لم يكن غريباً على دولة الإمارات العربية المتحدة تخصيص يوم للبيئة تحتفل به على المستوى الوطني، وهي التي "قهرت" الصحراء بتحويلها غابات مزروعة تمتد على مئات الآلاف من الهكتارات. فشاءت هذا العام ان يكون للحدث بعد آخر من خلال إطلاق وثيقة عن مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي عُرف ب"إعلان أبو ظبي"، جمعت من أجله نحو 19 وزيراً عربياً مسؤولاً عن شؤون البيئة. وترافق الإعلان مع "مؤتمر ومعرض البيئة 2001" الذي نظمته الشركة العامة للمعارض بالتعاون مع "الهيئة الاتحادية للبيئة" و"هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها" وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة. واستند إعلان أبو ظبي الى تقرير أعدّه الاختصاصيون المصريون مصطفى كمال طلبة وأسامة أمين الخولي وكمال علي ثابت، واستقوا المعلومات التي تضمنها من تقرير مستفيض أعده "مركز البيئة والتنمية في الإقليم العربي وأوروبا" سيداري بالتعاون مع "المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة" اكساد وجامعة الخليج العربي وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة. يقع تقرير "مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي" في 46 صفحة فولسكاب. وضعت نسخ منه على طاولات الوزراء وممثلي الدول المشاركة، الذين وصل بعضهم الى الاجتماع يوم إنعقاده، ما أتاح لهم الاستماع الى مداخلات الجلسة المغلقة التي اقتصرت على تسجيل مواقف سياسية من دون أن يؤخذ بها في الإعلان الختامي الذي لم تطرأ عليه سوى تعديلات في اللغة وقواعدها، من دون المساس بالمضمون . وحصر إعلان أبو ظبي المشكلات البيئية ذات الأولوية التي تواجه الوطن العربي في بداية القرن الحادي والعشرين، في خمس. وبقي طرحه الحلول في إطار العموميات. وصرّح مدير الهيئة الاتحادية للبيئة في دولة الإمارات الدكتور سالم مسري الظاهري الى "الحياة" أن الإعلان رسم سياسة عمل تنفذها الدول العربية، كل منها على حدة، وترك لها تحديد أولوياتها. وأضاف: "ان اعلان أبو ظبي سيكون الموقف العربي الذي سيُرفع الى قمة الأرض الثانية المقبلة 2002 اي بمثابة "أجندة"، ونعتبر ذلك انجازاً أدخل أبو ظبي في التاريخ البيئي". إعلان أبو ظبي: ما هو الجديد؟ إلا أن دخول أبو ظبي التاريخ البيئي من "باب" الإعلان، بدا باهظ التكلفة، شأن التكلفة التي تتكبدها هذه الإمارة وشقيقاتها لزرع ملايين الأشجار في رمال الصحراء. والسؤال الذي بدا ملحاً وسط اجواء احتفالية رافقت الإعلان وضخامة المؤتمر الذي عقد غداة نشره، واقتصر حضوره على العشرات من المستمعين والمعرض الذي احتل آلاف الأمتار المربعة بمشاركة دولية بارزة واقتصرت مشاهدته على تلامذة مدارس ووفود عائلية، هو ماذا أضاف إعلان أبو ظبي الى عشرات الوثائق التي تصدر في ختام كل مؤتمر يتناول أوضاع البيئة في الوطن العربي؟ وفي تصريح الى "الحياة" أوضح مساعد وزير الدفاع والطيران المفتش العام لشؤون الطيران المدني في المملكة العربية السعودية الأمير فهد بن عبدالله الذي يترأس المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة أن إعلان أبو ظبي جاء بناء على قرار اتخذ في اجتماع الوزراء العرب في القاهرة لوضع دراسة عن المنظور البيئي العربي للمستقبل، وتبنت أبو ظبي اعتماد هذا الموضوع والدورة الاستثنائية للإعلان عنه، ووضع استراتيجية مستقبلية. وأضاف: "رضينا ام لم نرضَ، فإن مشكلات البيئة تفرض نفسها على كل المشاريع والتنمية، وإذا لم تؤخذ في الاعتبار ستكون الكلفة أكبر بكثير مما حصل في الدول المتقدمة في هذا المضمار". ويعتقد الدكتور طُلبة "ان الدول العربية بدأت خلال السنوات العشر الأخيرة، تشعر ان حماية البيئة ليست ترفاً وإنما عملية أساسية في الاستخدام الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية، فهناك كمية محدودة من مصادر الثروة الطبيعية التي تتدهور في استمرار، وما لم نحافظ عليها ونستخدمها استخداماً رشيداً لن تكون هناك تنمية". وأوضح ل"الحياة" ان فريق العمل الذي وضع التقرير، وهو أحد أعضائه، تعمّد في وضع الأولويات "ذكر القضايا غير الخلافية، إذ ان لا أحد ينكر ان لدينا نقصاً في المياه وانهياراً في المناطق الساحلية وضعفاً في قدرة الأراضي على الإنتاج واستخداماً غير رشيد لمصادر الثروة الطبيعية. وإذا تعاونّا على نقاط الاتفاق، يمكننا ان ننتقل لاحقاً الى نقاط الخلاف". ويعتقد "أن الدول العربية لم تعد قادرة على التغاضي عما يعيشه ويراه الشارع العربي بالنسبة الى تلوث الهواء والماء، وعندما لا يستطيع ان يؤمن هواء نقياً لأولاده وتفتك بهم الأمراض فإنه سيثور. ويعني هذا ان الكلام على البيئة لا يمكن فصله عن الإنسان، ولا تحتمل المنطقة عشر سنوات أخرى. وتُدخل عملية تحرير التجارة الدولية قضية البيئة كشرط في عمليات التصدير، وتُصرّ على سلامة المصدر الأولي للمادة، وطريقة الإنتاج والمنتج نفسه من الناحية البيئية. وهذا يعني ان حياتنا كلها ستتغير خلال السنوات الخمس المقبلة بتأثير المفاهيم البيئية". وفي حديث إلى "الحياة" أشار الدكتور الخولي رئيس قسم إدارة التقنية في جامعة الخليج العربية وأحد معدي التقرير الى "أن الهدف من التقرير هو حفز السؤال عن المستقبل. وعلى رغم أنه التقرير مزج تقريرين أُعدا في العامين 1998 و1999 إلا أنه يشكل، وللمرة الأولى، تصوراً امام وزراء البيئة العرب". ويراهن الدكتور طلبة على تحوّل التقرير بنداً دائماً على جدول أعمال القمم العربية المقبلة. ووضع التقرير، على قول الخولي، "إطاراً واضحاً في تناول قضية المياه، وهي مسألة لا تحتمل النقاش، فنحن الآن تحت خط الفقر في هذه المسألة، حتى في مصر التي تعد بلد النيل". وهذا الوضع سيسوء جداً مع زيادة عدد السكان، وحتى نوعية المياه تتدهور. لكن ما نلاحظه ان مسؤولية المياه في بلادنا مفتتة، والمطلوب إعادة النظر في هذا الموضوع والموازنة بين العرض والطلب في الاستخدام، فنحن استنفدنا مياهنا الجوفية بعدما أصبحنا نسحب منها أكثر من قدرتها على تجديد نفسها، ما يجعلها قابلة للنضوب والموارد المتجددة إذا تجاوزت قدرتها على تجديد نفسها تندثر. ويشير الى أن الأراضي الصالحة للاستخدام في الوطن العربي محدودة جداً. "فأراضينا كلها صحارى ومع ذلك نحن نعلم ان نحو 14 في المئة من الأراضي العربية يمكن استخدامها بطريقة أو أخرى للزراعة، علماً أن ما نستخدمه هو أربعة في المئة فقط، وإنما هذا المورد في النهاية محدود. وقلنا في التقرير اننا مسرفون في استهلاك الموارد الطبيعية، وأن أعلى معدلات استهلاك الطاقة للفرد في العالم هو في دولتين في هذه المنطقة، وكذلك الأمر في استهلاكنا المعادن والأخشاب، وكلها امور في حاجة الى إعادة نظر. ويدعو العالم راهناً الى مضاعفة الإنتاج مع استخدام نصف الموارد، ويتجه الى تأمين المنتج بعشر ما ينتج من الموارد بما في ذلك الطاقة. ولا يمكن وقف آثار الانهيار البيئي قبل معالجة أسبابه لأن النزيف سيستمر". ملف واحد للبيئة العربية ومن المفارقات التي يسجلها الخولي "أن العالم أدرك حماقة الطرق القديمة وبات يعود الى وسيلة السكك الحديد في النقل، لأنها وسيلة عالية الكفاية وموفرة للطاقة وتسمح بنقل أعداد كبيرة. ومن المضحك اننا كانت لدينا سكة حديد من دمشق الى الحجاز، ولو امتد الخط الى عمان وعدن وخط آخر على طول الساحل الشرقي للخليج ومن بغداد الى عُمان، ولو كان هناك خط بعرض المملكة العربية السعودية، لتوافرت لدينا خطوط مواصلات جديدة محافظة على الطاقة وصديقة للبيئة، ويمكن هذه الخطوط ان تتصل مع قطار الشرق السريع". ومن إنجازات التقرير جمع مشكلات الوطن العربي في ملف واحد، بعدما كانت موزعة، وبحسب التقارير البيئية للمنظمات الدولية، بين قارتين. ويمكن الإشارة الى الملاحظة التي أدرجت في باب وقف اسباب التدهور البيئي قبل الانصراف الى معالجة آثاره، والتي تتعلق باعتماد أسلوب "دحرجة" المشكلات البيئية، ما يؤدي دائماً الى كلفة طائلة كان يمكن تلافيها، لو أن هذه المشكلات لقيت الاهتمام بحلها في وقت مبكر. ولكن ما هي مؤسسات العمل البيئي العربية وما هو وضعها؟ يعترف التقرير بأن العمل البيئي مفتت بين جهات حكومية كثيرة ليست بالضرورة على أعلى درجة من التنسيق والتعاون، ولا توجد حماسة كافية لدى الحكومات العربية للإقرار بحقيقة ما يؤدي إليه التهاون في قضايا البيئة. ولا تلقى الأجهزة المسؤولة عن البيئة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي الدعم الكافي مادياً وسياسياً ومعنوياً من القيادات السياسية في أغلب الأحيان، وثمة نقص في الكوارد المدربة القادرة على أداء العمل المطلوب، وثمة ندرة في القوانين المرتبطة بالبيئة في العالم العربي، ومعظمها متناثر، فضلاً عن ان القدرة على تنفيذ القوانين الخاصة بالبيئة ليست على المستوى المطلوب مع استثناءات قليلة. مفارقة الغياب عن قمة نيروبي! ومن مفارقات "إعلان ابو ظبي" الذي اعتبر موقفاً عربياً موحداً يُطرح في قمة الأرض الثانية، انه لم يصل بعد يوم واحد من إعلانه الى "المنتدى البيئي العالمي" الذي عقد في نيروبي، وهو آخر اجتماع عالمي بيئي يسبق القمة وتُحدد فيه سياسات التنمية والبيئة في العالم، ويعادل في أهميته، مؤتمر دافوس الاقتصادي. وشارك في ملتقى نيروبي 90 وزيراً للبيئة، بينهم جميع وزراء البيئة في الدول الصناعية المتقدمة، وقدمت خلاله جميع الهيئات المعنية من الاتحاد الأوروبي والمنظمات التنموية الآسيوية والأميركية أوراق عمل، وتقدمت الدول نفسها بأوراق تضمنت تصورها للقرن الجديد. ولم يصل الى نيروبي من الوزراء العرب الذين التقوا في أبو ظبي سوى وزيري فلسطين والمغرب وتمثلت السودان والجزائر بأقل من وزير، وجامعة الدول العربية بمديرة المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة من دون ان تتقدم بأي ورقة عمل أو مداخلة! فكيف يمكن ان يصل التصور العربي لبيئة الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين الى قمة الأرض من دون العبور باجتماع نيروبي التحضيري؟ يبقى أن تلتزم الدول العربية ما التزمه ممثلوها بدفع إعلان أبو ظبي الى مؤتمر القمة العربية في الأردن منتصف الشهر المقبل . وإذا حصل هذا، كما يأمل الدكتور خولي "وأصدرت القمة في بيانها سطراً واحداً عن اهمية البيئة من واقع هذا الإعلان، فسنقفز عشر قفزات الى الأمام"!