في حوار اجرته "الوسط" بتاريخ 1/11/1999 مع الشاعر ادونيس استطعت الى حد ما ان أفك طلاسمه وغوامضه. وأشير الى ان المجلة اعتبرته بالنسبة لمحيطه العربي: "ضحية سوء تفاهم نظري عميق سببه قصور في الوعي وانحسار في الافق الفكري والسياسي وتراجع النقاش الى مواقعه الخلفية واعتباراته البدائية". يعني انه قد سبق عصره ولا نستطيع نحن، معاصروه، اللحاق بأفكاره وأسبقياته لقصورنا وبدائيتنا! ادونيس يهاجم ماضينا كله ويسأل: "لماذا لا يدرس الماضي الا امتداحاً وتمجيداً كأنه سلطان، على الدارس ان ينحني امامه". ونشير الى انه لا يدرك بأننا نحترم ماضينا ونمجده ونفخر به، لكنه لا يعلم بأننا كثيراً ما نخرج عن بعض افكار هذا الماضي ومساوئه ونسعى دوماً الى الافضل. ويتهم ادونيس عصره بأنه يعيش على "تقديس الماضي والخوف من المستقبل" وهذا بالطبع غير صحيح حيث ان ماضينا وعصرنا الحاضر يجلان الماضي ويأخذان ما صلح منه ولا يخافان المستقبل بل يسعيان اليه بما يحملانه من الماضي حيث التراث والأصالة. ادونيس لا يدرك ما يقول، اذ يناقض نفسه، فإذا به مثل ابناء عصره يختار من الماضي رموزاً يمجدها ومن حاضره ايضاً، ففي الشعر يذكر بالخير بشار وابا نواس ورواد الموشحات الاندلسية والمتنبي وأبا تمام والبحتري وعمر ابو ريشة ونزار قباني... ليس هنالك ما يختلف معنا عليه... يمجد ما نمجده ويحب ما نحبه ويعجب بما نعجب له، غير انه يدّعي التميّز. يرى ادونيس بأن الابداع في الفن والادب والفكر لا يتم الا بتحطيم البنى السائدة!! ويدّعي ان المتميزين في التاريخ هم فقط من حطموا البنى السائدة فكراً وفناً وادباً. ويعلل ذلك بأنه "لا قوام للاصل بما هو غريب عنه، ولا قوام للذات الا بالآخر، ولعل خصوبة الذات لا تجيء من داخلها بل من خارجها اي ان الآخر هو الذي يخصبها".. ويظن انه يأتي بجديد وهذا غير صحيح، لأن الفكر السائد لدينا نحن العرب والمسلمين يسمح للمتميزين وللموهوبين بأن يضيفوا الى حيثياته من ابداعهم، ولا حاجة للهدم في البنى السائدة، فالاصل يبقى ويضاف اليه الجديد، فالادب مع تمسكه بالاصالة لم يرفض بشاراً وأبا نواس والموشحات ونزار قباني ولكن الأصالة استوعبتهم وقبلت بهم واحتوتهم بشمولها. اما عن القول بأن حضارة اوروبا اصلها من العرب فقد أصر ادونيس بأن ليس للعرب شيء لانهم اخذوا عمن سبقهم ويقول: "المحيط العربي قد يكون اصل اوروبا، وما اصل هذا المحيط؟ بالطبع الحضارات السابقة، والمحيط العربي انسلخ مما يشكل هويته الابداعية"، يريد القول بأن المحيط العربي لم يبدع حتى يتمكن من ان ينسلخ من الحضارات السابقة، واقول ان العرب لم ينسلخوا عن الحضارات السابقة لكن الدين الاسلامي الحنيف قد صبغ العرب وشعوباً عديدة بصبغة حضارية مختلفة ومتميزة وما زال بركانها قوياً ومتفجراً بالابداع المتواصل. اذا قرأت شعر ادونيس فلن تجده شعراً اما اذا ناقشت فكراً لادونيس فانك ستجد طلاسم ورموزاً، واذا فهمت شيئاً فستجده متناقضاً وعبثاً وهدماً لا بناء بعده. عصام بشير العوف اكتفينا بهذا القدر من رسالتك الطويلة، لأن نشرها كلها كان سيستغرق صفحات معظم ما فيها اقتباسات من حوار ادونيس نفسه ووقوف ضده على طول الخط، ودائماً انطلاقاً من المقولات نفسها.