بوتين لا يستبعد استهداف «مراكز صنع القرار» في كييف    فرع ⁧‫هيئة الصحفيين السعوديين‬⁩ في ⁧‫جازان‬⁩ يختتم برامجه التدريبية بورشة عمل "أهمية الإعلام السياحي    السفير الأميركي: سعيد بمشاركة بلادي في "بلاك هات"    إعادة انتخاب المملكة لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية    برشلونة يعول على عودة جمال لتصحيح مساره في الدوري    مالكوم يعود مجددًا ويشارك في تدريبات الهلال    التعاونية توقِّع شراكة جديدة مع شركة اليسر للإجارة والتمويل (اليسر) لصالح قطاع التأمين على الحياة    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الإفتاء في منطقة جازان    تكلفة علاج السرطان بالإشعاع في المملكة تصل ل 600 مليون ريال سنويًا    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برعاية أمير جازان.. الأمير محمد بن عبدالعزيز يفتتح المعرض التقني والمهني بالمنطقة    طلاب مدارس مكتب التعليم ببيش يؤدون صلاة الاستسقاء في خشوع وسط معلميهم    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية التوحد بالمنطقة    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    وزير الداخلية يلتقي رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية    بناءً على توجيه ولي العهد .. عبدالعزيز بن سعود يلتقي رئيس الجزائر    وزير البلديات يقف على مشروع "الحي" بالمدينة    «حزب الله» في مواجهة الجيش اللبناني.. من الذي انتصر؟    تأهيل عنيزة يستضيف مؤتمر جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة الدولي الشهر القادم    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات    انعقاد الاجتماع التشاوري للدورة 162 لمجلس الوزاري الخليجي    الأمير عبدالعزيز الفيصل يتحدث عن نمو السياحة الرياضية    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بذكرى استقلال بلاده    اليونسكو: 62% من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    «مساندة الطفل» ل «عكاظ»: الإناث الأعلى في «التنمر اللفظي» ب 26 %    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    الكشافة يؤكدون على أهمية الطريقة الكشفية في نجاح البرنامج الكشفي    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    شخصنة المواقف    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الشائعات ضد المملكة    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف اختير فيصل الاول ملكاً على العراق . سمعة طيبة وعداء للبولشفية ووفاء بريطاني الثانية والاخيرة
نشر في الحياة يوم 23 - 06 - 2003

بعد سهرته التي امتدت الى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل مع كورنواليس، غادر فيصل لندن في الساعة التاسعة من صباح اليوم نفسه 7 كانون الثاني/ يناير 1921 الى ضاحية تبعد عنها حوالى خمسين ميلاً، بدعوة كان قد تلقاها من صديقه القديم اللورد ونترتن لقضاء عطلة نهاية الاسبوع في ضيافته بمنزله الريفي. وأغلب الظن ان هذه الدعوة كانت بإيعاز من اللورد كرزن ايضاً، لمباحثته في الموضوع نفسه، وقد ذهب معه حداد باشا، فوجدا هناك لورانس، واورمزبي غور وكيل وزارة الهند ووالتر غينيس وهو اللورد موين الذي أصبح فيما بعد وزيراً مقيماً لبريطانيا في الشرق الاوسط خلال الحرب العالمية الثانية، وقتله الصهاينة في القاهرة سنة 1940.
وهنالك، في كتاب عن سيرة اللورد ونترتن صدر سنة 1965 وصف للاجتماع الليلي الذي عقد في منزل ونترتن، واستمر حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل. وقد جاء في هذا الكتاب على لسان ونترتن ما يأتي:
"وبعد ساعات طويلة من البحث وافق فيصل على ان يصبح ملكاً على العراق… ولم يكن اقناعه بالامر السهل. وكان يشعر بمرارة شديدة تجاه الطريقة التي عومل بها من جانب البريطانيين والفرنسيين. وقد أبدى ملاحظات جارحة حول صفات البريطانيين عموماً" 1.
أما اللورد كرزن فإنه لم يستقبل فيصلاً إلا بعد هذا الاتفاق المبدئي الذي تم بينه وبين كونواليس من جهة، ثم بينه وبين كل من لورانس وونترتن، من جهة اخرى، وتعرّف على موقف فيصل الى درجة لا بأس بها. فقد عاد فيصل الى لندن يوم الاثنين 10 كانون الثاني يناير مسروراً، وحدد كرزن موعداً لمقابلته بعد ذلك بثلاثة ايام. وتركزت المحادثات بينهما في هذه المقابلة بصورة رئيسية في الخلاف الذي كان مستحكماً بين الملكين حسين وابن سعود.
وبعد هذه المقابلة مع كرزن اجرى فيصل محادثات عديدة اخرى، رسمية وغير رسمية، مع لورانس، وستورز، ووكيل وزارة الخارجية لندسي. ولما تقرر مبدئياً ان تؤيد بريطانيا ترشيح فيصل لعرش العراق، طلب اليه ان يذهب الى الحجاز ويبعث بترشيحه من هناك، ثم يتجه منها بحراً عن طريق الخليج العربي فالبصرة.
وبينما كان فيصل منهمكاً في محادثاته في لندن كانت الحكومة البريطانية تدرس بصورة جدية إحداث تعديلات ادارية اساسية في جهازها المسؤول عن رسم سياستها في الشرق الاوسط، وعن تنفيذ تلك السياسة. وكانت السيطرة على شؤون الشرق الاوسط، وتوجيه سياسة بريطانيا فيها حتى ذلك الوقت، موزعة بين وزارات "الخارجية" و"الهند" و"الحرب"، مما كان يؤدي الى كثير من الارتباك والتضارب في وجهات النظر. وقد ادى ازدياد الاضطرابات وتفاقم المشكلات في انحاء العالم العربي الى ضرورة التخلي عن هذا الاسلوب وإناطة مسؤولية المنطقة بوزارة واحدة، باشراف وزير واحد. وقد وجد ان هذه المسؤولية اقرب الى مهام وزارة المستعمرات من غيرها من الوزارات، فتقررت إناطتها بها، وإحداث دائرة جديدة فيها تختص بشؤون المناطق التي هي تحت الانتداب.
وكان وزير المستعمرات، اللورد ميلنر وقد تقدمت به السن واصطلحت عليه العلل معتزماً اعتزال منصبه منذ مدة، فعجّل هذا القرار الذي اتخذته الحكومة وكان يخالفها الرأي فيه بتنفيذ نيته هذه، فبادر الى تقديم استقالته، واختير وزير الحرب ونستن تشرشل ليخلفه فيه ويضطلع بالمهمة الجديدة، وهي اعادة تنظيم السياسة البريطانية في العالم العربي. وقد تسلم تشرشل مسؤولياته الجديدة بحماسة ونشاط، واحاط نفسه بمجموعة من أكفأ الموظفين واكثرهم خبرة في الشؤون العربية، وعلى رأسهم جون شكبره من كبار موظفي وزارة الهند، وتمكن ايضاً من إقناع لورانس ان يكون مستشاراً سياسياً لدائرة الشرق الاوسط في الوزارة بعد ان "لجأ الى حجج لم اتمكن من مقاومتها" كما قال لورانس. وقد اصبحت هذه الدائرة مسؤولة عن الاتصالات اليومية بين لندن وبغداد وبقيت كذلك خلال احدى عشرة سنة التالية.
وقرر تشرشل فور تسلمه منصبه الجديد ان يجتمع بممثلي بريطانيا وقادتها العسكريين في الشرق الاوسط، واستطلاع آرائهم في سياسة بريطانيا الجديدة، ومباحثتهم في الترتيبات المالية والعسكرية للمناطق الواقعة تحت الانتداب البريطاني. فعقد هذا المؤتمر الذي عُرف بمؤتمر القاهرة في القاهرة اولاً في 12 آذار/ مارس سنة 1921 واستمر اثني عشر يوماً، ثم انتقل الى القدس في 23 منه، حيث بحث موضوع فلسطين وشرق الاردن بصورة خاصة، ودعي الأمير عبدالله لحضور بعض اجتماعاته.
وكان الهدف الرئيسي لمؤتمر القاهرة، كما وصفه تشرشل فيما بعد، هو الحفاظ على سيطرة بريطانيا قوية، بأقل ما يمكن من النفقات. وفيما يتعلق بالعراق وضعت في المؤتمر الخطط اللازمة لنقل مسؤولية الدفاع عنه من الجيش الى القوة الجوية، كما رسمت الخطوط الرئيسية للمعاهدة التي سيجري التفاوض في شأنها مع حكومة العراق المستقبلية. اما في موضوع رئاسة الدولة الجديدة التي ستقام في العراق فقد وجد المؤتمر من الضروري ان تصدر عن بريطانيا مبادرة ما تعين الاتجاه الذي تفضله. وعلى الرغم من ان ترشيح فيصل كان قد اصبح امراً مقرراً تقريباً، فقد تم الاتفاق في المؤتمر على اسلوب الاتصالات الشكلية التالية التي يجب اجراؤها مع فيصل، ومع عبدالله، ومع العراقيين والفرنسيين.
وفي القدس عقد تشرشل ثلاثة اجتماعات مع الأمير عبدالله حضرها ايضاً السر هربرت صموئيل، وديدز، ولورانس، ويانغ، كما رافق الأمير عبدالله عوني عبدالهادي.
وفي الاجتماع الاول الذي عقد في 28 آذار/ مارس 1921 عرض تشرشل سياسة بريطانيا الجديدة ازاء الاقطار العربية بصورة عامة. وكان موقفه دقيقاً جداً وحرجاً في مفاتحة الأمير عبدالله بنية الحكومة البريطانية في ترشيح فيصل بدلاً عنه، لأن عبدالله الذي سبق ان اختاره المؤتمر العراقي في دمشق لعرش العراق كان يتوقع اسناد بريطانيا لهذا الترشيح.
وبين الوثائق البريطانية السرية التي فتحت حديثاً محاضر ما دار في اجتماعات مؤتمر الشرق الاوسط في القاهرة والقدس. وننقل منها ما قاله تشرشل لعبدالله في موضوع العراق وترشيح فيصل لعرشه 2:
"المستر تشرشل: كانت حكومة جلالته قد وعدت الشعب العراقي بمراعاة رغباتهم عند اختيار شكل حكومتهم المستقبلية وانتخاب الحاكم، ولكن هذا لا يلزم الحكومة البريطانية بقبول اي قرار يتخذونه. فمن الواضح ان حكومة جلالته، في الوقت الذي تساهم فيه بقوات كبيرة واموال كثيرة، لا يسعها ان تقف موقف المتفرج، وتمتنع عن التدخل كلياً. وفي الوقت نفسه تمنعها تعهداتها من فرض مرشح تختاره هي ليكون حاكماً على البلاد. وهنالك بعض العراقيين الذين يرشحون فيصلاً للعرش، وان انتخابه سيكون مقبولاً لدى حكومة جلالته، وانها بموجب تعهداتها لسكان العراق، ستؤيد ترشيحه بقدر استطاعتها.
"ان السر برسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق، الذي حضر مؤتمر القاهرة مؤخراً، كان كبير الامل في ان ينتخب العراقيون فيصلاً.
"وفي الوقت نفسه هنالك مرشحون محليون آخرون: نقيب بغداد، والسيد طالب، وشيخ المحمرة، وابن سعود نفسه، وهؤلاء جميعاً يجب ان يحسب حسابهم.
"انه واثق ان الأمير عبدالله، كسياسي مجرّب، سيتفهّم الصعوبة في اتخاذ اي اجراء مباشر.
"وفي الوقت نفسه، اذا انتخب شعب العراق فيصلاً، فسيكون من السهل جداً ان تبرر الحكومة البريطانية للفرنسيين ذلك بأنها مضطرة لقبوله بموجب تعهداتها السابقة.
"وقد أحيط فيصل علماً بالسياسة المقترحة، وهو الآن في طريقه من لندن الى جدة.
"وانه ليأمل وينتظر، كنتيجة للرسائل المتبادلة بينه وبين ابيه من جهة، وأعضاء الاسرة الهاشمية من جهة اخرى، بأنه سيلقى قبولاً عاماً من الشعب العراقي. وان الأمر، بطبيعة الحال، قد ينتهي الى عكس ذلك. وسيكون هذا محرجاً، ويسيء الى السياسة العامة التي هي الآن قيد الدراسة.
"انه اي تشرشل يشعر ان مما يقوي فيصلاً ان يعلم "الحزب الشريفي" في العراق ان الأمير عبدالله يؤيد ترشيح اخيه. وانه سيكون مسروراً للاستماع الى آراء الأمير عبدالله في السياسة العامة كما عرضها الآن …الخ".
أما الأمير عبدالله فقد أبدى في جوابه رأيه في النقاط التي تناولها تشرشل واحدة بعد الاخرى، وحينما وصل الى موضوع عرش العراق، قال ما يأتي:
"اما فيما يتعلق بالعراق فقد أبدى الأمير انه ليست لديه مشاعر شخصية.
"ان أخاه فيصلاً هو الذي دبّر اعلان انتخابه اي انتخاب عبدالله ملكاً للعراق. أما هو نفسه، فإنه ليس فقط لم يكن له دور في هذا الترتيب، بل انه سبق ان أبدى لأخيه ان ليس من الحكمة اتخاذ خطوة تحرج الحكومة البريطانية.
"انه مسرور للسياسة التي عرضت بشأن العراق، وسيتعاون بكل طريقة ممكنة لتحقيق نجاحها".
فأجابه تشرشل قائلاً:
"ان الأمير فيصل اتخذ الموقف نفسه حينما بحث الموضوع معه في لندن، وأبدى انه ليست لديه اي رغبة للوقوف في طريق اخيه، وقال ان هذا الموقف لمما يشرّف فيصلاً وعبدالله على السواء…".
هذا ما جاء في المحاضر البريطانية الرسمية عن اجتماعات القدس، في حين ان عوني عبدالهادي، الذي حضر تلك الاجتماعات مع الأمير عبدالله، يروي في مذكراته ان الأمير عبدالله: "هاج وماج وفتح صدره لجميع زائريه ومن في معيته، وقذف الشرر والنار على فيصل الذي وافق على الترشيح لعرش العراق وأصرّ على ان يناقش هذا الموضوع مع المستر تشرشل لأن العرش عرشه، ولا يسمح بالتنازل عنه…".
ويقول عوني عبدالهادي انه ألحّ على عبدالله ان لا يبحث موضوع عرش العراق مع تشرشل "… وكان سموه يثور ويغضب ويردد من حين الى حين: كيف يمكنني السكوت على ضياع عرش أقرّته لي الأمة العربية…".
ثم يصف اللقاءات التي تمت بين تشرشل وعبدالله وما جرى بينهما من أحاديث، وتختلف رواية عوني عبدالهادي في هذا الشأن عما جاء في المحاضر الرسمية بعض الاختلاف، فهو يقول ان تشرشل قال في لهجة حازمة: "ان فيصلاً أبحر من لندن، وهو الآن في طريقه الى القاهرة، وسيذهب بعد زيارته لوالده، الى بغداد حيث يُنصّب ملكاً على العراق، واني اعرف ان فيصلاً سيلاقي مشاغبين يعملون ضد انتخابه للعرش، ولكن فيصلاً سيجلس على عرش العراق وان هذين الكتفين وأشار بيده على كتفيه اليمنى واليسرى سيتحديان هؤلاء المشاغبين".
ويضيف عوني عبدالهادي ان هذا الكلام وقع على عبدالله وقع الصاعقة فأحسّ ان الغرفة استحالت الى أتون من النار فلم يجد ما يقوله، وانه رأى انه يتحدث في مجال آخر وبعد ذلك عاد يذكر ما بذله من جهود في الثورة العربية، وما قام به لأجل التحالف بين بريطانيا والعرب، ثم قال: "لقد حزّ هذا الإيثار في نفسي ولا سيما ان العراقيين الذين مثلوا العراق في المؤتمر السوري المعقود سنة 1920 هم الذين نادوا بي ملكاً على العراق، ولقد أدهشني يا سعادة الوزير قولكم بأن أخي فيصل قد أبحر من لندن في طريقه الى العراق ليعتلي العرش وقلتم ان بعضهم سيقوم بمشاكسته وان كتفيك سيتحملان تلك المشاكسة، وربما حسبتموني في عداد هذا البعض. واني، معاذ الله، ان أعمل ما لا يتفق مع سياسة الحكومة البريطانية، وذلك لسببين: الاول، ليس من سياسة الملك حسين وأولاده الذين حاربوا بجانب بريطانيا العظمى ضد تركيا، ان يقوموا مجتمعين او فرادى بأي عمل لا يحوز رضى حليفتهم بريطانيا. والثاني، ليس من المعقول اني أناهض اخي فيصل في عرش العراق حتى لو اعتقدت أني أحق منه فيه" 3.
ويبدو ان الأمير عبدالله اثناء مقابلته تشرشل، وجد ان بريطانيا عاقدة العزم على ترشيح فيصل بدلاً عنه، وان ليست هناك فائدة ترجى من الاعتراض على ذلك، ورأى من الافضل تأييد الفكرة، ولكنه مع ذلك بقي مستاء للأمر أشد الاستياء، وان لم يظهر ذلك للوزير البريطاني.
ويذكر ساطع الحصري في مذكراته انه حينما كان قادماً الى العراق للمرة الاولى في آب/ اغسطس سنة 1921 تعرّف في الباخرة التي تقله الى البصرة على بعض الشبان العراقيين الذين كانوا ضباطاً في جيش الثورة العربية ثم في الجيش السوري، وبعد ان استولى الفرنسيون على سورية وحلّوا الجيش انتقلوا مع من انتقل الى عمان، كانوا يحدثونه كثيراً عن الايام التي قضوها في عمان، وكانوا الآن في طريقهم الى البصرة راجعين الى العراق. ويقول ان اولئك الشبان يقصّون عليه تفاصيل الأحاديث التي كان يدلي بها الأمير عبدالله عن عرش العراق، منها انه كان يقول: "والدي طلب مني ان أتنازل عن حقي، ولكني لم ألبّ طلبه، لم أتنازل، ولن أتنازل عن حقي في عرش العراق… سأحتفظ بحقي، ولو للتاريخ… وكثيراً ما كان يكرر: للتاريخ.. للتاريخ" 4.
ومما يروى ان أخاً للشاعر المعروف فؤاد الخطيب الذي كان وزيراً للخارجية في الحجاز في ذلك الوقت قدم عمان من مكة في منتصف نيسان/ ابريل سنة 1922، ولما قابل الأمير عبدالله، ألقى أمامه قصيدة جديدة نظمها اخوه يمدحه بها، فجاء فيها البيت الآتي:
تنازل عن عرش العراق تكرّماً
وأكرم من عرش العراق تنازله
فقاطعه عبدالله غاضباً، وقال: "خسئت! من قال انني تنازلت؟".
ومهما يكن من أمر فإن الأمير عبدالله نفض يديه عن عرش العراق بعد اجتماعه بتشرشل، ولم يعد له أي أمل فيه، فحصر اهتمامه منذ ذلك الوقت في شرق الاردن، ولكنه مع ذلك، بقي يحمل شعوراً بالأسف لضياع عرش العراق منه، والمرارة نحو العراقيين الذين كان يدّعي انهم خذلوه بعد مبايعته.
وكان كاتب هذه السطور قائماً بأعمال المفوضية العراقية في عمان في أخريات ايام الملك عبدالله، وكان بحكم عمله يحضر كثيراً من مجالسه الرسمية والخاصة. وهو يذكر ان الملك عبدالله كان حتى ذلك الوقت يلمح الى موضوع العرش العراقي احياناً بصورة غير مباشرة، وهو ينظر اليه، مازحاً احياناً، او حينما يكون غاضباً على العراق لسبب من الأسباب، فيغمز قناة العراقيين مستشهداً بخطاب الحجاج المشهور مرة، او مشيراً الى مقتل الحسين اخرى.
ولما عولجت اعتراضات الفرنسيين، أو أُعدت المبررات والحجج اللازمة للرد عليها، وانتهت قضية عبدالله بمواجهته بالأمر الواقع، واستحصال تعهد منه بعدم إثارة اية مشكلات دون ترشيح أخيه بدلاً عنه، ووعد بتأييده، لم يبق في الميدان غير اعتراض محتمل واحد وهو اعتراض عبد العزيز بن سعود الذي كان حتى ذلك الوقت يجهل حقيقة ما يجري من مفاوضات ويتخذ من ترتيبات، سوى ما كان يبلغه من وقت لآخر من معلومات متفرقة واشاعات.
وقد تناولت دراسة أعدت في وزارة الحرب البريطانية موقف ابن سعود المحتمل من ترشيح فيصل لعرش العراق، ولا شك ان وزارة الحرب كانت طرفاً مهماً في الموضوع برمته، لأن اي قرار يتخذ بشأن مستقبل العراق كان يتعلق بصورة مباشرة بمصير القوات البريطانية في المنطقة، والنفقات الباهظة التي تتحملها الحكومة البريطانية لإدامتها هناك. وقد أعدت وزارة الحرب مذكرة سرية بعنوان "مملكة العراق المقترحة" تضمنت دراسة للموضوع، وعرضاً لفوائد اختيار فيصل وما عليه من مآخذ واعتراضات. وهي وثيقة مهمة لم يسبق نشرها ايضاً، وفي أدناه مقتطفات منها:
مذكرة وزارة الحرب
مملكة العراق المقترحة 5
1- لدى النظر في الاقتراح الخاص بجعل الأمير فيصل اول ملك للعراق، من المناسب بيان ما لهذا الاقتراح، وما عليه، تحت العناوين الأربعة الآتية:
أ أسباب اعتراض فرنسا على فيصل.
ب الاعتراضات المحلية على فيصل.
ج فوائد اختيار فيصل.
د الخلاصة والنتيجة.
2- اسباب اعتراض فرنسا على فيصل
أ منذ ان أصبحت بنود اتفاقية سايكس بيكو معروفة، كان فيصل والفرنسيون في نزاع مستمر تقريباً، ان السبب الاول لهذه المنازعات هو ان اتفاقية سايكس بيكو تناقض روح المراسلات التي جرت بين حسين وماكماهون. ان هذه المراسلات حملت حسيناً على الظن بأن الحلفاء في حالة انتصارهم في الحرب، سيكونون مستعدين للموافقة على انشاء دولة عربية مستقلة يحدها غرباً خط يمتد من مناطق حلب، وحماه، وحمص ودمشق، ومن هناك جنوباً الى البحر الاحمر، والمحيط الهندي باستثناء عدن ثم الخليج الفارسي 6، والحدود الفارسية الى الشرق وحتى خط الطول 37 شمالاً، مع تحفظات معينة خاصة بالعراق. وقد أشير في حينه الى ان فرنسا لها مصالح في المنطقة الساحلية من سورية، من مرسين الى بيروت، تمتد داخلاً الى نقاط غربي حلب وحمص وحماه ودمشق. ولذلك استبعدت هذه المنطقة من المباحثات. ومع هذا التحفظ، وفي المناطق التي كانت فيها حكومة جلالته حرة التصرف بدون إلحاق ضرر بحليفتها فرنسا، فإن مقترحات الملك حسين كانت قد تمت الموافقة عليها من حيث العموم.
ومع ذلك، فإن شروط اتفاقية سايكس - بيكو بين انكلترا وفرنسا التي كان الحسين في ذلك الوقت يجهلها وضعت جميع المنطقة الشمالية من دولة الحسين العربية تحت النفوذ الاجنبي، وكانت هذه قد قسمت الئ:
1- المنطقة الساحلية الفرنسية على الخارطة بلون أزرق.
2- المنطقة أ حيث منحت الافضلية للمصالح الفرنسية.
3- المنطقة ب التي كانت لمصالح حكومة جلالته الافضلية.
اما المنطقة الجنوبية أي: المؤشرة بخطوط متقطعة فإن مصيرها لم يتقرر بصورة نهائية.
وبموجب هذه الاتفاقية كانت ستقام على امتداد البلاد العربية دولة عربية مستقلة مع حصول الفرنسيين على حق الافضلية في تعيين المستشارين في المنطقة أ والبريطانيين في المنطقة ب اذا طلب اليهم العرب ذلك. ولكن صعوبات ظهرت بشأن الحدود بين المنطقة الفرنسية الزرقاء والمنطقة أ وانتهت بإخراج الفرنسيين فيصلاً من دمشق التي هي في المنطقة أ بقوة السلاح.
ان ما تقدم هو خلاصة موجزة للظروف التي أدت الى سقوط فيصل، ولما كان فيصل لا يزال يتمتع بنفوذ كبير على العشائر المحاذية للمنطقة الفرنسية، فليس من المستغرب ان يعدّه الفرنسيون عدواً محتملاً.
ب ان الجنرال غورو الذي تتمتع آراؤه بتأييد واسع في فرنسا كلها، متخوف بصراحة من احتمال استخدام فيصل في العراق. وكان الجنرال غورو مقتنعاً بأن أخلاق فيصل زائفة بصورة أساسية، وكان يستشهد في تأييد قناعته هذه بملاحظة مزعومة أبداها فيصل له بأنه مستعد تماماً للاشتراك مع غورو لطرد الانكليز.
ج وعلى ضوء ما تقدم، فإن من المحتمل ان يفسر الحزب المعادي لفرنسا في سورية ترشيح فيصل للعراق بأنه انشقاق بين انكلترا وفرنسا، مما يشجعه بالتالي على القيام بمزيد من الفعاليات.
ومن المفهوم ان اعتراضات فرنسا على ملكية فيصل للعراق يمكن التغلب عليها إذا أعطى فيصل ضماناً بأنه سيبذل أقصى جهده لتهدئة العشائر على الحدود الفرنسية، وهذه بلا شك حجّة قد تطرحها حكومة جلالته.
وانه لمن الواضح ايضاً ان "فيصلاً راضياً" كملك للعراق، سيكون اقل خطراً بكثير من "فيصل ساخط" يثير الاضطرابات في جميع انحاء البلاد العربية.
3- الاعتراضات المحلية على فيصل
تنحصر الاعتراضات المحلية على فيصل بصورة رئيسية فيما سيحدثه نصبه من آثار على سائر الدول المستقلة في الجزيرة العربية.
- فوائد اختيار فيصل
أ السمعة الطيبة للامبراطورية البريطانية:
عقدت حكومة جلالته اتفاقات متنوعة مع الحجاز في بداية الحرب وخلالها، ولم ينفذ من هذه الاتفاقات إلا جزء يسير.
لقد بذل الحسين وابناؤه أقصى جهودهم للمساعدة خلال الحرب، وكانوا مخلصين طيلة الوقت، ولكن لا شك انهم يعتبرون ان التعهدات التي أعطيت لم تحقق، وانهم القي بهم جانباً الآن بعد ان لم يعودوا قادرين على تقديم مزيد من المساعدة.
ان اختيار فيصل قد يؤدي الى ازالة هذا الانطباع كلياً. ان النفوذ الذي تتمتع به حكومة جلالته في العالم الاسلامي يصونه الى حد كبير سمعتها بأنها منصفة وعادلة في تعاملها، وبأنها تلتزم بوعودها. ان اختيار فيصل سيزيد من شأن هذه السمعة الطيبة.
...
ج العلاقات مع البريطانيين:
على الرغم من ان فيصلاً ربما يكون ظنه قد خاب فيما كان يتوقعه من حكومة جلالته، فإن ثقته ببريطانيا لا تزال تفوق ثقته بأية دولة أخرى، كما ان لديه خبرة جيدة بأساليب الادارة البريطانية، وانه يستطيع أن يحكم العراق، بالتعاون مع حكومة جلالته، بصورة افضل جداً من معظم العرب.
د العداء للبلشفية:
من المعتقد ان فيصلاً يكره الشيوعية والبلشفية. ان الاقطار المتاخمة للعراق تغتصبها البلشفية تدريجاً، واذا أقيم فيصل ملكاً للعراق، فإن البلاد قد تصبح نموذجاً لجيرانها المسلمين، وحاجزاً محتملاً أمام البلشفية.
ه الحسين ومصطفى كمال:
ليس هنالك شك في أن عبدالله، شقيق فيصل، على اتصال مستمر بمصطفى كمال، ان لم يكن خاضعاً لتوجيهه المباشر. ان مدى ضلوع الحسين في الأمر غير مؤكد، ولكن تعيين فيصل سيؤدي بلا شك الى حمل الحسين على الاقلاع عن الدسائس في هذا الاتجاه، ويمكن أن يتخذ هذا حجة اضافية لاقناع الفرنسيين بالتخلي عن معارضتهم لفيصل.
والى جانب اعتراضات الفرنسيين، وملاحظات عبدالله، واحتجاجات ابن سعود، صدرت عن البصرة بعض الأصوات ضد ترشيح فيصل مطالبة بإبقاء "ولاية البصرة" تحت الحكم البريطاني المباشر وإلحاقها بالهند، وعدم إدخالها في نطاق مملكة فيصل في العراق.
وكان المندوب السامي البريطاني في العراق، السر برسي كوكس، قد قام بسفرة نهرية الى البصرة فوصلها في 5 نيسان 1921 فاستقبله في الميناء الشيخ خزعل، شيخ المحمرة، وأحمد باشا الصانع، متصرف البصرة، وعبداللطيف باشا المنديل، من وجهاء البصرة. وجاء في تقرير للاستخبارات البريطانية "ان الشيخ خزعل، في مقابلة خاصة مع السر برسي كوكس، اعرب عن رغبته في ترشيح نفسه لإمارة العراق، وأكد للمندوب السامي انه واثق من نجاحه. فنصحه المندوب السامي، كصديق، ان يتخلى عن الفكرة لأنه شخصياً لا يؤمن باحتمال نجاحه". ويضيف التقرير: "... ولكن من المشكوك فيه ان يكون قد تمكن من إقناع مخاطبه" 7.
أما بشأن ما أبداه احمد الصانع وعبداللطيف المنديل فقد جاء في التقرير انه كان يختلف تماماً عما ذهب اليه الشيخ خزعل، فقد:
".. التمسا اليه ان توضع ولاية البصرة تحت الحكم البريطاني المباشر، لتفادي الاضطرابات وأسباب الحسد والغيرة التي في رأيهما لا بد ان تصحب تشكيل دولة عربية. ان جهود شيخ المحمرة، مضافاً اليها جولة السيد طالب الاخيرة، وعودة مطامحه المعروفة جيداً الى الظهور ثانية، وان كانت مقنّعة في الوقت الحاضر بتأييده للنقيب السيد عبدالرحمن من المحتمل جداً ان تكون قد زادت من قلقهما وحرصهما على البقاء بمعزل عن منازعات الانتخابات المقبلة".
ويضيف تقرير الاستخبارات:
".. أما الحزب الشريفي فكان يمثله في الاستقبال مزاحم الباجه جي الذي أعرب عن ثقته بأن آراء "الباشيين" أى: الصانع والمنديل لا تمثّل مشاعر أهل البصرة، بينما وصف ترشيح الشيخ خزعل بأنه غير معقول، وترشيح السيد طالب، بأية صورة كانت، بأنه مستحيل".
ثم يختتم التقرير عرضه لهذا الموضوع قائلاً:
".. يبدو ان زيارة السيد طالب الى البصرة خلال جولته الأخيرة لم تعد على قضيته بأية فائدة، ويقال ان عبداللطيف باشا المنديل على وشك الاستقالة من منصبه وزيراً للتجارة الذي لم يمارسه في الواقع قط 8، والسبب الرئيسي في ذلك هو انه لا يستطيع ان يحمل نفسه على العمل بتجانس مع السيد طالب، كما انه يخشى انه لن يستطيع معارضته بنجاح" 9.
وبعد عودة السر برسي كوكس الى بغداد في 7 نيسان 1921 بعث اليه عبداللطيف المنديل وأحمد الصانع كتاباً وقعه كلاهما، عثرنا على نصّه بين الوثائق البريطانية، وهذه ترجمته: 10
"البصرة في 20 مايس 1921
"فخامة السر برسي كوكس المندوب السامي لصاحب الجلالة البريطانية في العراق
"بناء على ما فهمناه من التصريحات المتكررة لسعادة القائد العام للقوات البريطانية ان من حقنا ان نختار شكل حكومتنا.
"ولما كنتم فخامتكم قد عدتم من مصر بعد مباحثات مع وزير المستعمرات حول شكل الحكومة التي ستؤسس في العراق، ونظراً لما هو معروف من انصاف الحكومة البريطانية وعدالتها وعطفها، وهذا على الرغم من كون الادارة بيد العسكريين.
"وبالنظر للتطورات المنتظرة في تأسيس حكومة مدنية تحمل محلها، ولما كان هنالك امامنا انموذج للدول المستقلة التي تتمتع، في ظل العلم البريطاني، بما تتمتع به من راحة وعدالة وأمن على أرواحها وممتلكاتها الخ..
"ولذلك فإننا، نيابة عن سكان البصرة، نود ان نعرض رغباتنا التي هي كما يأتي:
"اننا لا نرغب في ان يكون لنا أي نوع من الحكم بديلاً عن حكم الحكومة البريطانية.
"ان رغبتنا هي ان نبقى الى الابد في حماية حكومة صاحب الجلالة البريطانية، وان تعاملنا بنفس معاملتها للرعايا البريطانيين وان تشملنا بمودتها وعطفها لنعيش تحت علمها العظيم وظلها الوافي.
"إن هذا الرأي تم التوصل اليه بعد التأمل وانه افضل أمر لمصلحتنا ومصلحة أبنائنا وأحفادنا. وأملنا هو ان لا يرفض طلبنا هذا.
عبداللطيف المنديل
أحمد الصانع"
وعلى أي حال، لم تكن وراء هذه الاصوات الصادرة عن البصرة بدوافع متنوعة قوة تدعمها او تجعل بريطانيا تعيرها اهتماماً كبيراً.
والى جانب الاعتبارات الخارجية المتعلقة بترشيح فيصل لعرش العراق كان هنالك عدد من المرشحين للعرش او الطامحين اليه في العراق. وربما كان أقواهم وأبعدهم طموحاً هو السيد طالب النقيب، وأكثرهم ملاءمة للبريطانيين السيد عبدالرحمن النقيب الذي كانوا سيجدون فيه رئيساً صورياً للدولة يستطيعون ان يسيروه في الاتجاه الذي يؤمن مصالحهم بسهولة اكثر من غيره، وذلك لتقدمه في السن، وعزوفه عن الأغراض الدنيوية والمطامح المادية. ولكن هذه المزايا في نقيب بغداد كانت في الوقت نفسه تُعد من عيوبة ومن اسباب استبعاد فكرة اختياره، بالإضافة الى انه، وقد تقدمت به السن، واصطلحت عليه العلل، لم يكن له وريث مناسب يسدّ مكانه بعد وفاته.
وبعد ان تمكنت بريطانيا من إزالة العقبات الحقيقية والمتصورة في الخارج، وتهيئة الجو في الداخل بإبعاد السيد طالب بحجة واهية، وحمل الشيخ خزعل على سحب ترشيحه بناء على "نصيحة ودية" من السر برسي كوكس، وإقناع السيد عبدالرحمن النقيب على الاكتفاء برئاسة الوزراء، توجه فيصل من جدة الى البصرة فوصلها في 23 حزيران سنة 1921 واستقبل في مينائها استقبالاً حاراً. وكان المستر فيلبي مستشار وزارة الداخلية ووزير الداخلية بالوكالة قد حضر الى البصرة لاستقباله مندوباً عن السر برسي كوكس. وأدب لفيصل احمد باشا الصانع، متصرف لواء البصرة وأحد الموقعين على العريضة التي نقلنا ترجمتها اعلاه مأدبة فخمة خطب فيصل خلالها خطبة حث فيها الحاضرين على الاتحاد والتضامن، وعلى دفن الماضي لاستقبال عهد جديد ومستقبل عتيد 81. ومن البصرة واصل فيصل سفره الى بغداد حيث تم تتويجه في 23 آب سنة 1921 حسب الخطة المرسومة. وهكذا وجد العرش الشاغر ملكاً يتبوؤه بعد طول بحث وتدقيق.
هوامش
1 A.II. Brodrik, Near to Greatness, London 1965, p.19
2 محاضر "مؤتمر الشرق الاوسط في القاهرة والقدس" محفوظة في مركز الوثائق العامة في لندن في الإضبارة المرقمة: F.O. 371/6343
3 عوني عبدالهادي "أوراق خاصة" أعداد خيرية قاسمية بيروت، 1974، ص 44 - 48.
4 ساطع الحصري، "مذكراتي في العراق"، الجزء الاول، بيروت 1967، ص24.
5 هذه الوثيقة محفوظة في مركز الوثائق في لندن تحت رقم E-2279 في الإضبارة المرقّمة: F.O. 371/6349.
6 كذا جاءت في الاصل، والمقصود هو "الخليج العربي" طبعاً.
7 استقال عبداللطيف المنديل من وزارة التجارة فعلاً بتاريخ 29 نيسان 1921.
8 قارن هذا بما ذكره السيد عبدالرزاق الحسني في "تاريخ الوزارات العراقية" الجزء الاول، الطبعة الرابعة، ص 36 من ان عبداللطيف المنديل استقال من منصبه احتجاجاً على إبعاد السيد طالب النقيب. ويبدو ان مجيء استقالة المنديل في أعقاب نفي السيد طالب حمل السيد عبدالرزاق الحسني على هذا الاستنتاج. ومن المعروف ان عبداللطيف المنديل كان غير راغب في الوزارة، وانه قلما حضر اجتماعات مجلس الوزراء أو داوم في مقر منصبه، كما انه كان قد حصل على إجازة لمدة شهرين قبل استقالته، وسافر الى نجد.
9 الأرجح ان هذا الكتاب قدم الى السر برسي كوكس باللغة العربية، وقد عثرنا في وثائق وزارة المستعمرات على ترجمته الانكليزية دون الاصل العربي الذي يبدو انه حفظ في دائرة المندوب السامي، فترجمناه الى العربية عن ترجمته الانكليزية، ولذلك قد يكون فيه شيء من الاختلاف عن الاصل العربي. وهو محفوظ في الإضبارة المرقمة: C.O. 730/2
وهنالك عريضة اخرى بنفس المعنى ولكنها اكثر تفصيلاً، قدمها "لفيف من وجهاء البصرة" الى المندوب السامي بتاريخ 13 حزيران 1921 أي بعد هذا الكتاب بشهر واحد تقريباً وقد نشرها السيد عبدالرزاق الحسني في "تاريخ الوزارات العراقية" الطبعة الرابعة الجزء الاول، ص 84 88.
10 عبدالرزاق الحسني، "تاريخ الوزارات العراقية" الطبعة الرابعة، الجزء الاول، ص 41


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.