في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الهاتف المحمول وما يثيره من فزع، فإن أعداد الراغبين في اقتنائه تزداد يوماً بعد آخر، الأمر الذي يزرع البسمة على وجوه صانعيه، خصوصاً رئيس اكبر شركة لانتاج الهواتف المحمولة "نوكيا"، اذ يتوقع ان يصل عدد حاملي المحمول الى المليار في النصف الأول من العام الحالي، وهناك من يقول بأن الرقم سيصل الى ستة مليارات في العام 2005! ولكن البسمة التي يزرعها المحمول حالياً على شفاه تجاره، قد لا تدوم طويلاً، فحسابات حقولهم قد لا تنطبق مع حسابات بيادرهم، فالشركات المنتجة للمحمول تواجه دعاوى قضائية فردية يعاني أصحابها من المرض اللعين السرطان، فهم يتهمون المحمول بأنه المسؤول الأول والأخير، اذ انه حمل الى أمخاخهم ما لا تقدر جماجمهم على تحمله، أي السرطان. ان أول من طرق باب المحكمة بدعوى ضد المحمول هو الأميركي ديفيد رينارد، عندما أعلن في مقابلة متلفزة على شاشة "سي.ان.ان" ان زوجته توفيت بسرطان الدماغ نتيجة استعمالها المحمول، وكانت هذه المقابلة بمثابة الشرارة التي اشعلت اجهزة الاعلام فأثارت هلع الشركات الصانعة. بعد ذلك، قام طبيب الأعصاب الاميركي بيومان برفع دعوى مماثلة ضد شركة "موتورولا" معتبراً انها المسؤولة الوحيدة عن اصابة رأسه بسرطان المخ، مطالباً إياها بدفع تعويض قدره 800 مليون دولار. وهناك عدد من المحامين في أوروبا واميركا يستعدون لرفع دعاوى قضائية ضد الشركات المنتجة للمحمول ومطالبتها بدفع تعويضات مالية قد لا يتصورها العقل، نظراً الى ما ألحقته اجهزتهم بأمخاخ الزبائن. لكن هل حقاً يسبب المحمول أضراراً صحية للانسان؟ أمام تكاثر الشكاوى والدعاوى ضد الهاتف المحمول قام البحاثة بدراسات عدة بعضها ظهرت نتائجه وبعضها ما زال قيد التنفيذ. والهاتف المحمول بحد ذاته ليس هو المتهم، وانما الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة منه، وعلى الأخص من الهوائي الذي يكون قريباً من الرأس. والاهتمام بهذه الموجات والضرر الصحي الناجم عنها ليس وليد هذه الأيام، وانما يعود الأمر الى بداية السبعينات من القرن الماضي، أي قبل ان يشهد العالم ولادة المحمول. فعند تشغيل الهاتف المحمول تصدر عنه موجات كهرومغناطسية عالية التردد وقادرة على اختراق فروة الرأس والجمجمة وبالتالي الوصول الى الدماغ، ولهذا فإن بعض مستعملي النقال يعانون من الشعور بالسخونة والإعياء والصداع، ومن الخبراء من يقول بأنه على المدى الطويل يمكن ان يثير الإصابة بالسرطان. لقد اجري بعض التجارب على الحيوانات لمعرفة آثار الهاتف النقال على أجسامها. والباحثون من جامعة واشنطن كانوا أول من عكف على مثل هذه التجارب على الفئران، فكانت النتيجة ان الفئران أصيبت بالسرطان بعد تعرضها لفترات طويلة للموجات. والباحثون انفسهم وجدوا ان التعرض لمدة ساعتين للموجات القصيرة الصادرة عن المحمول أدى الى حدوث "بلبلة" في المادة الوراثية للفئران. ضغط الدم وفي المانيا أجرى الاطباء تجارب على 10 متطوعين يستعملون الهاتف المحمول على الناحية اليمنى لرؤوسهم، حيث عمد الاطباء الى تشغيل الهواتف واغلاقها عن طريق التحكم بها عن بعد، وعلى فترات متباينة من دون ان يكون للمتطوعين علم بذلك، وخلص الاطباء الى نتيجة مفادها ان النقال يرفع ضغط الدم بشكل بسيط كما لو ان الشخص يقوم بمناقشة حامية الوطيس. وفي نيسان ابريل العام 1996 أشارت المفوضية العدلية للحماية من الإشعاع الى انه لا يوجد في حوزتها أي دليل يشير الى وجود علاقة بين المحمول والإصابة بأمراض خطرة كالسرطان. أما الباحثون الفنلنديون فبدأوا دراسة في العام 1994 وانتهت في العام 1997 وشملت 19 شخصاً وفأراً واحداً تم تعريضهم جميعاً لموجات الهاتف المحمول فوجدوا ان مخ الانسان يحوّل الطاقة الناتجة عن الموجات الى طاقة حرارية لا أخطار تترتب عنها. وفي العام 1996، وبالتحديد بعد الشكوى التي قدمها الاميركي ديفيد رينارد ضد المحمول، قام معهد الأبحاث الوبائية في ولاية ماساتشوسيتس الاميركية بالتدقيق في ملفات طبية تابعة لأكثر من ربع مليون شخص استعملوا الهاتف المحمول، فتبين ان معدل الوفيات لم يطرأ عليه أي زيادة بين مستعملي المحمول بالمقارنة مع غيرهم، والنتيجة النهائية التي انتهى اليها البحث هي ان الخطر الوحيد للمحمول هو انه يزيد من حوادث السير، وهذه الأخيرة ترتفع كلما طال الاتصال الهاتفي. وفي دراسة أنجزتها منظمة الصحة الاميركية أخيراً، لم تفصح النتائج عن ايجاد أي علاقة بين الهاتف المحمول والسرطان. فقد أجريت الدراسة على مجموعتين من الأشخاص، الأولى مؤلفة من 469 شخصاً يعانون من سرطان المخ في مراحله الأولية، والمجموعة الثانية مؤلفة من 422 فرداً لا يعانون من أي ورم في الدماغ، وبعد مقارنة النتائج في كلتا المجموعتين لم يحصل العلماء على أي دليل يدعم الاتجاه القائل بأن الهاتف المحمول يسبب سرطان المخ، ومع ذلك فإن القائمين على الأبحاث شددوا على أهمية اجراء المزيد من الدراسات لاستقصاء الأضرار على المدى البعيد. وفي السويد أكد باحثون ان هناك علاقة بين المحمول والشعور بالتعب والصداع والحساسية والسخونة في الأذن، واظهرت دراسة انجزت على 11 ألف سويدي ونروجي ان الأعراض المذكورة اعلاه تزداد مع زيادة استعمال الهاتف ونوهت الدراسة ايضاً الى ان معدل الإصابة بالتعب تضاعف عند الذين يستعملون الهاتف لفترات طويلة مقارنة مع الذين لا يتكلمون بواسطته لأكثر من دقيقتين في اليوم. واذا كانت هناك دراسات تتردد في اصدار حكمها على المحمول فإن العلماء الألمان من جامعة ايسن نشروا بحثاً علمياً اتهموا فيه المحمول بإثارة الإصابة بسرطان العين. ويعتبر هذا البحث الأول من نوعه الذي يشير الى وجود علاقة بين الهاتف النقال وحدوث السرطان عند الانسان. لقد قام البحاثة الألمان بتحليل النتائج التي حصلوا عليها من دراسة طاولت 188 شخصاً يعانون من سرطان العين و475 شخصاً أصحاء، فجاءت المحصلة لتؤكد ان الإصابة بسرطان العين يزيد بمعدل ثلاث مرات عند مستخدمي النقال بشكل دائم بالمقارنة مع الأشخاص الأصحاء، ومع ذلك فإن القائمين على الدراسة طالبوا بإجراء دراسات مستفيضة لإثبات النتائج التي بحوزتهم. أما لماذا تصاب العين بالسرطان، فلا أحد يملك في جعبته البرهان اليقين، ولكن بعضهم يقول ان السوائل القليلة المتواجدة داخل العين تساعد على "صيد" الكثير من الأشعة الكهرومغناطيسية. استجابة الدماغ واذا كان بعض الباحثين يتردد في اصدار حكم نهائي على المحمول وعلاقته بالسرطان، فإن دراسة بريطانية نشرت أخيراً أشارت الى ان نسبة الإصابة عالية بين مستعملي الهواتف النقالة، وتعليقاً على ذلك يقول الطبيب آلان بريس رئيس قسم الفيزياء الحيوية في مدينة بريستول أن "الجوال" يؤثر على المخ وان هذا الأمر اصبح حقيقة واقعة بحد ذاتها. وفي مؤتمر عقد في لندن حول الأخطار الصحية للنقال قال بريس ان الهاتف الجوال يلحق الضرر بالصحة من خلال تسريعه زمن استجابة الدماغ عن طريق بروتينات معينة تشرف عليها احدى الجينات في المخزون الوراثي. وبحسب بريس، فإن التعرض للموجات الكهرومغناطيسية المنطلقة من المحمول تساهم في اشعال سلسلة من العمليات الكيماوية التي تثير زوبعة من الاخطار الصحية للجسم. وليس الكلام عبر الجوال هو الضار وحسب، بل ان الهواتف النقالة المستخدمة لتبادل الرسائل الالكترونية ضارة ايضاً، الى درجة ان الباحثين البريطانيين طالبوا بإجراء دراسات حول هذه الاجهزة لأنها توضع في منطقة الحزام وبالتالي تكون قريبة من الاعضاء التناسلية والاعضاء الداخلية كالكلية وغيرها، واذا عرفنا بأن هذه الاجهزة هي الأكثر استعمالاً بين الأطفال لأدركنا مدى خطورتها وضررها عليهم، خصوصاً انهم في طور النمو والتطور. منظمة الصحة العالمية ولكن ما هو رأي منظمة الصحة العالمية في كل هذا؟ لقد أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً قالت فيه انها تحتاج الى معلومات أوسع ودراسات أشمل لتقول كلمتها في أمر الهواتف الجوالة. والدكتورة اليزابيث كارديس، مديرة قسم الأشعة والسرطان في الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابع للمنظمة ذكرت في مؤتمر عقد في فنلندا بأن احتمال الإصابة بالسرطان نتيجة المحمول ضئيل جداً، وعلى هذا الصعيد تقوم منظمة الصحة العالمية بدراسة واسعة تنتهي فصولها في العام 2003، وبانتظار هذا العام توصي المنظمة بالآتي: ضرورة انتظار الدراسات الجديدة لمعرفة نتائجها المتعلقة بما يقال عن تسبب المحمول في تغيير فاعلية الدماغ ودوره في اثارة السرطان. على سائقي السيارات عدم استعمال المحمول أثناء القيادة. على السلطات الحكومية ان تتخذ الاجراءات المناسبة للتقليل من أخطار المحمول. ضرورة حث صانعي الهواتف المحمولة على التقليل من قوة الموجات المستعملة الى أقل حد ممكن. في حال القلق يوصى الشخص باتخاذ بعض التدابير التي من شأنها التقليل من كمية الأشعة المنبعثة من الجهاز وذلك: - تقليل مدة المكالمة الهاتفية، أي الاكتفاء بما قل ودل، خصوصاً عند الاطفال. - تغليف الأجهزة. - استعمال السماعات لإبعاد الجهاز عن الرأس والجسم. - اغلاق الجهاز في حال عدم الحاجة اليه أو عند النوم. مسك الختام، ان الآراء متضاربة حول أضرار النقال، وحتى الآن لم يتوافر الدليل القاطع الذي يشير الى ان الموجة الكهرومغناطسية تثير السرطان، ولكن اذا عرفنا أن هذه الموجات تحلق حولنا في كل مكان، فهي تصدر عن المايكرويف والراديو والتلفزيون والكومبيوتر... والمحمول، فهذه كلها تغرقنا بالموجات، واذا ثبت يوماً بأنها خطرة على الصحة فهذا يعني، أقل ما يعني، وجود وباء عالمي فريد من نوعه سيجد صداه في ساحات المحاكم. النقال عند الاطفال إذا كان النقال يؤثر على الكبار فإن آثاره أعظم وأدهى عند الصغار، أو هذا على الأقل رأي عالم الفيزياء البريطاني جيرالد هايلاند الذي نشر دراسة في مجلة "لانسيت" الطبية يحذر فيها من أخطار المحمول على الصغار دون 18 عاماً، لأنهم اكثر عرضة لأضرار الاشعاعات الكهرومغناطيسية كون جهازهم المناعي أضعف بالمقارنة مع الكبار. ويقول هايلاند ان موجات النقال تؤثر على استقرار خلايا الدماغ وهذا ما يجعل الاطفال يقعون تحت رحمة عوارض شتى مثل الصداع والأرق واضطراب الذاكرة. وفي تحقيق أجرته الحكومة البريطانية حول مخاطر النقال أوصت بعدم تشجيع الاطفال على استعمال هذه الاجهزة. السيارة والنقال كثيرون هم أولئك الذين نراهم يتحادثون بالهاتف الخليوي وهم يقودون سياراتهم، وفي الولاياتالمتحدة 85 في المئة من مقتني النقال يستعملون الخليوي اثناء القيادة. والمشكلة الكبرى ان الناس يظنون ان الحديث اثناء القيادة ليس خطراً، والواقع يثبت عكس ذلك، فهذا الوضع غير آمن لا للسائق ولا للمشاة الذين لا حول لهم ولا قوة، ان سائق السيارة يعتقد بأنه يسيطر على الوضع تماماً أي قيادة السيارة، ولكن هذا الظن ليس سوى مجرد خيال، فالتحدث عبر النقال يقلل من القدرة على التركيز، ويأخذ قسطاً وافراً من طاقة الدماغ ما يدفع الى اشغال البال وشرود الذهن وبالتالي الى زيادة وقوع الحوادث، وفي دراسة اجرتها جامعة تورونتو بينت ان استخدام الهاتف النقال زاد الحوادث بمقدار 4 اضعاف.