ظهرت الحركة الإسلامية للمرة الاولى في العراق في منطقة كردستان، فبعد سقوط الخلافة الإسلامية على يدي مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924 سعى بعض العلماء في هذه المنطقة الى حض الناس على مقاومة العلمنة الأتاتوركية، ودعوتهم الى التمسك بالهوية الإسلامية. ولم يظهر الإسلاميون في مناطق الأكراد في صورة علنية ومنظمة إلا عام 1952 على يد جماعة "الإخوان المسلمين". وعلى رغم أن السلطة المركزية حزب البعث حلت تنظيم الإخوان عام 1971، الا ان الجماعة ظلت قائمة بصفة غير رسمية. وظهر التيار السلفي بقوة في نهاية الستينات مع انتشار وسائل الاعلام والاحتكاك المباشر في مواسم الحج والعمرة وقوافل الدعاة، وظهر تيار جهادي للمرة الأولى عام 1978، وشكلت أول جماعة إسلامية مسلحة عام 1980 في جبال كردستان. وأطلق على الوليد الجديد اسم "الجيش الإسلامي الكردستاني". وخلال ذلك كانت وسائل الإعلام تتناقل أخبار المجاهدين الأفغان ومعاركهم ضد الشيوعيين. ولم ينقض عام 1985 إلا وكانت "الرابطة الإسلامية الجهادية" ظهرت الى الوجود، وبعد عامين شكّل "تنظيم الحركة الإسلامية" في كردستان العراق على يد الشيخ عثمان بن عبدالعزيز. وهكذا ظهر تيار إسلامي متعدد الاتجاهات: إخواني وسلفي علمي وسلفي جهادي. وفي أثناء الحرب العراقية - الإيرانية وبعد أحداث مدينة حلبجة نزح كثير من الأكراد عن أراضيهم إلى الحدود الإيرانية. وفي المخيمات التي أقامتها الحكومة الإيرانية برز اتجاه جديد يحمل فكر الثورة الإيرانية الشيعي لدى الأكراد، فيما نشط الفكر السلفي السني في المخيمات للتصدي لهذا الفكر الجديد. وأخذت الحكومة الإيرانية تضيق على الفكر السلفي السني خصوصاً بعد توقف الحرب عام 1988، ليعود حملة هذا الفكر إلى كردستان بعد حرب الخليج الثانية عام 1991. وفي عام 1988، تألّفت جماعة جديدة متأثرة بفكر "الإخوان المسلمين" لكنها ذات طابع جهادي أطلق عليها "الحركة الإسلامية" بزعامة الشيخ عثمان بن عبدالعزيز، ثم حدث انشقاق داخل الحركة الإسلامية وتأسست عام 1992 جماعة جديدة أطلق عليها "النهضة". وبعد ذلك بعامين تشكلت جماعة جديدة أطلق عليها "الاتحاد الإسلامي" الذي اختار نهج الإخوان المسلمين في العمل الحزبي والسياسي وابتعد عن العمل الجهادي. وفي 1999 اتفقت "الحركة الإسلامية" بقيادة الملا علي عبدالعزيز على الإتحاد مع "حركة النهضة" وأطلق على الجماعة الجديدة "حركة الوحدة الإسلامية"، وقامت بنشاط دعوي واسع في كردستان العراق وأنشأت محطتين إذاعيتين وافتتحت مسجداً كبيراً. وبمرور الوقت، وتدخل بعض الأطراف كإيران وحزب الإتحاد الوطني لاستمالة طرف على حساب طرف بدأ الشقاق في صفوف الحركة الجديدة، حتى انهار التحالف عام 2001، فانشقت الحركة إلى جماعتين: الأولى هي "الحركة الإسلامية" بزعامة الملا علي عبدالعزيز والثانية هي "الجماعة الإسلامية" بزعامة الشيخ علي بابير. وحاولت مجموعات إسلامية صغيرة ك"جماعة التوحيد" و"جماعة المركز" الإصلاح بين "الحركة الإسلامية" و"الجماعة الإسلامية" غير أنها باءت بالفشل، فتشكلت جماعة جديدة أطلق عليها "جند الإسلام" أعلن عنها في ايلول سبتمبر 2001 وضمت في صفوفها بعض الإسلاميين الذين سبق لهم الجهاد في أفغانستان بزعامة أبو عبيد الله الشافعي اسمه الحقيقي وريا هوليري الذي كان ينتمي إلى "حركة الوحدة الإسلامية" في أربيل عام 1994. ويزعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أن الشافعي تعرف على تنظيم "القاعدة" في أفغانستان. وانتشر نشاط الجماعة على شريط القرى الممتد بين حلبجة والقرى المتاخمة للحدود الإيرانية وهي تسع قرى أهمها بيارة التي كانت مقر قيادة الجماعة. وقامت الجماعة بدعوى الحسبة وكانت تأمر بغلق المتاجر أثناء الصلاة، وتمنع بيع الخمور وتدعو إلى الإعداد والتجهز للجهاد ضد أعداء الأمة. "انصار الاسلام" في 10 كانون الاول ديسمبر 2001 اندمجت ثلاث جماعات إسلامية هي "جند الإسلام" و"حماس الكردية" و"حركة التوحيد" وألّفت جماعة واحدة أطلق عليها "أنصار الإسلام" وأبرز قادتها الملا فاتح كريكار اسمه الحقيقي نجم الدين فرج. وهكذا صارت هناك ثلاث جماعات إسلامية مسلحة في كردستان هي: "الحركة الإسلامية" ومقرها حلبجة قبل ان تنتقل إلى قرى مجاورة بعد ذلك، و"الجماعة الإسلامية" ومقرها في "خورمال"، و"جماعة أنصار الإسلام" ومقرها في بيارة. تتبنى جماعة "أنصار الإسلام" الفكر السلفي الجهادي متأثرة بالنموذج الفكري لسيد قطب والمنهج الحركي لجماعة "الجهاد" المصرية. ووفقاً لدراسة أعدّها مدير "مركز المقريزي للدراسات التاريخية" في لندن الدكتور هاني السباعي يتكون الهيكل التنظيمي لجماعة "أنصار الإسلام" من الأمير ونائبيه واللجنة العسكرية واللجنة الشرعية والمحكمة الشرعية واللجنة الإعلامية واللجنة الأمنية. ويشير السباعي في دراسته الى أن الجماعة "لم تكن لديها قدرات عسكرية متميزة غير أنها تتبع أسلوب حرب العصابات خصوصاً أنها تتمركز في مناطق جبلية وعرة تساعدها على ذلك. أما من الناحية الأمنية فتلتزم الجماعة الحذر الشديد ولا تستخدم الهواتف النقالة أو الأجهزة الإلكترونية وتحبذ التواصل المباشر عبر الأشخاص". اندلعت حروب طاحنة بين جماعة "أنصار الإسلام" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وعلى رغم تفوق الاتحاد الوطني لجهة العدد والعتاد إلا أنه مني بخسائر فادحة على يد "جند الإسلام" التي اندمجت في "أنصار الإسلام" في ما بعد نتيجة اعتماد هذه الجماعة حرب العصابات. وبعد الاندماج أدرك زعيم الحركة الملا فاتح كريكار ضرورة التكيف مع الظروف التي خلفتها أحداث ايلول في نيويورك وواشنطن، فأعلن رغبته في عقد هدنة مع الاتحاد الوطني الكردستاني والتقى زعيم الحزب جلال الطالباني. لكن حدث ما عكر هذه الهدنة في الثاني من نيسان ابريل 2002 عندما تعرض رئيس حكومة الاتحاد الوطني الدكتور برهم صالح الذي يحمل الجنسية الأميركية ويعتبره بعض الإسلاميين رجل "سي آي أي" الأول في كردستان لمحاولة اغتيال. وعلى رغم نفي "أنصار الإسلام" أي علاقة لها بالحادث أصرّ الاتحاد على اتهامه بعدما ادعى أن منفذي الهجوم كانوا ثلاثة، هم: عبدالسلام أبو بكر عضو مركز السليمانية ل"الجماعة الإسلامية"، وشخص آخر اسمه قيس نجح في الفرار ثم اعتقل في السليمانية الجديدة في منزل عضو في "الجماعة"، والثالث اسمه كامران مورياسي، وكان عضواً سابقاً في جماعة "التوحيد" إحدى الجماعات الثلاث المكونة ل"أنصار الإسلام". وأدت تلك الواقعة الى تدهور العلاقة بين "أنصار الإسلام" والاتحاد الوطني. ولم تكن علاقة "أنصار الإسلام" بالحزب الديموقراطي بزعامة مسعود بارزاني طيبة أيضاً، بل إن الحزب اتهم الجماعة باغتيال فرانسوا الحريري القيادي البارز في الحزب الديموقراطي في مدينة أربيل. وفي هذه الفترة نبش مجهولون قبر "الشيخ حسام الدين" في قرية باخة كون قرب منطقة بيارة التي يسيطر عليها "أنصار الإسلام" كان مزاراً لأتباع الطريقة النقشبندية. ونقلت رفاته إلى المقابر العامة لمنع زيارتها. وشكّل الملا كريكار لجنة للتحقيق في الحادث ثم أعلن في ما بعد أن أفراداً من جماعته فعلوا ذلك من دون إذن وانه يحاكمهم شرعياً. فأصدرت مشيخة الطريقة النقشبندية بياناً استنكر الحادث وتوعد "أنصار الإسلام". وهنا تقارب الخصمان اللدودان، الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي، للقضاء على العدو المشترك أنصار الإسلام. وقبيل الحرب على العراق، صرح وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بأن "أنصار الإسلام" تطور أسلحة كيماوية، وأنها مرتبطة بنظام صدام حسين الذي يخفي كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية في مناطق الجماعة. وأصدر الملا كريكار بياناً نفى هذه الاتهامات، وأعلن مسؤول العلاقات العامة في "أنصار الإسلام" محمد حسن ترحيب الجماعة بكل من يرغب في زيارة المنطقة الخاضعة لسيطرتها للتحقق من هذا الإدعاء. كما نفت الجماعة اتهامات طالباني وبارزاني بوجود علاقة لها ب"القاعدة". وربما كان ذلك حقيقياً من الناحية العضوية والتنظيمية البحتة، لكن توجد علاقات فردية بين اشخاص ينتمون إلى "القاعدة" وآخرين من "الانصار" نشأت اثناء الوجود المشترك في افغانستان، كما أن هناك تشابهاً في فكر الجماعتين السلفي الجهادي وإن اختلفتا لجهة طبيعة العمل وأولويته. اذ ان "القاعدة" ذات توجه عالمي لا تركز على دولة إسلامية بعينها، وهي قامت في الأساس لطرد "أعداء الإسلام" في أي منطقة يحتلونها وجعلت أولويتها بعد حرب الخليج الثانية طرد الأميركيين من جزيرة العرب. أما "أنصار الإسلام" فهي جماعة محلية تشترك مع بقية الجماعة الكردية، سواء العلمانية أو الإسلامية، في محاولة نيل الاستقلال ولكن تحت حكم إسلامي، كما أنها تخالف بعض الحركات الإسلامية التي تتخذ المنهج الديموقراطي مثل الاتحاد الإسلامي المقرب من "الإخوان المسلمين" الذي يشارك في حكومة الحزب الديموقراطي في أربيل. شهد إقليم كردستان العراق بعد حرب الخليج الثانية حركة تنقل ومرور في ظل غياب القبضة الامنية الحديد للحكومة المركزية في بغداد، فكان من السهل التنقل من تركيا إلى كردستان وعبور الحدود الإيرانية بكل سهولة ومنها إلى أفغانستان. لكن حركة الانتقال لم تكن على نطاق واسع لأن الطريق الأسهل كان عبر باكستان ودول الخليج. وبعد عام 1995 تغيرت الامور وصارت كردستان الممر المفضل والأقل خطورة حتى من باكستان نفسها التي ضيقت على حركة المرور عبر أراضيها. ويرجح أن الوضع ظل كذلك حتى قبيل الاحتلال الأميركي للعراق بعدما اعتقلت إيران بعض المتعاطفين مع حكومة "طالبان" و"القاعدة" ففر كثيرون منهم إلى كردستان خصوصاً وقتل عدد منهم في القصف الأميركي على مناطق "أنصار الإسلام" و"الجماعة الإسلامية". وبعدما احتل الأميركيون العراق صارت الحدود بلا رقيب ونشأ مناخ خصب للحركات الإسلامية التي ترغب في جهاد الأميركيين. وبالمقارنة مع أفغانستان كان العراق ساحة أفضل لجهة التقارب اللغوي والتشابه الخلقي اضافة إلى التعاطف الشعبي، خصوصاً في "المناطق السنية" أو الدول المجاورة للعراق حيث تشعر عامة الناس أن من واجبهم الديني والخلقي الإيمان أن يغضوا الطرف عن "المجاهدين" الذين يقاومون قوات الاحتلال. ويبدو أن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يعتمدان على استنهاض هذه الجماهير لقتال الأميركيين وإخراجهم من العراق. وعلى رغم انه لا يوجد احصاء لعدد أفراد "القاعدة" في العراق ولو على سبيل التخمين، الا ان المرجح ان العدد كبير لجهة المتعاطفين مع التنظيم. أما الأعضاء المنتمون فعلياً ل"القاعدة" فقد يكونون قليلين نسبياً مع تركز وجودهم في مناطق الشمال العراقي وفي بغداد والمناطق السنية. وربما كان دور عناصر "القاعدة" في العراق والمتعاطفين معهم أشبه بملح الطعام مثلما كان دور العرب في أفغانستان. فعناصر "القاعدة" مثلوا الحافز المعنوي لأن الشعب الأفغاني كان يقاتل وهو الذي ضحى بآلاف الشهداء، وكذلك الحال بالنسبة الى المقاومة القائمة الآن في العراق والتي هي عراقية شكلاً ومضموناً فيما يشكل التحاق بعض "العرب" وغيرهم حافزاً معنوياً للمقاومين العراقيين. "جيش أنصار السنة" "جيش أنصار السنة" جماعة سلفية أعلنت عن نفسها بعد احتلال العراق بخمسة أشهر، وهي خليط من مجموعات إسلامية مقاومة للاحتلال الأميركي. واندمجت كل هذه الفصائل والأفراد في جماعة واحدة أطلقت على نفسها "جيش أنصار السنة" تمايزاً لها عن "جيش المهدي" الشيعي الذي شكله مقتدى الصدر. ويمكن فهم خطاب الجماعة من خلال بياناتها التي حملت توقيع "امير جيش أنصار السنة أبو عبدالله الحسن بن محمود" ويبدو فيها أن الجماعة تسعى الى الاستفادة من تجارب سابقة في العالم الإسلامي وتعمل على تفادي أن يقوم الإسلاميون برفع راية الجهاد ثم يقطف العلمانيون ثمرة النصر. وأظهرت البيانات أن "جيش أنصار السنة" يختلف عن "أنصار الإسلام" لجهة الهدف الذي يحاربان من أجله، لكنهما يتشابهان في أنهما جماعتان محليتان بخلاف "القاعدة" ويتشابهان في المرجعية الشرعية من قرآن وسنة واعتماد آراء علماء السنة وفي الخطاب السلفي الجهادي. والخلاصة أن "جيش أنصار السنة" جماعة إسلامية سلفية عراقية محلية يعمل تحت رايتها بعض العرب الذين يتسللون عبر الحدود من الدول المجاورة، سواء كانوا مرتبطين عضوياً ب"القاعدة" أو من المتعاطفين معها. كما يلاحظ أن بيانات "الجيش" متناغمة مع خطه الجهادي ودائماً توقع باسم "الهيئة العسكرية لجيش أنصار السنة". أبو مصعب الزرقاوي ينحدر أبو مصعب الزرقاوي من مدينة الزرقاء في الأردن واسمه الحقيقي أحمد نزال فضيل الخلايلة، وهو مولود في 20 تشرين الاول أكتوبر 1966 وسافر إلى أفغانستان عام 1989 حيث تعرف على قادة المجاهدين العرب والأفغان. ولم يكن له دور قيادي في تنظيم "القاعدة" بل كان يعمل مستقلاً وكان مهتماً بالشباب الأردني والفلسطيني وأسس معسكراً لتجميع هؤلاء، ولم يكن بينه وبين "القاعدة" سوى الرابط الإسلامي العام والتعاون الجهادي في الأمور غير التنظيمية. في عام 1995 عاد إلى الأردن فاعتقلته قوات الأمن ثم أطلقته فعاد ثانية إلى أفغانستان أيام حكم "طالبان"، وكان مهتماً بشؤون عوائل العرب الأفغان الذين قتلوا أو أسروا خلال الاحتلال السوفياتي لأفغانستان أو الذين اعتقلوا لدى عودتهم الى الأردن وفلسطين. وفي تشرين الاول أكتوبر 2000 حكمت محكمة أمن الدولة الأردنية عليه بالسجن 15 عاماً غيابياً في ما أطلق عليه إعلامياً قضية "بيعة الإمام" أو ما يسمى بتنظيم "التوحيد والجهاد". وكانت السلطات الأردنية تعتقد أنه في العراق فقدمت طلباً رسمياً الى بغداد باستلامه ولم ترد الحكومة العراقية علماً أنه كان مقيماً في أفغانستان التي كانت أيام "طالبان" بلداً أمناً لكل الجماعات الجهادية في العالم. وبعد الغزو الأميركي لافغانستان في السابع من تشرين الاول أكتوبر 2001 واطاحة حكم "طالبان" اختفى الزرقاوي وتردد انه فر إلى إيران ومنها دخل عبر الحدود إلى كردستان العراق وعاش في المناطق التي كانت تسيطر عليها جماعة "أنصار الإسلام" التي قصفتها القوات الأميركية بنحو 30 صاروخ كروز في 23 آذار مارس 2003 مما أسفر عن مقتل 57 من أبناء "الجماعة الإسلامية" و"أنصار الإسلام" وبعض العرب. وبرر القائد العسكري الأميركي تومي فرانكس هذا العدوان بأن أبا مصعب الزرقاوي يدير هذا المعسكر. واتهمت الحكومة الأردنية الزرقاوي بتدبير قتل الديبلوماسي الأميركي لورانس فولي بتاريخ 28 تشرين الاول 2002 في عمان. وبرز اسم الزرقاوي في القاموس الإعلامي اليومي بسبب محاولة الاستخبارات الأميركية إيجاد علاقة بينه وبين النظام العراقي السابق لتسويق وتبرير الحرب على العراق. ومع كل حادث في العراق تشير أصابع الاتهام الى الزرقاوي فصار الدليل الحاضر لدى قوات الاحتلال كما حدث في تفجير السفارة الأردنية في بغداد في 7 آب أغسطس 2003، واتهامه بحادث تفجير مبنى الأممالمتحدة وقتل السيد محمد باقر الحكيم والوقوف وراء مجزرتي كربلاء وبغداد في ذكرى عاشوراء. وقبل هذه الحادثة بأيام أعلنت القوات الأميركية أنها عثرت على وثيقة منسوبة للزرقاوي في مخبأ في بغداد يحرض على إشعال فتنة طائفية. ويشكك الدكتور السباعي في صدقية الوثيقة ونسبة احداث كربلاء وغيرها الى الزرقاوي، ويشير الى إن قوات الاحتلال قالت إنها عثرت قرص كومبيوتر يضم هذه الوثيقة من دون ان تحمل اسم الزرقاوي وأن أحد الخبراء العسكريين رجح أن الوثيقة كتبت بخطه و"هذا عجيب في عالم الكومبيوتر"! كما أن الثابت تاريخياً أن آخر رسالة نشرت للزرقاوي كانت العام الماضي بعد قصف كردستان مباشرة وكانت موجهة إلى عشيرته وأهله في الأردن، وهي أشبه بوصية يوصي فيها أهله بالتمسك بدين الإسلام والمضي في الجهاد في رسالة مطولة مشفوعة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة، مما يرجح أنه كتبها أثناء وجوده في كردستان، ويرجح أنه قتل في القصف الأميركي على مناطق "أنصار الإسلام"، ولما تأكد اتباعه من مقتله نشروا وصيته، كما أن نحو 12 منظمة إسلامية في الفلوجة وبعض المدن العراقية أكدت خبر وفاته في القصف الأميركي. "كتائب أبي حفص المصري" تبين البيانات الصادرة عن هذا الفصيل أنها ليست مكتباً إعلامياً رسمياً لتنظيم "القاعدة" بل هي عبارة عن مجموعة من المقربين فكرياً وروحياً من التنظيم. "والشاهد على ذلك أنها تبنت بعض العمليات في أميركا وأوروبا كقطع التيار الكهربائي في أميركا ولندن مما يجعلنا نشكك في صدقية نسبة هذه العمليات الى القاعدة خصوصاً أن شرائط صوتية للشيخ أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، بثت بعد الواقعتين ولم ترد فيها أي إشارة لمثل هذه العمليات". ويرجح أن يكون وراء بيانات "كتائب أبي حفص" بعض الشباب في الخليج ممن لهم علاقة سابقة ب"القاعدة" ولكن ليست لهم صلات مباشرة مع زعيم التنظيم أو من ينوب عنه نظراً الى الظروف الامنية المحيطة به. كما قد تكون لهم صلة ببعض الجماعات المجاهدة في العراق أو أفغانستان تمدهم ببعض المعلومات. وشكك الكثيرون في نسبة البيان الذي اعلن مسؤولية "القاعدة" عن تفجيرات كربلاء الى كتائب أبي حفص نظراً الى سرعة اصداره بعد التفجيرات بأربع ساعات تقريباً. لكن الملاحظ أن هذا البيان ينسجم مع أدبيات "القاعدة" ومفرداته للأسباب الآتية: اولا: لم يرد في خطب بن لادن وصاحبه الظواهري اي عبارة صريحة بتوجيه اللوم لايران على رغم علمهم أن ايران ضربتهم من وراء ظهرهم وألقت القبض على المتعاطفين والمنتمين الى التنظيم. ثانياً: لم يرد في خطابات بن لادن أو الظواهري اي اوامر بضرب الشيعة في العراق وغيره بل إن تنظيم "القاعدة" نفى من قبل أية علاقة له بمقتل الحكيم. ثالثا: لم يسبق ان قام تنظيم القاعدة بالهجوم على الشيعة في افغانستان، وكان في إمكان الافغان العرب الانتقام منهم نظراً لدورهم لتحالفهم مع "تحالف الشمال". رابعاً: ليس من مصلحة تنظيم القاعدة خوض حروب فرعية تضر باستراتيجيته في استهداف الاميركيين سواء في العراق أو خارجه. خامساً: يعتقد تنظيم "القاعدة" بعدم تكفير عوام الشيعة والقتل في كربلاء وبغداد طاول عوام المسلمين وهو قتل عشوائي تربأ أي جماعة إسلامية بنفسها عن القيام به، كما أن هذه العمليات لن يستفيد منها تنظيم "القاعدة" ولا اي مقاومة إسلامية اللهم الا سخط المسلمين في العالم على من يقتل عوام الناس. خلاصة القول ان العراق اليوم بالنسبة الى الاصوليين عموماً "دار حرب" ومناخ خصب ومناسب لأي حركة إسلامية تضع "الجهاد" في اولوية عملها ومن ثم فإن استمرار مقاومة المحتل في العراق سيفرز جماعات عدة قد تنصهر في جماعة واحدة كبيرة. والمؤكد أن نشاط الاصوليين في العراق سيكون اسهل لتنظيم "القاعدة" من افغانستان نظراً لعامل اللغة الذي كان عائقاً، اضافة الى عامل الشكل، ففي شمال العراق هناك تشابه وتداخل مع الاتراك الذين يتبنون الفكر الجهادي ومن ثم فإن وجودهم في كردستان والسليمانية وحتى كركوك والموصل مع اشتراكهم في عادات الاكراد سيدفع المقاومة الى المزيد من عملياتها في المستقبل القريب. أما في المناطق الاخرى من العراق، فأهل الخليج متشابهون في الخلقة والعادات مع بعض القبائل العربية بل إن هناك قبائل في سورية متشابهة في العادات والتقاليد مع القبائل العراقية وهذا سر الضغط على سورية لاغلاق حدودها والتهديد بضرب الحدود، وهناك بالطبع قبائل موزعة على دول عدة مثل قبيلة شمر، وهذا التداخل والتقارب والترابط العائلي يجعل حركة أبناء هذه القبائل سواء المنتمين لتنظيم "القاعدة" أو المرتبطين به روحياً بالفكر نفسه أكثر سهولة في العراق عما كانت عليه الحال في افغانستان.