تحت عنوان "الكرد - دراسة سوسيولوجيّة وتاريخيّة"، نشرت "دار الساقي" الترجمة الكاملة والأدق لكتاب الباحث الروسي المعروف باسيلي نيكيتين، قام بها الدكتور نوري طالباني، وتتضمن مقدّمة للمستشرق الشهير لوي ماسينيون، وكانت ترجمة منقوصة ومختزلة لكتاب نيكيتين قد صدرت في بداية الستينات. باسيلي نيكيتين 1885 - 1960 الذي شغل منصب قنصل روسيا في إيران، يرسم في كتابه القيم هذا لوحة شبه شاملة للشعب الكردي، ولأحواله وظروفه في تلك الفترة. صحيح ان بعض المعلومات والروايات والاحصاءات التي يتضمّنها الكتاب باتت قديمة، الا ان الكتاب يحتفظ بأهميته الاستثنائية، خصوصاً أن المؤلف يحاول ان يحيط بالأكراد كشعب منذ أصلهم التاريخي حتى الحرب العالمية الثانية، وهو يفعل ذلك بشكل علمي، محايد. يركّز نيكيتين على نواح متعددة يمكن قراءتها لدى دراسة تاريخ أي شعب، وهذا ما يمنح القارئ غير الكردي امكانية النظر الى مادة الكتاب من زاوية معرفيّة لا علاقة لها بالتعاطف المسبق اذ تهتم فصول الكتاب ب: أصل الكرد وخصائصهم اللغوية والانسانية، المعنى الاصطلاحي لكردستان كأرض وكيان كردي مجزّأ، نمط الحياة الكردية وأعرافها وتقاليدها، البنية الاجتماعية ممثلة بالفرد والعائلة والعشيرة، الحركة الوطنية الكردية وفيها تأريخ للحركات والثورات التي قامت في أنحاء متفرقة للمطالبة بالحقوق الكردية، إضافة الى فصلين طويلين عن الحياة الدينية والأدب الكردي. على رغم التغيرات الكثيرة التي طرأت على المنطقة ما زالت القضية الكردية في حيّز التأجيل والانكار والقمع. لقد أُهمل حلها كجزء من الحل الشامل الذي طُبِّق بعد الحرب العالمية الأولى واقتسام الامبراطورية العثمانية، وهو مؤجل اليوم بسبب صعوبات جيو سياسية كثيرة ومعقدة. والمشكلة ان هذا التأجيل يحدث على حساب حقوق أساسية كان من الطبيعي ان يحصل عليها الأكراد في الدول التي تقاسمت كيانهم ووطنهم المفترض. ولعلّ متعة هذا الكتاب تبدو في ربط نيكيتين لهاجس الأكراد القومي، بمعايشة حقيقية لحياتهم، والاقامة بينهم وتعلّم لغتهم، ما يعطي الكتاب أهمية سوسيولوجية، ذلك ان كثيراً من التفاصيل المتعلقة بأساليب عيش الأكراد وعاداتهم تغيرت مع التطور الذي أصاب المنطقة.