يتعاطف انسان يحتوي جسده على مكونات ميكانيكية من الروبوت، مع إنسان آلي يمتلك ذكاءً اصطناعياً مشابهاً لما لدى البشر. يقاومان معاً محاولة الروبوتات الالكترونية للتسلط على الحضارة. ينتصران. وفي المقابل، يبدو اندحار الروبوتات وكأنه مقدمة لثورة كبرى هدفها تحرير الإنسان الآلي من تسلط البشر، ولنقله الى مرحلة الذكاء الانساني! تصف العبارات السابقة ملخص الفيلم الهوليوودي"انا، روبوت"، المأخوذ عن رواية خيال علمي بالعنوان نفسه للكاتب الشهير اسحاق عظيموف، الذي جدد النقاش القوي اميركياً عن مستقبل تطور الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، واختصاراً AI. ...بعد هزيمة كاسباروف جاء الفيلم في سنة شهدت فيها الروبوتات، التي تعتبر، اضافة الى الكومبيوتر، من النماذج الواضحة من الذكاء الاصطناعي، قفزة نوعية. فقد حط الروبوتان"اوبورتشينيتي"و"سبيريت"على سطح المريخ، الذي لم يصل اليه البشر بعد. وعلى الأرض، دخلت الروبوتات التجارية مرحلة الرقص والغناء مع روبوت"كيريو"، الذي تصنعه شركة"سوني". وصار الروبوت شبه الإنساني"اسيمو"خبيراً في العلاقات العامة. ودخل الى مجال التعليم. وأنجز اول جولة علاقات عامة على المدارس الاميركية، في حملة هدفها اضفاء المزيد من الدفء على العلاقة بين البشر والروبوت! والحال ان تلك العلاقة تعاني اشياء كثيرة. وعلى سبيل المثال، لا تزال طرية في الذاكرة الهزيمة المرة التي لاقاها اللاعب الاسطوري غاري كاسباروف، على يد الروبوت"ديب بلو"في العام 6991. ومنذها، مالت كفة الشطرنج لمصلحة الذكاء الاصطناعي، إذ صار التعادل أفضل انجازات البشر امام الروبوت، كما حدث في مباراة"ادمغة الى البحرين"بين"ديب فريتز"وبطل العالم في الشطرنج فلاديمير كرامينيك! ولعله ليس من المبالغة القول ان التفكير البشري بالذكاء الاصطناعي وآلاته المتطورة، يميل الى التوجس، ويخالطه الكثير من الخوف. لماذا يخشى الانسان ذكاء يصنعة بيده وعلى هواه، باستعارة عبارة شهيرة لكارل ماركس من كتاب"الثامن عشر من برومير: لويس بونابرت". وفي المقابل، يمكن طرح سؤال عن مدى تقليد البشر الآلات التي صنعوها أصلاً لكي"تقلدهم"؟ والمعنى واضح. عندما كثف البشر من صنع آلات الذكاء الاصطناعي، صار بعض من نواحي تفكيرهم"اصطناعياً". ويرد الامر الى الفيلم الشهير"الاوقات الحديثة"للممثل الاسطوري شارلي شابلن، الذي ادى دور عامل مصنع يعمل وكأنه هو واحدة من الآلات التي تدور في المصنع. ترى متى سيظاهر عمل فني ما ليقول إن الإنسان بات"يقلد"الكومبيوتر في حياته وتصرفاته؟ بفضل ثورة الانفوميديا تلح هذه الأمور، في وقت نعيش ثورة الانفوميديا Infomedia ، اي الادوات الالكترونية المتطورة التي تحركها برامج المعلوماتية، والتي غيّرت، على الارجح، الكثير من ملامح الوسط الاجتماعي - الثقافي في عيش الانسان المعاصر. أنّى تلفتت الأعين تجد اجهزة كومبيوتر وتلفزيونات وفيديوات رقمية وراديوات متطورة ومايكرويف وهواتف متصلة مع العالم وأدوات. ويشكل ذكاء هذه الآلات خيطاً مشتركاً بينها. ويميزها عن اجيال سبقتها من الادوات الميكانيكية والكهربائية. ويمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه قطاع علمي تستخدم ابحاثه للوصول الى وقت يقوم فيه الكومبيوتر بأعمال تشابه ما يفعله العقل البشري. ويتضمن هذا اموراً كثيرة ليس بالضرورة ان تدل مباشرة الى الذكاء، مثل تحرك الروبوت وسط عوائق من دون الاصطدام بها مثال"كيريو"و"اسيمو"، او حصول جهاز كومبيوتر مزود آلات خاصة على معلومات تفصيلية عن البيئة التي تحيط به، كحال روبوتي"اوبورتشونيتي"و"سبيريت". ولزمن طويل، احتكر البشر هذه المؤهلات وسادوا في الأرض بمساعدة القدرة على التعلّم، والمشاركة في الخبرات، وتبادل الافكار عبر اللغة. برامج الذكاء الاصطناعي تقوم برامج الذكاء الاصطناعي بأمور عدة منها برامج الألعاب الرقمية حيث تتبارى الآلات مع نفسها او مع طرف آخر مثل الكومبيوتر او الانسان. ونهض عالم الألعاب الالكترونية الذي يتصدر سوقه الذكاء الاصطناعي بمئات بلايين الدولارات، بفضل انجازات العلماء ومختبرات الكومبيوتر في مجال AI. ويمكن لمستخدم الكومبيوتر ان يجرّب بنفسه كيف تتجاوب بعض الألعاب مع الاحتمالات المتغيّرة بذكاء واضح. ويعتبر ذلك من ابسط تطبيقات AI. يمكن إعطاء مثال آخر. فلربما حضرت مختبرات شركة ما برنامجاً ذكياً للتعامل مع صناعة السيارات. وفي هذه الحال، ينبغي للشركة ان تحضّر كل الاحتمالات التي قد يواجهها البرنامج وتلقمه اياها. فإذا كانت احتمالات العمل محدودة، تصبح عملية تحضير البرنامج ممكنة وعادية. اما اذا حُضّر برنامج في الذكاء الاصطناعي ليتعامل مع احتمالات كبيرة ومعقدة، فقد تكون العملية غير ممكنة. كأن نحضّر برنامج AI ليحل في كومبيوتر محل كل انواع الجراحين في مستشفى! وهكذا، تعتمد برامج الذكاء الاصطناعي على كمية المعلومات التي تتصف بها مميزات عمل الإنسان الذي تحل محله. فكلما كان دوره اكبر، صار البرنامج اصعب. إدارة الحرب وتأليف النكات شهدت دول العالم المتقدمة ولادة جهاز الكومبيوتر في العام 1941 . وسارعت الى استخدامه عسكرياً، نظراً لاستعار الحرب العالمية الثانية. وتوزعت الاستخدامات العسكرية للكومبيوتر على السفن والطائرات والآليات البرية والاتصالات العسكرية. ولعل أفضل تطبيقاته تمثل في فك رموز الشفرات العسكرية الخاصة بالخصم. وفي العام 1956، ولد مفهم الذكاء الاصطناعي، وطوَّر نظرياته المنطقية جون ماكاريثي، الذي لقِّب ب"أبي الذكاء الاصطناعي". واستفاد الجيش الأميركي من هذه التطورات. وضخ ملايين الدولارات الى"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"MIT لتطوير ذلك الذكاء ضمن مجال"الادراك بمساعدة الآلات"Machine Aided Cognition. ومن المعروف ان جهاز الكومبيوتر الضخم في وزارة الدفاع الاميركية يتحكم برد الفعل الأول على اي هجوم نووي. ويستخدم الذكاء الاصطناعي للتحكم بردود الفعل العسكرية السريعة حيال التطورات المعقدة. ومن الأمثلة على ذلك، ما يُعرف باسم"الجيل الرابع للحروب"Fourth Generation Warfare ويسمى اختصاراً GW4. وتفوق سرعة الأجهزة المستخدمة للتعامل مع الحروب، مئات المرات ما نستخدمه نحن كأفراد. وتقدر على استيعاب الحالات القتالية للجيوش الكبرى، واقتراح العمليات الدفاعية المناسبة. وعلى رغم قدراتها على التعامل مع الحروب العالمية، تقصر ادوات الذكاء الاصطناعي في التعامل مع حروب العصابات، او ما يعرف بالانكليزية Guerilla Warfare. ويورد الكولونيل الاميركي المتقاعد دايفيد هاكورث، في كتاباته عن فيتنام، انه"في حروب العصابات، لا يعني التطور شيئاً. وتركز هذه الحروب على عقاب للعدو وتجعله ينزف الى درجة يتخلى فيها عن كل شيء... كما فعلنا نحن". وطبعاً تمتد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الى امور عدة مثل تحليل الصور وتفسيرها، وتشخيص الامراض، والتخطيط لبرامج الرحلات، وترجمة اللغات والإملاء، ورسم الجداول والتصميم الهندسي المعقد وتأليف النكات!