في الحديث المتواصل على مدى عشر سنوات تقريباً، عن حكاية الارهاب في اليمن، خصوصاً ما تنشره وسائل الاعلام العربية والاجنبية، هناك حقيقة يمنية تظل على رغم أهميتها غائبة أو منسية أو مغيبة، وهي ان حب السلام والأمن والتعاون في الحفاظ عليهما، ظلت صفة عامة لدى اليمنيين عبر التاريخ، في حياتهم العامة وعلاقاتهم في ما بينهم ومع الآخرين، وبتجاوز ما يتعلق بسلطات الدول والحكومات المتعاقبة، فإن من يقرأ الاعراف القبلية يجد فيها قواعد وأسسا تقوم على السلام والأمن وطرق المحافظة عليه. ونظراً الى ما عاشته اليمن على مدى تاريخها، من صراعات لا تكاد تتوقف بينها وبين الدول والزعامات والمذاهب والقبائل، فإن هذه الاعراف القبلية تصبح في فترات الصراع وسقوط الحكومات البديل القادر على ضبط الأمن وحل المشاكل من خلال سلطات الزعامات الاجتماعية ومشائخ القبائل ورجال الدين. ومن أبرز الاعراف مثلاً، حسبما ذكر ل"الوسط" الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب أكبر شخصية بين مشائخ اليمن، حماية الضيف والغريب من كل أذى، ومن يتعرض له بسوء تفرض عليه القبيلة أو القبائل أشد "عقوبات العيب". وحتى لو كان الضيف أو الغريب، مديناً بمال أو عرض أو ثأر، فإنه يظل في حماية القبيلة آمناً وعلى صاحب الحق ان يتبعه الى مأمنه قبيلته أو بلده، وان الطرقات والبيوت والاسواق "مهجرة" محمية بوجوه مشائخ الضمان والمدن كلها كذلك، فلا يجوز لأحد ان يقتل في المدينة أو حتى يشهر السلاح في وجه آخر، ومن ثم، ظلت اليمن خالية من ظاهرة الارهاب تماماً حتى بداية التسعينات. لكن ظاهرة الارهاب بدأت تظهر وتتسع، بوتائر سريعة لم يكن أحد حتى من جيل العقد السابع يتوقعها أو يتصور حدوثها، فلماذا هذا الانقلاب؟ كيف حدث؟ وما هي أسباب حدوثه؟ والى أين انتهى الآن؟ وما هي مؤشرات وتوقعات ظاهرته مستقبلاً؟ تتركز في هذه الدائرة محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة التي ظلت مطروحة خلال السنوات العشر الماضية وأصبحت الآن ومنذ ما شهدته الأشهر الأخيرة الماضية من انحسار أو اختفاء لظاهرة الارهاب بصفة لافتة، باستثناء حادث تفجير المدمرة الاميركية كول في 12 تشرين الأول اكتوبر الماضي، وبالتالي فإن محاولة الاجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها من الأسئلة التي تدور حول الموضوع تأتي من خلال استقراء ظاهرة الارهاب ورصد أحداثها؟ تعود ظاهرة الارهاب الى بداية التسعينات، عقب اعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية في 22 ايار مايو 1990. وكان ظهورها ناتجاً، ومقروناً من جانب آخر، بظروف وعوامل لعل من أبرزها ان اعلان الوحدة بعد فترة قصيرة من توقيع اتفاقيتها في 1989 لم تتح خلاله الفرصة الكافية لوضع الأسس والتطورات لقيام دولة الوحدة والخطوات التي يجب ان تسبقها، كل هذا انسحب بسلبيات وعوائق على الحاضر والمستقبل فيما يتعلق ببناء الدولة الجديدة، وجعل منها امام المسؤولين في قيادتي الشطرين ومؤسساتهما مهمة أصعب مما كان متوقعاً، وخصوصاً بسط الدولة سيطرتها الكاملة وأنظمتها الجديدة على اليمن الواحد بالصورة التي كانت عليها قبل الوحدة على الأقل، وهذا ترك ثغرات وفراغات في مختلف الجوانب: الأمنية والنظامية والادارية، فضلاً عن الخلافات والصراعات القديمة بين القوى والزعامات والسياسة في الشطر الجنوبي خصوصاً وفي اطار التنظيم السياسي الحاكم من ناحية وفي ما بينه وبين التنظيمات والقوى الاخرى من ناحية ثانية، ثم مع خصوم النظام الجدد من الجماعات والحلقات والأربطة الدينية التي يعتبر معظمها أن النظام الاشتراكي "نظام ماركسي لينيني كافر وملحد يجب على الأمة الجهاد لإسقاطه"، طبقاً لما كان يردده السلفيون وبعضهم لا يزال حتى الآن في كتبهم وكتاباتهم وخطبهم، كما ان قيادات وعناصر منهم، كانوا يرددون بعد الوحدة ان النظام الاشتراكي قتل آباءهم أو اخوانهم أو أقاربهم، وأن لهم ثأرات معه. وفي هذه الاثناء كان "المجاهدون" في افغانستان يعودون على دفعات، وربما حظي اليمن منهم بأعلى نسبة، اذ اتجهت اليه مجاميع ممن أطلق عليهم "الأفغان العرب" من يمنيين وعرب ومن بلدان اسلامية اخرى، كانوا يحملون من معسكرات التدريب والممارسة خبرات تنظيمية وعسكرية مختلفة، بما فيها ما يتعلق بالأسلحة والمتفجرات وما اليها، واقترن اسم "الأفغان العرب" آنذاك بتنظيم "الجهاد الاسلامي" وبأسامة بن لادن، الذي تردد لدى المراقبين انه مصدر تشكيل وتمويل هذا التنظيم الذي هو أحد فروع التنظيم المنتشرة في أقطار عدة، ومن هنا كانت المقدمات فكيف ظهرت النتائج؟ خلفية الجماعات الاسلامية تجدر الإشارة الى ثلاث نقاط توضح في مجملها خلفية الجماعات الاسلامية في اليمن، أولها: ان جماعة السلفيين موجودة في اليمن منذ بداية السبعينات تقريباً من حيث تكونها من مدارس وحلقات ومواقف وآراء محددة، وظلت تتعدد وتتسع وتلتقي وتختلف وتتحد وتنقسم بين فترة وفترة وجماعة وأخرى، تبعاً للتفاوت بينها، من متشددة الى أقل تشدداً الى معتدلة الى أكثر اعتدالاً، ولكن في اطار مصطلح وتنظيم "السلفية" التي تعني التمسك بالسلف الأول في عصر النبوة والخلافة الاسلامية، تمسكاً يشمل السلوك والتعامل مع الناس والحكم على الأشياء، ولعل أبرز ما يميز السلفيين الموقف السلبي من كل أو معظم الظواهر الجديدة، خصوصاً النظم السياسية الحديثة ومصطلحاتها ومبادئها، من الديموقراطية الى الانتخابات والاحزاب ومشاركة المرأة في السلطة والمراكز القيادية، وفي ما يتعلق بالبنوك والأعمال المصرفية. ومن ثم أطلق عليهم "الأصوليون" لتمسكهم بالأصول الأولى للشريعة، كما أنهم يمثلون أصل منطلق الجماعات والتنظيمات الدينية. النقطة الثانية: ان اعلان التعددية السياسية والحزبية في اليمن مع اعلان الوحدة أتاح لهذه الجماعات مجالاً أوسع للنشاط والحركة والعمل على شد الناس اليهم والمجاهرة بآرائهم ومواقفهم، بما فيها رفض اسلوب الانتخابات وتشكيل الاحزاب، وما يلفت الانتباه هنا أن الاحزاب والتنظيمات التي ظهرت في بداية الوحدة من تحت الحظر أو تشكلت من جديد بلغ مجموعها حتى العام 1993 اكثر من 40 حزباً وتنظيماً سياسياً، كان بينها طبقاً لقائمة أعدها الباحث اليمني محمد حسين الفرح، حوالي أحد عشر حزباً وتنظيماً اسلامياً، مع الفارق بين من قبل منها بالنظم والأساليب السياسية الحزبية الحدىثة، مثل "التجمع اليمني للاصلاح" و"حزب العمل الاسلامي" و"حزب الحق" و"المنبر اليمني الحر" و"اتحاد القوى الشعبية" و"حزب الشورى اليمني" و"اتحاد القوى الاسلامية" و"حزب النهضة"، ومنها من لم يقبل بهذه النظم أو بعضها، مثل "تنظيم الجهاد الاسلامي"، و"جماعة السنة المحمدية" وتنظيم "الأخوان المسلمين". وبالتالي أمكن للجماعة الأولى الحصول على تراخيص لممارسة نشاطها بصرف النظر عن تلاشي واختفاء بعضها، وظلت المجموعة الثانية خارج اطار القانون وغير مرخص لها، الا ان معظم قيادات وعناصر تنظيم الاخوان انضموا الى التجمع اليمني للاصلاح واحتلوا فيه مناصب قيادية، وأبرزهم كانوا من مؤسسيه. النقطة الثالثة: ان اعضاء الجماعات الاسلامية، في الاطار السلفي العام، ظلوا خارج نطاق شرعية القانون، ليس لأنهم لم يحصلوا على تراخيص، بل لأنهم يرفضون وربما يحرّمون الحزبية كوسيلة من خلال رفضهم أو تحريمهم لأهدافها التي في مقدمها الانتخابات والمجالس النيابية وخضوع الأقلية للاكثرية في القرار، ومن ثم لم يطلق عليهم في اليمن وصف تنظيمات أو تنظيمات محظورة، وانما جماعات وتيارات. ويشار الى ان ظهور "تنظيم الجهاد" في 1991، واستمرار الاستشهاد باسمه حتى اليوم. واكد الدكتور فارس السقاف، رئيس مركز دراسات المستقبل، ل"الوسط" ان السلفيين "هم قاعدة ومنطلق الجماعات الاسلامية، وكذلك فإن تنظيم الجهاد هو الإطار العام لكل التنظيمات التي تظهر من أوساط هذه الجماعات بين فترة واخرى". واضاف ان الجامع النظري الذي يمثل الدافع والهدف الرئيسي لنشاطهم هو بحسب تعبيرهم "الجهاد لإقامة نظام اسلامي ضد من يعتقدون فيهم الكفر والإلحاد وضد الدول المعادية للاسلام ومن ينتمي اليها، وهي في نظرهم، كل دول ومجتمعات الغرب، وفي مقدمها الولاياتالمتحدةوبريطانيا". ظهرت أعمال العنف في 1991، واستهدفت أعلى نسبة منها قادة الحزب الاشتراكي، وبلغت هذه الاعمال ذروتها خلال العام التالي وطاولت عدداً غير قليل من الاشتراكيين وتركهم في حالة ترقب مستمر، وبصفة عامة، كان الدافع لقيادات وعناصر "الجهاد" انتقامياً في الدرجة الأولى، يليه الدفاع الديني "الجهادي". وكان من أبرز من سقط في عمليات الاغتيال من الاشتراكيين على سبيل المثال: سكرتير منظمة الحزب في محافظة اب نعمان قاسم حسن نهاية 1991، وهاشم العطاس، شقيق رئيس الحكومة حينها، حيدر العطاس 14/6/1992، والعقيد ماجد مرشد سيف 20/6/1992، ومحاولات لاغتيال آخرين منهم علي صالح عباد مقبل الأمين العام للحزب الاشتراكي حالياً في أبين 23/2/1992 من قبل سبعة في كمين نصبه "الجهاد" كما أعلن حينها، ومحاولة اخرى لاغتيال وزير العدل في أول حكومة شكلها حزبا المؤتمر والاشتراكي عبدالواسع سلام أثناء خروجه من وزارة العدل في صنعاء في 26/4/1992. إضافة الى تفجيرات في منازل بعض القادة والمسؤولين في صنعاءوعدن. تلتها تفجيرات في فنادق ومرافق حكومية وحزبية، وبدأت منذ مطلع 1993 عمليات خطف الاجانب من جنسيات اميركية وبريطانية وفرنسية وكندية وآسيوية، وأشار تقرير عن بعض الاحداث صادر عن وزارة الداخلية اليمنية في 7/4/1993، الى ان الخاطفين "من الأصوليين الذين يرون ان الاجانب كفار". وبصرف النظر عن عدد وتعدد هذه الاعمال "الارهابية" وعدد ضحاياها وخسائرها، فإن هذه الجماعات من "الجهاد" ومن "الافغان العرب" بالذات، تقاربت أو تخالفت مع السلطة كما يرى سياسيون ومراقبون، خصوصاً اثناء حرب صيف 1994 وبعدها بدأ نشاطهم ينخفض نسبياً، على رغم انهم كانوا يقومون بتنظيم وضم عناصر اليهم وتدريبهم على السلاح وربما على اعمال اخرى. وما تلزم الاشارة اليه ان اعمال الخطف والتفجيرات لم تتوقف وان تقطعت، الا ان هذه الجماعات لم تعد وحدها المسؤولة عن عمليات الخطف، فقد ظهرت عناصر وجهات اخرى من خارج هذه الجماعات، ومن بعض القبائل الواقعة شرق العاصمة صنعاء ومأرب والجوف وشبوة بصفة خاصة. واستهدفت عمليات الخطف الاجانب العاملين في بعض شركات النفط والسياح ثم امتدت الى العرب ثم اليمنيين، وطاولت ديبلوماسيين في العام الحالي، كان منهم السفير البولندي كريستوفر سوبرو فيتش في 1/3/2000 وتم الافراج عنه من دون ان يمسه أذى، وقبله محاولة خطف القنصل الاميركي في صنعاء في ايار 1999، وكان قد اصبح طبقاً لرسالة وزارة الخارجية اليمنية الى وزارة الخارجية الاميركية - عبر سفيرها في صنعاء بربارا بودين - غير مرغوب فيه، وخطف مديرة المعهد الاميركي في صنعاء ووالديها عندما كانوا في الطريق من صنعاء الى عدن، وغيرهم كثيرون. وبحسب احصاء عرض على ندوة للمجلس الاستشاري في صنعاء عن السياحة في شباط فبراير الماضي، فإن عمليات الخطف في اليمن في الفترة من 1993 الى آب اغسطس 1999 بلغ 103 عمليات، وشملت فئات وشخصيات يمنية من المشائخ خطف أربعة من أسرة أبو لحوم في 19 شباط الماضي وتم الافراج عنهم بعد شهر وقضاة منهم حفيد القاضي محمد الحجي نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى ومسؤولين نجل محافظ عدن طه غانم، ونجل رئيس مصلحة أراضي وعقارات الدولة علي أحمد الحرازي ورجال أعمال، وظهرت عمليات خطف متبادلة بين بعض القبائل، اضافة الى أعمال تفجير أهمها سلسلة تفجيرات أنبوب النفط. خلال هذه الفترة، نسب مسؤولو الأمن واجهزة القضاء الى هذه الجماعات من "الجهاد" بالذات، وما تفرع عنه من مسميات أبرزها "جيش عدن أبين الاسلامي" و"أنصار السنّة" و"منظمة التيسير"، اعمالاً أشهرها قيام "أبو حمزة المحضار" زين العابدين أبو بكر المحضار، من محافظة شبوة وجماعته التي تسمى "جيش عدن - أبين الاسلامي" خطف 16 سائحاً بريطانياً وأميركياً واسترالياً في منطقة أبين نهاية 1998. وفي 1999 وقعت محاولة من قبل جيش عدن لاغتيال رئيس المحكمة الذي أصدر قرار التصديق على حكم المحكمة الابتدائية القاضي بإعدام المحضار في آب 1999 وتم تنفيذه خلال الشهر نفسه، وهو القاضي مهدي ناصر حنيشان. اضافة الى أعمال تفجيرات في عدن وأبين ولحج، في مكاتب للشرطة ومرافق حكومية أخرى، وفي فنادق ودور سينما ومحلات تجارية ومنشآت سياحية. منذ 1997 بدأت السلطة في صنعاء تولي هذه الجماعات اهتماماً مكثفاً في نطاق التعامل معها بأسلوب يختلف عن الماضي الذي كان محدوداً لفترة مؤقتة، أي لتطبيع أوضاعها وعلاقتها مع السلطة في ضوء معطيات الحاضر وضرورات المستقبل وربما الضغوط الخارجية، حسبما ذكر مصدر مسؤول ل"الوسط" الذي قال ان الدولة فتحت عبر مسؤولين في المحافظات باب الحوار والتفاوض معهم، لتحقيق الهدف بهدوء ما أمكن ذلك. وكان مطلب السلطة ينحصر في اغلاق المعسكرات ووقف عمليات التجنيد والتدريب والتخريب، لأن مثل هذه الأعمال الارهابية ليست جهاداً واليمن ليست أفغانستان وعصر الوحدة نسخ ما قبلها من تشطير وتناقض ونظام اشتراكي، والمأمول أن يتجه الجميع الى الأعمال العامة. وكانت لهم شروط تمت الموافقة على أهمها، ربما كان منها تعويضات مالية تجنب المصدر ذكرها. إلا أن قيادات منهم ركبوا رؤوسهم وماطلوا حتى فجروا كارثة خطف السياح ال16، بينما كانت مجاميع منهم قد أمكن للسلطة استيعابهم في المؤتمر الشعبي العام وفي وظائف في اجهزة الدولة وبعضهم عبر وحدات الجيش والأمن، وجاء حادث السياح، فبدأت اجهزة الأمن في تتبع قياداتهم وعناصرهم ضمن حملة ضد كل عصابات المتهمين بالخطف والتفجيرات والقتل وقطع الطرق ونهب الأموال العامة وسرقة السيارات وتزوير البطاقات الشخصية وجوازات السفر وتأشيرات الدخول الى اليمن والاقامة فيه وغيرها. وبلغ خلال 1999 - 2000 عدد الذين تم القبض عليهم بهذه التهم وتقديمهم الى التحقيق والقضاء، أكثر من 200 عنصر فضلاً عن الذين دخلت اسماؤهم في قائمة الفارين من العدالة. وبلغ عدد القضايا في المحاكم ما بين 8-12 قضية في وقت واحد. وصدرت الأحكام ضد معظمهم، وما زال كثيرون منهم في قفص الاتهام ومنهم الدفعة الثانية من "جيش عدن" بزعامة من اسموه "أبو المحسن" خليفة "أبو الحسن المحضار" ودفعته الذين أدانهم القضاء كما سلف، وما زال آخرون فارين مطاردين من قبل اجهزة الأمن. وكانت اليمن رحلت في سنوات سابقة وعلى دفعات، مجموعات من غير اليمنيين الى بلدانهم، بينهم مصريون وجزائريون وآسيويون، ومن ثم بدأت منذ منتصف العام الحالي تقريباً فترة هدوء توقفت خلالها أعمال الارهاب والعنف، إلا النادر البسيط، حتى جاء حادث تفجير المدمرة الأميركية "كول" في 12 تشرين الأول الماضي، قرب ميناء عدن، فعادت احتمالات خطر هؤلاء الجماعات وعاد البحث السريع والتحقيقات والاستعداد للمواجهة. ومن نظرة عامة وسريعة الى السنوات العشر الماضية التي شهدتها اليمن في مواجهة ظاهرة الارهاب وأعمال العنف بحسب ما سلف من ابراز ملامحها الرئيسية، تظهر ملحوظات ونقاط ومؤشرات وتساؤلات عدة، يصعب استيعاب المراقب وحتى الباحث لها في الوقت الحاضر، إلا أن بالامكان الاشارة من حصيلة الماضي ومجمل ما سلف في هذا السياق، الا أن اليمن مرت بتجربة قاسية وشديدة وضعتها أمام امتحان صعب كان لا بد لها أن تنجح فيه على رغم العوائق والمحبطات. وظهرت بداية النجاح بالفعل، اذ ان مصدراً يمنياً ذكر ل"الوسط" ان حادثة تفجير المدمرة "تمثل عملاً كبيراً وخطيراً بحجمه ونتائجه وآثاره لكنه لا يمثل كما يعتقد كثيرون خرقاً لبداية هذا النجاح أو قلباً تجاهه أو انقلاباً على مؤشراته". وبرر المصدر الرفيع المستوى رأيه بأمرين أو دليلين، احدهما: ان انخفاض أعمال الارهاب منذ ما يقرب من عام، ثم توقفها تقريباً خلال الأشهر الستة الماضية جاء نتيجة جهود مكثفة ومواجهة صارمة مع كل المتهمين والمشتبه بهم، ورافقها تركيز الدولة على دعم اجهزة الأمن والبحث بكوادر وعناصر وآليات واجهزة متطورة وحديثة منها مثلاً ما يزيد عن 500 سيارة، وان الجهود والاجراءات مستمرة وتتضاعف ولا يمكن بالتالي أن تكون النتيجة إلا مناسبة لها. والثاني: ان حادث تفجير المدمرة كول، ليس حادثاً أو عملاً ارهابياً يمنياً، ولكنه من طريقة الإعداد له ووضع خطته وقدرات من يقف وراءه وخبرة عناصره وتوقيته وهدفه ونوع المتفجرات المستخدمة فيه ودقة تنفيذه والحرص على طمس أي دلالات تساعد على كشف مدبريه، ينتمي الى آليات الارهاب الدولي الذي تتوافر له الامكانات والقدرات من جهات عدة وفي أكثر من اتجاه وبلد. وأضاف: حتى لو افترضنا وجود جهات أو عناصر يمنية مشاركة بأي دور بحسب أرجح الاحتمالات، فإن المعلومات التي توصل اليها التحقيق حتى الآن حسبما ما أعرف تؤكد ان كشف من وراء الحادث بات ممكناً وأضحت المسألة قضية وقت، وأن جماعات وتنظيمات التطرف وأعمال الارهاب في اليمن انتهت. وأصبحت بين مجموعات تم استيعابها وأخرى اتجهت تلقائياً، الى أحزاب وأعمال متعددة ومختلفة خارج اطرها التنظيمية ومجموعات قصرت نشاطها على الجوانب الدينية والفقهية من وعظ وتدريس وسدانة مساجد، وأخرى وهي من الشباب في معظمها، اتجهت الى مواصلة التعليم الحديث في المدارس والجامعات والمعاهد، وظل أقل المجموعات والعناصر فارين بتهم عدة ومطاردين من قبل اجهزة الأمن. ويرى الدكتور محمد عبدالملك المتوكل المنسق العام للمؤتمر القومي الاسلامي المحاضر في جامعة صنعاء ان دور هذه الجماعات انتهى فعلياً. وقال ان ذلك الدور تم خلال السنوات الأولى للوحدة وبعدها، و"ان الجماعات كانت مدفوعة اليه من قبل السلطة اضافة الى دافعها الذاتي وأن نهايتها بدأت واستمرت وستكون على يد السلطة". مؤكداً أنها في الطريق الى الاضمحلال، ومدللاً بأن قراراً اصدرته الدولة أخيراً يقضي بعدم السماح لأي طالب غير يمني بدخول أي جامعة يمنية إلا بإذن من حكومة بلاده. واعتبر المتوكل ان هذا القرار يمس في الدرجة الأولى "جامعة الإيمان" التي أسسها ويديرها الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى الاصلاح، ورأى أن القرار يعني انهاءها لكون معظم طلابها من جنسيات متعددة وينتمون لتيارات اسلامية. ومن جانب آخر، يختلف سياسيون وباحثون حول مسألة ان هذه الجماعات في طريقها الى النهاية، ويرى هذا الفريق ان المسألة أعمق وأكبر مما هو مطروح، لأن التطرف بدأ في الكثير من بلدان ومجتمعات العالم وفي كل الديانات، وما زال في مرحلة الاتساع والانتشار.