انتهت الانتخابات في تايوان، ولم تندلع الحرب! وجاءت النتيجة بشين شوي بيان الى الرئاسة وهو أكثر المعادين للصين الشعبية، ولم تتحرك البوارج ولا انطلقت الصواريخ نحو الجزيرة ل"ضمها" الى الوطن الأم! ما هي الخطوة المقبلة للقيادة الجديدة؟ وكيف سيكون رد فعل بكين على وصول عدوها اللدود الى الحكم؟ سؤال كبير يعترض بساطة الاجابة على هذين السؤالين وهو: لماذا اختار الناخب التايواني أكثر المرشحين الثلاثة تطرفاً ليسلمه مقاليد الحكم، وزمام المفاوضات مع الوطن الأم؟ إذا وضعنا جانباً موقف بكين التي لا يمكن أن ترحب بأي خطوة تزيد من "تمييز" تايوان، فإن الانطلاق من داخل الكيان التايواني لتحليل ما حصل يسهل عملية تنفيث الاحتقان الذي هو إعلامي أكثر مما هو واقعي. ويبين تحليل بسيط لنتائج الانتخابات ان الناخبين لم يصوتوا فقط لرئيس حزب التجمع الديموقراطي "العدو" الرقم واحد للصين، بل صوتوا ضد الكومينتانغ، الحزب الحاكم في تايوان منذ 1949. فالرئيس الجديد وصل الى الحكم بأصوات 39.3 في المئة من الناخبين، بفارق بسيط جداً عن منافسه المنشق حديثاً عن الحزب الحاكم جيمس سونغ الذي جمع 36.8 في المئة. وحل في المرتبة الثالثة ليان تشان نائب الرئيس السابق، ومرشح الكومينتانغ ووريث تشان كاي تشك، فكل المؤشرات يشير الى أن الانتخابات تمت على خلفية ابتعاد الناخب التايواني عن الحزب الحاكم منذ أكثر من نصف قرن، بسبب ملفات الفساد، على رغم التقدم الهائل الذي عرفه المجتمع التايواني منذ أكثر من ثلاثة عقود. ثم أنه يجب ادخال شيء من النسبية في التحليلات التي تضع خطوطاً غير متوازية بين "ديموقراطية تايوان" و"لا ديموقراطية الصين الشعبية"، ذلك أن تايوان على رغم التطبيل الإعلامي ليست تلك الدولة العريقة التقاليد بالديموقراطية. فالانتخابات الأخيرة هي الثانية في الجزيرة منذ رفع الكومينتانغ قبضته العسكرية عن المجتمع التايواني. والتقدم الاقتصادي الذي شهدته الجزيرة التي تعد 22 مليون نسمة، ثم نحت نظام عسكري صارم، أمسك زمامه تشان كاي تشك حتى وفاته العام 1975، وورث الحكم ابنه تشيانغ تشينغ كيوو الذي رفع الأحكام العرفية العام 1986. وإثر وفاته تسلم الجنرال تينغ هيوو الحكم الذي بدأ خطوات خجولة نحو الديموقراطية. وأعيد انتخابه في أول انتخابات حرة العام 1996، أي سنة واحدة قبل عودة هونغ كونغ الى أحضان الصين. ان القراءة الواقعية لنتائج الانتخابات يجب أن لا تتم تحت تأثير الضوضاء التي يثيرها قرع بكين لطبول التهديد، ذلك ان انفراط حزب الكومينتانغ هو نصر للحزب الشيوعي الصيني الحاكم في بكين، لأنه أحد أقدم أعدائه ومنافسيه، وقد تنازع الحزبان على السلطة منذ نشوء جمهورية "سان يات سن" العام 1912. ويقول خبير غربي في شؤون العالم الصيني: "نخطئ نحن في الغرب حين نقيس ردات فعل الصين حسب مفهومنا، وحسب تقديراتنا السياسية المحكومة بنظرتنا الى العالم المحيط بنا. فالصين حتى قبل أن تصبح عملاقاً اقتصادياً، وعسكرياً، لها نظرة خاصة الى كل ما يمس كيانها، تختلف أبعادها كثيراً عن نظرتنا. فالصين لا تستطيع إلا أن لا تلوح باستعمال العنف عند حصول عملية تمس مقومات سيادتها على ما تعتبره جزءاً لا يتجزأ من الصين. وهو ما حصل خلال الانتخابات. وما يحصل إذا قام أحد مسؤولي الجزيرة بزيارة رسمية لدولة ما. أو إذا وقّعت تايوان عقوداً عسكرية. أما بقية الأمور التجارية أو الثقافية، فلا تحرك بكين ساكناً ضدها، ومن الطبيعي إذاً، أن الصين التي تطالب بضم الاقليم المنشق، أرادت أن يكون صوتها مسموعاً في الانتخابات. وهي تدري أن تهديداتها لا تستطيع التأثير كثيراً في مجرى الأمور. بل يمكن اعتبار أن التهديدات كانت موجهة الى الخارج أكثر مما هي موجهة الى سكان الجزيرة. ولا يتعجب المراقبون من رد فعل الولاياتالمتحدة الهادئ، فهي اكتفت بتصريحات تدعو للهدوء، في حين أنها أرسلت أسطولاً بحرياً خلال الانتخابات السابقة رداً على تهديدات أقل حدة. فإذا كان شبح كوسوفو لا يزال حاضراً في أذهان القادة الصينيين، فقد خففت حدة صورته أحداث الشيشان، والمثل الروسي لكيفية التعامل مع الاقاليم المنشقة، وهذا المثل ما زال حاضراً في أذهان الغرب، خصوصاً لدى واشنطن. أما نتيجة الانتخابات، وعلى رغم أهميتها للسكان المحليين، فهي لا تهم بكين كثيراً. فهي تعرف أن مصير الجزيرة مرتبط "ارتباطاً عضوياً بالصين الأم". ويعرف حكام بكين أن الحاكم الجديد، لا يستطيع الذهاب في اتجاه مخالف لمصالح تايوان الاقتصادية. وتدرك الأوساط المالية والاقتصادية كذلك هذا الأمر. والدليل ان مؤشرات البورصات في آسيا عموماً، وفي "الفضاء الصيني" تايوان - هونغ كونغ - سنغافورة - شانغاي - بكين - شينزين، وهي من أكثر البورصات ديناميكية، لم تتأثر كثيراً بانتخاب مرشح الحزب الديموقراطي. وتفاوت التراجع ما بين نقطة ونصف ونقطتين لمؤشرات الأسهم. لكن - وهذه علامة مهمة - مؤشر التعامل بالأسهم "الوطنية" أي العملة الصينية سجل ارتفاعاً ملحوظاً 1.09 في المئة ويفسر هذا الهدوء على "جبهة" البورصة ثقة بكين بعدم امكانية قطع خطوط التواصل مع المجموعة الحاكمة في تايوان أياً كانت اتجاهاتها. فالاقتصاد التايواني اصبح مرتبطاً، منذ أكثر من عشر سنوات، ارتباطاً حيوياً وكاملاً بالاقتصاد الصيني، فلا يمكن مهما كانت الظروف ان تبتعد تايوان الى حد القطيعة عن الصين البرية. ويدرك الرئيس التايواني المنتخب هذا الوضع أفضل ادراك، لذلك ما أن اعلنت النتائج، وتم طي صفحة الانتخابات وشعاراتها، حتى جاء أول تصريح له يؤكد انه "مستعد لنقاش كل القضايا العالقة، ومنها مبدأ الصين الواحدة...". وعلى رغم تشديده على ضرورة "حماية سلطة تايوان وسيادتها" إلا أن هذا التصريح يعد ابتعاداً عن مواقفه السابقة حين كان في المعارضة وفي خضم حملة الانتخابات. ويكفي تحليل الجملة الاعتراضية التي رافقت تصريحه المنفتح على الصين للتأكد من أنه لم يتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها بكين. فهو يؤكد ضرورة المحافظة على "سيادة وسلطة تايوان"، وهذا لا يتعارض مع المبدأ الذي تطالب به الصين والداعي الى "دولة واحدة ونظامين"، وهذا ما طبق في هونغ كونغ وماكاو. ويقول خبير اقتصادي سنغافوري يراقب العلاقات بين الجزيرة والبر الصيني: "يعلم كل رجال الأعمال في تايوان، انه من المستحيل التخلي عن السوق الصينيةتايوان أكبر مستثمر "أجنبي" في الصين وعن الاستثمارات الموجودة فيها، ويعلم رجال السياسة هذا الأمر أيضاً، والأمر محسوم على المدى الطويل. أما على المديين القصير والمتوسط، فالقضية هي قضية مساومات سياسية وضغوط اقتصادية، للحصول على أفضل الشروط في المجالين المذكورين، ومن مصلحة تايبه أن تدوم المناوشات أكثر وقت ممكن". مقايضة الاستثمارات بالتكنولوجيا وتتطابق نظرية الخبير مع واقع تصرف الجهتين. فعلى الصعيد الاقتصادي تعمل بكين على تحقيق هدفين: الأول سياسي ترمي من خلاله الى زيادة ارتباط اقتصاد الجزيرة بالبر، فتقدم تسهيلات وتفضيلات للاستثمارات التايوانية. والثاني الاستفادة من التكنولوجيا التايوانية المتقدمة للحاق بركب الدول الصناعية المتقدمة. أما تايوان فإن إطالة مرحلة "العودة" الى أحضان الوطن الأم، تسمح لها اقتصادياً باستمرارية الاستفادة من التمييز النوعي والتفضيلي لمستثمريها. وعلى الصعيد السياسي فإن كل يوم تأخير في الانضمام يعتبر يوم تقدم للصين على طريق الانفتاح، ما يمكن أن يشكل عامل ضمان اكبر لسكان تايوان، وعلى رأسهم مستثمروها ورجال الأعمال. ويوافق مصرفي ياباني على هذا التحليل ويقول: "تدرك تايوان حدود حريتها مثلما تدرك أن الصين تعلم هذا الأمر. والفريقان يدركان أن مصالحهما مشتركة. وحين تختفي مصلحة أحد الطرفين من متابعة لعبة القط والفأرة هذه، فسيجلسان على طاولة المفاوضات بين "صينيين" على طريقة الصينيين وينهيان الأمر، كما يتم خلال المفاوضات التجارية بينهما منذ أكثر من عشرين سنة! أما ما نسمعه اليوم فليس سوى مزايدات تسبق أي مفاوضات للحصول على أفضل الشروط". وما لا يقوله المراقب الياباني هو ان هذا التجاذب يمكن أن يطول، وان هناك دولاً تود أن يكون لها مكان على طاولة المفاوضات. وهذا ما لا تريده بكين التي ستخرج رابحة مهما كانت نتيجة المفاوضات إذا استعادت الجزيرة تحت سيادتها. وبالعكس فإن مواطني تايوان لا يعارضون الاتكاء على "دولة عظمى" للتفاوض مع الصين الكبرى، مما قد يسهل لهم الحصول على ضمانات كثيرة غابت عن المفاوض البريطاني خلال مفاوضات إعادة هونغ كونغ، خصوصاً على مستوى الحريات الشخصية والممارسات السياسية على الصعيد المحلي. وتحت هذا العنوان يجب تفسير تدخل الولاياتالمتحدة ودعوتها الطرفين الى الهدوء. فواشنطن التي سحبت اعترافها بتايوان منذ 1971، تحافظ على علاقات تجارية وعسكرية قوية جداً مع الجزيرة. ولكن الولاياتالمتحدة تدرك ان اعلان استقلال الجزيرة بشكل صريح أمر غير مقبول من بكين ولا بأي شكل. وهدف الولاياتالمتحدة الوحيد، في غياب أي امكانية أخرى، مماثل لهدف تايوان المتواجد في مجموعة الأهداف السياسية من اطالة مدة التجاذب والمفاوضات، وهو أن تصل الصين الى نقطة اللارجوع في الاصلاحات السياسية، والاجتماعية أي تأخير موعد العودة أكثر ما يمكن. أصليون ومهاجرون ولكن هذا التأخير في ظل التغيرات الاجتماعية التي تشهدها الجزيرة منذ إحلال نظام ديموقراطي وحريات فردية واسعة، يمكن أن يبرز عوائق جديدة، كانت غائبة ومسحوقة تحت حكم الكومينتانغ. وبوادر هذا الاضطراب بدأت تلوح من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة، وهي تعود الى تاريخ "جزيرة فورموزا". فقد شهدت الانتخابات تصاعد نفوذ السكان الأصليين فورموزيين الذين يشكلون 80 في المئة من عدد سكان الجزيرة. وكان دورهم السياسي معدوماً حتى سنوات قليلة، في ظل هيمنة "المهاجرين" أي الصينيين الذين تبعوا الجيش الوطني المنهزم أمام ماو تسي تونغ الذين شكلوا قاعدة حزب الكومينتانغ. فالرئيس الجديد من أصل "فورموزي" على عكس سلفه، والجدل السياسي المحلي أصبح محكوماً بقاعدة الأكثرية، وهي السكان الأصليون الذين يتميزون بعاداتهم وتقاليدهم عن سكان البر الصيني. ومن الناحية التاريخية، فإن فورموزا كانت تابعة للامبراطورية الصينية، من دون أن تكون هناك سيطرة أو سيادة صينية واضحة المعالم عليها. وفي العام 1895 ضمتها اليابان الى امبراطوريتها من دون أي اعتراض كبير من الصين. وبعد هزيمة اليابان قررت الدول الكبرى في مؤتمر يالطا نزع جزيرة فورموزا عن اليابان، وان كان بدا بديهياً ان تعود الجزيرة الى الصين الحليفة آنذاك، فقد تم هذا في غياب "وضوح" من ناحية القانون الدولي، ما ساعد الدول الغربية حين انقلبت الصين الى دولة شيوعية، وهربت فلول الجيش الوطني الى تايوان. فاعترف العالم بتايوان كممثلة للصين! ولكن لا يغيب عن بال السكان الأصليين ان جيش تشان كاي تشك فرض وجوده بالقوة، وقمع مقاومة السكان الأصليين في مذبحة رهيبة العام 1947، غضت النظر عنها الأممالمتحدة في حينها، على رغم أن تايوان كانت عضواً دائماً في مجلس الأمن! ومن هنا التخوف من الانفتاح الديموقراطي في الجزيرة الذي يمكنه أن يعيد لأهل فورموزا أصواتهم فينادون بالاستقلال الصريح، بعدما كان المهاجرون الصينيون يلوحون به فقط عبر المضيق. وهذا ما يخيف حكام تايبه. ومسألة استقلال كهذه يمكنها أن تشحذ همم الكثير من المنظمات غير الحكومية وهو ما يخيف الصين تاريخ وأرقام عرفت تايوان سابقاً بجزيرة فورموزا، تختلف عادات سكانها الأصليين ولغتهم عن عادات ولغة الصينيين. هاجر اليها قبل أكثر من أربعة قرون الكثير من سكان الصين الجنوبية، ونكلوا بالسكان الأصليين. احتلتها اليابان العام 1895، وأقامت فيها نظام استعمار واستثمار لمواردها الطبيعية، قبل أن تخرج عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية. هرب إليها الجيش الصيني الوطني المهزوم، ونكّل بالمواطنين الأصليين، الذين حاولوا مقاومة توطين العائلات القادمة من البر الصيني مع فلول الجيش المنهزم. عدد سكانها 22 مليون نسمة الصين 1.4 مليار نسمة ومساحتها 36000 كلم مربع. عاصمتها تايبه. عملتها الدولار التايواني. يتكلم سكانها الصينية ولغات محلية متعددة، والانكليزية. ودياناتهم البوذية والطاوية والكاثوليكية. الدخل الوطني 292 مليار دولار. والدخل الفردي 13250 دولاراً. معدل النمو: 3.4 في المئة. واحتياط النقد 95 مليار دولار من العملات الصعبة.