يحمل اعضاء الجماعات المسلحة الجزائرية أسماء حركية و"جهادية" غالباً لتمويه السلطات الأمنية، ولعدم تمكينها من التعرف على هويتهم الحقيقية بعد لجوئهم الى الجبال، ويختار "الأمراء" منهم كنية ابنائهم، وان كان بعضهم يحمل هذه الألقاب "الأبوية" وهم عازبون، مثل عنتر زوابري، الأمير السابع ل"الجماعة المسلحة"، الذي يعرف ب"أبو طلحة" على رغم انه لم يتزوج أبداً وليس لديه أطفال. لكن اذا كان هؤلاء الأمراء والقياديون يحملون ألقاباً "محترمة"، فإن بعض الأسماء المستعارة لبعض أتباعهم غريبة، مثل: جحا، طاوطاو الفرماش، فليشه، موح جيطا، وهي اسماء تدل على مستواهم الاجتماعي والتعليمي وماضيهم ذي السوابق العدلية، كالفرماش، وموح جيطا، وهي ايضاً الألقاب تكشف عن وظائفهم التي كانوا يشغلونها من قبل، مثل العسكريين الذين اشتهروا كارهابيين مثل: البارا، فريد الدركي، سليم الأفغاني، اضافة الى انها علامة على هوايات متناقضة للتنظيمات المختلفة التي ينشطون في صفوفها، الى درجة انها تحدد جنسهم مثل: "لالا فتيحة، والأميرة ياقوت"، على رغم انه ثبت انهما من نسج الخيال. فاتح شاب لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، التحق بصفوف "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجيا سنة 1994 في منطقة المتيجة في الوسط الشرقي للجزائر، قبل ان يقرر الاستفادة من قانون الوئام المدني عام 1999 ويعود بعدها الى أهله وعائلته. كان يلقب ب"أبو الوليد" ولم تتم "ترقيته" في صفوف الجماعة التي كان ينشط فيها، لكنه كان مقرباً من "أمير" تلك المنطقة. أعلن انه التحق بالعمل المسلح "مضطراً"، وهو غير ملم بأمور الدين والشرع، وقناعته لم تكن "جهادية"، لكنه يعترف بأنه اختار هذا اللقب "أبو الوليد" لأنه كان يعشق هذا الاسم كثيراً، ومباشرة بعد توبته تزوج وأنجب ولداً سماه "وليد" .... ويروي فاتح انه لا توجد مقاييس لاختيار هذه الألقاب: "كنا في الجماعة عندما يلتحق بنا أخ جديد يعطى له اسم مستعار حتى لا تكشف مصالح الأمن هويته الحقيقية، ويكون الاسم عادة من اختيار الأمير، أو من اختيار الجندي نفسه". يقول محللون نفسانيون على صلة بالملف الأمني ان كثيرين من الشبان الذين التحقوا بالحركات المتطرفة وجدوا في ذلك فرصة لتغيير اسمائهم بما يتماشى مع قناعتهم التي كانت مغيبة ومقهورة ومكبوتة طوال سنوات، وسجلت هذه الظاهرة بقوة خلال الثمانينات مع بروز الحركة الاسلامية وانشاء "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في التسعينات حيث لم يشمل التغيير اللباس والفكر فقط، بل امتد ايضاً الى الاسماء "غير الشرعية" مثل: سليم، كمال، كريم، فريد، وحتى بعض "الأخوات" آنذاك اتخذن اسماء اسلامية مستعارة. وبعد اندلاع اعمال العنف والتحاق البعض بالنشاط المسلح، انتشرت الأسماء "المعبدة"، خصوصاً عبدالله وعبدالرحمن وعبدالقاهر وعبدالحق وعبدالقوي وعبدالناصر... وغيرها، وهي اسماء حملها بعضهم للتدليل على الرغبة في الانتصار على الظلم والطغيان والقهر التي عانى منها هؤلاء، حسب اعترافات بعض التائبين. الا ان هذه الأسماء التي اختارها هؤلاء لا تعكس شخصياتهم الحقيقية المهزوزة والضعيفة في الغالب، حيث يتسمون بأسماء الصحابة - رضوان الله عليهم - الذين تركوا بصمات في التاريخ الاسلامي، فلقب الكثيرون منهم ب"أبو الوليد" تيمناً بخالد بن الوليد الفاتح العظيم، أو عمر ابن العاص، ومصعب، وصهيب، ومعاذ وهيثم وسلمان... وغيرهم. وكل هذه الأسماء وغيرها وقع الاختيار عليها بحثاً عن وجود جديد وتحقيقاً لذواتهم، زاد على هذا حملهم السلاح الذي مثل لبعضهم القوة، واستعاد بعضهم الآخر بواسطته الثقة بالنفس والحرية في فعل ما كان يعتبروه مستحيلاً الى وقت قريب. وفي سياق متصل يشير محللون نفسانيون الى ان هؤلاء ينتحلون شخصية اخرى ليعلنوا التغيير والتمرد على كل شيء حتى على هويتهم، ويتخيل كثيرون انفسهم عسكريين حقيقيين باعتبارهم مصدراً للسلطة التي يبحثون عنها بعد تعرضهم للذل والمهانة والتهميش الاجتماعي، ورأى بعضهم انه بطل من أبطال الفيلم الشهير "الرسالة"، ولأولئك الذين سجلوا اسماؤهم في السجل الخالد للتاريخ الاسلامي كفاتحين ومبشرين برسالة الخلاص من الظلم الذي لحق بالانسانية، ولكنهم بعدما التحقوا بالجبال اصطدموا بواقع مخالف تماماً، وقال بعضهم ان الحياة في "الكازمات" المعاقل في الجبال أشبه بالجاهلية! لكن المتأمل بألقاب بعض نشطاء الجماعات المسلحة يقرأ في دلالتها المستوى الاجتماعي الذي يتحدرون منه، ومستوى التعليم الذي تلقونه، وحتى هوية التنظيم الذي ينشطون في صفوفه. فتنظيم "الجيش الاسلامي للانقاذ" الآياس يفتقد مثلاً للألقاب الغريبة، اذ حافظ أغلب اعضائه على اسمائهم الحقيقية، وفضل "أمراء" هذا التنظيم حمل اسماء ابنائهم الأبكار، فمدني مزراق "الأمير" الوطني لهذه الجماعة عُرف اكثر باسمه الكامل، وبعدما نُصب "أميراً" تسمى ب"أبو الهيثم" نسبة الى ابنه البكر، ومع ذلك يلقب مدني مزراق في محيطه ب"مندرينه" فاكهة اليوسفي لاحمرار وجهه وميله الى الحمرة الشديدة عند الغضب، وعندما اصبح عضواً بارزاً في مجلس الشورى ل"الجبهة الاسلامية للانقاذ" ثم أميراً وطنياً ل"الآياس" تحول الى "أبو الهيثم"، ولكن هذا اللقب لم يتغلب على لقبه الأصلي "مدني". والشيء نفسه بالنسبة الى "أمير" آخر من أمراء الجماعات المسلحة، هو مصطفى كرطالي المدعو "أبو عبدالرحمن" وهو اسم ابنه الأصغر، وأطلقه كذلك على الكتيبة التي انشأها وترأسها مباشرة بعد انشقاقه عن تنظيم "الجماعة الاسلامية المسلحة" وأبقى أغلب اعضاء هذا التنظيم على اسمائهم الأصلية. ويرجع المتتبعون لهذا الملف ان نواة "الآياس" تشكلت من كوادر الجبهة الاسلامية للانقاذ الذين التحقوا بالنشاط المسلح مباشرة بعد توقيف العملية الانتخابية عام 1992 حيث كانوا يتمتعون بمستويات ثقافية وتعليمية عالية، اذ من بينهم اساتذة جامعيون وأئمة وأطباء ومهندسون، وحتى دكاترة في تخصصات علمية، فاتخذوا لأنفسهم اسماء "جهادية" تليق بالمقام. على عكس هؤلاء فإن تنظيم "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجيا بقيادة عنتر زوابري - تم القضاء عليه قبل فترة - قضى على كوادره، ونشط في صفوفه أعضاء لا يحملون إلا ايديولوجيا التدمير والقتل والاغتصاب والفساد، وجاءت ألقابهم "غريبة" لكنها تعبر عن مستواهم، مثل: "جحا" الذي كان ينشط في ضواحي العاصمة، وكان قصير القامة اسمر البشرة ضعيف البنية، حاول تغيير لقبه الى اسم "جهادي" لكنه فشل والسبب يعود الى ان ألقابهم الطفولية ظلت لصيقة بهم لاستمرار تواجدهم في احيائهم، لذلك واجهوا صعوبات في تغييرها، مثل "أبو سراقة"، واللقب هو لصحابي جليل اتخذه أحد عناصر الجماعة المسلحة المدعو عبدالقادر، وكان معروفاً ب"القط"، ويذكر أبناء حيه انه كان في طفولته يعترض الطريق على المارة ويخطف منهم أي شيء موجود في ايديهم ويفلت بسرعة كالقط من المطاردة. وعندما التحق بصفوف "الجماعة المسلحة" غير اسمه الى "أبو سراقة"، لكن أبناء حومته لا يزالون يذكرونه ب"القط" ومصيره مجهول اليوم. ألقاب الرسوم المتحركة يؤكد مواطنون في أحد أحياء برج الكيفان - وسط العاصمة - وهو أحد معاقل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي يتزعمها حسان حطاب، ان أحد أتباعه كان يعرف بلقب "هاك"، ويروي أحد الشباب المقربين منه أن محمد كان يعيش متشرداً لا أهل ولا بيت له، التحق بعدها بجماعة حطاب عندما تأسست، والجميع يذكره ب"هاك"، وهو اسم رفيق "توم سوير" بطل سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة. والواقع أن الأفلام الكرتونية كان لها وقع وتأثير على عناصر الجماعات المسلحة وحتى على قياديين فيها، فالمدعو عقال الذي كان ينشط في الغرب الجزائري، قيل انه كان جميلاً بشعر طويل وأملس، لذلك اطلقوا عليه كنية "الأميرة ياقوت"، وهي بطلة رسوم متحركة لقصة رومانسية شهيرة تتناول حياة أميرة تدعى ياقوت، جميلة ورقيقة تعيش في جو ارستقراطي باذخ، ولكنها في الليل تتحول إلى فارس مغوار ترتدي بذلة رجالية وتمتطي حصاناً لنصرة المظلومين والفقراء، وتقدم العون لهم وتنتصر لهم من الأقوياء والظالمين. وكانت أوساط إعلامية نقلت أن الياقوت "أميرة" على جماعة مسلحة صغيرة في ناحية الغرب تقودها وتنفذ معها عمليات المداهمة الليلية والاغتيالات، ولكن تائبين نفوا وجود امرأة "أميرة" على أية جماعة، خصوصاً بعدما تردد اسم آخر وهو "لالا فتيحة" باعتبارها "أميرة". وقالت اعترافات تائبين بعد صدور قانون الوئام المدني والعفو الشامل إن لا وجود لنساء "قياديات" في صفوف مختلف التنظيمات المسلحة، وان دور المرأة فيها كان محدوداً جداً لا يخرج عن إطار الأشغال المنزلية، أو نشاط يخص شبكات الدعم والاسناد وجمع الأموال، بينما يؤكد متتبعون لمسار الجماعات المسلحة أن هناك ألقاباً نسوية موجودة فعلاً لكن أصحابها رجال، ويستندون إلى بعض الشهادات التي تؤكد وجود شاذين جنسياً في صفوف هذه الجماعات، خصوصاً تلك التي كان يعيش عناصرها داخل "كازمات" معاقل في فرق لا يتجاوز عدد أفرادها العشرة، وأدى الاختلاط والاحتكاك الرجالي المتواصل بينهم وغياب النساء إلى نشوء هذه الظاهرة ليطلقوا على بعضهم أسماء نسوية .... وتبقى الكنية مرتبطة كذلك بالمحيط المعيشي والوضع الاجتماعي، ففي الدواوير والأحياء الشعبية الفقيرة تطلق عادة ألقاب "منحطة" تعكس الفقر والإعاقة والشكل، مثل خالد "الفرماش" من دون أسنان و"المانش" فاقد الذراع و"الذيب الجيعان" الذئب الجائع. فنشطاء الجماعات المسلحة في المدن الكبرى، كالعاصمة، ارتبطت العمليات الإرهابية الأولى التي قاموا بها بأسماء لهم معروفة في الأوساط الأمنية بسوابقها العدلية، واحترافها في عمليات النشل والسرقة وغيرها. ويقال إن "فليشة"، أحد هؤلاء الإرهابيين، كان شاباً سريع الحركة وينجح دائماً في الفرار مثل السهم، بعضهم يتحدث عن خبرته في النشل والخطف، لكن بعض المقربين منه يؤكد أنه لُقّب كذلك لسرعته الفائقة في تنفيذ اغتيالات استهدفت أنصار الأمن وسلب أسلحتهم. "موح جيطا" وهو إرهابي آخر، كان ملاكماً بارعاً يمارس هذه الرياضة بجنون، وكان شكل وجهه غريباً نسبياً وكبيراً نوعاً ما، ما دفع أولاد حيّه إلى تلقيبه ب"موح جيطا" نسبة إلى نوع من أنواع السيارات. وتتضارب الأقوال حول حقيقة الإرهابي ياسين "نابولي"، فأصدقاؤه يؤكدون أنه كان يتمتع بجمال الايطاليين، أسود الشعر والعينين، أبيض البشرة، وذا حاجبين عريضين، لكن آخرين يتحدثون عن زياراته الكثيرة إلى ايطاليا و"البزنسة" التجارة هناك، ما سمح له بتعلم بعض المصطلحات الايطالية قبل أن يتحول إلى أحد أبرز عناصر الجماعة المسلحة قبل أن يتم القضاء عليه. وتكشف هذه الألقاب كذلك عن هوية التنظيم الذي ينتمي إليه هؤلاء، حطاب "أمير" الجماعة السلفية للدعوة والقتال، اختار اسم ابنه الوحيد "حمزة"، وعناصره لم "ينحرفوا" كثيراً في كنياتهم، وحمل القليل منهم أسماء جهادية مثل: أبو مصعب شراحبيل وعكاشة وسيف وحمزة وبلال... وغيرها، وظل كثيرون منهم على صلة بأسمائهم الحقيقية، خصوصاً القاطنين في المناطق التي ينشطون فيها، غير أن اتباعه في منطقة أخرى يسيطر عليها متمرد من الجيش النظامي، اتخذوا لأنفسهم أسماء "جهادية إسلامية" لإعطاء الانطباع بأن ما يقومون به هو "الجهاد" وليس مواجهة مسلحة بدافع الانتقام من المؤسسة التي لفظتهم أو انهم تمردوا عليها، وهكذا اختار عماري صايفي - "أمير" - لقب "أبو حيدرة"، لكنه ظل معروفاً إعلامياً ب"عبدالرزاق البارا" باعتباره مظلي سابق تابع للقوات الخاصة للجيش النظامي، وأيضاً بوبكر "الجودان" العريف وهو أيضاً عسكري فار من الجيش. وما زالت الأسماء المستعارة - مثلما يقول خبراء الملف الأمني - منذ دخول المجتمع الجزائري في دوامة الإرهاب والنار والجنون، استراتيجية تنتهجها التنظيمات المسلحة لعدم تمكين أجهزة الأمن من معرفتهم وتحديد هوية عناصرها وأتباعها، وكانت بمثابة "شفرة"، إلا أنها في المقابل، يضيف هؤلاء الخبراء، عكست المرآة الحقيقية لهؤلاء الذين يهربون إليها، ولكنها تفضحهم على رغم كل شيء