مسيرة فنية بدأتها حين كانت في سن الثانية عشرة، جابت خلالها بلدان العالم تغني الوطن والمقاومة والشهداء وتدعو الى المحبة. رفعت الصوت طفلة، فعرفت بصوتها الرقيق الى جانب مارسيل خليفة ذي الخط الوطني والمدرسة الفنية المعروفة بجذورها الشرقية وهمها النضالي. تطل أميمة الخليل اليوم في اطار جديد تغني الأغنية العربية على ايقاعات غربية وبآلات موسيقية جديدة وحديثة. عملها الجديد اسطوانة تضم 11 أغنية منها القديم ومنها الجديد، لكن بتوزيع لا يشبه سواه وذلك بالتعاون مع زوجها الموسيقي هاني سبليني. هذا العمل أثار أسئلة عديدة ووضع أميمة تحت نار النقد حيناً والاعجاب أحياناً، فيما تنفس بعض معجبيها الصعداء. بالنسبة الى النقد القاسي ترى أميمة الخليل ان أصحابه، عبئاً على الفن لأنهم "ينظرون الى الجزء بمعزل عن الكل". فهي التي دفعت ضريبة كبيرة في فنها من عمرها وشبابها حيث نسيت ان تحلم وأن تحب، تاركة ألعابها وراءها، مسافرة في رحاب العالم حاملة لواء الأغنية ونشيد المقهورين، يأتي اليوم أحدهم ليعيد النظر بهويتها الفنية والتزامها الوطني "دون حق ودون امتلاك لأصول المعرفة"، كما تقول. مع أميمة الخليل جاء هذا الحوار حول عملها الجديد وسيرتها الفنية: بعد عشرين عاماً من الغناء مع مارسيل خليفة تطل أميمة الخليل بعمل غنائي من 11 أغنية، ماذا تعني هذه الإطلالة المنفردة اليوم؟ - غيابي عن الساحة الغنائية كمغنية منفردة، له أسبابه فأنا لست من الذين يؤمنون بلون الأغنية الواحدة، بل أؤمن بالعمل المتكامل. الناجح الذي يعبر عن مواقفي المعروفة خلال مسيرتي الفنية. وتحقيق هذا ليس سهلاً. لقد كنت دائماً انتظر توافر الامكانات حتى أظهر بشريط خاص بي يرسم صورة عن طموحاتي وخطي الفني الذي لا يشبه خط أحد. خصوصاً ان الفضائيات، والأغاني والمغنين صاروا اعداداً وأرتالاً لا تحصى. آلات جديدة ما هو في رأيك الجديد الذي أثبت به من خلال أغانيك الجديدة: - تعاونت مع شركة توكيز، وهي شركة تعمل باحتراف على الطريقة الغربية، وهي التي حضنت العمل مادياً اضافة الى تعاوني مع زوجي هاني سبليني الذي يعزف على آلة ال Key board وهي آلة قليلة الاستعمال في وسطنا الغنائي، وهو الوحيد الذي يجيد اللعب على هذه الآلة في لبنان. فدخول الصوت الكهربائي في العمل ميّز العمل، وولد له إطاراً جديداً لم يتطرق اليه أحد من قبلي على ما أعتقد. لكن الا تجدين بأن هذا التغيير النوعي في أدائك الغنائي بعد العمل مع مارسيل خليفة المعروف بلونه قد ينتهي الى فشل؟ - لو درسنا النتيجة في السوق لوجدنا ان المبيعات تظهر عكس ذلك وكأن هذا العمل أتى ليكمل ما بدأته مع مارسيل وليس لينقض تجربتي. فهناك فئة من الناس لا تحب اللون الذي يقدمه مارسيل، وهؤلاء استطعت ان اجذبهم من خلال عملي الجديد، وهم في غالب الأحيان لا يعرفونني قبلاً وتعرفوا عليَّ الآن أما آخرون فكانوا سمعوا بي وتوطدت علاقتي بهم اليوم، وأكثر الذين جذبهم البومي الجديد هم من الشباب. تجربتك الشرقية السابقة قد تتناقض مع تجربتك الجديدة ذات الأصول الغربية كيف مزجت بين التجربتين أو كيف قفزت من تجربة الى أخرى؟ - الصعوبة في تجربتي الحالية كانت في التأقلم مع الأجواء الغربية الجديدة وليس في تغيير التقنية. فأنا كنت أغني اللون الشرقي الشعبي والطربي الكلاسيكي الذي يتطلب طاقة صوتية عظيمة، وكان يلزمني الوقت والتأهيل النفسي حتى انسجم مع الشيء الجديد الذي قدمته من خلال الايقاعات الغربية التي تتطلب بعض الذكاء وتغيير الإحساس في معايشة جو رومانطيقي غربي ودافئ. الانتقال من الايقاع الشرقي الى الغربي لم يكن صعباً من ناحية تغيير الصوت لأن الذي يؤدي الغناء الشرقي في رأيي يستطيع ان يؤدي مختلف الايقاعات الأخرى لأن الشرقي هو الأصعب. خوف على الماضي صوت أميمة الخليل كان قد دخل ذهن الناس من خلال كادر معين، وطني في أغلبه، وملتزم الى أبعد الحدود، ثم انتقلت إلى اطار جديد، الا تخافين على ارثك الماضي؟ - عندما أقدمت على الجديد لم أفكر. كان هدفي ان أقدم عملاً فنياً جديداً وذا نوعية، مع زوجي هاني سبليني. وليس لدي نية من ان أغير الإطار الذي بدأته فنياً أو على صعيد الجمهور. فالأغنية الوطنية تعني لي الكثير. ولا أقول أنني غادرتها أو أدعي انها لم تجلب لي المجد، أو لم تعنيني. كل ما في الأمر انني بحثت عن مكان جديد يخصني لوحدي ويكون ذا نوعية، وما قدمته للناس، أقتنعت به أولاً وفرضته على نفسي كعمل فني ذي قيمة. أحياناً يصبح الفنان رمزاً لدى الناس، وحين يكرس ماضيه نحو خط فني جديد، يغضب الناس ويتساءلون، فماذا تقولين لهم؟ - أقول لهم أن أميمة الخليل ما زالت هي نفسها صاحبة تاريخ 20 سنة في الغناء لم يذهب هدراً، لكني توجهت نحو شريحة جديدة قد تجد نفسها في ما أقدمها الآن. لذا أنا لم اتخل عن الأغنية الوطنية فهي حاضرة في عملي الجديد وستبقى حاضرة لكن هناك أشياء أخرى أود قولها فليسمعونني جيداً ثم يحكموا بجدارة دون ان يكون حكمهم غيبياً. هل ودعت مارسيل خليفة الى غير رجعة أم ماذا؟ - أنا حاضرة مع مارسيل وهذا العمل مواز لعملي معه، فأنا وهو نخاطب جمهوراً معيناً، وهذا العمل يخاطب جمهوراً أخر خارج إطار أغاني مارسيل، واللونان يكملان بعضهما بعضاً دون ان يكون واحد على حساب الآخر، أنا الآن أعمل اقتناعاتي ولا أعرف الى أين سيوصلني هذا العمل الجديد، لندع الوقت يمر ونترقب، لكني أعد كل الذين خاطبهم عملي الجديد بأني لن أتخلى عنهم وسيكون التواصل معهم لاحقاً ومستمراً. وكأن طريقك في السابق كان معروفاً والآن أنتِ من دون يقين؟ - في السابق كنت أجسد أفكار شخص أخر هو مارسيل خليفة وذلك من خلال الأغاني التي أديتها معه. وهو كان يكتب لصوتي، وكانت التجربة غنية، لكني أنا الآن أجسد أفكاري الخاصة، بعد ان كنت آخذ أشياء يختارها هو ويلحنها وأجسدها بصوتي. الآن لدي خطاب أخر على صعيد الأغنية يخصني لوحدي وأحب أن أقوله. ولا أنكر أني كنت مرتاحة لموقعي، وكان موقعاً خاصاً ومميزاً ورسم لي هوية واضحة أحبها الناس، وكانت تجربة غير محدودة. لكن يبقى بأن مشروع مارسيل يخصه وحده وأنا شاركت فيه باقتناع واحترام، واليوم صار لي مشروعي الذي يخصني بمعزل عن أي أحد أخر. ثوابت وطنية أين أميمة الخليل منك، وأين تحبين ان تتركي أثراً طالما انك غيرت مدرستك الفنية؟ - تاريخي الفني واضح. وأنا أعبر عن هذا التاريخ. أنا ضد الظلم أنا من هذا الشعب المعذب. الشعب العربي الذي يشله الكبت والحرمان والاضطهاد. فأنا عربية مهما قدمت ومهما قلت. قناعاتي لم تتغير. لبنان يخصني وكذلك فلسطين وكل شبر عربي مظلوم ومعتقل بشتى أنواع الاعتقالات. هذا هو فكري وهمي: أريد عالماً عربياً واحداً. وأعمالي الفنية لا تتناقض مع انتماءاتي أبداً، أنا لا أستطيع ان أكون محايدة مع كل الذي تتعرض له أراضينا العربية من أحداث دامية، هذه ثوابت عندي وليس من الضروري أن أكررها في كل حين. قد أقوم بأعمال فنية خارج الأغنية الوطنية لكني لا أتنكر لها. وأنا أرفض مقولة الذين يقولون بأن أميمة غير موجودة خارج الأغنية الوطنية، أو تركت الخط الوطني. تبدين منزعجة هل واجهك نقد ما تحبين الرد عليه؟ - هناك من يحب الانتقاد ليدخل مدرسة النقد اللامجدي، صار البعض يظن بأنه يحق له أن يقيم حياتي وسيرتي الفنية لاغياً 20 سنة في الغناء لمجرد اني قدمت عملاً بعيداً عن الأغنية الوطنية. أريد أن أسأل كيف يسمحون لأنفسهم بمثل هذا القول؟ من هم ليعيدوا النظر في هويتي الفنية أنا التي بدأت الالتزام بالأغنية في سن 12 سنة حين كنت طفلة صغيرة، أعاني الأمرين في السفر والسهر والغناء على مسارح العالم وسط حشود الناس لا أفهم عليهم ولا يفهمون عليّ؟ أحمل جسدي الضعيف وأرحل، أعيش وسط الرجال، واشتاق لأهلي وأمي ولا معين لي سوى صوتي الذي اتعبني؟ أبكي وأناضل ولا أحد يشعر بي، نسيت نفسي ومراهقتي وشبابي وحبي، وعشت غريبة عما تعيشه الفتيات عادة. أحمل لواء الأغنية واشقى. من هم ليعيدوا النظر بكل هذا التاريخ؟ ويأتون الآن لينتقدوا قصة شعري وحضوري في "الفيديو كليب"، ويقولوا: "أميمة غنت، أميمة حركت يدها" هذا ظلم غير مبرر، لمن احترف الغناء منذ الطفولة ناسياً اللعب وحكوات الصغار معايشاً الكبار، أنا لم أتغير. لكن القناعات ليس من الضروري ان تبرز في كل عمل نقدمه. ومن لا يفهم الثوابت في البداية لن يفهمها الآن، اذاً ليعيدوا النظر في كل ما قدمته فعلاً ثم يحكموا. لأن أميمة الخليل تاريخ ومعتقدات فكرية وليست أغنية واحدة يستمعون اليها ولا يحبونها