بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على قبول المغرب تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، والتعثر الذي عرفه تنظيم هذا الاستفتاء، تقرر الاممالمتحدة رسمياً تعذر اجراء الاستفتاء وتقدم بديلاً لذلك "حلاً سياسياً" طبخه جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي السابق والمبعوث الأممي المكلف قضية الصحراء، يقضي بإقامة منطقة حكم ذاتي واسع، وبعد خمس سنوات يتم إجراء استفتاء في المنطقة لتحديد مصيرها نهائياً. وهي صيغة ستجعل في حال تطبيقها منطقة الصحراء الغربية شبيهة بصيغة "هونغ كونغ" الصينية. هذا الحل الذي أعده بيكر على "نار هادئة" ومن خلال جولة سرية في المنطقة وضع عملياً حداً نهائياً لفكرة استفتاء السكان بين الانضمام للمغرب وقيام دولة مستقلة. واعتبر المراقبون الحل بمثابة ترجيح لوجهة نظر المغرب وضد اطروحات الجزائر وجبهة بوليساريو، لذلك سارعت المنظمة الصحراوية إلى رفضه على رغم ان بيكر اقترح إجراء مفاوضات حول تفاصيل الحل خلال فترة خمسة أشهر. وطبقاً لمعلومات توافرت لمراسل "الوسط" في الرباط فإن الحل المقترح تم التفاهم عليه في الصيف الماضي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والادارة الاميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون، حيث تبلغ العاهل المغربي اثناء اول زيارة رسمية له لواشنطن بعد توليه مقاليد الحكم إن اميركا "ستفكر في حل يضمن للمغرب سيادته ويتجاوز "حكاية" الاستفتاء التي طالت". ويبدو ان واشنطن شجعت فرنسا من أجل مساعدة بيكر في صياغة الخطوط العريضة للحل الذي اقترحه. وأبلغت واشنطن وباريس الجزائر صراحة انهما ستقفان مع هذا الحل المقترح وبالتالي لا توجد أي امكانية للعودة إلى استفتاء غاص في سراب الصحراء. وتبلغت الجزائر وبوليساريو قبل تقديم كوفي أنان تقريره أمام اعضاء مجلس الأمن ان الأممالمتحدة تعتزم التخلي نهائياً عن فكرة الاستفتاء في الصحراء وطرح مشروع "الحل السياسي" بمنح المنطقة حكماً ذاتياً واسعاً في إطار السيادة المغربية. ويقضي "الحل السياسي" الذي اقترحه بيكر بانتخاب "مجلس تنفيذي" يكون بمثابة "حكومة محلية" وآخر "تشريعي" يكون بمثابة "برلمان محلي" ينتخبه سكان المنطقة. وفي اطار "حفظ ماء الوجه" لبوليساريو تقرر ان تشارك في انتخابات "البرلمان المحلي" لائحة المصوتين التي كانت بوليساريو قد قبلتها وهي تضم في حدود 80 ألف ناخب. ويضمن "الحل السياسي" أموراً جوهرية تجعل منه يحظى بالقبول المغربي وهي: اولاً: عدم قيام دولة تفصل بين المغرب وموريتانيا، وبالتالي نسف فكرة بوليساريو حول تقرير المصير من أساسها. ثانياً: سيحتفظ المغرب بكل مظاهر السيادة في المنطقة مثل العلم والجمارك والعملة والاتصالات وشؤون الدفاع وتوقيع الاتفاقات مع الدول الاجنبية. وطبقاً لمشروع الحل سيكون من صلاحيات "الحكومة المحلية" التصرف في الميزانية المحلية والضرائب والنظام القضائي والحفاظ على الأمن المحلي، بحيث تتوافر على شرطة محلية والاشراف على الخدمات التعليمية والصحية والثقافية. وبعد موافقة مجلس الأمن على الخطة سيرعى بيكر محادثات مباشرة خلال خمسة اشهر للاتفاق على تفاصيل الحل مع جميع الاطراف باعتبارها أطرافاً "معنية" وليست "مهتمة"، بمعنى آخر ان المفاوضات ستكون رباعية بين المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا، وهكذا ستصبح الجزائر التي اعتادت أن تحضر المفاوضات "كمراقب" ان تشارك فيها للمرة الأولى كطرف معني بالأمر. وعلى رغم ان الجزائر بادرت الى رفض الخطة، إلا أنها "نصحت" بوليساريو سراً "بالتريث" وعدم تصعيد لهجة رفض "الحل السياسي" لكن على المستوى العلني اتهمت الجزائر الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان "بالانحياز المشين" الحل المقترح. وقال عبدالله بعلي سفير الجزائر لدى الاممالمتحدة في رسالة الى مجلس الامن ان الاممالمتحدة "لوت الحقائق وتجتزئ الحجج". وفي السياق نفسه قال محمد عبدالعزيز الأمين العام لبوليساريو إنه "يشعر بالاحباط" من جراء قرار الأممالمتحدة القاضي بايجاد "حل سياسي" للقضية. وقال إن تقرير أنان "مناورة لجعل المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية استمرار احتلال الصحراء". واتهم فرنسا صراحة بأنه "كان لها تأثير كبير على قرار الامين العام الاممي، الذي اغلق جميع الابواب التي كانت توحي بامكانية تطبيق المخطط الاممي وتنظيم الاستفتاء". وندد ب"الدور الغادر" لفرنسا في الاقتراح. وعلى رغم أن بوليساريو لوحت من جديد بخرق وقف اطلاق النار السائد في المنطقة منذ عام 1992 فإن المراقبين يعتقدون بأن هذه التهديدات مجرد "فرقعة". وكان عبدالعزيز قد صرح لصحيفة اسبانية: "لم اعطِ أوامري للمقاتلين باستئناف القتال لكن خبر الحل السياسي كان كافياً كي يستعدوا نفسياً وهو ما تقتضيه المرحلة". وترى جبهة بوليساريو ان المعضلة تكمن في فترة الخمس سنوات التي تقترحها الخطة الجديدة ليجرى بعدها استفتاء حول تثبيت الوضع القائم. إذ تعتقد المنظمة الصحراوية ان مهلة خمس سنوات "وقت كاف ليعمل المغرب على تشجيع هجرة سكانه من اجل ان يصوتوا لمصلحة مطالبه، وبعد خمسة اعوام من الادارة والسيطرة سيصبح الصحراويون اقلية". لكن بيكر لم يترك أي مجال للتراجع عندما حذر الجزائر وبوليساريو صراحة بما يمكن أن يترتب عن رفضهما الدخول في مفاوضات لتطبيق الحل المقترح. وفي هذا السياق قال بيكر "إذا رفضت الخطة الجديدة فلا تلوح في الافق بوادر حل سلمي للنزاع". واضاف: "ان الخطة الجديدة لحل النزاع هي اساساً دعوة إلى الاطراف المعنية للجلوس إلى طاولة المفاوضات". وزاد: "لم نطلب من أي أحد أن يتخلى عن أي شيء، كل ما نطلبه هو أن تجلس اطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات". ودافع بيكر عن الخطة مؤكداً أن "النزاع لا يمكنه أن يحل ما لم تتوافر الاطراف المعنية على الارادة السياسية للدخول في حوار تحت رعاية الاممالمتحدة لتجاوز الخلافات". وطبقاً لمصادر وثيقة الاطلاع فإن الجزائر وبوليساريو أبلغتا بأنه في حال عدم الاشتراك في المحادثات، فإن مجلس الأمن سيقر الخطة كما قدمت له وسيدعو الى تطبيقها بغض النظر عن "تحفظات أو اعتراضات" من الجانبين. وهكذا تبقى واشنطن وفية لسياستها التي ظلت تنتهجها في السنوات الاخيرة، ومؤداها ان الأممالمتحدة تصلح خلفية للمراسم الاحتفالية لكنها تعجز عن أن تكون مقدمة لأي إجراءات عملية. ومجلس الأمن يضمن حقاً في الاعتراض لاثنين من الدول يصعب توقع مواقفهما روسيا والصين. وبناء عليه، فلا الأممالمتحدة ولا مجلس الأمن قادران على حل أي مشكلة أو نزاع، ولا يبقى على واشنطن إلا أن تبحث عن حلول وتأتي بها إلى مجلس الأمن ليصادق عليها. وهذا ما يحدث الآن في شأن قضية الصحراء.