انطوت قبل أيام صفحة أخرى من صفحات الحرب اللبنانية باغتيال الوزير والنائب السابق إيلي حبيقة الذي عرفه اللبنانيون قائدا عسكريا وأمنيا في "القوات اللبنانية" خاض معارك ضارية ضد الفلسطينيين والسوريين و"الحركة الوطنية اللبنانية"، قبل ان يقرر تحولا جذريا في مسيرته السياسية جعله يختصم مع رفاق الامس ويبتعد عن اسرائيل ليتحالف مع "العدو" السوري واصدقائه اللبنانيين ويدخل الوزارة ومجلس النواب بعد انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف. وأثار هذا التغيير المفاجىء تكهنات وروايات كثيرة حول شخصية حبيقة الذي ظل غامضا حتى بالنسبة الى المقربين منه، والذي دفن معه الكثير من الاسرار. لمع نجم حبيقة المولود في ايلول سبتمبر 1956 مع اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية في 1975 حين كان عضوا في مجموعة كوماندوس/خاصة شكلها حزب الكتائب، وادت براعته في القتال الى ارتقائه بسرعة مراتب عليا في القيادة العسكرية الكتائبية فتولى العام 1976 مهمة انشاء مدرسة كوادر لضباط الحزب قبل ان يصبح عضوا في المجلس الحربي الكتائبي في 1978، ثم تولى في العام نفسه مسؤولية تنظيم القوات العسكرية الكتائبية التي حولها الرئيس الراحل بشير الجميل لاحقا الى "القوات اللبنانية". ولم يلبث حبيقة ان تسلم مسؤولية جهاز الاستخبارات في "القوات" وظل في هذا المنصب الى ما بعد اغتيال بشير الجميل في 1982 اثر انتخابه رئيسا للجمهورية وما تلاه من اجتياح الجيش الاسرائيلي لبيروت وحصول مجزرة صبرا وشاتيلا التي اتهمت القوات وحبيقة شخصيا بتنفيذها، انتقاما لمقتل بشير، بالتنسيق مع جيش اسرائيل ووزير دفاعها آنذاك ارييل شارون. وكان تقرير لجنة تحقيق اسرائيلية لجنة كاهانا قد أكد مسؤولية حبيقة عن المجزرة وحمّل شارون مسؤولية "غير مباشرة" مما دفعه الى تقديم استقالته من حقيبة الدفاع. وفي نهاية 1985 توجه حبيقه الى دمشق بصفته رئيسا للهيئة التنفيذية ل "القوات" ليوقع اتفاق سلام مع رئيس حركة "أمل" نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط سمي "الاتفاق الثلاثي"، لكن هذا الاتفاق سقط بعد عشرين يوما فقط إثر انقلاب في "القوات" قاده سمير جعجع. واضطر حبيقة الى مغادرة المنطقة الشرقية من بيروت ليحاول بعد ثمانية أشهر العودة عسكريا اليها، لكن محاولته فشلت، ولم ينجح في العودة إلا بعد العملية المشتركة السورية اللبنانية التي ازاحت العماد ميشال عون من قصر بعبدا الرئاسي اواخر 1990. وبعد توقيع "اتفاق الطائف" في 1990 تولى مناصب وزارية عدة كما دخل المجلس النيابي بين العامين 1992 و1996. ظل شبح مجزرة صبرا وشاتيلا يرافق حبيقة طوال حياته السياسية، على رغم انه نفى مرارا ضلوعه فيها. وقبل أيام حين زار بيروت وفد من مجلس الشيوخ في بلجيكا حيث ينظر القضاء في دعوى رفعها ناجون من المجزرة ضد شارون، إلتقى حبيقة الوفد سرا وأبلغه انه يشعر بانه "مهدد" وانه مستعد لتقديم وثائق الى المحكمة البلجيكية حول هذه القضية لتبرئة نفسه