لم تعد قضية البيئة مسألة ثانوية تستخدمها الدول المتقدمة للترف، اذ أصبحت قضية تهم البشرية كلها، فقيرها وغنيها، المتقدم منها والمتخلف، الدول الصناعية أو الدول النامية. واذا كان الغرب قد تنبه الى أهمية هذه القضية وعقد لها قمة الأرض عام 1992 واتبعها اتفاقات دولية أهمها اتفاق "ريو" الا ان الدول الصناعية حاولت ان تحّمل الدول النامية، خصوصاً الدول المنتجة للنفط، مسؤولية التلوث البيئي على المستوى العالمي، باتجاه فرض ضرائب اضافية بيئية على النفط. لكن الدول النامية بدأت تعرف طريقها الى المواجهة مع الدول الصناعية لتحديد المسؤوليات عن التلوث البيئي، والتعاون معها في الوقت ذاته لمواجهة المشاكل البيئية الخطيرة التي تهدد العالم كله، فالجميع في مركب واحد وثقوب الأوزون لا تهدد الفقير دون الغني. ومن هذه الرؤية بدأ العرب العمل منذ عام 1987 بتوحيد الجهود في مجال البيئة فشكلت هيئات ومؤسسات ووزارات معنية بقضايا البيئة واستطاعت الدول النامية، بما فيها الدول العربية، ان تخطو خطوات مهمة في هذا المجال، وأولها تحديد مسؤولية الدول الصناعية عن التلوث البيئي في العالم. فما يعانيه العالم، خصوصاً الدول النامية من تلوث بيئي يهدد الحياة البشرية تقع مسؤوليته بدرجة اساسية على الدول الصناعية والرفاهية الحضارية والتكنولوجية التي عاشت فيها منذ بداية الثورة الصناعية التي اعتمدت بدرجة اساسية على الطاقة، وما خلفته من انبعاثات لغاز ثاني اوكسيد الكربون، وغيره من الغازات الضارة بالغلاف الجوي والأرض، وتلوث المواد والمياه، واستخدام جائر للتربة والمعادن في سبيل توفير أسباب التقدم العلمي والصناعي لمجموعة محدودة من الدول المتقدمة. وفي اطار هذه الرؤية، ومن دون اغفال المشكلات البيئية الخطيرة التي يعيشها العالم العربي، بدأت الجهود العربية تتجه لتحديد هذه المشكلات ورسم السياسات والبرامج للتعامل معها، ووصل هذا التعاون الى عقد دورة استثنائية لمجلس الوزراء العرب المسؤول عن البيئة في بداية الشهر الجاري قرع فيها الوزراء والهيئات والمؤسسات ناقوس الخطر، والاتفاق على عرض هذه القضية على أول قمة عربية دورية ستعقد في الشهر المقبل في العاصمة الأردنية عمان. وستعرض قضية البيئة امام القادة العرب من خلال عرض علمي لواقع البيئة في الوطن العربي، ومنهاج متكامل للتعامل معها وفق برنامج زمني محدد على المديين القريب والمتوسط أطلق عليه "إعلان أبوظبي" وتنطلق الرؤية العربية لقضية التنمية ليس باعتبارها قضية مستقلة، ولكن باعتبارها مكوناً أساسياً من المكونات الثلاثة للتنمية المستدامة والتي تشمل النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة. ويحدد تقرير مستقبل العمل البيئي العربي ستة عوامل لها ثقلها الخاص في التأثير على برامج التنمية في العالم العربي تشمل: العولمة، تحرير التجارة العالمية، تنامي دور المجتمع المدني والقطاع الخاص، نشأة ونمو مجتمع المعلومات والاتجاه الى اللامركزية، الطلب العالمي على النفط. كما يحدد التحديات الاساسية التي تحكم العمل البيئي في العالم العربي، من أبرزها ثلاثة أمور تشمل: السكان، حيث يتوقع ان يصل عدد السكان في البلدان العربية عام 2010 الى 360 مليون نسمة، وسيرافقه عدد كبير من المشكلات البيئية، ويزيد من خطورة العامل الأول، العامل الثاني الذي يبرز في محدودية بعض الموارد العربية البيئية، وهدر الكثير منها، اضافة الى العامل الثالث وهو آثار التغيرات العالمية على البيئة العربية. ويلخص الخبراء العرب أهم المشكلات البيئية التي تواجه العالم العربي في القرن الجديد بندرة المياه وتدني نوعيتها، ومحدودية الأرض، والتصحر، والتأثير البيئي المتزايد في انتاج واستهلاك الطاقة، وتلوث المناطق الساحلية، وانحسار الغابات، والاستهلاك غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية وتدهور بيئة المدن، والنفايات الصلبة والسائلة، وكذلك النفايات الخطرة. ولذلك كان للوزراء العرب المسؤولين عن البيئة وقفة أمام هذه القضايا في اجتماعهم الاستثنائي لصياغة موقف عربي جماعي من هذه المشكلة، يعرض على القمة العربية في عمان واستعداداً لطرح وجهة النظر العربية في قمة الأرض الثانية التي ستعقد عام 2002 في نيروبي. ورأى المجلس الوزاري في بداية "اعلان أبوظبي" ان الوطن العربي، وهو يقف على مشارف قرن جديد، حقق في القرن الماضي انجازات في تنمية المجتمعات العربية تبدو آثارها واضحة، فيما طرأ من تحسن في أحوال المواطن العربي الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، خصوصاً ما يتعلق ببناء المؤسسات وسن التشريعات البيئية والتعليم والتدريب البيئي، واستخدام التكنولوجيا الآمنة والمناسبة بيئياً بالاضافة الى المساهمة الايجابية في الاتفاقات والبرامج البيئية الاقليمية والدولية. واكد الوزراء انه كان لهذه التنمية المتسارعة آثارها على البيئة الامر الذي أثار في الآونة الاخيرة قضية تحقيق الربط الامثل بين متطلبات التنمية ومحاربة الفقر ودواعي حماية البيئة. ولقد كشف النظر في هذا الأمر عن جوانب سلبية عدة منها ان الاهتمام بالتنمية ورفع مستوى الدخل لدى المواطن دون مراعاة للجوانب البيئية نتج عنه الاستغلال المكثف لموارد البيئة وتلوثها بمعدل يفوق امكانات الحفاظ على بيئة معطاءة وصحية تكفل للمواطن العربي تنمية مستدامة تحقق طموحات ويقتضي هذا تركيزاً اكثر وعناية اكبر بأساليب عمل اكفأ مما مضى لضمان حسن استغلال الموارد البيئية المتجدد منها وغير المتجدد وحمايتها من التلوث. وحدد "اعلان ابوظبي" ان تحقيق هذا الهدف الحيوي يواجه تحديين اساسيين اولهما الزيادة الكبيرة في عدد سكان الوطن العربي مع اختلال الكثافة السكانية بين المدن والارياف وثانيهما محدودية الكثير من الموارد الطبيعية العربية وتدهورها، ولكن على رغم هذين العاملين وكثير من العوامل الاخرى قرر الوزراء العرب المضي في مواجهة التحديات التنموية ووضعوا استراتيجية شاملة لهذا الغرض. ويؤكد الوزراء في هذا الصدد ضرورة وضع حد للفقر والعمل لتحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطن العربي عن طريق برامج للتنمية المستدامة يكون احد محاورها الرئيسية حماية البيئة والاستخدام الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية. وحدد الاعلان المشاكل البيئية ذات الاولوية التي تواجه العالم العربي في بداية القرن الحادي والعشرين بالنقص الحاد في الموارد المائية ومحدودية الاراضي الصالحة للاستخدام، والاستهلاك غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية وزيادة الرقعة الحضرية وما يترتب عليها من مشاكل وتدهور المناطق البحرية والساحلية والرطبة. وتتضمن الاستراتيجية المقترحة: البدء بوقف اسباب التدهور البيئي قبل محاولة علاج آثاره، واعتماد استراتيجية "الانتاج الانظف" الشامل بدءاً من الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية، وتجنب استخدام المواد الخطرة والمخلفات، سواء في الانتاج او الاستخدام الى المستويات التي يمكن للبيئة ان تتحملها، والادارة البيئية السليمة للمخلفات، والعمل لتغيير انماط الاستهلاك. ويدرك الوزراء في "اعلان ابوظبي" اهمية الجانب السياسي في العمل البيئي، ويرحبون في هذا الصدد باهتمام القادة العرب بقضايا البيئة والعمل على ادراج موضوع الاعداد العربي لمؤتمر "ريو" على جدول اعمال القمة العربية في الاردن، والى ان تكون البيئة احد المحاور الاساسية الثابتة في العمل العربي على مستوى القمة