يبدو أن صناعة الروبوت التي خلفت على مدى بضعة عقود من الزمن، ملايين العاطلين عن العمل في المصانع والمعامل، بدأت تشق طريقها إلى عالم الصحافة، أو بشكل أدق لمنافسة الصحافيين أنفسهم، وذلك تحت شعار الهروب من رقابة الجيش الأميركي وتحظيره المبرمج لدخول الصحافيين إلى ساحة المعارك وتوفير صورة دقيقة للمشاهد أو المستمع من المواطنين لما يجري ميدانياً في مناطق النزاعات الدولية والاقليمية. هذا على الأقل ما يؤكده مخترع الروبوتExplorer العامل في مختبرات معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا. لقد استوحى هذا المهندس فكرة هذا الجهاز من الروبوت Mars Pathfinder الذي أدى مهمات رائعة عام 1997 فوق كوكب المريخ. يبلغ طول الروبوت Explorer تسعين سنتيمتراً بعرض ستين سنتيمتراً، ويتحرك بواسطة عجلات قطر الواحدة منها 35 سنتيمتراً، وهو مزود بشاشة فيديو ومايكروفون مثبت على زانة يمكن أن ترفع إلى علو 120 سنتيمتراً ليتماشى مع ارتفاع الشخص المرغوب في محاورته. وإذا كان هذا الروبوت يتفوق على أنداده من الصحافيين البشر من حيث أنه لا يحتاج إلى فترات استراحة أو نوم وقادر على نقل وقائع أكثر جرأة وصدقية من تلك التي تنقلها شبكة التلفزة الأميركية "سي ان ان"، فإنه يعاني من مشكلة تحتاج إلى حل جدي، ألا وهي، أنها العربة التي تسيِّر هذا الجهاز تحتاج إلى وسط طبيعي مشمس جداً لأنها تعمل بالطاقة الشمسية مما يجعلها تتعرض لخطر التوقف والانزواء فجأة في حال هطول الأمطار أو تلبد السماء بالغيوم. وقبل ارسال هذا الروبوت إلى ساحة المعارك في أفغانستان، بدأ معهد ماساشوسيتش للتكنولوجيا باجراء اختبارات عملية على هذا الجهاز الذي أخذ منه منتصف شهر شباط فبراير الماضي بالتجوال في شوارع سومرفيل وقد جاءت النتائج مشجعة للغاية. إن هذا الجهاز المتصل بشبكة الانترنت عبر الأقمار الاصطناعية من شأنه أن يحدث ثورة حقيقية في ميدان التحقيقات الميدانية في مسرح المعارض، ويضع حداً للتعتيم الإعلامي والحظر العسكري إذا توافرت له شروط العمل المناسبة والمتمثلة برأي البروفسور جيرمي يانكو في مجال هندسة الروبوت في جامعة ييل بوجود أشخاص في موقع الحدث قادرين وراغبين في التعاون مع هذا الروبوت وحمايته من أيدي العابثين. وقبل أن يدخل Explorer الميدان العملي الفعلي، اعتبر أحد اختصاصي الروبوت في جامعة بيركلي Goldberg أن هذا الاختراع يعكس الدخول الجدي في الجيل الثاني من تصنيع روبوت الشبكة الذي بدأت مرحلته الأولى بين الأعوام 1994 و1997، وتتوجت بالمهمة التي قام بها الروبوت Polar Lander فوق كوكب المريخ من دون تدخل العامل الإنساني مباشرة، أما مدير مختبرات الذكاء الاصطناعي في معهد ماساشوسيتش للتكنولوجيا فيجزم بأن الحضور المسافي، أي الحضور في مكان ما من دون الوجود جسدياً، سيشكل الاستخدام الاساسي لتقنية الانترنت على المدى القريب. وبانتظار أن ينهي الروبوت Explorer تدريبه العسكري في شوارع سومرفيل يعتزم مخترع هذا الجهاز أن يرسله إلى كل من العراق والأراضي الفلسطينية لتغطية الأحداث هناك، وإن تعذر ذلك لأسباب سياسية، فإن هذا المهندس يأمل بأن يدفع اختراعه بصنّاع القرار الأميركي في البنتاغون إلى تعديل سياستهم القائمة على التعتيم النسبي في ما يتعلق بمسارح المعارك التي تشارك فيها القوات الأميركية وكسر طوق الاحتكار الذي تمارسه شبكة "سي ان ان" في النقاط الساخنة من العالم. ومع ذلك يعول معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا على سبق صحافي ذات يوم ممهور بتوقيع الروبوت Explorer. إن صحوة الروبوت الصحافية التي ولدتها الحرب الدائرة في أفغانستان انعشت مشروع البرنامج المعلوماتي Newsblaster الذي ينتجه فريق من الباحثين العاملين في جامعة كولومبيا في قسم هندسة العلوم التطبيقية ويرمي إلى كتابة مقال صحافي من دون التدخل البشري انطلاقاً من المعلومات المتوافرة على شبكة الانترنت، وقد دخل هذا المشروع حيز التنفيذ الاختباري على أن يقتصر استقاء المعلومات حتى الآن على ثلاثة عشر مصدراً. وتبعاً لهذا البرنامج يقوم جهاز الكومبيوتر بالاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعية لقراءة المقالات المنشورة على الشبكة وفرزها وتلخيصها، غير أنه لا يكتفي باستخلاص الجمل الأساسية الواردة في النصوص، بل يعمد إلى تقويم أهميتها عبر معالجتها بلوغاريتم خاص للتعامل مع اللغات الطبيعية ويمارس بذلك حساً صحافياً خاصاً به يأخذ بالحسبان مصدر الخبر وعدد المرات التي ورد فيها ذكر الحدث وأهمية المقال من حيث عدد القتلى والجرحى والأضرار المادية. كما يعالج الكومبيوتر جوانب أخرى من العمل الإعلامي طبقاً للتعليمات التي ضمنها المبرمجون لهذا النظام عن طريق استخدام "عملاء" الذكاء الاصطناعي بغية البحث عن آخر المعلومات المتعلقة بالحدث أو الموضوع المتوافرة في مواقع الانترنت الإعلامية المشمولة بهذه التجربة، على أن يتم تلخيصها وتصنيفها في خمس فئات على النحو التالي: الولاياتالمتحدة والعالم والاقتصاد والمال والثقافة والرياضة. وبعد قراءة العناوين يقوم البرنامج بتصنيف محتوى كل مقال في الخانة المناسبة ويتمم المقال باختيار أكثر الصور ملاءمة للحدث. لقد شملت هذه التجربة تغطية دخول قوات تحالف الشمال الأفغانية مدينة قندوز ونشر موقع On Line Journalisim Review مقالات قام بكتابتها برنامج Newsblaster على مدى أربعة أيام، واستند في مصادره على 32 مقالاً نشرت بين 25 و28 تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وعلى رغم أن النتيجة جاءت مرضية باعتراف الاخصائيين الإعلاميين الذين نسبوا إلى هذا البرنامج مزايا عظيمة، فإن عيوبه تنحصر في المقام الأول في تماثل وتشابه الطريقة التي تتم بها معالجة جميع المقالات من دون أن يستطيع مستخدم هذا البرنامج ايلاء أهمية خاصة لمعلومات هذا المقال أو ذاك أو استبعاد أي مصدر، إضافة إلى عجز هذا البرنامج عن رصد الاخطاء الواردة في المقال أو التضارب بين المصادر. وإذا كانت عملية استخدام الآلة كمصدر للمعلومات تواجه انتقادات لاذعة في الأوساط الصحافية، فإن Newsblaster يحاول أن يضفي على هذه التقنية نوعاً من المرونة والحركة بحيث يوفر للصحافيين ملخص ما تم تحريره حول حدث ما ليترك له إمكان إضافة لمسة من التشويق تحمل طابعه الشخصي. وفي الواقع استغل فريق البحث هذه التجربة لتحسين نوعية وفعالية هذا البرنامج والتصدي لنقاط الضعف التي يعاني منها حتى الآن، وأكد رئيس الفريق أن جميع المشاكل ستجد حلولاً مناسبة في المستقبل القريب، وفي مقدمها اضفاء طابع شخصي بحت على مصدر المعلومات وتحديد الفترة المطلوب تغطيتها اعلامياً وهي من الخيارات التي ستتوافر للقارئ والصحافي قريباً. يذكر أخيراً أن برنامج Newsblaster تعود بداياته إلى الثمانينات بهدف معالجة النصوص الصحافية بلغة طبيعية، وذلك بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية المهتمة منذ زمن طويل بتطبيقات اللغة الطبيعية على المعلومات ولا سيما المتعلق منها بالاعتداءات الإرهابية