تحتاج الرواية العربية نقاداً يؤلفون عنها الكتب. المقال في الصحيفة او المجلة مرغوب ومطلوب. لكن المقال النقدي لا يكفي، لأن المقال محكوم بمساحة محددة، ما يجعله عاجزاً، بطبيعته، عن الاحاطة بالعمل الروائي. وعن انتاج معرفة عميقة به فعلاً. وهل نقول شاملة ايضاً؟ لهذا نتوقف عند كتاب سعيد الغانمي، الصادر عن "المركز الثقافي العربي" بعنوان: "ملحمة الحدود القصوى: الخيال الصحراوي في أدب ابراهيم الكوني". فإذا استثنينا الكتب التي وضعت حول رواية نجيب محفوظ نلاحظ فراغاً نقديّاً هائلاً في المكتبة العربيّة، أو لنقل خللاً بين الانتاج الروائي والانتاج النقدي الذي يفترض أن يرافقه. والغانمي، إذ يقدم مساهمته الخاصة في قراء أدب الكوني، يفعل ذلك عبر اللجوء الى تيمة، أو محور، تجتمع حوله روايات الأديب الليبي المعروف. وهذا المحور هو الصحراء. "والصحراء - كما هو معروف - متاهة وفردوس في آن واحد" ص 9. يستعين الغانمي بكتب التراث لينسج صورة عن البدوي، ثم يعمد الى المقابلة بين هذه الصورة والصورة الأخرى التي تنتجها رواية الكوني، من "التبر" الى "السحرة" الى "عشب الليل" و"الفزاعة"، وغيرها من روايات صدرت في العقدين الماضيين، وتمكنت، بسرعة لافتة، من احتلال موقع مميز على الساحة الأدبيّة العربيّة. كيف نفهم ظاهرة الكوني؟ مقاربة الغانمي كاشفة. انها تشير الى "البقعة السوداء" في أعماقنا، تلك المساحة الغامضة التي يغوص فيها الكوني، إذ يستعيد حكايات وأساطير متجذّرة في اللاوعي الجماعي... وتراجيديات اغريقية ايضاً. لكن الحبكة عنده تنسج في مناخ واحد لا يتبدل. وسحر هذا المناخ، إضافة الى العنصر القصصي القديم، أثبتا مرة تلو المرة قابلية أدبه للبقاء... وللتحول مادة خام ممتعة في يد الناقد.