تقرير "مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي، الذي أعده حديثاً فريق من العلماء برئاسة الدكتور مصطفى كمال طلبه، اعتبر أن معظم القضايا البيئية ذات الأولوية في ختام القرن العشرين هي القضايا البيئية نفسها المطروحة مع مطلع القرن الجديد، وإن اختلفت حدتها وترتيب أولويتها. وتضم هذه القضايا: ندرة المياه وتدني نوعيتها، محدودية الأرض، التصحر، التأثير البيئي لتزايد إنتاج الطاقة واستهلاكها، تلوث المناطق الساحلية، فقدان الغابات، الاستهلاك غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية، تدهور بيئة المدن والنفايات الصلبة والسائلة وكذلك النفايات الخطرة. وأشار التقرير الى أن ندرة المياه ونوعيتها من أهم القضايا البيئية في المنطقة، خصوصاً مع التزايد المطرد في الطلب عليها، المصاحب لزيادة السكان والنشاطات التنموية من صناعة وزراعة وسياحة وغيرها. وتقدر الموارد المائية المتجددة المتاحة في الوطن العربي بنحو 265 بليون متر مكعب في السنة، ويقدر متوسط نصيب الفرد بحوالى 977 متراً مكعباً في السنة. والمتوقع أن يتناقص هذا النصيب الى نحو 500 متر مكعب في السنة في معظم دول المنطقة بحلول سنة 2025، علماً أن نحو نصف هذه المياه ينبع من مصادر خارج الوطن العربي، كما أن هذه الموارد غير مستغلة بكاملها بل يتم استغلال نحو 68 في المئة منها فقط، وتتفاوت درجات الاستغلال بين دول المنطقة. وبالنسبة الى مصادر الأراضي، فإن المنطقة العربية تعاني من ندرة الاراضي أيضاً، إذ أن 8،54 في المئة من مساحتها تعد أراضي خالية وتمثل المراعي 8،26 في المئة والأراضي القابلة للزراعة 5،14 في المئة والغابات حوالى 9،3 في المئة. وتمثل الاراضي المزروعة حوالى 29 في المئة من مساحة الاراضي القابلة للزراعة أو حوالى 2،4 في المئة من إجمالي مساحة المنطقة العربية. أما الغابات، التي تمثل حوالى 9،3 في المئة من إجمالي مساحة الوطن العربي، فان أكثر من 80 في المئة منها يقع في السودان والجزائر والمغرب. وهناك دول مثل البحرين ومصر والكويت وقطر لا تملك أي غابات وتعتمد على التشجير. وتتعرض غابات المنطقة الى ضغوط متزايدة وتفقد 59،1 في المئة بمعدل سنوي. وتعد إعادة زراعة الغابات الطريق الفعال لتعويض الفقد، غير أن معدل التشجير وزراعة الغابات لا يوازيان معدلات الفقد، فضلاً عن أن إعادة زراعة الغابات لا يعوض الفقد الذي يحدث فعلاً في التنوع البيولوجي الذي تضمه الغابات الأصلية. وتكتسب المناطق الساحلية البحرية أهمية خاصة في المنطقة العربية نظراً الى ان كل دول المنطقة ساحلية، وإن تفاوتت أطوال السواحل فيها. وتطل دول المنطقة على ثلاثة بحار رئيسية هي البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج. وتتزايد الأنشطة الاقتصادية في المناطق الساحلية، وبخاصة التوسع العمراني والصناعي. وتعيش نسبة كبيرة من السكان قرب الشواطئ، إذ تتراوح من 40 في المئة الى 50 في المئة بالنسبة لمناطق البحر المتوسط ومن 8 في المئة الى 94 في المئة لمناطق الخليج، بينما تصل هذه النسبة الى حوالى 3،4 في المئة في مناطق البحر الأحمر. ويهدد التلوث البترولي المناطق البحرية في الدول العربية، خصوصاً الخليج والبحر الأحمر، بينما تتزايد نسبة التلوث بالعناصر الثقيلة في البحر المتوسط. كما بدأت الآثار السلبية لتراكم العناصر المغذية تظهر في بحار المنطقة وفي الخليج العربي. وبينما تقدم السياحة والصيد والبترول أهم ثروات المناطق الساحلية والبحرية، فهي تمثل أيضاً الضغوط الرئيسية على بيئتها. ويعد البحر المتوسط الأكثر تلوثاً، بينما تتزايد الضغوط على البحر الأحمر. ويهدد ارتفاع مستوى سطح البحر بعض المناطق على سواحل المتوسط، وعلى وجه الخصوص دلتا النيل. أما حصة دول المنطقة في انبعاثات الاحتباس الحراري ما زالت متواضعة نسبياً اذا قورنت بالدول الصناعية والدول ذات الاقتصاديات الانتقالية. فعلى سبيل المثال، لا تزيد انبعاثات المنطقة من ثاني أوكسيد الكربون عن 4 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية. ويبقى تلوث هواء المدن من النقل والصناعة مشكلة رئيسية في المنطقة. عن هذا التقرير وفرص تطبيق توصياته، حاورت "البيئة والتنمية" رئيس المركز الدولي للبيئة والتنمية المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة مصطفى كمال طلبه. وفي حديثه، الذي يأتي على أبواب الاحتفال بيوم البيئة العالمي في 5 حزيران يونيو، خيبات كما فيه عِبَر وآمال. وهو يرى أن الحكومات العربية لا تقدّر خطر التهاون في قضايا البيئة، كما أن وزارات البيئة العربية لا تلقى الدعم من القيادات السياسية العليا. عدد تقرير "مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي" المشاكل البيئية في المنطقة. ماذا أضاف إلى ما هو معروف؟ - لا أعتقد أن التقرير أضاف مشكلات جديدة لم تكن معروفة من قبل. وأكد التقرير هذا عندما أشار إلى أن معظم القضايا البيئية ذات الأولوية في ختام القرن العشرين هي نفسها القضايا البيئية المطروحة مع بداية القرن الجديد، وإن اختلفت حدتها وترتيب أولوياتها، ومنها ندرة المياه وتدني نوعيتها، محدودية الأرض، التصحر، التأثير البيئي لتزايد إنتاج واستهلاك الطاقة، تلوث المناطق الساحلية، فقدان الغابات، الاستهلاك غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية، تدهور بيئة المدن، النفايات الصلبة والسائلة وكذلك النفايات الخطرة. ولكن ما أضافه التقرير أساساً هو تحديد أهم الانجازات والاتفاقات في مجال العمل البيئي على المستوى المحلي والإقليمي، وتعيين أهم المستجدات على الصعيد العالمي، إذ أستعرض أثر أهمية كل منها بالنسبة الى العالم العربي، وهي: العولمة، والاتجاه إلى اللامركزية، وتحرير التجارة العالمية، والطلب العالمي على النفط، وتنامي دور المجتمع المدني والقطاع الخاص، ونشأة ونمو مجتمع المعلومات. كما أبرز التقرير التحديات الأساسية التي تحكم العمل البيئي في العالم العربي وركز على أمور ثلاثة هي: السكان، ومحدودية بعض الموارد العربية البيئية وإهدار الكثير منها، وآثار التغيرات العالمية على البيئة العربية. ثم حدد التقرير ملامح لاستراتيجية العمل البيئي العربي تتضمن: العمل على إطارين زمنيين، والبدء بوقف أسباب التدهور البيئي، وتعزيز المقدرات العربية ودعم التطوير المؤسسي، ودعم دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وتطبيق أدوات الاقتصاد البيئي الحديث، واعتماد استراتيجية الإنتاج الأنظف. ما هي خطوات المتابعة المطلوبة ومن يقوم بها؟ - يجب أن يحدد مجلس وزراء البيئة العرب أولوياته في العمل البيئي من بين الأولويات التي حددها التقرير، بحيث يتكون منها برنامج للمجلس قابل للتنفيذ، ويكون لها تمويل محدد، ويكون القائمون على تنفيذها معروفين والفترة الزمنية لتنفيذ كل منها محددة. كما يتولى مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة متابعة تنفيذ البرنامج. كيف ترون دور مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة؟ - تقرير "مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي" حدد بوضوح دور المجلس وهو: تقويم ما يجري على الساحة العربية وتحديد المواضيع التي يمكن ألا يكون عليها خلاف بين الدول العربية أو على الأقل تكون الخلافات حولها قابلة للنقاش للوصول إلى مواقف وسطية. وأوضح أنه تقع على الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة مسؤولية إمداد زملائهم الوزراء المعنيين في كل قطاع بفكر واضح عما يمكن أن يثار في مجالاتهم من قضايا تضر بحقوقنا في البيئة ومواردها الطبيعية. أما وزراء البيئة العرب أنفسهم، فهم ممثلو بلادهم في المؤتمرات والاتفاقات الكثيرة التي تتعرض لقضايا البيئة والتي يلزم أن يكون هناك فكر واضح، إن لم يكن موحداً، تجاهها. فهناك مواضيع لا يمكن أن يكون عليها اتفاق كامل لاختلاف الظروف، مثل قضية تغير المناخ، إنما على أقل تقدير تكون هناك معرفة كاملة بالمواقف المختلفة، لتنسيق تلك المواقف إذا اختلف بعضها عن البعض الآخر، حتى لا تظهر على شكل اختلاف في الرأي بين ممثلي الدول العربية في المحافل الدولية. ولكن اسمحوا لي أن أقول كلمة صريحة في هذا المجال أثرناها عالياً في تقرير "مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي": أن المؤسسات العربية العاملة في مجال البيئة على المستوى الوطني وتحت الإقليمي والإقليمي تعاني الكثير لأسباب عدة، لعل من أهمها: أ - كون البيئة بطبيعتها تدخل في كل عمل إنتاجي أو خدمي في الوطن، لذلك فالتعامل معها يقع في اختصاص جهات كثيرة ليست، بالضرورة، على أعلى درجة من التنسيق والتعاون. ب - لا أعتقد أن هناك إيماناً كافياً لدى الحكومات العربية بحقيقة ما يمكن أن يؤدي إليه التهاون في قضايا البيئة من مشكلات على كل المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية. ج - ان الأجهزة المسؤولة عن البيئة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي، لا تلقى الدعم الكافي مادياً وسياسياً ومعنوياً في أغلب الأحيان من القيادات السياسية العليا. د - نقص الكوادر المدربة القادرة على أداء العمل المطلوب. ولا نرى بديلاً من أن يتخذ الملوك والرؤساء العرب في اجتماع قريب من اجتماعات القمة العربية، واستقر الأمر الآن على دوريتها، موقفاً قوياً يدعم قضايا البيئة، ويعطي دفعة قوية للمؤسسات الوطنية والإقليمية القائمة عليها في العالم العربي، ويجعل البيئة أحد المحاور الرئيسية في مؤتمرات القمة العربية الدورية. أمل كبير ولكنه ليس بعيد المنال. الخطاب العربي في المحافل البيئية الدولية ما زال إنشائياً في غالب الأحيان، يتحدث في عموميات من خارج جدول الأعمال. أين ترون دور وكالات الجامعة المختصة، مثل "ألكسو" و "اكساد" ومنظمة التنمية الزراعية ومنظمة التنمية الاقتصادية وبرامج البحار الإقليمية؟ كيف يمكن تفعيلها والتنسيق بينها وإدخالها في صلب المفاوضات البيئية الدولية؟ - الوسيلة الوحيدة لتفعيل دور كل هذه المنظمات المعنية بالبيئة هي تقوية الأمانة الفنية لمجلس وزراء البيئة العرب، حيث تكون قادرة على جمع وتحليل مقترحات كل هذه المنظمات ووضعها في صورة مواقف محددة تعرض على مجلس وزراء البيئة العرب لاختيار ما يرون أنه موضوع اتفاق بينهم، والالتزام بالاتفاقيات الدولية. اقترح تقريركم إنشاء الوكالة العربية للبيئة. كيف تتصور تركيبتها، وماذا يضمن ألا تتحول إلى اسم آخر يضاف إلى ما هو موجود من هيئات تفتقر إلى المحتوى العلمي والمقدرة المادية؟ - لو كان عندي تصور محدد لشكل هذا الكيان العربي الخاص بالبيئة، لوضعته في التقرير. ولكن ما افترضناه في هذا الشأن هو ضرورة أن تكون هناك دراسة واعية للإجراءات التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي عندما قررت إنشاء منظمة أوروبية للبيئة، وإمكان تطوير هذا الفكر بما يتناسب مع الوضع العربي ويأخذ في الاعتبار الدور المتنامي لمجلس وزراء البيئة العرب وكل المنظمات الإقليمية العربية النشطة في هذا المجال. وإذا رأى الوزراء العرب إنشاء مثل هذا الكيان، يلزم اجراء دراسة للبدائل التي يمكن اتباعها لتحديد وضعه القانوني، من طريقة مشاركة الدول فيه الى أجهزته الفنية والإدارية وعلاقته بالأجهزة الوطنية في مجال البيئة ومؤسسات البحث العلمي العربية، وقبل كل ذلك علاقته بالمنظمات الإقليمية القائمة فعلاً والعاملة في مجال البيئة، والتي يمكن أن تكون هي ذاتها نواة هذا الكيان. ماذا تنتظر من قمة الأرض الثانية في جوهانسبورغ على مستوى العمل البيئي الدولي؟ - أنتظر من مؤتمر جوهانسبورغ ما انتظرته من مؤتمر ريو وما انتظرته من الجمعية العمومية الخاصة للأمم المتحدة لاستعراض ما تم تنفيذه بعد خمس سنوات ريو "5 ولم يتحقق، ألا وهو: تحديد مجموعة من الأهداف القابلة للتنفيذ خلال السنوات العشر المقبلة، مع تحديد واضح للكلفة الإجمالية لكل منها وما تستطيع الدول على اختلاف مستوياتها الإنمائية أن تشارك به في تحقيق هذا الهدف، وما ننتظره من دعم من منظمات الأممالمتحدة ومن المجتمع الدولي بصفة عامة. اضافة إلى ذلك لا بد من تحديد دور كل مكون من مكونات المجتمع في كل دولة في تنفيذ البرامج اللازمة لتحقيق الهدف: الحكومة والبرلمانات ورجال الأعمال ومنظمات العمل المدني، وبصفة خاصة المرأة والشباب واتحادات العمال والمنظمات غير الحكومية . ويتزامن مع كل هذا دور رئيسي للإعلام، لحشد كل قوى الشعب لتحقيق تلك الأهداف المحددة للتنمية المستدامة في الدولة. وقبل كل ذلك لا بد من تحديد محطات لمراجعة ما تم وما لم يتم وتحديد الأسباب لعدم التوفيق، فإذا كانت إهمالاً كانت الحاجة الى المحاسبة، وإذا كانت خطأ في التخطيط فالمطلوب تعديل للمسار. إذا أعطاك الحكام العرب وكالة مطلقة لإعداد خطة المشاركة العربية في قمة جوهانسبورغ، ما هو البرنامج الذي تقترحه؟ - هذا حلم بعيد التصور، ولكن دعنا نحلم معاً أن في الإمكان أن يكون هناك موقف مشترك. تصوري ان ما يجمعنا جميعاً في العالم العربي هو الوعي لما يدور حولنا في إطار العولمة: التجمعات الاقتصادية الكبرى، سواء أكانت دولاً أو شركات متعددة الجنسيات أو بنوكاً، وثورة المعلومات والاتصالات، وتحرير التجارة العالمية من جانب شعوبنا، التي تعاني كلها من زيادة مرتفعة في السكان ونقص شديد في الموارد وضعف القدرة على النفاذ إلى الأسواق الخارجية ومواجهة الاحتكارات العالمية. بل لعلي أقول حتى مواجهة الأسواق الناشئة مثل جنوب شرقي آسيا والصين والهند. وبالتالي فإن ما أعتقد أن من واجبنا أن نركز عليه هو ما يمكن أن يحقق ضمان التنمية المستدامة في بلادنا في ظل هذه الأوضاع العالمية المتسارعة التغير، والتي قد تؤدي إلى ضغط رهيب على اقتصادياتنا ونمونا الاجتماعي والاقتصادي والاستخدام الرشيد لمصادر ثرواتنا الطبيعية. أعتقد أن واجب المنظمات العربية أن تحدد هي بذاتها لوزرائها المعنيين بدائل للحركة العربية في ظل هذا التحول العالمي الخطير. ولا أريد أن أكون متشائماً، لكن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين يمكن أن يكون عقداً فاصلاً في حياتنا على المستوى العالمي. فإما أن نكون أقوياء للعيش وسط أسود غابة العولمة المتكاثفة أو نموت. * تنشر المقابلة في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية"، عدد حزيران يونيو 2001.