العمل الجديد الذي أطلت به المطربة أميمة الخليل أخيراً"يا أميمة"، يبدو ألبوماً مهموماً بالتجديد في الدرجة الأولى. إلا أنه، على رغم ذلك، لم يستطع الابتعاد من"قديم"أميمة الموزع على مرحلتين، أولاهما تلك التي شهدت انطلاقتها مع مارسيل خليفة، والثانية مع الموسيقي هاني سبليني في العمل الذي حمل اسمها، وكان الأول لها بعيداً من خليفة، ومع سبليني. والألبوم الذي يبدو امتداداً لمرحلة أميمة الثانية إلى جانب سبليني، لم يستطع الإفلات من أي من المرحلتين. فهو يقدم أغنيتين سبق وغنتهما أميمة مع مارسيل خليفة "دارت القهوة"و"أحبك أكثر"، كما يقدم المقطوعة الموسيقية"مزاج"التي"ضربت"في عملها الأول مع سبليني في ألبوم"أميمة". والاتّكاء على أعمال سبق وحققت نجاحاً، في حالة أغنيتي مارسيل، يفوق كونه تحية لهذا الفنان الذي أطلق أميمة إلى عالم الغناء. فالأغنيتان في صيغتيهما الجديدتين لا تبدوان في حلة جديدة تماماً، بقدر ما تبدوان في شكل صوتي جديد، ليس إلا، إذ حافظتا على أداء قريب جداً من الأداء الأصلي، حتى أنهما، للحظة، تبدوان تكراراً للعملين الأصليين. تندرج أغنية"يا سيدي"تحت خانة الطرب الراقص، للثنائي نزار الهندي وهاني سبليني كما معظم أغنيات الألبوم باللهجة المصرية، وتصلح لأن تكون الأغنية"الضاربة"في الألبوم. فلحنها الحيوي يمكّنها من أن تنافس بين عواصف الفيديو كليب، علاوة على أنها تنطوي على تحفيز يثير الرقص، وهو ما يضمن سبيلاً جيداً إلى النجاح الجماهيرة. أما أغنية"إلى آخره"، فهي من دون شك أفضل ما قدمه الألبوم: كلام خفيف، كما كل كلمات أغنيات محمد العبد الله، ولحن حائر بين الشرقي والجاز والبلوز. حكاية الثرثار الذي لا يتكلم إلا هذراً، مصاغاً بقالب لحني لعبود السعدي صعب الغناء، وصادم بعفويته وطبيعيته."عم بتغمّز برا الصحن، تطحن حكي ونازل طحن، بعد شوي جاي الشحن، يشحن حكيك ع النورماندي، صار لازم تسكت يا بعدي". أغنية تعيد ملحناً قديراً إلى الواجهة، اختفى في زحمة الألحان، ولم يعد يظهر إلا نادراً، وفي حفلات قليلة عازفاً للغيتار وموزعاً موسيقياً. فعبود من الموسيقيين الذين عرفوا خط التماس بين اللحن الشرقي والجاز والبلوز، وأشاروا إليه بألحان لا تهدأ روعتها بانتهائها. وهو من أقدر الملحنين على صوغ الجملة الموسيقية التي لا يجيدها إلا"المعلمون"منهم، وهذا يبدو من اللحن الذي أدته أميمة ببراعة وخفة ظل، فكانت الأغنية رهاناً، وكسبت كل الأطراف الرهان: عبود في تعاونه مع صوت قدير يعيده إلى العلن موسيقياً بعد أن همّش في زمن قلّ فيه الملحنون، وأميمة في تعاون أبعدها من نطاق حوصرت فيه بين ألحان خليفة وسبليني، وصنع لها لحناً مميزاً يزيد من تنوع مناخها الغنائي الرحب، وأخيراً محمد العبد الله الذي تبقى أغنياته الساخرة ذات بصمة واضحة، يصعب تغييبها عن المشهد الحقيقي كأغنية أحد الاخوان لسامي حواط. الألبوم يحمل نفحة تجديدية متثاقلة. اندفاع نحو مشهد جديد يرسخ خطوة أولى خطتها أميمة في تعاملها مع هاني سبليني في عملها السابق، لكنه محكوم بأكثر من عودة إلى ماضيين، يبدو أن التخلص منهما نهائياً، أو الابتعاد منهما على الأقل، خطوة لم توضع في حسابات أميمة. فحتى العمل الأول أميمة الذي تعاملت فيه مع سبليني، كان يضم"تحية"إلى مارسيل، بما يمثله من مرحلة في حياة أميمة الغنائية عبر إعادة توزيع أغنية"عصفور طل من الشباك". وها هو العمل الثاني يضم تحيتين إلى مارسيل، وفي النهاية مقطوعة"مزاج"في ما يشبه التحية إلى تجربة أميمة ? سبليني، التي لا تزال في طور الترسيخ. وكأن التجديد الذي تضع أميمة فيه نفسها ظل أسيراً لماض يصعب الابتعاد منه، حتى وإن كان نص أو لحن هنا أو هناك ينسف مراحل في سبيل الانتقال إلى مرحلة أخرى، متقدمة أكثر. وكأن التجديد، متمثلاً في عمل أميمة الأخير، ظل ينظر في سياق تحركه أماماً، إلى الخلف.