من هو "جيش عدن الإسلامي" الذي يقف وراء العملية الأخيرة لخطف السياح الغربيين في اليمن والتي انتهت بمقتل اربعة منهم؟ في التقرير الآتي عرض لتاريخ نشوء هذه الجماعة الإسلامية المسلحة، وموقعها في الساحة اليمنية، سياسياً وعسكرياً. كذلك عرض لطبيعة علاقتها بجماعات إسلامية عربية تنتمي الى ما يُعرف ب "التيارالجهادي". نشأ "جيش عدن الإسلامي"، في شكل غير منظّم، قبل حوالي سنتين. وضم شباباً ينتمي الى التيار "الجهادي - السلفي" بقيادة شاب من منطقة شبوه، قرب أبين جنوب غربي اليمن، يُدعى زين العابدين أبو بكر المحضار 32 سنة الذي ينتمي الى قبيلة معروفة وغنيّة في اليمن. لكن نشوء هذه الجماعة لم يظهر الى العلن سوى بعد بدء إصدارها بيانات تعريف بها في 29 ايار مايو 1998 البيان الرقم واحد. وأصدرت الجماعة منذ ذلك التاريخ سلسلة طويلة من البيانات تراوح فحواها بين التعليق على الوضع داخل اليمن، او ابداء موقف من أحداث تجري خارجه وتخصّ شؤوناً إسلامية. لكن اللافت في هذا الإطار ان الحكومة اليمنية أصدرت أكثر من رد على هذه البيانات خلصت فيها الى أن لا وجود ل "جيش عدن". وهذا النفي لم يكن صحيحاً بالطبع، لأن مسؤولين يمنيين بارزين - وتحديداً في قيادة أركان القوات المسلحة - يعرفون أنهم كانوا في ذلك الوقت يسعون عبر وسطاء من رجال القبائل الى تحقيق اتصال مع أبو الحسن المحضار، وهو أمر رفضه الأخير. فردّت الحكومة عرض مكافأة قدرها مليونا ريال لمن يرشد عنه. ولا يُعرف بالضبط لماذا رفض المحضار قبول بعرض السلطة الإتصال به. لكن نظرة الى البيانات التي كان يصدرها توضح في شكل لا يدع مجالاً للشك، ان جماعته - بسبب نظرتها واعتناقها أفكار الجماعات "الجهادية" - تعتبر الحكم اليمني مثلما تعتبر معظم الحكومات العربية - "كافر" بسبب عدم تطبيق الشريعة. إذ قال المحضار في بيان له في 8 تشرين الثاني نوفمبر الماضي انه يطالب "أعضاء محلس النواب وأعضاء المجلس الاستشاري بالانسحاب الكلي جماعياً من هذه المجالس" ويدعو حكم الرئيس علي عبدالله صالح الى "الاستسلام ونضمن لهم محاكمة شرعية". وإضافة الى ذلك، أعلنت هذه الجماعة موقفين بالغي الأهمية: الأول عبارة عن نداء وجهته لأعضاء الجماعات الجهادية ل "مناصرتها" في وقف حملة عسكرية شنتها وحدات من الجيش اليمني في صيف العام الماضي على بعض جبال مناطق أبين حيث ل "جيش عدن الإسلامي" وجود في بعض مناطقها. وكان لهذا النداء صداه لدى بعض الجماعات الإسلامية خارج اليمن التي أعلنت انها سترسل عناصر لدعم "جيش عدن" من باب تلبية واجب النصرة الذي نصّت عليه خصوصاً الآية الكريمة "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر". أما الموقف المهم الثاني لهذه الجماعة فتمثّل في إعلان تأييدها أسامة بن لادن عقب الغارات الأميركية على قواعده في أفغانستان. إذ قال المحضار في بيان له عقب الغارات ان جماعته "تعلن ... مساندتها ومناصرتها للشيخ أسامة بن لادن والأخوة في السودان ... وتوجه نداءها الى جميع قطاعات الشعب اليمني، أحفاد المجاهدين الفاتحين، بقتل الأميركان وأخد أموالهم. فدماؤهم مهدرة وأموالهم غنيمة للمسلمين. ويتعهد جيش عدن الإسلامي ... بتدمير الممتلكات والقواعد العسكرية الاميركية التي تُجهّز في سقطرة والحديدة وعدن....". لكن وثيقي الصلة ب "جيش عدن" يؤكدون ان موقفه هذا المؤيد لابن لادن لا ينم عن علاقة تنظيمية بتظيم "القاعدة" الذي يرأسه الأخير، بل هو موقف رأى مسؤولو الجماعة اليمنية ان عليهم أخذه لدعم ابن لادن الذي اعتبروا ان الاميركيين ظلموه بقصف مواقعه على رغم ان بيان "جيش عدن" وصف تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في تنزانيا ونيروبي في اب اغسطس الماضي والمتهم بها ابن لادن بانها "عملية بطولية نفّذها أبطال الجهاد". وينفي ابن لادن اتهام أميركا اياه بتدبير التفجيرين، على رغم إشادته بمنفذيهما واعتباره انهم ربما قاموا بهما بناء على فتواه في اذارمارس العام الماضي بوجوب قتل الاميركيين. واذا كانت علاقة "جيش عدن" بتنظيم ابن لادن لا تتجاوز التأييد المعنوي، فإن علاقة الأول ببعض "الجهاديين" من جنسيات عربية كانت من نوع آخر. إذ تؤكد معلومات وثيقة ان بعض قواعد "جيش عدن" يضم عرباً من جنسيات مختلفة. وتأكد ذلك عندما قتلت قوات الأمن اليمنية عدداً من خاطفي الرهائن الغربيين الشهر الماضي وتبيّن ان بينهم قائد العملية شاب مصري يدعى أسامة. وبحسب المعلومات المتوافرة عن هذا الشاب، فإنه كان ينتمي الى "جماعة الجهاد" بقيادة الدكتور أيمن الظواهري، لكنه انسحب منها وإن بقي على فكره "الجهادي". ومعروف ان عدداً كبيراً من "الجهاديين" العرب لجأووا الى اليمن في السنوات الأخيرة وعلى رأسهم الظواهري والمفتي الأبرز لتيارات العمل الجهادي "الدكتور الفضل" عبدالقادر بن عبدالعزيز، صاحب كتاب "الهادي في سبيل الرشاد" الذي يعتبره "الجهاديون أحد أبرز مراجعهم. لكن هذه الحضور العربي في اليمن تقلّص كثيراً منذ نهاية 1997 عندما شنّت قوات الأمن اليمنية حملة واسعة على الإسلاميين الذين فضّلوا الخروج الى مناطق أكثر أماناً لهم. ولم يكن الخطاب الجامد ل "جيش عدن" من النوع الذي يمكن ان تأخذه السلطات اليمنية على محمل الجد، خصوصاً أنه يعلم ان هذه الجماعة لا تضم سوى عشرات من الأفراد وانه لا يمكنها تالياً ان تشكّل تهديداً خطيراً له. ولعل مصدر الثقة هذا للسلطات اليمنية انه استطاع في السنوات الماضية القضاء أو احتواء معارضين أشداء له. ففي العام 1994 من ايار مايو الى تموزيوليو استطاع حكم الرئيس علي عبدالله صالح القضاء على جيش كامل العتاد والرجال خلال ما يُعرف ب "حرب الإنفصال" للقادة الجنوبيين من الحزب الاشتراكي. وبعد القضاء على "الإنفصاليين"، استطاع علي صالح أيضاً "احتواء" جزء مهم من "التيار الجهادي" الذي كان يبرر لنفسه حمل السلاح و"الجهاد" بحجة وجود "كفار" يحكمون جنوب اليمن الحزب الاشتراكي. لكن الرئيس اليمني استطاع اقناع هؤلاء الجهاديين، وأبرزهم بلا شك الشيخ طارق الفضلي من أحفاد أحد "سلاطين" جبال أبين، بترك الجهاد المسلح والانضمام الى الحكم والعمل من داخله. ومُنح هؤلاء مناصب مهمة في الدولة مثل الفضلي الذي بات عضواً في أعلى هيئة قيادية في حزب المؤتمر الشعبي الحاكم. وبالقضاء على خطر "الاشتراكيين" و"احتواء الجهاديين"، لم يعد في الساحة اليمنية من يُشكّل خطراً بارزاً على الحكم: حزب تجمع الإصلاح مشارك في مؤسسات الدولة ولايعتمد العنف، أما بقية الأحزاب مثل البعثيين والناصريين وحتى ما تبقى من الاشتراكيين، فإن حجمها الصغير لا يسمح لها بهامش كبير من المناورة. لكن هذا النوع من التحليل المطمئن للحكم كان ينقصه تقدير ان جماعة "جيش عدن الإسلامي" تستطيع ان تشكل شوكة في خاصرة الحكم وان لم تكن قادرة على اطاحته. وهذا تحديداً ما أظهرته عملية خطف الرهائن الغربيين في أبين في نهاية العام الماضي. بدأت عملية خطف الرهائن في 28 كانون الأول ديسمبر الماضي عندما كمن مسلحون من "جيش عدن" لقافلة سيارات تُقل سياحاً غربيين كانوا في جولة في ولاية أبين. وفي حين استطاعت احدى سيارات القافلة الفرار من الخاطفين، وقع السياح الباقون وعددهم 16 في الأسر واقتيدوا فوراً الى إحدى قواعد الجماعة الإسلامية في جبال أبين. ولم تكد ساعة تمر على عملية الخطف حتى إتصل قائد "جيش عدن" أبو الحسن المحضار، عبر هاتف خليوي، بأحد الإسلاميين البارزين في لندن وأخبره ان جماعته اعتقلت مجموعة غالبيتها من البريطانيين وأخذت جوازات سفرهم. وأبدى المحضار نوعاً من الأسى لأنه كان يتمنى ان يكون الرهائن أميركيين. وطالب القيادي الإسلامي، وهو من جنسية مصرية، من المحضار عدم إيذاء الرهائن ومعاملتهم برفق وإكرامهم. وأكد هذا القيادي في مقابلة مع "الوسط" ان المحضار - الذي يعرفه منذ سنوات طويلة عندما كان المصري لاجئاً في اليمن - وعده بأن الرهائن لن يمسّهم أذى، لكنه يريد ان يقايضهم بمجموعة من الإسلاميين ثلاثة يمنيين وستة أجانب بينهم فرنسي وخمسة بريطانيين اعتقلتهم السلطات اليمينة قبل أسابيع بتهم تتعلق بالتحضير لضرب منشآت غربية في اليمن. وكانت السلطات اليمينة اعتقلت التسعة في عمليتين الشهر الماضي. إذ أوقفت في البدء اليمنيين الثلاثة وهم صالح حيدرة العطوي وأثنان من أشقائه، ثم اعتقلت الإسلاميين الأوروبيين أسماء البريطانيين الخمسة: مالك محسن، مالك نصار، حمزة علي، أحمد صمد، وغلام حسين وشهيد بات. وجميعهم من مواليد بريطانيا ومن أصل أسيوي باستثناء واحد من أصل يمني لكنه لا يتكلّم العربية. وبحسب أوساط قريبة من هؤلاء المعتقلين، فإن ذهابهم الى اليمن كان لتعلم العلوم الشرعية والعربية ودرس أمكان العيش في بلد إسلامي، بدلاً من العيش في بلد "كافر" مثل بريطانيا، واستقدام زوجاتهم الى اليمن اذا رأوا ان الأوضاع ملائمة للعيش فيه. لكن هذه الرواية تناقضها رواية قوات الأمن التي تقول انها عثرت معهم في فندق الوفاء في عدن على أسلحة ومتفجرات وأجهزة توقيت ولائحة من 11 هدفاً بينها عيادة قرب كنيسة في عدن، وفندق "رويال اوتيل" الذي ينزل فيه قرابة 35 عسكرياً أميركياً يتولون تدريب جنود يمنيين على تفكيك الالغام. كذلك يُقال ان من بين الأهداف أيضاً القنصلية البريطانية في عدن. وكبادرة حسن نية، وسعياً الى التفاوض، أرسل المحضار موفداً عنه الى قيادة محافظة أبين مقدّماً شروط جماعته لإطلاق الرهائن وتتلخّص بإطلاق الإسلاميين التسعة، إضافة الى مطلب عام يتعلق ب "رفع الحصار عن العراق". لكن اللقاء بين ممثل الخاطفين وممثل الحكومة لم يمر بسلام، إذ يُنقل عن الأخير انه قال انه لا يكترث لا بالخاطفين ولا برهائنهم، وان الحكومة مصممة على تحريرهم وعدم إطلاق المعتقلين الإسلاميين. وتؤكد الحكومة، في هذا الإطار، ان عملية إنقاذ الرهائن لم تبدأ إلا بعدما بدأ الخاطفون بتنفيذ وعيدهم بقتل رهينة كل ساعتين. إذ أبلغ وزير الداخلية حسين عرب مجلس الوزراء ان الخاطفين هددوا بان يرسلوا "رأس رهينة كل ساعتين" اذا لم تُستجاب مطالبهم. وهكذا تدخّلت وحدات عسكرية تمكنت من تحديد مكان الخاطفين واشتبكت معهم. وقُتل في خلال الاشتباك أربعة من الرهائن استرالي وثلاثة بريطانيين وجُرح أميركي وبريطاني. وقُتل ثلاثة من الخاطفين بينهم زعيم المجموعة وهو مصري الجنسية يُدعى أسامة، وأُسر "أمير جيش عدن" أبو الحسن المحضار مع عدد من أتباعه. ويواجه المحضار، المعتقل في زنزانة في زنجبار، عقوبة الإعدام إذا تمت إدانته، بعدما أقرّ اليمن مبدأ إعدام خاطفي الرهائن أواخر العام الماضي. لكن السلطات اليمنية تعرف ان إعدامه قد يؤدي الى مزيد من المشاكل هي في غنى عنها حالياً. فهل ان الحكومة اليمنية قادرة على "قلع شوكة جيش عدن من خاصرتها" الى الأبد، فتعدم المحضار، أم تلجأ الى لف الموضوع بإصدار حكم بسجنه؟ المسؤولون اليمنيون يبدون حتى"الآن واثقين بان "جيش عدن" ملف طُوي، وان محاكمة المحضار لن تأخذ أكثر من 48 ساعة يُعدم على إثرها. ولكن هل يعني ذلك ان "جيش عدن" انتهى؟