشورة موجود في بلدة تسمى "غديرا" اقيمت على انقاض القرية الفلسطينية قطرة. هذا السجن كان مركزاً للشرطة البريطانية وكانت له اهميته بسبب قربه من مطار "عاقر" الذي استخدم في عهد البريطانيين كمطار عسكري. يقع السجن على بعد 15 كيلومتراً الى الجنوب الغربي من مدينة الرملة على طريق غزة الساحلية، ويبعد 3 كيلومترات عن المطار العسكري. المعلومات عن موقع هذا السجن لا تعني ان تعذيب الفلسطينيين يجرى داخل هذا السجن فقط، فهناك من يعتقد بأن عمليات التعذيب تتم ايضاً في مركز عسكري في كيبوتز بركاي قرب مدينة ام الفحم، وبعض المحامين والمعتقلين ايضاً يعتقد بأن عمليات التعذيب تتم في معسكر عتليت. ومع الغموض الذي يكتنف هذا السجن بدأت الضغوط على الجيش والاستخبارات للكشف عن مكانه سواء بواسطة نواب في الكنيست أم عن طريق القضاء، الا ان الحقيقة هي ان هذا النقاش عن وجود سجن سري واحد ومكان موقعه بالضبط لم يعد مهماً، فالأخطر في الموضوع ممارسة اسرائيل أساليب التعذيب التي كشف عنها أمامنا المعتقلون وزج المعتقلين في معتقلات سرية ومنفردة بهدف التخويف والتهديد، ومنع المحامين والصليب الاحمر وممثلي منظمات حقوق الانسان من دخولها. والاخطر من هذا وذاك ان اسرائيل في استعمالها لهذا السجن او المعتقلات تخالف ليس فقط القوانين الدولية وانما قوانينها هي اذ انها تبقي المعتقلين أياماً طويلة واحياناً أكثر من شهر من دون ان يعرف أحد شيئاً عن مصيرهم، وحتى هم أنفسهم لا يعرفون أين هم موجودون. اما أساليب التعذيب المتبعة داخل هذا السجن فهي تلك التي منعتها المحكمة الاسرائيلية العليا قبل سنوات بعد وفاة عدد من المعتقلين. وكما تبين فإن الجيش الاسرائيلي وجد في هذا المعتقل بالتعاون مع الاستخبارات وأفضل مكان لاستخدام أنواع التعذيب الممنوعة، مثل الشبح والشد والهز، بعيداً عن القرارات القضائية والقوانين الدولية. وقد ركزت اسرائيل على أسلوب هذا الاعتقال في السنوات الثلاث الاخيرة بحيث يعتقل الجيش الاسرائيلي الشبان الفلسطينيين ويحولهم الى معتقل معروف، وبعد يوم او يومين يتوجه المحامي، من قبل العائلة او المؤسسة القانونية، للقاء المعتقل فلا يجده ويبحث عنه في مختلف المعتقلات والسجون من دون نتيجة، حتى ان محققين اسرائيليين لا يترددون في القول ان السجين هو في مكان سري. وهذا الجواب ايضاً سمعه قضاة المحكمة العسكرية وايضاً العليا عندما كان يرد الضابط على محامي الدفاع بالاعتراف بقيام الجيش بنقل المعتقل الى مكان سري للتحقيق السري معه "لأسباب أمنية"، ويتعامل القضاة مع مثل هذه الردود بصمت تام. جرائم حرب من غير المفهوم لماذا تتستر اسرائيل على حقيقة وجود مثل هذا السجن. فعمليات التعذيب والعزل والتنكيل التي تمارسها مع الفلسطينيين غير مخفية، بل ان الحالات المرضية والاعاقة التي تظهر لدى بعض المعتقلين تكشف عن أساليب تعذيب بشعة تشكل لائحة اتهام في محكمة جرائم حرب ضد اسرائيل. لكن اسرائيل ترى في أسلوب التعذيب النفسي سياسة جديدة لانتزاع اعترافات تستعملها فيما بعد كلوائح اتهام ضد مسؤولين وقياديين فلسطينيين. فأن يصل الشخص المعتقل الى وضع يوافق فيه على التوقيع على ورقة بيضاء حتى ينقذوه من عذاب هذا المعتقل فذلك يدل على نجاح اسلوب التعذيب النفسي داخل هذا السجن الذي شكلت طبيعته اساساً لنجاح هذا الاسلوب، لكن ذلك لا يعني نجاح اسرائيل في جميع الحالات، فممارستها الضغوط على مصطفى الديراني الى حد اغتصابه لم تحقق مبتغاها، والتحقيق مع قائد الجناح العسكري لحركة "حماس" في جنين، الشيخ جمال ابو الهيجاء وتعذيبه داخل هذا السجن ايضاً لم يصلا الى النتيجة التي انتظرتها اسرائيل. فكما روى ابو الهيجاء لمحاميه توفيق بصول فقد قرر الجيش نقله من سجن الجلمة الى معتقل اخر للتحقيق، فوضعوا كيساً من القماش على رأسه وساروا به قرابة نصف ساعة حتى وصلوا الى هذا المكان وهناك كبقية المعتقلين الذين يصلون الى هذا السجن جرى تعذيبه اذ تم وضعه داخل زنزانة صغيرة تكاد لا تتسع له وبقي فيها اكثر من شهر وفي ظروف قاسية جداً، كتجربة سامر جاد الله الذي بقي في السجن اكثر من شهر واطلق سراحه من دون اية تهمة. جاد الله روى ل"الوسط" قصته: "بعد ان عصبوا عيني وعيون ابن عمي والمعتقل حسن رواجبة في مركز حوارة، وضعوا النظارات السميكة على عيوننا ثم أمروا كل واحد منا ان يمد يديه المكبلتين ويضعهما على كتف من هو أمامه، وسرنا مسافة حتى وصلنا الى سيارة اعتقد انها كانت سيارة جيب لأننا صعدنا اليها بصعوبة. رمانا الجنود على الارض فشعرت انهم أدخلوا رأسي تحت كرسي السيارة وساروا مسافة ساعة كانوا ينهالون خلالها علينا بالضرب والاهانات. ثم شعرنا بتوقف السيارة وأمرونا بالنزول، وأمسك بي احدهم وهو يصرخ ويدفعنا بقوة. بعدها شعرنا بصوت بوابة حديدية تفتح بقوة ثم سرنا مسافة ودخلنا الى غرفة فأزالوا العصبة وكنت وحيداً في هذه الغرفة. قال لي الجندي انها غرفة الطبيب، ثم ناولني الكيس الذي يغطي الرأس وقال: "أترى الكيس، هذه هديتنا لك. عليك ان تبقيه معك وستفهم بعدئذ لماذا"، ثم عاد وتناوله مني ووضعه على رأسي وشده من حبلين من جانبيه ليتأكد أنني لا أرى شيئاً. ثم أمسكني بقوة وأنا مكبل اليدين والرجلين وجرني مسافة قصيرة، فشعرت ان باباً كهربائياً فتح ومن ثم صوت باب حديدي، أدركت فيما بعد انه باب الزنزانة التي وضعوني فيها وهي قديمة جداً. أدخلني الجندي وفك قيودي فيما أبقى الكيس على وجهي وخرج من الزنزانة ثم راح يصرخ من الخارج: "أزل الكيس عن رأسك. لا تنس ان تحتفظ بهذا الكيس". متى النهار؟ نظرت حولي فإذا بغرفة كل جدرانها من القصارى الخشنة لها باب صغير وطاقة صغيرة جداً لا استطيع مشاهدة وجه الجندي منها. بابها سميك جداً كباب الخزنة لا تدخل اليها الشمس ولا الهواء. مساحتها اربعة امتار مربعة فيها دلو صغير لقضاء حاجتي وفرشة صغيرة لا تكاد تتسع لي وعليها قطعة قماش. تماماً على شكل "القبر". في اليوم الواحد كنا نحصل على زجاجة ماء واحدة للشرب والاستحمام وطبعاً لا نستطيع الاستحمام لأن المياه غير كافية اولاً ثم انها تصل الى الفرشة وعندها تبتل فلا استطيع النوم عليها. يزور الجندي زنزانة المعتقل مرة واحدة في اليوم لتقديم وجبة طعام. الأوامر تبدأ قبل فتح الباب بواسطة مكبر صوت: "البس الكيس" جيداً ثم استدر نحو الحائط. يداك الى أعلى ولا تلتفت خلفك". الجندي يأمرني ويبدو انه كان يراقب ذلك عبر الطاقة الصغيرة، بعد لحظات اسمع صوت الباب وهو يفتح فيرمي الجندي الطعام ثم يغلق الباب ويذهب. هكذا كنا نقضي اليوم في ظروف قاسية جداً. رائحة كريهة، لا نميز بين الليل والنهار، الضوء عموماً يكون خافتاً ولكن في بعض الاحيان تسلط علينا اضواء مشعة تضايقنا كثيراً ولكن هذا ليس كل شيء. فعندما كنت اشعر انني بحاجة الى النوم واعتقد بأن الوقت يكون في المساء كانت اصوات رجال تتعالى احياناً على شكل قهقهات واحياناً اخرى على شكل أصوات رجال توحي بأنهم من المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب، يصرخون ويبكون ويستغيثون طالبين النجدة". وصول سامر الى هذا السجن او معتقل التحقيق السري كان أمراً غير مفهوم له في البداية. فهو غير ناشط سياسياً ولم توجه له اية تهمة، حتى انه لم يتعرض للتعذيب اثناء التحقيق، وقد اطلق سراحه بعد شهر من المكوث في هذا السجن. الا ان التفسير لذلك نجده لدى سامر: "قبل اعتقالي بثلاثة أشهر كنت أبحث عن شقيقي محمد. فقد تم اعتقاله في البيت ولم نتمكن من معرفة مصيره. لم نترك باباً الا وطرقناه. ولم يترك ممثلو المؤسسات المختلفة مصدراً الا وحاولوا الاستفسار من خلاله عن مصير شقيقي لكن احداً لم يعرف أين هو. فقط بعد ايام من اعتقالي في هذا السجن التقيت شقيقي محمد. كانت بالنسبة الي مفاجأة كبيرة. لقد أدخلوني الى غرفة كان محمد يجلس فيها. منعونا من الحديث ولكننا تعانقنا. وصلت الى الغرفة حيث تواجد أكثر من مرة، كنت أشاهده وأرى وضعه الصعب وبقدر ما فرحت لمعرفتي مصيره حزنت لوضعه". جدران سوداء ومياه عادمة وروى بعض المعتقلين الذين التقيناهم معاناة لا تقل عن معاناة سامر، ولكن وصفهم لغرف الاعتقال مختلف، فهناك من تحدث عن وجود جدران سوداء وجرذان وصراصير وأصوات موسيقى صاخبة وصرخات جنود وقهقهاتهم. واذا سأل أحد المعتقلين الجنود عن مكان وجوده كانوا يجيبونه: "في القمر". المعتقل نضال داوود الذي دخل الى هذا السجن ثم نقل الى سجن بئر السبع حيث لا يزال هناك، قال ل"الوسط" ان الغرفة التي أقام فيها لم تتسع له بشكل مريح ولم يستحم خلال شهر ونصف شهر لعدم توافر المياه من جهة ولعدم وجود مكان لهذا الغرض من جهة اخرى. اما التحقيق معه فكان يتم داخل غرفة واسعة كانت تفيض منها المياه العادمة. ويقول: "كما علمت من بعض المعتقلين الذين التقيتهم في سجن بئر السبع ووصلوا الى هذا السجن فإنهم عانوا مثلي من التعذيب الجسدي والنفسي. فالمحققون يستعملون شتى انواع التعذيب. فبداية مجرد وضعنا في غرفة تجري فيها المياه العادمة وتنبعث منها روائح كريهة لا يمكن تحملها هو بحد ذاته تعذيب. وما أذكره ان أحد المعتقلين لم يتحمل الوضع فوافق على التوقيع على ورقة بيضاء في مقابل خروجه من غرفة التحقيق هذه". ويضيف نضال: "انواع التعذيب مختلفة، ودعينا نقول انها اشكال التعذيب التي سبق وقررت المحكمة الاسرائيلية العليا الغاءها وأمرت المحققين بعدم استعمالها خصوصاً الشبح والهز ووضع المعتقل في غرفة درجة حرارتها مرتفعة او منخفضة الى حد لا يمكن تحملها، وهناك اسلوب تعذيب قاس يكرره المحققون مع المعتقلين بحيث يكبلون يدي المعتقل وراء ظهره ثم يكبلون رجليه ويرغمونه على الوقوف بشكل مؤلم ثم يمسك المحقق بذقن المعتقل ويهزه وتكون تلك واحدة من أبشع عمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون". وحسب نضال هناك العديد من المعتقلين الذين يصابون بجروح وحتى بالكسور بسبب اسلوب نقلهم الى غرف التحقيق بحيث يكونون مكبلي اليدين والرجلين والغطاء على وجوههم فيدفعهم المحققون ويأمرونهم بالاسراع ما يؤدي الى وقوعهم على الارض واصابتهم، عدا الضرب المستمر بالعصي التي لا تفارق الجنود. المحامي فارس ابو احمد الذي استمع لمعتقل بعد تعرضه للتعذيب في السجن السري او معتقلات التعذيب الاخرى، يقول ان المعتقل تواجد خلال شهرين في غرفة صغيرة جداً لون جدرانها اخضر ولا يوجد فيها سوى فراش ودلو لقضاء الحاجة. اما طبيعة هذا السجن فيصفه المعتقل بشكل يختلف عن غيره اذ يقول انه شعر قبل وصوله الى الزنزانة، حيث كان معصوب العينين ومكبل اليدين والرجلين، بأنه كان يدخل من باب حديد ويخرج من باب آخر وبأن المكان الذي احتجز فيه كبير المساحة وفيه الكثير من الابواب الحديدية. القيد والمعصم الشيخ فرج رمانة من مخيم الامعري، قرب رام الله، وصف السجن الذي اعتقل فيه لمدة اربعين يوما ب"الزنزانة السوداء"، ونقلت حركة "حماس"، التي هو عضو فيها، حديثه عن تجربته في السجن السري: "وضع الجنود على عيني نظارات غوص سوداء معتمة سدت كل زوايا النظر مما أصاب رأسي بدوار شديد. وقيدوا يدي إلى الخلف بقيد متلاصق من دون أي سلسلة بين حلقتي القيد، وضغطوا عليه حتى انغرز في لحم معصمي ثم قيّدوا رجليّ بقيد حديدي، وجروني إلى سيارة ورموني فيها رمياً... ربطوني بأحزمة أحد مقاعدها، حسب ما شعرت. وسارت بي السيارة حسب صوت محركها مدة تتراوح بين الساعتين والساعتين ونصف الساعة قطعت فيها شوارع لها مطبات واشارات مرورية. ثم توقفت بي السيارة حيث سمعت فتح رافعة حاجز امام معسكر... أنزلت بعدها الى الارض رمياً من قبل الجنود وانا مكبل مع ضربي بالهراوات، ثم خضعت لتفتيش دقيق... "في مكان مجهول" "جروني إلى زنزانة قديمة يبدو انها مرممة حديثاً وحائطها خشن ومطلي بطلاء أسود، فيها مصباح موضوع بشكل زاوية 45 درجة كي يضيء نصفها ويبقي النصف الآخر معتماً، لا توجد فيها وسيلة للتهوية سوى مروحة صغيرة موضوعة في فتحة من السقف بمقاس 4 انشات تدخل الهواء من الخارج، أهم ما يميزها صفيرها المرتفع جداً الذي يصم الاذنين. جوها حار جداً لا يطاق، كان جسدي يتصبب فيها عرقاً، أعطوني عصبة أضعها على عيني عندما يأمرونني بذلك، وأعطوني ملابس مهترئة قديمة بدلاً من ملابسي الجديدة التي كنت أرتديها". وذكر الشيخ فرج انه كرر استفساره امام الجنود أكثر من مرة عن مكان وجوده، فأجابوه: "انك في مكان مجهول، موقع عسكري بعيد جداً لا يستطيع أحد العثور عليك فيه". ويذكر أنهم هددوه بالبقاء فيه مدى الحياة والتعرض للتعذيب والاهانة او الاعتراف. وعن زنزانته في هذا السجن قال الشيخ فرج: "حينما أدخلت إلى الزنزانة أبهرتني ضحكات الجنود المرتفعة وإشاراتهم نحو زاوية من الزنزانة، فإذا بجرذ في زاوية الزنزانة يحدق بي، مكثت وإياه خمسين ساعة لم آذه كونه شريكي في الزنزانة، ولكنه تجاوز حدوده حيث سقط في حجري فطرقت عليه بحذائي طرقة كانت نهاية حياته التي لم أكن أريدها على يدي لولا الاضطرار". ويضيف: "مكثت في هذه الأجواء من الزنزانات في عزلة تامة لم أسمع فيها سوى صراخ الجنود وتهديداتهم، وصفير المروحة المزعج، 16 يوماً تخللتها خمس جولات من التحقيق القاسي، وعلى رغم أنني لم أتعرض خلالها للضرب، الا أن بعض من التقيتهم فيما بعد في زنزانات المسكوبية وكانوا في مثل هذه المراكز السرية للتحقيق أخبروني بأنهم تعرضوا للضرب وتمزيق الثياب أثناء جلسات التحقيق"