إعتبر مسؤول ملف القدس في السلطة الوطنية الفلسطينية سري نسيبة ان بالامكان إجراء مفاوضات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون، لكنه استبعد التوصل الى اتفاق يفضي الى الحل في ظل "التركيبة الحالية للحكومة الاسرائيلية"، مؤكدا من جهة اخرى ان القيادة الفلسطينية منتخبة وان تغييرها لا يمكن ان يفرض من الخارج بل هو شأن فلسطيني داخلي. وقوّم نسيبة ايجابا اللقاء الذي اجراه رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد قريع أبو علاء وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس أبو مازن مع شارون معتبراً إياه "خطوة في الاتجاه الصحيح بإمكانها دفع شارون إلى زاوية التفاوض وإسقاط ذرائعه ومحاولاته عزل القيادة الفلسطينية واعتبارها خارج اللعبة" كما دأب رئيس الحكومة الإسرائيلية على الترديد في الأسابيع الأخيرة. وفي اطار سعيه الى تحفيز "المجتمع المدني" في إسرائيل، شارك نسيبة في ورشة العمل التي أقامها في روما "مركز ديونيزيا للفنون والثقافات" والرامية إلى استنباط برامج ومشاريع يسعى الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، بمساعدة إيطاليا ، الى تحقيقها على الأرض لصالح قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني في مجالات الصحة والتعليم. وعلى هامش الاجتماعات عقدت ندوة علمية شارك فيها بالإضافة إلى نسيبة شخصيات ثقافية وعلمية وسياسية فلسطينية وإسرائيلية وإيطالية بينها الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان والبروفسورة الإيطالية الحائزة على جائزة نوبل للطب وعضو مجلس الشيوخ الإيطالي مدى الحياة ريتا ليفي مونتالتشيني ونائب رئيس جامعة بيت لحم البروفسور مانويل حسّاسيان. "الوسط" التقت البروفيسور نسيبة وكان معه هذا الحوار: بداية، ما هي الأوضاع الآن على الأرض؟ - باعتراف جميع الأطراف الوضع صعب للغاية، وربما هو الآن أصعب من أي وقت مضى. وتتأتى هذه الصعوبة أيضاً من التناقض الكبير القائم في الشرق الأوسط. فبعد عقود من الحروب المتواصلة والعداء المستحكم بدت إمكانات قيام سلام في المنطقة قاب قوسين أو أدنى، لذا يبدو ضرباً من اللامعقول أن ما تحقق أهدر بسبب الانغلاق الكامل لحكومة شارون إزاء إمكان تحقيق السلام. لقد فقد الناس الأمل وباتوا يشعرون بالإحباط لغياب أي أفق يقود إلى المستقبل. وعلى كلا الجبهتين ثمة قدر كبير من الغضب والألم والإحباط. إذن، لا مخرج؟ - هذا ما يبدو، لكنه أيضاً السبب الذي يجب أن يدفع باتجاه مضاعفة الجهود للتوصل إلى حل. وأستطيع القول إنه من الممكن، أو بالأحرى أقول أنه لا مناص من العودة الى الجلوس معاً للتوصل إلى اتفاق سلام. كيف؟ - لست متأكداً من كيفية الوصول إلى ذلك، لكني أعتقد أن النظرة الموضوعية إلى الأمور تشير إلى أن السلام لمصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. هذه الضرورة الموضوعية ستدفع الطرفين إلى التوصل إلى الاتفاق بشكل أو بآخر. وأشير إلى أن الطرفين كانا على وشك الوصول إلى الاتفاق النهائي قبل بعض الوقت. وبشكل عام أعتقد أن التوصل إلى اتفاق أمر ممكن. وينبغي التذكير بأن تقدماً كبيراً أنجز في السنوات الماضية أولاً في كامب ديفيد ثم في طابا. وفي طابا بالذات أعتقد انه تم الاتفاق حول اغلب الامور. ونظرياً إن معطيات اتفاق ما جاهزة، وما يحتاج إليه الطرفان الآن في الواقع هو التوقيع عليه. بعض الأوساط في أوروبا وجزء من الإدارة الأميركية تصر على التأكيد أن الخروج من المأزق يتطلب ايجاد القيادات القادرة على البدء بمفاوضات جديدة، والغريب أن تلك الأوساط تطالب، وبانحياز كبير إلى إسرائيل، أن يحدث هذا التغيير على الجبهة الفلسطينية فقط، فما رأيك؟ - إن هذه المطالبات لا تمت إلى الواقع بصلة. إذا كنت مختلفاً مع زعيم ما فبإمكانك تغييره أنت، لا أن يفرض عليك التغيير من الخارج أو أن يقرر الآخرون زعامتك. الزعماء يمتلكون هذا الصفة لأنهم منتخبون من قبل شعوبهم وهذا هو الوضع بالنسبة إلى شعبينا، فياسر عرفات منتخب من قبل الشعب الفلسطيني كما شارون منتخب من الإسرائيليين. ما نطالب به نحن شارون وعرفات هو أن يباشرا بمفاوضات حقيقية جديدة مع أملنا في أن يتمكنّا من التوصل إلى التوقيع على اتفاق سلام. خلال الشهور الأخيرة شهدت المنطقة مبادرات عدة حملت اسماء مختلفة، لكن الفوارق ضاعت بينها، ما هو برأيك المنطلق الذي يجب أن تبدأ منه المفاوضات المفترضة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؟ - أعتقد انه على رغم عدم التوصل إلى اتفاق في كامب ديفيد فإن بإمكاننا اعتبار ما تم التوصل إليه هناك حقق بعض التقدم، ثم حصل تقدم لا بأس به في طابا، وعندما أتكلم عن التقدم أتكلم باتجاه تنفيذ ما يريده الطرف الفلسطيني وأيضاً الطرف الإسرائيلي، أي إقامة السلام على مبدأ الدولتين. بطبيعة الحال كانت هناك مشاكل في كامب ديفيد أصبحت قريبة للحل في محادثات طابا التي جرت للأسف الشديد في فسحة وقت غير كافية لأن الطرف الإسرائيلي الذي كان يتفاوض معنا خسر الانتخابات. الموضوع الأساسي هو وجوب التوصل إلى حل يضمن إنهاء الاحتلال، أي احتلال أراضي 67، على أن يضمن في الوقت ذاته أن تكون القدسالشرقية جزءاً من الدولة الفلسطينية وعاصمة لها، مع ضمان حل عادل ومنصف لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وفي الوقت ذاته ضمان الأمن الذي يحاول الإسرائيليون تحقيقه لأنفسهم. هذه هي العناصر الأساسية، وكانت هناك محادثات طويلة لتحقيقها دامت أكثر من عشر سنوات. محادثات انتقالية لتنفيذ مراحل انتقالية لكن الهدف كان دائماً الوصول إلى تلك النقطة التي حددت العناصر الأساسية فيها. الآن بالطبع هذه العناصر أصبحت صعبة جداً. كانت هناك بعض المشاكل في كامب ديفيد لكنها كما قلت أصبحت أكثر قرباً إلى الحل في طابا، وأرى أن ما تحقق في طابا يمكن اعتباره، فلسطينياً وإسرائيلياً، وإذا ما توافرت لدى الحكومة الإسرائيلية الرغبة للحل، منطلقاً للمفاوضات. لكن الطرف الإسرائيلي الموجود في الحكم والذي بيده مفتاح الحل ليس مهيئاً أو مستعداً لهذا الحل مع الطرف الفلسطيني. باعتقادي أنه يجب علينا الدفع باتجاه هذا الحل، وهذه يجب أن تكون استراتيجيتنا كفلسطينيين، وعاجلاً أم آجلاً سنتوصل إلى هذا الحل. مع شارون؟ - نعم أعتقد مع شارون، وعندما أقول ذلك لا أعني بالضرورة كل حكومة شارون أو التركيبة الحكومية الموجودة الآن، لكن باعتقادي أنه إذا بدأنا باتخاذ خطوات تفاوضية مع شارون فسنتمكن من الوصول إلى تركيبة إسرائيلية حكومية يمكن أن تكون طرفاً في الحل الذي توصلنا إليه في طابا. إذن أنت تقوّم إيجابياً اللقاء الذي جرى بين الوفد الفلسطيني وشارون؟ - باعتقادي إن أي لقاء يجريه الفلسطينيون مع الإسرائيليين ومع شارون هو خطوة يجب النظر إليها كإنجاز وخطوة فلسطينية إلى الأمام. لماذا؟ - لأننا نحن الفلسطينيين الطرف الأساسي المعني بالمفاوضات ولأننا نحن الطرف الذي يمكن له أن يحقق من خلال المفاوضات ما يسعى إليه وهو إنهاء الاحتلال، وبالتالي التفاوض مع شارون والجلوس معه ومع أعضاء من حكومته يعتبر إنجازاً باتجاه تحقيق ذلك الحل الذي نسعى لتحقيقه، وفي المقابل إذا كنّا نفترض أن حكومة شارون لا تريد التفاوض معنا فيجب أن ننظر إلى أي لقاء كالذي حدث باعتباره مكسبا لنا وخسارة لتلك الجهات التي تحاول التهرب من الحل. موقفك تميّز بكونه يستند الى ضرورة الحوار مع الطرف الآخر ووجودك في هذا المحفل دليل على هذا الموقف، لكن موقفك تعرّض إلى الانتقاد فكيف تقيّم ذلك وهل تعتقد بأن الجهد الذي تقوم به يمكن أن يقدّم شيئاً للوضع المتفجّر في المنطقة؟ - أنا أؤمن بالمثل الصيني: "أضىء شمعة بدلاً من ان تلعن الظلام" وأن "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة"، وفي ما يتعلق بنا أعتقد أن علينا التقدّم إلى الأمام وهذا لن يحدث إلا بالسلام، وكل ما يتحقق على طريقنا، بصرف النظر عن كونه كبيراً أو صغيراً، يشكل إضافة إلى عملية السلام. أما بصدد النقد الذي تحدثت عنه، فأجيب إن النقد الموّجه إلى الوضع القائم أكثر بكثير ممّا وجه إليّ شخصياً. أنا لم أقم إلاّ بالتعبير عن واقع قائم ولست إلاّ الوسيط لذلك الواقع، ولست من صنعه. والنقد وجه إلى الواقع وليس إليّ أنا الذي شخّصته. يقول الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان أنه يتمنى أن تتحول مدينة القدس إلى مركز للفنون والآداب في العالم، هل تعتقد أن هذه الفكرة قابلة للتحقيق؟ - أعتقد ما قاله أو عناه هو أن تتحول مدينة القدس إلى عاصمة إبداعية وثقافية إضافة إلى ما هي عليه الآن كعاصمة روحية ودينية وسياسية. وأنا كشخص يحب القدس أتمنى أن تصبح القدس هكذا، أي أن تكون عاصمة للأفكار لا عاصمة للصناعة، أن تكون عاصمة للآمال والطموحات الإنسانية صوب الوحدة والتقدّم لا عاصمة للمال، عاصمة للهموم الروحية والثقافية. أعتقد أن من يحب القدس يتمنى لها مستقبلا كهذا سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً أو من أية بقعة أخرى من الأرض. أعتقد أن بالإمكان أن تصبح القدس في المستقبل مدينة مفتوحة وأن تكون عاصمة لدولتي فلسطين وإسرائيل، وأعتقد أن بالإمكان التوصل إلى صيغة لتقاسم المدينة وما أن نتمكن من تحقيق ذلك فإن الفلسطينيين والإسرائيليين والعالم أجمع سيرون القدس كما فكروا أن تكون عليه. وما هي الآن عليه ليس على الإطلاق ما يأمل به الجميع. الجزء الأكبر من اللعبة يمارس على الأرض الآن، أما الجزء الآخر فيتم خارج الأرض، نشير مثلاً إلى دور الولاياتالمتحدة وهناك أطراف تدفع باتجاه دعم الجهات الأكثر تطرفاً على الجانبين؟ - أعتقد أن الصراع الحقيقي ليس بين اليهود والمسلمين أو المسيحيين والمسلمين أو بين المسيحيين واليهود، وكذلك ليس صراعاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل هو بين أناس لهم رؤية معينة لمستقبل التعايش بين الطرفين وأولئك الذين لا يرون المستقبل باعتباره صورة للتعايش. هذا هو الصراع الحقيقي بين الذين يرون المستقبل وبين الذين عميت أبصارهم عن المستقبل سواء في الجانب الإسرائيلي أو في الجانب الفلسطيني، لهذا السبب أرى من الضروري أن يتمكن الذين يرون المستقبل باعتباره مستقبل تعايش من اللقاء والعمل والنضال معاً ضد الذين يغذّون الحروب والعداوة والكراهية. كيف يمكن التوصل إلى حل قضية اللاجئين؟ - أعتقد أن تنفيذ القرار 194 الخاص باللاجئين يجب أن يكون الأساس في الحل. فأولاً ينبغي أن تعترف إسرائيل بالخطأ الكبير الذي تم ارتكابه وبمسؤوليتها فيه. لكن عندما تقول إسرائيل انها تقبل فقط بعودة عدد محدود من اللاجئين، ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تفكر بإقامة بدائل على الأرض الفلسطينية وداخل الدولة الفلسطينية. نحن نقول: فلنقِم أولاً دولة فلسطينية على أرض فلسطينية ولنوجد الظروف لاستقبال اللاجئين الذين يمكن استقبالهم فيها، وليأت هؤلاء إلى الدولة الفلسطينية التي تهيىء لهم الظروف الملائمة لحياة جديدة إلى جانب تعويضات التي سيتلقونها، اضافة الى عودة من امكن الى داخل حدود إسرائيل حسب الاتفاقات.