لم يترك الباشا فؤاد سراج الدين وصية بمن يخلفه في رئاسة الحزب، لكن هناك واقعتين تروجان في الأروقة الوفدية: الأولى على لسان الدكتور محمد شتا النائب الثالث لرئيس الحزب الذي يؤكد أنه سأل الباشا في حياته: "وماذا بعد سراج الدين؟" فرد مباشرة ومن دون تفكير: "وماذا بعد النحاس وسعد زغلول؟". أما الثانية فهي على لسان حسين حلمي محامي الحزب الذي يقول إن حفيد الباشا حسن بدراوي سأله في جلسة حميمية: "من يا ترى القادم.. أمد الله في عمرك؟"، فضحك الباشا وقال: "أنا شخصياً لا أعرفه.. ولكن من يأت ستعرفونه حتماً، سيأتي شخص فوق تخيلاتكم". لم يشأ الباشا أن يفصح عن خليفته، وانما ترك لائحة صارمة تقول بتولي اقدم نوابه الثلاثة رئاسة الحزب مدة اقصاها 60 يوماً لحين اجتماع الهيئة الوفدية الجمعية العمومية للاقتراع السري بين المتنافسين، وهو ما يجري حالياً. تولى الدكتور نعمان جمعة أقدم النواب المسؤولية موقتاً ودعا الى عقد جمعية عمومية أول ايلول سبتمبر المقبل لاختيار الخليفة. يتنافس على خلافة الباشا اثنان أعلنا ترشيح نفسيهما، وهما الدكتور نعمان جمعة 66 سنة عميد كلية حقوق القاهرة السابق، وشقيق الباشا السيد ياسين سراج الدين 74 سنة اضافة الى ترشيحات اخرى غير مؤكدة منها الدكتور محمود السقا استاذ القانون المعروف، وابراهيم الدسوقي اباظة السكرتير العام المساعد، وفؤاد بدراوي 50 سنة حفيد الباشا الذي كان يحتل مكان القلب من رئيس الوفد ومدير مكتبه وكاتم أسراره ومنفذ سياساته المعلنة وغير المعلنة. واللافت أن الدكتور جمعة كسر حاجز الصوت وأعلن نفسه رئيساً للحزب حسب اللائحة وهو الاجراء الذي احتفت به صحيفة الحزب الوفد اليومية واغضب اسرة سراج الدين وحليفتها الاساسية عائلة بدراوي عاشور، فكلاهما كانت تتمنى على نعمان ان يتريث قليلاً، خصوصاً ان الاعلان جاء قبل تشييع رئيس الحزب. ويرى القطاع العائلي في الوفد قدوم نعمان انتصاراً لما يسمى ب"المستوفدين" على حساب "الوفديين". لكن نعمان ينفي ذلك كله، ويقول إن الوفد حزب جماهيري، العائلات جزء منه وهو ليس ضد العائلات لأنها تضيف للحزب ولا تنقص منه. وينفي عن نفسه ما سمي بظاهرة المستوفدين ويقول إنه وفدي اصيل. فهل يعني قدوم نعمان تغييراً في دماء الحزب؟ سؤال تتفرع منه اسئلة صغيرة: أولاً: ما موقف العائلات من نعمان، خصوصاً تحالف عائلتي سراج الدين وبدراوي وآخر طابور العائلات مثل رسلان في الشرقية وسرحان في القليوبية والاباظية وغيرها كثير. ثانياً: موقف من تبقوا من الحرس القديم امثال حامد الازهري وسعد فخري عبدالنور وعلي سلامة ومحمد شتا ومحمد عيد اسكندرية وفؤاد عيد طنطا وعبدالفتاح نصير.. ثالثاً: شباب الوفد ما بعد المستوفدين هل يفضلون نعمان ام يدفعون في اتجاه ترشيح شاب مثلهم فؤاد بدراوي خصوصاً ان سن أي شاب وفدي عادي جداً يصل الى الخمسين لأنه حزب عجوز؟ رابعاً: موقف الوفد من النظام، فهل يندفع لملاقاة الحزب الوطني في تنافس حزبي أم يظل يلعب جوار الحائط معتزاً بتراثه القديم ؟ السؤال الذي يظل معلقاً في الهواء: أي وفد بعد سراج الدين؟ ويجيب الدكتور محمد شتا نائب الباشا: "إن حزب الوفد هو حزب الوفد، وهو ليس حزباً ورقياً أو حزب اشخاص، فسعد عندما رحل لم يأخذ معه الوفد، والنحاس لم يفعل ذلك وسراج الدين لم يشأ حتى ان يسمي خليفته. الوفد هو الباقي، واذا سألتَ من سيتولى الوفد سأرد بخبرة 80 سنة: الأكثر ديموقراطية، واذا قلت والعائلات اقول لك بكل صراحة نحن حزب الفلاحين أصحاب الجلاليب الزرقاء". منير فخير عبدالنور ابن السكرتير العام للحزب سعد فخري عبدالنور يقول: إن وفد ما بعد الباشا يكون أقوى بطبع الشباب الذين اطلقهم الباشا في كل مستويات الحزب، كما ان شخصية الباشا كانت طاغية وصاحبة قرار وتمد يدها في كل شيء، الآن سيترك فراغاً بما يفتح الباب لتولي القيادات . عباس الطرابيلي رئيس تحرير "الوفد" يرى انه لا تغيير في بنية الوفد، فهو حزب له مبادئ ولن يتغير مهما كان اسم رئيسه. سعيد عبدالخالق رئيس التحرير الآخر ل"الوفد" للصحيفة رئيسا تحرير، يرفض بشدة فكرة ان الحزب يتشكل من أسر عدة عريقة ويؤكد أن 99 في المئة من اعضاء الحزب هم من العمال والفلاحين. محسن بدراوي رئيس لجنة الصناعة في الحزب وسليل عائلة بدراوي عاشور الشهيرة ووالد فؤاد بدراوي يقول إن حزب الوفد كما كان حزب العائلات الكبيرة هو حزب الشعب، والعائلات لم ولن تؤثر على مسيرة الحزب وأي شخص سيتولى الرئاسة لن يستطيع ان يغير شكل الحزب او يفرض اتجاهاً محدداً لمستقبل الحزب لأن كل شيء واضح واتجاهنا معلوم والحزب للجماهير وليس للاشخاص. أما محمود السقا استاذ القانون وأحد المرشحين لرئاسة الحزب فقال إن طرح فكرة ما بعد الباشا غير صائبة لأن مثل هذه الشخوص لا تعوض ومن الصعب أن يأتي شخص ليملأ هذا الفراغ. ولا يخفي نعمان جمعة انزعاجه من فكرة المستوفدين ويقول: "هذا ليس صحيحاً" فلا وجود لمثل هذه المسميات في الوفد، والتغيير هو في الاشخاص وليس في المبادئ، واختياري ليس على حساب احد أو مصالح أحد، لست ضد العائلات ولست ضد الحرس القديم أنا فقط مع كل ما يضيف للوفد كحزب جماهيري". أما ياسين سراج الدين فيقول إنه يطمح للوفد الشعبي، ولا ينكر أهمية وجود اسم سراج الدين وايضاً العائلات الى جانبه، والاحتكام هو للهيئة الوفدية وتلك تنتخب الأصلح لقيادة الوفد، وهو اذا جاء الى الوفد سيعمل على الحفاظ على مبادئ الحزب وعى ملء فراغ شقيقه