ترمب: الوقت لا يسمح بإجراء مناظرة ثانية مع هاريس    الفرس "لاسي ديس فاليتيز" تُتوّج بكأس الملك فيصل للخيل العربية    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    مستشفى الملك فيصل التخصصي ضمن أفضل المستشفيات الذكية عالميًا    قصف في إسرائيل وسقوط الضحايا بلبنان    أول قصف أوكراني في عمق الأراضي الروسية    السعودية تتصدر G20 في نمو السياح الدوليين خلال 2024    تعزية البحرين وتهنئة أرمينيا ومالطا وبيليز    بونو: أنا سعيد مع الهلال.. وعودة نيمار اقتربت    بلدية الدائر تنهي استعداداتها للاحتفال باليوم الوطني 94        بلادنا مضرب المثل في الريادة على مستوى العالم في مختلف المجالات    افتتاح تطوير شعيب غذوانة بعد تأهيله    الرياض يحقق فوزاً قاتلاً على الرائد بهدفين لهدف    كوليبالي خارج تشكيل الهلال بمواجهة الاتحاد    عرض جوي يزين سماء الرياض بمناسبة اليوم الوطني ال 94    لقاح على هيئة بخاخ ضد الإنفلونزا    بشرى سارة لمرضى ألزهايمر    اصطياد ال 6 الكبار..إسرائيل توجع حزب الله    "اليوم الوطني".. لمن؟    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    بعد اتهامه بالتحرش.. النيابة المصرية تخلي سبيل مسؤول «الطريقة التيجانية» بكفالة 50 ألفاً    تفريغ «الكاميرات» للتأكد من اعتداء نجل محمد رمضان على طالب    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    الفلاسفة الجدد    حصن العربية ودرعها    بلدية الخبر تحتفل باليوم الوطني ب 16 فعالية تعزز السياحة الداخلية    أبناؤنا يربونا    كلية الملك فهد الأمنية الشرف والعطاء    الشرقية: عروض عسكرية للقوات البحرية احتفاءً بيوم الوطن    زاهر الغافري يرحلُ مُتخففاً من «الجملة المُثقلة بالظلام»    مآقي الذاكرة    "البريك": ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الإنتماء وتجدد الولاء    شكر وتقدير لإذاعتي جدة والرياض    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على ضمك    "تشينغداو الصينية" تنظم مؤتمر التبادل الاقتصادي والتجاري بالرياض.. 25 الجاري    اختفاء «مورد» أجهزة ال«بيجر»!    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على القصيم والرياض    فلكية جدة: اليوم آخر أيام فصل الصيف.. فلكياً    الشورى: مضامين الخطاب الملكي خطة عمل لمواصلة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس    انخفاض سعر الدولار وارتفاع اليورو واليوان مقابل الروبل    2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    قراءة في الخطاب الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر اللاعبين غموضاً في حرب لبنان يروي قصته . حبيقة : شارون وإيتان طلبا "الشرارة" ... وبشير الجميل اغتيل قبل موعده مع مسؤول سوري 1
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2002

سيبقى إيلي حبيقة غامضاً مهما كتب عنه. انه قدر الذين يفدون الى الضوء من عتمة عالم الأمن والاستخبارات. عبثاً حاول في ثياب الوزير والنائب ان يتحول سياسياً طبيعياً. طارده ثقل التواريخ التي علقت به قبل توليه رئاسة الهيئة التنفيذية ل"القوات اللبنانية" وبعدها. في مطلع التسعينات قصدته في مقر اقامته في الرملة البيضاء في بيروت طالباً منه ان يحكي قصة الحرب وقصته فيها. مانع ثم اقتنع. وبعد لقاءين أوقف الحوار قائلاً: "صدّقني انني أعرف كل من اطلق رصاصة. أعرف قصص الاغتيالات والصفقات. الأدوار المحلية والأدوار الخارجية. تدفق السلاح وتمويل الحرب. لا أنا استطيع احتمال قول كل شيء ولا أنت تستطيع احتمال نشر كل ما أقول. فلنؤجل الموضوع لكنني أتعهد باستكمال الحوار ذات يوم". بعد أعوام، وتحديداً في 1997، عدت الى حبيقة فتحدث ب"اكبر قدر ممكن من الصراحة"، مؤكداً ان الظروف لم تنضج بعد ليقول كل شيء. وعرفت ان الرجل قرر التحدث لاحالة تلك الملفات الى التاريخ أملاً في التحرر من اثقالها ومتطلعاً الى رئاسة الجمهورية. سرعان ما تعثّر حلم حبيقة الرئاسي: عاصمة القرار اختارت غيره وأروقة السياسة الأميركية اوصدت في وجهه الأبواب.
كشف حبيقة في الحلقات الخمس التي نشرتها الشقيقة "الوسط" اسراراً واعترف بمسؤوليته عن محاولات اغتيال. وشعرت دائماً ان لعنة مجازر صبرا وشاتيلا تطارده على رغم حرصه على تأكيد براءته وتلويحه بأنه سيكشف "كل شيء ذات يوم". وغاب حبيقة قبل ان يأتي ذلك اليوم.
إثر اغتيال حبيقة أكثر اللاعبين غموضاً على ساحة الحرب والسلام في لبنان اعتبرت "الحياة" ان من حق قارئها ان يطلع على أبرز ما جاء في تلك الحلقات وهنا نص الحلقة الأولى:
قتل بشير الجميل في العام 1982 وتردد آنذاك انك أخضعت للتحقيق؟
- هذه اشاعات، ومصدر اطلاقها، حسب كل المعلومات، أمين الجميل.
فبعد اغتيال بشير أوقفنا أشخاصاً مشبوهين واستجوبناهم وكانت الشبهة الأكبر تدل على حبيب الشرتوني الذي كان من بين الأشخاص الذين أوقفناهم اثر الانفجار. اذ كانت لدينا معلومات عن أحد الأشخاص من آل الشرتوني ولم نكن نعرف الاسم الأول له، فبعد التوقيف تبين انه حبيب وكان يسكن في الطابق العلوي لبيت الكتائب. وبعد أقل من 48 ساعة من التحقيق أصبح الاتهام كله موجهاً الى حبيب الشرتوني، وخلال ثلاثة أيام بدت الصورة واضحة حين بدأ الشرتوني يروي قصته مع التفجير، في هذا الوقت كانت الاشاعات والأخبار عن اختراقات تنمو وتتكاثر، وبدأت أشعر ان هذه الاشاعات لم تكن بريئة بل على العكس كانت موجهة وهادفة لالصاق التهمة بي.
ولئلا تقتصر اعترافات حبيب على الأقوال فقط التي يمكن ان تنقض لاحقاً، ركزت على الاثباتات الحسية، وكنت مهتماً شخصياً باستجوابه، فبعدما اعترف بقيامه بالتفجير سألته بواسطة ماذا حدث التفجير، أجاب بواسطة جهاز لاسلكي موضوع داخل حقيبة "سامسونايت"، قال انه رماها في احد براميل النفايات في الأشرفية قبالة أحد المطاعم هناك. أرسلت عناصر لاستطلاع المكان والبحث عن الحقيبة، فجاء الجواب بعد أقل من ساعة ان لا وجود لأي حقيبة وان البراميل فارغة. سألنا بلدية بيروت عن الوقت الذي تم فيه افراغ البراميل ومكان وضعها فقيل انها تمت قبل 24 ساعة ووضعت في مكب الكرنتينا، فتوجهت الى المكب مع مجموعة من الرفاق وبدأنا عملية بحث شملت أكثر من 200 طن من النفايات لكننا لم نعثر على الحقيبة. فعدت الى حبيب الشرتوني وعند دخولي مكان احتجازه بادرني بالقول: "لم تجدوها أليس كذلك؟ أنا لم أضعها في المكان الذي ذكرت انما في أسفل درج البناء الذي اعتقلتموني فيه". فقلت سنحاول مرة ثانية وطلبت من أحد الرفاق ان يذهب الى البناء للتأكد. فتدخل الشرتوني وقال لي: "اسمع لا عداء بيني وبينك؟ هذه الحقيبة مفخخة اذا فتحت ستنفجر". فجلسنا معه واستوضحناه طريقة تفخيخها فزودنا بالمعلومات وذهبت مجموعة من خبراء المتفجرات عندنا وأحضرتها كما هي، لأننا شككنا في ان تكون معلوماته غير صحيحة فتنفجر في المجموعة التي ذهبت لاحضارها.
وفي الوقت الذي توجهت المجموعة لاحضار الحقيبة اتصلنا بأحد ضباط الشرطة القضائية كي يرسل لنا خبراء في الأدلة الجنائية لرفع البصمات والتعرف اليها، فمن ناحية لم نكن نملك مثل هذه الخبرة ومن ناحية ثانية أردنا ان يكون هناك شهود على مسار التحقيق.
أحضرت الحقيبة وتم فتحها وتفكيك المتفجرات داخلها بوجود الشرتوني الذي كان يبتسم في تلك اللحظات. وبدأ ضباط الأدلة الجنائية عملهم فاكتشفوا بصمات على جهاز التفجير تبين انها بصمات الشرتوني، كما اكتشفوا بصمات لغيره على البطارية كانت داخل الحقيبة…
استكملنا الملف وأبلغنا صولانج زوجة بشير بتفاصيله، فأبلغت بدورها أمين الجميل الذي طلب ان يتسلم الشرتوني لأنه يريد التحقيق معه بنفسه. فطلبت منا صولانج ذلك وكان لها ما أرادت وسلُّم الشرتوني الى أمين الذي لم يكن بعد قد أصبح رئيساً للجمهورية.
تسلم أمين حبيب الشرتوني ووضعه في مكان خاص بالقرب من بيت الكتائب في بكفيا. وفي اليوم التالي وردتنا معلومات من أحد العناصر التابعة لأمين تفيد ان هناك قراراً بتصفية الشرتوني على ان يعلن في ما بعد انه توفي أثناء التحقيق. هنا أحسست ان هناك مخططاً لاضاعة التحقيق كلياً ومعه تضيع المسؤولية وتخفى الحقيقة. وهذا ما بدأ يثبّت مخاوفي من الاشاعات التي تم ترويجها في ذلك الحين.
"هروب" الشرتوني
توجهت فوراً الى منزل صولانج في بكفيا وهي كانت لا تزال تستقبل المعزين وأطلعتها على المعلومات التي لديّ والمخاوف التي تراودني ازاءها، وطلبت ان يحضر أمين لنتباحث في الأمر. فحضر أمين وقلت له ان حبيب الشرتوني يتعرض للتعذيب وهناك خطر على حياته فاما ان تضع حداً لذلك والا فنحن نطالب باسترجاعه. نادى أمين المسؤول الأمني التابع له وسأله عن حقيقة ما يجري فنفى ذلك، لم اكتفِ بما سمعت وطلبت رؤية الشرتوني وأمام الحاحي وعندما شعر أمين بضغط مني خصوصاً ان صولانج شاهدة على الحديث وافق وذهبت لرؤية الشرتوني ولما شاهدته مضرجاً بالدماء علا صراخي فوعدني أمين بتحسين ظروف توقيفه.
تركت بكفيا وعدت الى مكتبي في الكرنتينا وطلبت من مساعديّ ان يتابعوا المعلومات عن وضع حبيب وكانت لدي قناعة ان الأمور لن تقف عند هذا الحد. وفي اليوم التالي تلقيت معلومات مؤكدة مفادها ان الخطة تبدلت وسيصار الى تهريب الشرتوني من السجن، عندها أرسلت على الفور مجموعة الى بكفيا وكان في نيتي استرجاعه هذه المرة.
وصلت المجموعة الى مكان سجنه فوجدت السجن خالياً وعند استفسارها أجيبت بأن لا علم عند أحد ويبدو انه فرّ.
ضربنا طوقاً سريعاً حول بكفيا وكان الشرتوني على وشك الوصول الى دير مار الياس ولا يلزمه سوى دقائق لاجتياز خط ضهور الشوير. اعتقلته احدى مجموعاتنا وأعدناه ولم نسلمه الى أمين الجميّل الا لاحقاً بعدما اصبح رئيسا للجمهورية وبعدما فتح القضاء ملف اغتيال بشير الجميل، وبموجب محضر تسلم وتسليم.
كمسؤول عن الأمن الم تتوقع ان يتعرض بشير لمحاولة اغتيال؟
- هذا الموضوع كان هاجسنا الدائم، ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها بشير كانت بالعشرات، وكنا نعلم ان الطريقة الوحيدة لحفظ امن بشير هي ان نأسره في نظام امني ضيق وهو امر كان مستحيلا مع شخصية بشير الذي يرفض مثل هذه الأساليب.
شخصية بشير كانت مختلفة عن شخصية المسؤولين الذين يرضخون للمخاوف الامنية. كان يعتبر ان لا شيء يمكن ان يطاله. وان النظام الأمني يحدّ من حرية حركته وعلاقته مع الناس وشعبيته. عندما انتخب بشير رئيسا للجمهورية احسست بشيء من الراحة، فكونه رئيسا يوجب عليه ان يرضخ لنصائح اجهزة الدولة، من مخابرات الجيش والأمن العام، فهي ستكون مهتمة بتنسيق تحركاته، لكنه لم يفعل. وأذكر هنا ان الرئيس الياس سركيس واجهه مرة بقوله "امنك ليس ملكك وأنت اليوم رئيس للجمهورية وهذا القصر قصرك فأتمنى عليك ان تعقد اجتماعاتك فيه وان لا تغادره". لكن بشير لم يستجب لرغبة الرئيس سركيس وأصر على متابعة الاسلوب الذي اعتمده، فأحيانا كان يقود سيارته فكنا نرسل من يراقبه من بعيد ليضمن سلامته او ليساعده اذا ثقبت عجلة السيارة، وحين كان يلاحظ ذلك كان يأمر الشباب بالمغادرة. كان من الصعب حصره.
ما قصة زيارته للطائف قبل انتخابه، ثمة من يقول ان شخصية لبنانية لعبت دوراً في ترتيبها؟
- لا علم لي بدور من هذا النوع. اعتقد بأن الاميركيين لعبوا دورا في ترتيبها. اذا نظرت الى الظروف الصعبة آنذاك تستنتج ان زيارة من هذا النوع تحتاج الى جهة دولية مؤثرة لترتيبها. توجهنا الى قبرص في طائرة هليكوبتر ومنها في طائرة سعودية الى الطائف وعدنا بالطريقة نفسها. التقى بشير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والوزير والسفير السابق علي الشاعر. ذهبت انا وزاهي البستاني مع بشير. تركز الحديث في جزء كبير منه على مصير المخيمات الفلسطينية التي اصر بشير على نقلها الى البقاع. وقد اهتمت السعودية بمصير المخيمات وتوفير ضمانات لسكانها.
هل كنتم تريدون شخصاً آخر غير امين الجميل للرئاسة؟
- كما قلت كان بشير هدفا للاغتيالات ومسؤولاً تصعب حمايته جدا فهو كثير الحركة من جهة ويستخف بالاجراءات الأمنية من جهة ثانية، وكان يقول دائما "حياتي هي قدر من الله". ففي جلسات عدة كان رفاقه يسألونه عن هذا الامر، ويقولون له ان عليه ان يهتم بحماية نفسه، لأنه اذا حدث مكروه له فسينهار كل شيء، وكان دائما يجيب اذا حصل اي شيء من هذا فان في القوات مئة بشير. وعندما كان يُسأل عن أمين يجيب أي شخص الا اخينا. وكانت القوات تعيش مع الفريق المحيط ببشير ما يشبه حالة الخصومة مع امين، كانت الصدامات بين فريق بشير وقاعدة امين كثيرة، وكان الحذر هو المسيطر على العلاقة بينهما.
عند اغتيال بشير عقد اجتماع في المجلس الحربي الكتائبي بين قيادة القوات اي مجموعة بشير وبين أمين الجميل الذي حضر بصحبة جوزف ابو خليل، لتدارس الاوضاع بعد اغتيال بشير، كان جو الاجتماع وكأنه يراد منه ما معناه مات الملك عاش الملك، وكنا فريق القوات لا نزال تحت الصدمة ولم تكن لدينا خيارات كثيرة، وعندما عرض جوزف ابو خليل امين مكملا لمسيرة بشير لم نعترض حينها، لكن من دون ان يصدر عن احد منا اي تعليق، فكلنا يتذكر رفض بشير لهذا الخيار.
صبرا وشاتيلا
ما هي قصة مجزرة صبرا وشاتيلا، وما علاقتك بها، وما صحة ما تردد؟
- سأقول لك أولاً ما هو الجهاز الذي كنت مسؤولاً عنه، انا أردت تسمية الجهاز جهاز المعلومات بينما يفضل اللبنانيون تسمية اخرى هي المخابرات، انا كنت اقصد التسمية لأنني اعتبر ان اي قرار لا يستند الى معلومات دقيقة يكون قرارا خاطئاً. انشأت جهاز معلومات وبالتالي فإن دور الفريق العسكري في هذا الجهاز كان يقتصر على حراسة المراكز التابعة له. لم تكن في الجهاز او تحت امرتي وحدات عسكرية مقاتلة بل مجموعات امنية محدودة العدد والمهام. لا أقول اننا لم نكن ننفذ عمليات امنية أو اننا لم ندخل هذا الشق من العمل لكن الأكيد هو اننا لم نكن نملك قوى عسكرية.
حصلت عملية صبرا وشاتيلا بعد مقتل بشير الجميل وكان همي الأساسي ان اكشف الحقيقة اي ان اعتقل من قتل بشير. بين الاغتيال واعتقال المنفذ وتبيان الحقيقة هناك نحو اسبوع لم ننم فيه اكثر من ساعة في اليوم، وقد تركز اهتمامنا على كشف عملية الاغتيال.
عرفت بقصة صبرا وشاتيلا من امين الجميل شخصياً. اراد امين الاطلاع على مسار التحقيق في اغتيال بشير فزرته في بكفيا في البيت. كان لديه اجتماع مع المبعوث الاميركي موريس درايبر فدخلنا غرفة الطعام للتحدث، قال امين ان الرئيس صائب سلام اتصل به وقال له ان احداثا تجري في بيروت وان مجازر تحصل وان مسلحين يشاركون فيها. وأضاف امين: ستخربون بيتي وسيفوز كميل شمعون بالرئاسة. وتابع نقلاً عن سلام: الم ننته بعد؟ خلصنا من المشاكل القديمة. انكم لا تتركون للصلح مكاناً. فقلت لأمين: لماذا تبلغني هذا الكلام؟ انت تعرف انني لست مسؤولاً ولا صاحب سلطة اصدار الأوامر.
انا لم اكن على علم بما يجري فقد كان هاجسي ان اكشف اغتيال بشير، خصوصاً بعدما نمي اليّ ان أمين بدأ يتساءل ويروّج امام اوساطه عن مسؤولية جهاز الأمن والمعلومات، قائلاً: "من يعرف بتحركات بشير غيرهم ومن يستطيع الوصول اليه"؟ وبيني وبين امين علاقة خالية من الود اصلاً.
بعدها بدأ الحديث ان ايلي حبيقة كان في صبرا وشاتيلا وأدار العملية العسكرية وان هناك من التقط صوراً لي هناك. في الحرب اعتدنا على اتهامات من هذا النوع وتعاملت في حينها مع الاتهام الجديد بعدم اكتراث كما كنا نتعامل مع الاتهامات السابقة. صبرا وشاتيلا صارت بعد ذلك موضوعاً كبيراً اكبر من اشاعات، موضوعا يهتم الانسان بتوضيح الحقائق في شأنه، خصوصا ان الاسرائيليين اتهموني مباشرة بالعملية. وعندما راجت الاخبار كنت لا ازال مسؤول المعلومات في القوات وفكرت في ما يجب ان افعله، هل أعلن امام الصحف انني لم اشارك وأنا محاط بالعداء من الاسرائيليين والجو الداخلي كما وصفت بعد اغتيال بشير، فآثرت حينها عدم الكلام، لأن طريقة التصرف كانت محدودة جداً.
هل تجزم بأن عناصر الجهاز التابع لك لم يشاركوا؟
- نعم لم يشاركوا.
من نفذ صبرا وشاتيلا؟
- يجب ان ترجع بضعة اشهر الى الوراء. بعد بدء الاجتياح طلب الاسرائيليون من بشير ان يتسبب في احداث "شرارة" تسمح لهم، للمرة الاولى، بالدخول الى عاصمة عربية. قالوا له يومذاك اننا في كل الحروب التي خضناها لم يدخل جيشنا عاصمة عربية، ولدينا محاذير حيال دخول من هذا النوع لانه يمكن ان يثير ردود فعل اميركية. طلبوا من بشير خلق الشرارة، فلم يكن راغباً ولا متحمساً ولم يكن يريد ان يدخل الاسرائيليون بيروت الغربية. وعندما ألح الاسرائيليون جمع بشير قيادة "القوات" وسأل ما هو الشيء الذي نستطيع ان نفعله بأقل قدر ممكن من التورط ويعفينا من الضغط الاسرائيلي، فطرحت افكار عدة ونوقشت وفي النهاية قال لماذا لا نسترجع كلية العلوم في الجامعة اللبنانية في منطقة الحدث، فسأله احد الحاضرين واذا لم يقبل الاسرائيليون؟ اجاب: عندها سأقول لهم لا نستطيع ان نفعل اكثر من ذلك؟ صدرت الاوامر وتوجهت مجموعات عسكرية من "القوات" واسترجعت كلية العلوم. ابلغ بشير الاسرائيليين فقالوا هذا غير كاف. قال لهم: انا لا استطيع ان افعل اكثر ولا اريد التورط. انا اريد ان اكون رئيساً للجمهورية واذا ذهبت ابعد لن اجد نائباً مسلماً ينتخبني وتوقفت العملية عند هذا الحد.
شارون وايتان والشرارة
بعد اغتيال بشير كانت فكرة دخول بيروت لا تزال موجودة لدى الاسرائيليين. جاء وفد اسرائيلي والتقى قيادة "القوات" ولم احضر انا الاجتماع لأنني كنت احقق مع حبيب الشرتوني منفذ عملية اغتيال بشير. لن ادخل هنا في الاسماء. ضم الوفد الاسرائيلي آرييل شارون وزير الدفاع ورافائيل ايتان رئيس الاركان ومجموعة. قال الوفد الاسرائيلي ان الوقت حان للتسبب في "الشرارة" التي تبرر دخولنا بيروت. اجتمع الوفد مع الشيخ بيار الجميّل وقال له ان ثمة مخططاً سابقاً اتفق عليه مع بشير. لم يطلعوه على التفاصيل، وكان بيار الجميّل ضائعاً بسبب مقتل نجله، فاكتفى بالرد عليهم ان التزامات بشير قائمة. وهكذا كان ولم يعرف بيار الجميّل الى اين ستؤدي القضية اذ انهم لم يطلعوه على التفاصيل.
اعتقد بأن خدعة اساسية حصلت هنا. أُخذت مجموعات من "القوات" ووضعت في المطار ولم يتحدثوا معهم عن موضوع المخيمات، انما عن دخول بيروت، وعرفنا ان الاسرائيليين استقدموا وحدات من العناصر التابعة لسعد حداد. وتبيّن لاحقاً ان الاسرائيليين ارادوا للعملية ان تأخذ طابعاً قواتياً وتصوير القوات في الظاهر على انها من المشاركين. في حين ان القوات لم تكن يومها قادرة على رد اي اتهام، فالمعارك تدور في اكثر من اتجاه والعلاقة مع الاسرائيليين قائمة ولا يمكن معرفة نتائج اي موقف تتخذه القوات او اي قطيعة مع الاسرائيليين. فهناك جبهة خارجية واخرى مع امين، وفتح جبهة ثالثة هي رد الاتهام الاسرائيلي لا يمكن معرفة مدى انعكاساتها. فآثرت المحافظة على موقعها وتحصين ذاتها من دون فتح جبهات اضافية غير مضمونة النتائج.
اجتماع نهاريا
لماذا الصاق التهمة بايلي حبيقة؟
- بعد اجتماع بشير الجميل مع مناحيم بيغن في نهاريا عاد بشير وجمعنا وطلب من جان ناضر الذي كان معه ان يخبرنا بما حصل، وغادر بشير مكان الاجتماع. فأخبرنا جان ان بيغن قال لبشير ان الوقت حان لتوقيع معاهدة دفاع مشترك. ورد بشير: "انا صرت رئيس جمهورية لبنان ولم اعد رئيس ميليشيا وبالتالي فان اي توقيع مني هو توقيع باسم الدولة اللبنانية. انا سأشكل حكومة لتأخذ ثقة المجلس النيابي وسيطرح الامر على الحكومة وكذلك على المجلس". هنا انفعل بيغن وقال له: "انتبه الى ما تقول. ان جيشك لا يحتل القدس بينما جيشي يحتل بيروت". واستخدم بيغن عبارات قاسية ضد بشير وقال له: "انتم اللبنانيين خصوصاً المسيحيين لا يمكن الوثوق بكم او الركون اليكم".
عاد بشير متضايقاً واعتبر ما جرى مفصلاً اساسياً في حركته او تحالفاته. لم يكن الجو كارثياً في اجتماع قيادة "القوات"، وثمة من اعتبر ان للتصعيد علاقة بشخصية بيغن ويمكن معالجة الامر مع شخص آخر.
في اليوم التالي طلبني بشير وقال: "اريد ان افاتحك بأمر مهم: ما رأيك في ان نفتح خطاً على سورية". قلت: "انا مع هذا التوجه". قال: "طيب نتكلم لاحقاً".
بعد 24 ساعة قال لي: "اذا اردنا تأمين لقاء مع مسؤول سوري من دون معرفة الاسرائيليين كيف نفعل"؟ قلت له: "لا استطيع ان اجيبك مباشرة، هل تستطيع السفر الى بلد اجنبي قبرص او اليونان او فرنسا او المانيا لأن امنك يجب ان يكون مضموناً". قال: "فكر في الامر وقدّر واعرف مدى خطورة هذه العملية". قلت له: ما هو مستوى المسؤول، اذا كان مجرد ضابط ارتباط نستطيع ادخاله الى منطقتنا ونعقد اجتماعاً هنا". فقال: "هناك محاولة للقاء مع مسؤول سوري رفيع". سألته: "من يعرف هذا الامر"؟ فأجاب: "انت وشخص ثان ويجب ان يبقى الامر مقصوراً عليكما، هناك قطع رؤوس اذا كشفت المسألة".
درسنا كل الخيارات ووجدنا ان الافضل هو عقد اللقاء على الجبهة الشرقية اي في جرود العاقورة حيث كانت توجد مواقع متقابلة ل"القوات" والجيش السوري. قلت لبشير: "نسحب عناصر "القوات" هناك ونضع مكانهم حرسك الشخصي وتصعد الى هذا المركز وتتقدم منه في اتجاه مقر اللقاء": قال: "ممكن. ادرسوا هذا الموضوع وانا سأعرض الفكرة". بعد يومين بالتحديد اغتيل بشير.
بعد نهاريا استقبل بشير شارون على ما اعتقد وحاول الاخير ترطيب الاجواء لكن بشير كان متشدداً وراح يقول "انا لا اقفل امامي 21 باباً لافتح نافذة" في اشارة الى العلاقات مع العالم العربي. لا اعرف اذا كان دوري هذا تسرب فكانت العقوبة الاتهامات المتعلقة بأحداث صبرا وشاتيلا التي لم اكن فيها لا منفذاً ولا مخططاً ولا صاحب قرار.
اتهمت بأنك ارسلت سيارات ملغومة الى المنطقة الشرقية بعد خروجك منها؟
- دعني اقل لك ما فعلت. نعم حاولنا اغتيال سمير جعجع في مسيتا قرب جبيل. عملية الدخول الى الشرقية في 27 ايلول هذه صحيحة وتحدثنا عنها. كل شيء آخر كذب، هل يمكن ان نرسل سيارات ملغومة لتنفجر بأهلنا. احدى السيارات الملغومة التي اتهمنا بها انفجرت تحت منزل اهل رفيق لنا فهل يعقل ان نكون نحن من ارسلها. والسيارة التي انفجرت في جونيه اصابت اناساً من اقاربنا ووضعت امام محل شخص يخصنا.
وفي الغربية؟
- كانت الحرب بيننا وبين الاجهزة الفلسطينية مفتوحة، مع جهاز امن "فتح" خصوصاً "جهاز امن المندوبين". كانت الحرب المخابراتية مفتوحة: يوجهون الينا ضربات ونرد على الضربات بمثلها. كان الجهاز الاخطر بقيادة هواري. لم يقصّر بحقنا ورددنا على الشيء بمثله.
قال الرئيس بري انكم قصفتم منزله بالمدفعية؟
- هذا صحيح.
وجنبلاط؟
- هذا صحيح. وكان ذلك في فترة الحرب وكان الجميع طرفاً في المواجهة والعمليات العسكرية والامنية مفتوحة. بالنسبة الى الرئيس بري حدث ذلك في ايام "الاتفاق الثلاثي". انا وافقت على اجراء مفاوضات شرط ان تتم في ظروف سلمية وليس تحت ضغط المدافع واستخدمت تعبيراً مفاده ان الكلام يواجه بالكلام والمدفع يواجه بالمدفع. ذات يوم تعقدت المفاوضات في نقطة معينة. بدأت الراجمات بقصف الشرقية وعرفنا ان الراجمات تابعة ل"امل". اتصلت بميشال سماحة وقلت له: تكلم مع نبيه بري. اتفقنا على ان نتحاور والتزمنا لكننا لا نستطيع ان نتحاور ونتقاتل في الوقت نفسه. هذا غير مقبول. اتصل به. في اليوم الاول لم يتغير شيء وكذلك في اليومين الثاني والثالث. اتصلت بميشال مجدداً وقلت له ان يتصل ببري مجدداً وان يقول له ان كل شخص سيتحمل مسؤولية قراراته ولا مظلة فوق رأس احد فليوقف العملية.
عقدنا اجتماعاً واعطيت توجيهات هي التالية: المطلوب عدم اطلاق اي قذيفة عشوائية على الناس لأن هناك محاولة لاستدراجنا الى ذلك. حددوا منزل رئيس حركة "امل" وقصفوا المنزل.
ومحاولة اغتيال جنبلاط؟
- لم تنفذ قرب "الماندرين" في فردان ببيروت الغربية بسبب وجود المسؤول الأميركي موريس درايبر وغسان تويني قربه.
جنبلاط تحدث أيضاً عن التخطيط لاغتياله بصاروخ على طريق الشوف؟
- كان جنبلاط مستهدفاً في تلك الفترة.
مع جعجع في المحكمة
هل من شيء تقوله عن اغتيال داني شمعون؟
- لن أزيد على ما قاله القضاء. خلال المحكمة وقفنا وجهاً لوجه داخل القاعة. أنا وسمير جعجع.
قرر جعجع أن يستجوبني وأنا قررت خلال الاستجواب أن احترم موقع الضعف الذي هو فيه. حين سألني القاضي ماذا تعرف عن عملية اغتيال داني شمعون، فأدليت بما اعرفه وهو بمجمله ما ظهر في الصحف. قرر جعجع القيام بخطوة متقدمة ويستنطقني، وتعلمت الآن أن القانون يسمح للمتهم بذلك، وحاول أن يضعني في موقع المتهم. أنا كنت أفكر في تفادي المثل القائل: وقعت البقرة وتكاثر السلاخون. وصل به الأمر إلى حد القول إن العناصر "القواتية" التي نفذت العملية حركتها أنا، هذا كثير.
هل كان هناك شعور خاص عندما تبادلتما النظرات في المحكمة؟
- أنا لم أكن أحب حصول هذا الموقف، على رغم العداوة الكبيرة لم أشعر بكره. كان همي ان أخرج من المحكمة، طريقته في المواجهة أو الخداع ذكرتني بطريقته القديمة.
ماذا تقرأ عادة؟
- تاريخ المنطقة القديم والحديث. أقرأ عن الأديان وكتباً فلسفية.
والرياضة؟
- غطس وتمارين وتزلج.
هل تحمل مسدساً؟
- أنا لم أحمل سلاحاً منذ 15 عاماً.
لا مسدس قرب سريرك؟
- لا سلاح في منزلي ولا اشتري لابني لعباً على شكل مسدسات أو بنادق.
ابنك يحب فيك صورة الوزير أم المحارب؟
- لا يعرف صورة المحارب ولا أريده أن يعرفها.
خبرة فلسطينية وأوروبية
ما هي أجهزة الاستخبارات التي كانت ناشطة يوم كنت في الشرقية؟
- "جهاز أمن المندوبين" وجهاز امن 17 وكل الاجهزة التابعة لمنظمة التحرير وللاحزاب والقوى المسلحة المختلفة اضافة الى جهاز المعلومات في القوات اللبنانية وجهاز الاستخبارات العسكرية التابع لاركان القوات واجهزة مخابرات الدولة على اختلافها، كانت هناك عشرات الاجهزة الامنية والمخابراتية. نحن بنينا جهاز المعلومات واستخدمنا كتاباً للمسؤول الفلسطيني "أبو الزعيم" اسمه "المخابرات العسكرية" لتدريب عناصرنا عليه.
ألم تلعب استخبارات الجيش اللبناني دوراً في تنظيمكم؟
- لا. اعتبرنا أن أي فريق محلي سيدربنا سينجح في اختراقنا.
استفدتم من خبرات غربية؟
- نعم من خبرات معظمها أوروبية.
تبادلتم معلومات مع ال "سي. آي. اي."؟
- لا، كان التبادل مع أجهزة أوروبية غربية.
هل حذرك والدك جوزف من الانخراط في الحرب؟
- كان والدي ضد الانخراط في الأحزاب. والدي طيب بأطباعه لم يدخل في خلاف مع أحد طوال عمره وهو متدين.
غداً: البرازيل وخدام والحريري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.