لعل عامي ايالون، الرئيس المتقاعد حديثاً لجهاز الامن الداخلي الاسرائيلي شاباك، هو احد القادة الاسرائيليين القلائل الذين لم يفقدوا توازنهم تماماً نتيجة الانتفاضة الفلسطينية، وقال ان مواطنيه "الاسرائيلييين لا يفهمون بأن كل ما يخشاه الفلسطينيون هو ان يرمى بهم عبر نهر الاردن". وكان يفترض ان يزيد بأن لهذا السيناريو القاتم صدى ايضاً في صفوف الاردنيين، وقد ازداد مع انتخاب ارييل شارون رئيساً لوزراء اسرائيل. لقد استندت سياسة الاردن تجاه اسرائيل منذ بدء عملية اوسلوا الى افتراض ان اقامة السيادة الفلسطينية على الضفة الغربية هدف قابل للبلوغ. وخلال العقد الماضي كان التقدم بين اسرائيل والفلسطينيين على هذا المسار مترابطاً مع مسيرة السلام الاردني الاسرائيلي، وبمقدار ما كان الاردنيون معنيين، فإنه كان متلازماً الى حد كبير. فمن دون اوسلو لم يكن هناك بالتأكيد سلام اسرائيلي اردني رسمي. منذ حرب الخليج استخدم الاردن هذا التقارب اداة في تعامله مع واشنطن لكي يؤمن لنفسه مكاناً مميزاً في "النظام العالمي الجديد" الذي سعت ادراتا جورج بوش الاب وبيل كلينتون لاقامته في المنطقة. وكانت وجهة النظر الاسرائيلية السائدة ازاء الاردن مماثلة، مع بعض الاستثناءات. فاتفاقات اسرائيل مع الفلسطينيين تقلص بالضرورة المصالح الاردنية، في القدس مثلاً، على رغم تطمينات اسرائيل المغايرة. وكانت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، خصوصاً تلك التي ترأسها القادة العماليون، اسحق رابين وشمعون بيريز وايهود باراك، تنتظر الى الحكم الهاشمي بشكل ايجابي، مواصلة تقليداً بدأه ديفيد بن غوريون، اول رئيس وزراء اسرائيلي. وحتى شارون نفسه، عندما كان وزيراً في حكومة بنيامين نتانياهو التي نظمت محاولة لاغتيال المسؤول في "حماس" خالد مشعل في العاصمة الاردنية، وافق على تزويد الاردن كمية من المياه تزيد عما يمكن للعديد من الاسرائيليين قبوله. لكن رؤية شارون التاريخية الى الاردن لا تزال تثير اضطراباً للمسؤولين الاردنيين. فكيف يمكنهم ان ينسوا ان شارون كان لسنوات عديدة الصوت البارز في اسرائيل المؤيد للشعار القائل ان "الاردن هو فلسطين". وقد حاول مراراً خلال الصدامات الاردنيةالفلسطينية العام 1970 اقناع حكومة غولدا مئير بفكرته داعياً الى وقف الدعم للملك حسين في معركته مع منظمة التحرير. ومرة ثانية في 1982، عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة مناحيم بيغن، شملت استراتيجية شارون في لبنان تهجير الفلسطينيين من لبنان، بشكل جماعي، الى الاردن. أما الآن، بعدما اصبح رئيساً للوزراء، فما هو موقف شارون من جاره عبر نهر الاردن؟ لقد قام شارون نفسه في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" 12 نيسان/ ابريل باعادة نظر لافتة الى افكاره لم تهدئ المخاوف في عمان. قال: "لم اغير وجهة نظري الايديولوجية. الشيء الوحيد الذي تغير هو موقفي حول ان الاردن هو فلسطين. وبكل بساطة لأن وقائع جديدة برزت. تعرفون، لم اكن لأقبل ابداً بقيام دولتين فلسطينيتين. هذا هو الشيء الوحيد الذي تغير في موقفي". وبدون شك فان شارون كان يقصد ان يفسر كلامه في عمان على انه تطمين الى تخليه عن سعيه الدائم لاستبدال العرش الهاشمي. واعتبر مصدر ديبلوماسي اميركي ان "قصد شارون هو استبدال التجريد بالواقع على الارض. فالاردن هو الاردن. وموقفه ليس جديداً، لكن من يصدقه؟". رد الفعل الاردني على تعليق شارون كان مختلفاً. وقال مراقب اردني: "لست واثقاً من انه صادق. فلو كان كذلك، فهذا يعني ان دور الاردن كمنطقة عازلة بين اسرائيل والعراق اكثر اهمية لشارون من دوره كفلسطين. الاردن لا يمانع في ان تنظر اليه اسرائيل وأميركا كعازل جيد، لأنه سيستفيد من ذلك. ان نظرة شارون الى دور الاردن غامضة. فدور الاردن الاقليمي واقامة دولة فلسطينية وهي قطعة لا تزال ناقصة في احجية شارون يجب ان يتقدما بشكل متواز. فالاردن لا يستطيع تحمل مزيج من الغضب الفلسطيني والسخط العراقي. اذا كان جدياً بقوله ان الاردن ليس فلسطين، فعليه ان يكون واضحاً في دعمه لقيام دولة فلسطينية". وترغب حكومة الملك عبد الله الثاني في التعاون مع اسرائيل، خصوصاً في ما يتعلق بالأمن الاقليمي. فقد شارك الاردن بصفة مراقب في المناورات البحرية الاسرائيلية التركية الرسمية، وقبل ايام فقط شارك مع تركيا في مناورات مماثلة "أسد البحر 01" في بحر ايجه. ودور الاردن كشريك صغير في استراتيجية كل من تركيا واسرائيل الاقليمية يلقى صدى جيداً في واشنطن. لكن هذه الرغبة الاردنية، اياً تكن كبيرة، مشروطة بالضرورة بالوضع السياسي الاردني الداخلي الذي يشهد ازمة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في تشرين الاول اكتوبر الماضي. وأوضح مصدر اردني ان "على عمان ايلاء اولوية للوضع الداخلي في مواجهة العامل العراقي. فانشاء دولة في فلسطين يسهل على الاردن مواكبة" جهود واشنطن لعزل العراق. "ولهذا هناك صراع". ويغذي تراجع احتمال بسط السيادة الفلسطينية على الضفة الغربية بعد انتخاب شارون قلق الوطنيين الاردنيين من دور الفلسطينيين في الاردن نفسه. واعتبر مراقب اردني ان تصريح شارون "لم يبدد مخاوف الاردنيين من المستقبل. فعندما يعصر الفلسطينيون في الضفة الغربية يكون لذلك انعكاسات تتخطى اي نوايا حسنة لشارون، اذا ما وجدت". ومشاركة الاردن في مبادرة مع مصر حول الوضع الاسرائيلي الفلسطيني تعكس في المقام الاول مصالح عمان نفسها. فالانتفاضة زادت من عدم الاستقرار الداخلي في الاردن، وهو اتجاه ضاعفه تقلص احتمالات قيام سيادة فلسطينية في فلسطين. وأوضح مراقب اردني مطلع ان "ما يقلق عمان اكثر هو انهيار الامل في قيام دولة فلسطينية الذي قد يدفع نخبة شرق الاردن الى التفكير في كيفية الدفاع عن الاردن". وأعرب عن اعتقاده بأن شارون لم يكن يقصد في تعليقه تطمين عمان اطلاقاً، بل زيادة الضغط الاردني على الرئيس ياسر عرفات للقبول ببرنامج شارون في الضفة الغربية. وقال ان "شارون العارف بقلق الاردنيين اراد ربما استغلال مخاوفهم لدفع عمان الى الضغط على عرفات". لكن كيف يمكن لشارون ان يظل ملتزماً بالأحجية الايديولوجية التي بناها طوال حياته، بينما هو يحاول ان يضع قطعة تأييد الاردن بدلاً من قطعة "الاردن هو فلسطين"؟ ان الاردن يبقى ملتزماً، بل حريصاً على زيادة مشاركته في التحالفات الاقليمية الاستراتيجية التي ترعاها ادارة بوش. لقد اعلن شارون انه يدعم دور الاردن وانه بذل مساعيه لدى واشنطن لهذا الغرض. لكن جهوده لاحباط آمال الفلسطينيين والعرب في الاستقلال في الضفة الغربية وغزة تزيد من المخاطر الداخلية والاقليمية على الاردن وتعوق جهود واشنطن لإشراك عمان في جهود عزل العراق وايران.