إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد ست سنوات من اغلاقه اعادت اسرائيل افتتاحه معتقل "أنصار 3" مصنع التعذيب
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 2002

ألوف المعتقلين الفلسطينيين يُرسَلون الى "معسكرات اعتقال" مبنية من الخيام، في ظروف قاسية، أبشعها معتقل "أنصار 3" الصحراوي في النقب.
لا يعرف أحد ماذا يدور في هذا المعتقل لأن السلطات الاسرائيلية تمنع الوصول اليه باي شكل من الاشكال ، بمن في ذلك المحامون. لكن "خريجي" "أنصار-3" يستطيعون تصور ما يدور فيه. ويروون ل"الوسط".
من هناك، من بين رمال الصحراء، وفي ظل اشعة الشمس الحارقة، دوت الصرخات. حتى الطيور لم تسمعها، فالارض قاحلة واشعة الشمس حارقة، وسوى الخيام ومئات الشبان الفلسطينيين الذين يحتمون تحت خيام الجيش الاسرائيلي، لا يوجد بشر. هناك انشئ "مصنع" التعذيب والاذلال والقهر. من هذا المكان خرج اكثر من ألفي معتقل فلسطيني، صنعوا مع بقية ابناء شعبهم الفلسطيني، الانتفاضة الاولى. من معتقل "أنصار 3" جهنم الثانية تسجلت مرحلة مميزة في حياة المعتقلين الفلسطينيين. لا يوجد مثيل له بين السجون الاسرائيلية التي تعتبر من اقسى السجون. ثماني سنوات من وجوده كانت كافية كي تكون اسرائيل بين قائمة الدول "المتحضرة" التي تتفنن في تعذيب معتقليها خلافاً لكل القوانين الدولية والانسانية.
أُغلق بعد ثماني سنوات اثر اتفاقات اوسلو. لكنه لم يغلق الى الابد. فقبل اسبوعين أُعيد فتحه مرة اخرى. أُعيد فتح معتقل "أنصار-3" وكل التوقعات ان يكون هذه المرة اقسى بكثير. ففي حينه عندما افتتح كان الفلسطينيون يواجهون الدبابات الاسرائيلية بالحجارة فقط. وكان وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه اسحق رابين يساوم المعتقلين على عدم رمي الحجارة مرة اخرى. اما هذه المرة، فحكومة ارييل شارون ترى في كل فلسطيني ارهابياً. واذا لم تخجل امام الكاميرات من التعامل مع المعتقلين في معسكرات الاعتقالات التي فتحتها منذ اجتياحها الاخير بكل قسوة، فما عساها تفعل داخل خيم لا تقدر اية قوة على الوصول اليها لمعرفة ما يدور داخلها.
التقارير المتوافرة لدى المؤسسات الفلسطينية الفاعلة بين الاسرى تشير الى ان السلطات الاسرائيلية اعتقلت منذ اجتياحها المناطق الفلسطينية ثمانية آلاف فلسطيني، اطلقت سراح اكثر من ثلاثة آلاف منهم ووزعت الباقي على معسكرات مختلفة كل حسب منطقة سكناه. اسرائيل تعترف باعتقال حوالي خمسة آلاف، تقول انها أبقت منهم 1800 واطلقت سراح الباقين فأقامت معسكر عوفرة في رام الله ومعسكر حوارة في نابلس ومعسكر سالم في جنين ومعسكر كدوميم في قلقيلية ومعسكر عتصيون في بيت لحم. اضافة الى ذلك اقامت اماكن احتجاز موقتة في المناطق المحتلة واماكن احتجاز في المستوطنات، وهناك من المعتقلين ممن وصلوا الى مراكز التحقيق في المسكوبية وبيتح تكفا وعسقلان والجلمة. وفقط قبل اسبوعين قررت السلطات الاسرائيلية اعادة فتح معتقل "أنصار 3"، وكان هذا القرار بمثابة تصريح واضح بصعوبة مصير المعتقلين الفلسطينيين.
اعتبر نادي الاسير الفلسطيني، معتقل "أنصار 3"، القبر الجماعي للاسرى، وشرع في اطلاق حملة دولية لاغلاق هذا المعتقل "الجهنمي" كما اسماه.
التفاصيل الدقيقة عن هذا المعتقل الذي يقع في صحراء النقب، جنوب اسرائيل غير معروفة، وكذلك عدد معتقليه، واذا ما كانت السلطات الاسرائيلية قد اختارتهم من بين المعتقلين او جرى تقسيمهم بشكل عشوائي، وكل التفاصيل لم تعرف بعد. وهذا الامر يثير القلق في نفوس الاهالي الذين تعرض احد ابنائهم او اكثر للاعتقال. فكل فلسطيني، طفلاً كان ام شاباً، امرأة ام مسناً، يعرف تماماً فظاعة هذا المعتقل، الذي ذاقت مراراته معظم العائلات الفلسطينية، عن طريق ابنائهم المعتقلين.
فائق حمامرة احد المعتقلين الذي عاش فترة اعتقاله في الانتفاضة الاولى في معتقل "أنصار 3" يتوقع ان تكون ظروف المعتقلين فيه أقسى وأخطر. يقول: في يوم 24-3-1988 وبعد عام على بداية الانتفاضة الاولى، كان القرار الاسرائيلي، بعد ان امتلأ السجن بالمعتقلين الفلسطينيين، فتح معتقل يستوعب اكبر عدد من المعتقلين في ظروف لا تسمح لأي فلسطيني بمجرد التفكير مرة اخرى في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلي. وكانت بالفعل تجربة قاسية. يقول حمامرة:" دخلت الى معتقل "أنصار 3" مع اول فوج يصل اليه. قبل تسعة ايام من افتتاحه، اعتقلت في بيتي مثل المئات من الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الانتفاضة الاولى لمجرد انهم كانوا من الاسرى الامنيين السابقين في السجون الاسرائيلية. وفي يوم نقلنا الى "أنصار 3"، اعصبوا عيوننا وكبلوا ايدينا وارجلنا وادخلونا الى حافلات. مشينا ساعات طويلة، شعرنا بحرارة الشمس وبالارهاق وبالخوف من الابعاد. كنا قلقين جداً مما سيفعله بنا الجنود، فكلما سألنا احدهم بصوت عال لأن عيونهم معصوبة اين نحن كان يرد بالصراخ وبالتهديد اذا ما كررنا السؤال او مجرد تحدثنا، حتى وصلنا الى المعتقل. فكوا العصاب وانزلونا من الحافلات. كان الطقس شتوياً، وعندما شاهدنا الخيام وطبيعة الارض الصحراوية حسبنا اننا في مصر. وبقينا على هذه الحال ثلاثة اشهر، حتى وصل الينا اول محام وابلغنا اين نحن وما هو هذا المعتقل".
يحدثنا فائق ويضيف: "لم يتركوا اسلوب عنف الا واستعملوه معنا. قسمونا الى بضعة اقسام. كل قسم يحتوي على 224 سجيناً وزعونا على خيام، كل واحدة تضم 28 سجيناً. كان السياج يحيط كل قسم في المعتقل. فلا نتمكن من التحدث مع بعضنا بعضاً ولا نعرف من هم في القسم الاخر. بعد الساعة السابعة ممنوع اضاءة الكهرباء. ممنوع الحركة. ممنوع الخروج من الخيمة. وكل من يخالف الاوامر كان مصيره عسيرا. خمسة من السجناء قتلوا رمياً بالرصاص في الليل، لمجرد انهم أطلوا من الخيمة، احدهم غسل ملابسه واراد نشرها، وآخر خرج لينادي على الجندي ليسمح له بالخروج لقضاء حاجته. لم يتوفر لنا الفراش الكافي وفترة الشتاء كانت قاسية جداً، لأن المنطقة كانت تشهد فيضانات وفي هذه الفترة كنا نعيش مأساة حقيقية. المياه تدخل احيانا الى الخيام، والفراش المتوافر لنا لا يكفي بتاتاً وطوال الوقت كنا نشعر بالبرد القارس".
الشبح والهز
الكثيرون من المعتقلين مروا بفترة تعذيب قاسية. أخطرها الشبح، اي التعليق من الرجلين بحيث يكون الرأس مدلى فوق الارض. ثم سكب المياه الساخنة في النهار والباردة في الليل، الصلب، الهز، التعذيب النفسي. اما الطعام فيقول فائق: "حدث ولا حرج. شحيح، لا يكفي لطفل في الخامسة. والخبز كان، في اغلب الاحيان، غير صالح فهو معفن اويابس، لكن الجوع قاهر، فلم يكن امامنا الا ان نزيل القطع المتعفنة ونأكل البقية. انها فترة قاسية يصعب وصفها. ولكن من دون شك هذا المعتقل مركز للتعذيب".
كان الجنود الاسرائيليون يستغلون كل فرصة تتاح لهم لتعذيب المعتقلين، وكان أقسى هذا التعذيب عندما يفرض العقاب على المعتقل وكأن وجودنا داخل الخيم ليس هو العقاب الاقصى. يقول فائق متحدثاً عن تجربته القاسية التي مر بها: "في ذلك اليوم اعلن المعتقلون الاضراب عن الطعام، وكنت المسؤول عن العمل في المطبخ، ولأني اعددت الطعام كما هو، جاء الضابط وابلغني بأنني معاقب. فأخذوني الى برميل بلاستيكي من الحجم الكبير لخزن المياه ووضعوني في داخله. وكان هذا بمثابة بديل عن الزنزانة التي اقاموها فيما بعد. وبقيت في داخله لمدة ثلاثة ايام. لم أبال في حينه لا للطعام ولا حتى للماء، كان يقلقني ما سيحدث معي. فأحياناً كنت اشعر ان الموت يقترب مني لأن اشعة الشمس الحارقة في النهار كانت تذيب احيانا البرميل البلاستيكي. واذكر انني شعرت بانهيار كبير وكدت افقد الوعي. وكل صرخاتنا لم تحرك ضمير احد الجنود. كانوا يقتربون منا ويقهقهون ويرمون علينا القليل من الماء ويذهبون. وفي فترة وجودي في هذا المعتقل، اصيب احد المعتقلين الذين عوقبوا داخل هذا البرميل بانتكاسة صحية خطيرة. فكانت فترة عقابه في وقت حار جداً وكان البرميل بمثابة محرقة، اتذكر جيداً كيف كان يصرخ ويستغيث الى ان وصل الى حال لم نعد نسمع صراخه. فقط بعد ذلك توجهوا اليه وكانت حالته خطيرة فاضطروا الى نقله بالطائرة الى مستشفى اسرائيلي".
اصناف كثيرة من التعذيب شهدها معتقلو "أنصار 3". فالجنود الذين اعتبروا وجودهم في النقب، داخل صحراء تصل فيها درجة الحرارة في ساعات النهار الى 40 درجة مئوية بمثابة عقاب، كانوا يفرغون كل غضبهم على المعتقلين. فحتى عملية عد الاسرى التي تعتبر في كل سجون العالم عملية سهلة، ولا مجال او وقاحة للتعذيب فيها، استحدث الاسرائيليون فيها اساليب التعذيب. فبداية قرروا عد المعتقلين في اليوم ست مرات. في الصباح والظهر والمساء وبعد منتصف الليل: "كنا في عز نومنا، فيأتي الجندي ويصرخ بشكل هستيري فنعرف ان موعد العد قد حان. فنقف وكل واحد منا مرهق ويحتاج الى نوم، والويل لمن يتحرك اثناء العد. كان على المعتقل ان يكون يقظاً لأن الجندي يستعمل اساليب لتغليطه، فأحياناً يقول الجندي الرقم وعلينا قول الاسم ولمعتقل آخر يقول العكس، واذا ما اخطأ المعتقل فكرر مثلاً الرقم الذي قاله الجندي بدلاً من ان يقول اسمه فالويل له. الاهانات والضرب والتنكيل تنزل عليه كزخات المطر من ذلك الجندي. وهذه الاخطاء كانت تحدث عموماً بعد منتصف الليل او الثالثة قبل الفجر.
وحتى المراحيض غير كافية ولا تتوافر فيها الحاجيات الاساسية، وفي ساعات الصباح بشكل خاص، كانت معاناة المعتقلين الذين كانوا يقفون في طابور طويل ينتظرون دورهم.
انه اذلال، معاناة، تعذيب، انه موت بطيء لكل معتقل يدخل اليه" قال فائق.
170 الف معتقل
المنظمات الحقوقية التي اعدت تقاريرها الخاصة عن "أنصار 3" السابق قالت انه استوعب في حينه 7 آلاف معتقل، بينهم ثلاثة آلاف اداري، وخلال خمس سنوات استوعب المعتقل 170 ألف معتقل من الضفة الغربية وقطاع غزة. ويخضع المعتقل لادارة عسكرية يتولاها الجيش الاسرائيلي، ما ادى الى حرمان المعتقلين من ابسط حقوقهم في المأكل والمشرب والملبس والزيارات والشروط الصحية والحقوق التي تعترف بها القوانين الدولية.
ويرى المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ان اعادة فتح المعتقل ينذر باستمرار حملات الاعتقال العشوائية والجماعية بحق الفلسطينيين. فقد اعطى الامر العسكري الذي يحمل رقم 1500 صلاحيات واسعة لضباط الجيش بممارسة حملات الاعتقال من دون اية رقابة قضائية.
عيسى قراقع، رئيس نادي الاسير، من المعتقلين الفلسطينيين الذين مروا بتجربة قاسية في معتقل "أنصار 3" في الانتفاضة الاولى. قال: "عندما قلنا انه قبر جماعي للمعتقلين لم نبالغ، لأن ما يجري في هذا المعتقل هو أمر فظيع وخطير، واليوم هناك حاجة ماسة، مع كل الاوضاع اليومية التي نواجهها داخل المناطق الفلسطينية وتحتاج الى اهتمام وملاحقة علينا تكثيف جهودنا للوقوف عن كثب الى جانب المعتقلين الفلسطينيين، والعمل للكشف عما يحدث داخل معتقل "أنصار 3". ويفتقر المعسكر الى الحد الادنى من الشروط الانسانية، من علاج واغطية واسرة وملابس وحمامات". واضاف قراقع: "هذا المعتقل غير قانوني من الناحية الدولية ولا يخضع الا لقوانين ولوائح معدة في الجيش لتطوير عمليات القمع ويخضع لمزاج وطبيعة من يقوم بالمهام الادارية والقضائية والاجرائية. ونقولها بصراحة ان هذا المعتقل هو تجسيد حديث لمعسكرات الاعتقال النازية".
عملية الاعتقالات الواسعة التي نفذتها السلطات الاسرائيلية منذ اواخر شهر آذار مارس اثناء اجتياحها المناطق الفلسطينية كانت عشوائية، فلم يفرقوا بين فتى في الرابعة عشرة ولا مسن تجاوز الستين ولا مدير عام شركة ولا عامل ولا شاب. بالنسبة اليهم كل فلسطيني تجاوز الرابعة عشرة، مشكوك بأمره ومرشح للارهاب فيعتقلونه ويذلونه ويعذبونه وبعدها يقررون اذا كان يطلق سراحه ام لا. وكل هذا كان يجري امام أنظار الاطفال والنساء وفي ساعات الفجر والليل.
وفي بعض المناطق شملت الاعتقالات النساء والاطفال والفتيات القاصرات والمرضى والجرحى. وقد وصل الجنود الى داخل المستشفيات والعيادات الطبية واعتقلوا مرضى وهناك من تم اختطافهم من سيارات الاسعاف وهم جرحى.
وتشير الاحصاءات الى ان 95 في المئة من المعتقلين الفلسطينيين هم من السكان المدنيين. اما العسكريون المعتقلون فهم في الغالب من قوات الامن والشرطة الفلسطينية. وهناك عائلات تم اعتقالها وجرى تشتيتها وتوزيعها في مراكز اعتقال متفرقة وهناك اعداد كبيرة من المعتقلين مصيرها مجهول، فالاعتقال لم ينفذ في البيت ولا يعرف ذووهم اذا ما كانوا بين المعتقلين ام هم من الشهداء. في معظم العمليات كانت تسبق الاعتقال عمليات مداهمة للمنازل والبنايات السكنية في رام الله شهدت مثل هذه العمليات وبناية الطيراوي كانت واحدة من هذه البنايات التي لا يمكن للاطفال والنساء والرجال المقيمين فيها نسيان ذلك اليوم.
الساعة تقارب الثالثة فجرا وجميع سكان البناية نيام: "فزعنا لاصوات الرشاشات والرصاص الذي اطلق كزخ المطر" يحدثنا الدكتور محمد غضبية، مدير عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي: "استيقظنا وتوقعنا وقوع كارثة فتوجهنا الى غرفة اطفالي الثلاثة وابعدناهم عن الغرفة حيث كان الرصاص باتجاهها ومن الشرفات. زحفنا نحوهم على الارض وأنزلناهم سحباً عن الاسرة وزحفنا معاً الى مكان آخر في البيت اكثر اماناً. ولم يتوقف اطلاق الرصاص ثم بدأوا يطلبون عبر مكبر الصوت من جميع السكان مغادرة بيوتهم والتوجه الى الشارع. كان مشهداً لا يمكن وصفه. فالجميع استيقظوا بحالة هلع من النوم وبعضهم لم يستطع حتى انتعال الحذاء، فيما كان الاطفال والنساء يبكون. ولما نزلنا الى الشارع، طلبوا من النساء والاطفال الوقوف جانباً والفتيان والشباب والرجال الاقتراب نحو الجنود. والحقيقة ان الامر كان محرجاً ومرعبا، فالكل توقع ارتكاب مجزرة. وتعالت صرخات النساء والاطفال لكن شيئاً لم يحرك ضمير الجنود. طلبوا منا جميعا رفع الايدي الى اعلى وكان بيننا فتى في الرابعة عشرة من عمره ومسن تجاوز الستين. ثم كبلوا ايدينا وعصبوا عيوننا واخذونا في سيارات الى معتقل عوفر".
ومعتقل عوفر عبارة عن خيام وبراكيات من الزنك بالقرب من رام الله، وعند بداية الاجتياح وضعوا جميع المعتقلين فيه ومن ثم تم توزيعهم. بقي الدكتور غضبية 18 يوماً داخل المعتقل من دون اية محاكمة. ظروف المعتقل، كا يقول كانت قاسية للغاية: "زجوا 350 معتقلاً في البراكية التي تواجدت فيها ومساحتها لا تتعدى 120 متراً. وطبعاً الظروف قاسية من ناحية الطعام والماء والاكتظاظ الكبير. وقد تعرض العديد من المعتقلين للتعذيب والاهانات من قبل الجنود الذين لم يكن امامهم ما يفعلونه في ساعة الفراغ سوى استفزاز المعتقلين والتلفّظ بكلمات بذيئة. احد المعتقلين كان جريحاً ورفضوا نقله للعلاج. ومعتقل آخر، تعرض لضرب مبرح، من دون اي مبرر، ادى الى تكسير في عظامه، كما تبين بعد الافراج عنه.
وكما يقول غضبية فان معظم الذين تواجدوا في هذا المعتقل كانوا من المواطنين الذين لا ينشطون سياسياً ولا علاقة لهم باي تنظيم فلسطيني. كان العقاب جماعياً، وكان واضح لنا ان ما تسعى اليه حكومة اسرائيل هو اذلال الفلسطينيين وكسر معنوياتهم من خلال ممارسة ارهاب معنوي ونفسي ضدهم. ولكن وجودنا معاً داخل معسكر كهذا كان اكبر دعم معنوي لصمودنا جميعا"
كيف اصبح المعتقل الفلسطيني محامياً
الظروف القاسية التي يمر بها المعتقلون الفلسطينيون الذين يقبعون في مختلف المعتقلات والمعسكرات تصل الى حد قد يعجز المعتقل عن وصفها. فهناك لا توجد اية ظروف انسانية. وحتى الحقوق الاساسية للمعتقل هي بكل بساطة مفقودة.
فالقوانين الدولية تلزم كل محكمة توفير محامي دفاع لكل متهم، واذا لم ينجح المعتقل باحضار المحامي فالمحكمة ملزمة بتوفيره. اما عندما يجري الحديث عن دولة "القانون الحضارية"، دولة اسرائيل ومحاكمها وعن معتقلين فلسطينيين فالامر هنا يصبح شاذاً. فلا محام ولا محكمة ولا قوانين. زج الشباب داخل معتقلات في مساحة صغيرة جداً، وتمديد اعتقالهم من دون اية محكمة لمدة 18 يوماً ومن ثم قبل التقرير باطلاق سراحهم تعقد محكمة، المكان داخل براكية. القاضي يحضر وكذلك المترجم ومدون الجلسة، لكن المعتقل الذي من المفروض ان يظهر مع محاميه، يضطر في هذه المحاكم ان يتحول بقدرة قادر الى محام يدافع عن متهم، يدافع عن نفسه، وليس مهماً ان كان قادراً على ذلك ام لا.
الدكتور محمد غضبية، الذي تحول الى محام لمدة نصف ساعة، وقف امام القاضي مذهولاً لا يعرف ماذا يفعل. القاضي يسأل وعليه ان يفكر ما يمكن ان يجيبه وكيف يمكن ان يكون حذراً حتى لا يتورط بأية كلمة قد تجعله سنوات في السجن: "انها مسخرة واستبداد واستهتار وديكتاتورية. انه امر لا يمكن ان يقبله اي عقل". يقول غضبية.
ويبقى السؤال اذا كان غضبية قادراً على الدفاع عن نفسه وحذراً باستعمال كل كلمة يطلقها، فما الذي يضمن ذلك لفتى في الرابعة عشرة او السادسة عشرة من عمره او مسن في الستين؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.