سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حمت "المجاهدين" في مناطقها والزنداني كان زعيمهم الروحي في أفغانستان . العشائر اليمنية لم تذهب يوماً الى "الجهاد" ول "جيش عدن - أبين" ورثة ما زالوا يتقاتلون 2 من 3
الى مكتب منظمة الدفاع عن الحقوق والحريات هود في شارع الزبير في صنعاء، يصل يومياً عدد من آباء يمنيين معتقلين في غوانتانامو وأشقائهم. بعضهم من اهل صنعاء او المقيمين فيها، وبعضهم من سكان المحافظات البعيدة. المنظمة يديرها المحامي محمد ناجي علاو وهو قيادي في التجمع الوطني للاصلاح قريب من الشيخ عبد المجيد الزنداني. وتتولى المنظمة متابعة اوضاع المعتقلين وجمع توكيلات من اهلهم للدفاع عنهم في المحاكم الأميركية. العدد الأكبر من المعتقلين أوقفوا اما في افغانستان وإما في باكستان، وثمة آخرون اعتقلوا في دول اخرى لكنهم سبق ان كانوا في احدى الدولتين، فعدة"الجهاد"اقتضت حيازة اقنعة كثيرة، وتغذت من روافد معقدة، وفي الحال اليمنية اضيفت اليها عناصر الشمال والجنوب، وحاشد وبكيل، والحرب الباردة ولهذا ستجد في سجلات"هود"اسماء يمنيين اعتقلوا في دول ليست مسرحاً تقليدياً للحرب على الارهاب، منهم مثلاً محمد امين البكري وهو يمني من منطقة يافع واهله يقيمون في السعودية، في حين يعمل هو تاجراً في مدغشقر واعتقل في تايلاندا. كان ذهب الى افغانستان طبعاً. وفي سجلات"هود"اسم محمد الأسدي وهو يمني من محافظة مهرة في المنطقة الشرقية، لكنه عمل في التجارة في تنزانيا واعتقل في دار السلام وكانت افغانستان محطة من محطات تنقلاته. وقد يندرج في هذا السياق اسماعيل الريمي الذي غادر اليمن قبل احداث ايلول سبتمبر بأشهر قليلة متوجهاً الى الامارات العربية المتحدة واختفى هناك ليظهر اسمه لاحقاً في لوائح المعتقلين في غوانتانامو. اما الذين اعتقلوا في افغانستان او باكستان من اليمنيين فيبدو ان معظمهم من صغار السن الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من عمرهم على رغم سنوات السجن الأربع. وتشكل سيرهم مرآة تعكس نوع العلاقة التي تربط"الجهاديين"ببعضهم وتربطهم ايضاً في بلاد"الهجرة"اي افغانستان. اذ يبدو ان ثمة مجتمعاً كان قيد التبلور يمكن تسميته مجتمع"المجاهدين". زيجات"الأخوة في الجهاد"من شقيقات اخوانهم، وسطوة الأشقاء الكبار وتأثيرهم في أشقائهم الصغار جعلت من الممكن رصد عائلات"جهادية". على هذا النحو مثلاً اعتقل محمد احمد سعيد العواهي، وهو يمني من مدينة تعز، اثناء سفره الى افغانستان لإيصال شقيقته الى زوجها المقيم في الامارة الاسلامية ورحّل الى غوانتانامو، علماً ان زوج شقيقته ويدعى محمد عبده هو اليوم ايضاً في غوانتانامو. اما عبدالملك احمد عبدالوهاب الرحبي فمعتقل في القاعدة الأميركية الى جانب شقيق زوجته رشاد محمد سعيد، ويقول والده ان عبد الملك وعمره اليوم 26 عاماً وهو من ارياف مدينة إب، ذهب الى باكستان للدراسة في احدى المدارس الدينية ثم عاد الى اليمن وتزوج من شقيقة صديقه وغادر الى باكستان. وعند بدء الحرب عادت زوجته الى اليمن وبقي هو هناك الى ان وصل خبر اعتقاله هو وشقيق زوجته. ولكن، وسط العلاقات التي تنعقد حولها سير"المجاهدين"ثمة سياقات عادية لا تنفي حقيقة اتساع هامش الخروج على العلاقات التقليدية، بل ربما تؤكده. فمن ذهب الى افغانستان، بحسب مصدر امني يمني ليس العشائر وانما سواقطها، وهؤلاء اصبحوا كثيرين في ظل التعليم والتحديث والكثافة السكانية ومشكلات التمدين. ومن خرج عن هذا السياق من ابناء العشائر تضمنت سيرته اشارات واضحة لأسباب محددة. فهذا عصام الجائفي وهو من معتقلي غوانتانامو ومن عشائر بكيل في قرية همدان التي تبعد نحو 70 كيلومتراً عن صنعاء، ويقول والده انه بدأ يفقد سيطرته على ابنه عندما تخاصم الأخير مع خالته زوجة الوالد التي تزوجها بعد طلاقه ام عصام، واثناء ذلك توظف عصام في مجلس حماية البيئة، وتعرف هناك الى شخص سلفي اسمه بكري. قبل الحرب في افغانستان بثلاثة اشهر اختفى الشاب، وظهر اسمه في لوائح المعتقلين في غوانتانامو. العشائر لم ترسل ابناءها الى افغانستان، هذه الحقيقة التي اشار اليها المصدر الأمني اكدها اكثر من مراقب للحركات"الجهادية"في اليمن، كما يمكن رصدها في السير المتوافرة لل"مجاهدين". المناطق التي ارسلت ابناءها هي المناطق الأقل عشائرية، ويمكن ترتيبها بحسب كثافة المشاركة على النحو الآتي: اولاً من محافظة إب ثم محافظة ابين ثم تعز، والدفعة اللاحقة من حضرموتوعدن والحديدة وصنعاء. اما المناطق العشائرية في اليمن، ومشاركتها ضعيفة في الذهاب الى افغانستان فهي مأرب والجوف وحجة وصعدة، وربما شكلت محافظة شبوة استثناء على هذا الصعيد، اذ هي من المناطق العشائرية التي شاركت بكثافة في الذهاب الى افغانستان. ولهذه المشاركة اسبابها المعروفة في اليمن، اذ ان النظام الجنوبي قمع عشائر شبوة وحجر على زعامات شيوخها وفرق الكثير من تجمعاتها ضمن خطة اضعاف العشائر التي كان باشرها النظام الشيوعي في حينه، فتفرقت عشائر شبوة وهرب كثيرون من شيوخها ووجوهها الى الخليج العربي وانخرط ابناؤها في الحروب ضد النظام في الجنوب والتحق آخرون بالحرب على"الشيوعية"في افغانستان. وقد خرج من شبوة الكثير من الوجوه المعروفة في الشبكات"الجهادية"ربما كان أبرزها أبو حسن المحضار أمير"جيش عدن - ابين"، وفهد القصع احد المتهمين في قضية تفجير المدمرة"كول". اما ابرز وجوه شبوة"الجهادية"فهو ابو علي الحارثي المخطط الرئيسي لتفجير"كول"وناقلة النفط"ليمبورغ". ولعل حادثة مقتله عبر غارة جوية اميركية في احدى مناطق شبوة اشارة الى نوع العلاقة التي تربط عناصر هذه الشبكات بالبيئة الطبيعية والعشائرية التي يقيمون فيها. فشبوة محافظة كبيرة قريبة من حضرموت، ومنطقة الحارث التي قتل فيها ابو علي منطقة زراعية وبدوية في آن، كان الحارثي يتحرك فيها بسهولة وبحماية عشائرية، ما يعسّر على السلطة ملاحقته على رغم انه تحول في الفترة التي سبقت مقتله الى اسم كبير في عالم الارهاب. وكشف مقتله نفوذاً كبيراً له في هذه المنطقة وشبكة حماية عشائرية فعلية. ويقول نبيل الصوفي احد خبراء الجماعات"الجهادية"في اليمن ان العشائر وإن لم تذهب الى افغانستان فهي لم تقف في وجه الذهاب اليها. والعشيرة يمكنها ان تتولى حماية"مجاهدين"في المناطق التي تسيطر عليها، ويتطلب الأمر ربط العشيرة بشبكة مصالح سياسية ومالية على الأرجح. احداث كثيرة شهدها اليمن في الفترة التي سبقت الحادي عشر من ايلول وفي الفترة التي اعقبتها ادت الى ازدحام السجون اليمنية بمئات"الجهاديين"من الأجيال المختلفة. وبما ان الدولة تعتقد بأن هؤلاء يمتون اليها بصلة ما ليس اقلها الشراكة السابقة، باشرت ما سمته حواراً مع عدد كبير منهم، خصوصاً من الذين لم تثبت ادانتهم بأعمال جرمية. ويشرح رئيس الحكومة عبد القادر باجمال ظاهرة الافراج عن الأفغان اليمنيين من السجون قائلاً:"تبين ان لدى كثيرين من هؤلاء ثارات مع النظام الجنوبي السابق، ولهم حقوق مستلبة واملاك واراض، باعتبار انهم كانوا مشايخ وحكاماً سابقين، والنظام الاشتراكي انتهى وجاء نظام وحدوي. هم ارادوا مقاتلة النظام الشيوعي في الجنوب وفي افغانستان. وبعد الوحدة كانت لكثيرين منهم ثاراتهم الخاصة. نظرنا الى المسألة من زواياها المختلفة وتمت تسويات كثيرة. اعدنا الملكيات واستوعبنا كثيرين منهم في مؤسسات الدولة وآخرون لجأوا الى الأعمال الزراعية والتجارية، واقمنا حوارات مع من دخلوا السجون بتهم مختلفة وافرجنا عن مئات منهم". ينفي القاضي حمود الهيتار، وهو من تولى محاورة المتشددين في السجون، ما يشاع من ان عدداً من المفرج عنهم تراجع عن تعهداته بعدم الانخراط في اعمال عنف في اليمن. وعما يتردد من ان بعض المفرج عنهم توجه الى العراق وهو ما اكده ل"الحياة"محام يمني يتولى الدفاع عن احد كفلاء المتشددين الذي تلاحقه السلطات بعدما فقدت اثر من كفله، يقول الهيتار لل"الحياة":"استطيع ان اجزم بأن احداً من المفرج عنهم لم ينخرط في أعمال ارهابية داخل اليمن، اما من يسافر فلا أستطيع ان اراقب اعماله في الخارج". وبدأت جلسات الحوار مع المتشددين في السجون عام 2002 وأدت الى الأفراج عن 364 شخصاً ممن شملهم وليسوا متهمين بقضايا جنائية. ويؤكد المحامي محمد ناجي علاو ان جلسات الحوار لن تعكس بالضرورة قناعات المفرج عنهم، ومن السهل على هؤلاء ان يقولوا في السجون غير ما يعتقدون ويمارسون عندما يصبحون خارجها، خصوصاً ان سقف هذا الحوار هو السجن. ويؤكد ان عملية دمج هؤلاء خارج السجن مسألة لم تتحقق، خصوصاً في ظل الرقابة الشديدة التي يتعرضون لها، وعدم استقبالهم في مجالات العمل، وهو امر يرشحهم للانخراط مجدداً في اعمال العنف. بقايا"جيش عدن ? أبين"كانوا من الجماعات التي شملها الحوار وأطلقت شخصيات اساسية منها، وهم عادوا الى ابين واريافها، والكثير من الجماعات الجهادية شرعت تتنافس وتنقسم على نفسها خصوصاً في غياب قائد يجمعها بعدما اعدم المحضار، وما يجمعها اليوم هو فقط ادعاؤها الفكر السلفي. ويبدو ان السلطة تمكنت من اختراقها ومن خلق حالات استقطاب في داخلها ما زعزع تركيبتها ايضاً."امراء"هذه الجماعات تربطهم بالقاضي الهيتار علاقة رعاية كما يبدو، فهم يشيدون به في تصريحاتهم الصحافية التي يطلقونها عقب الاشتباكات التي تدور بينهم خلال تنافسهم على تصدر المناطق التي يقيمون فيها، في ارياف محافظة ابين. ويقول نبيل الصوفي ان"جيش عدن - أبين"كان ظاهرة محلية وليس جزءاً من شبكة قاعدية لها جذور خارج اليمن. ويشير الى ان احداً لم يسمع عن هذا الجيش الا عندما اعلن عنه المحضار. وابو حسن كان في حينه آتياًً من افغانستان بعد خلاف مع بن لادن على مسألة الحرب في اليمن. عاد المحضار وكانت الدولة تقوم بارضاء عدد من امراء الحرب الأفغانية العائدين لتوهم، وبينهم خالد الفضلي زميل المحضار وهو من مدينة ابين ايضاً، اذ عيّنته قائداً عسكرياً لوحدة في الجيش، وتحقق ذلك بأشراف اللواء علي محسن الأحمر، زوج شقيقة الفضلي. وجد المحضار نفسه خارج هذه الارضاءات والاستقطابات الجديدة، وتزامن ذلك مع ازدهار عمليات الخطف التي كانت تنفذها القبائل لمفاوضة الحكومة على خدمات وعطاءات وذلك في العام 1998. وأسفرت عمليات الخطف عن تجاوب الدولة اليمنية مع مطالب العشائر اكثر من مرة، فأراد المحضار استعمال هذه الوسيلة في ابين، فأقدم على خطف مجموعة من السياح ولم يأخذ في الاعتبار ان العشائر ضعيفة في ابين وهي استنفدت شكيمتها القتالية في الحرب بين الشمال والجنوب، ولهذا اعتبرت الدولة ان عدم الرضوخ لمطالب المحضار امر سهل في ظل غياب الحماية العشائرية، فاقتحمت المكان الذي احتجز فيه رهائنه ووقعت مذبحة كبرى واعتقل المحضار وأُعدم. واعتبر باجمال خلال لقائه"الحياة"ان"هؤلاء المقاتلين انتقلوا من طورهم النضالي الكفاحي الى طور متطرف وارهابي لم يعد يميز بين هدف وآخر. كنا في البداية نقول ان ذلك ربما بسبب عدم فهم الوحدة وطبيعتها وان هذه الأفكار ستزول مع الوقت، واذا بنا امام موجة ليست محلية وبدأت الظاهرة تكبر وكانت احداث 1998 في ابين واشترك في معاركنا مع جيش عدن - ابين يمنيون ومصريون وبريطانيون...". انتهى"جيش عدن ? ابين"على هذا النحو، لكن امراءه والجماعات التي تعتبر استمراراً اجتماعياً ودعوياً له ما زالت مقيمة في مناطق ابين. خالد عبد النبي غيّر اسمه بحيث اصبح : خالد عبد رب النبي واحد من جنود المحضار، حاول كما يبدو وراثة زعامته الجماعة. وفي تعريف مختصر فيه نشرته صحيفة الوسط اليمنية الاسبوعية، ان عبد النبي من مواليد 1969 وتلقى قسطاً من التعليم في المدارس الحكومية اليمنية ثم هاجر الى السعودية اواسط الثمانينات بسبب الظروف المعيشية، وانتقل منها الى افغانستان ثم عاد الى اليمن ليشارك مع جماعات مسلحة اخرى في الحرب الأهلية عام1994 اسمها قوات الشرعية. وعن مجموعة عبد النبي انشقت جماعة ثانية يقودها الشيخ وجدي الحوبشي، واندلعت اشتباكات قبل نحو ثلاثة اشهر بين المجموعتين في مدينة جعار في محافظة ابين. ويبدو ان القاضي الهيتار وبما انه كان واسطة الحوار في السجون بين هذه الجماعات وبين السلطة، تولى ايضاً التفاوض بين المجموعتين لفض النزاع المسلح بينهما. ووُصفت منطقة جعار اثر هذه الاشتباكات بأنها مسرح للأفكار السلفية المتناحرة، فيما اعتبرتها صحف المعارضة"قندهار اليمن". والى جانب وساطة الهيتار ثمة ثابتة اخرى في خُطب هؤلاء الأمراء هي اعلاؤهم الدائم من شأن ابو حسن المحضار قائدهم السابق الذي يبدو انه من دون الإعلاء من شأنه لن تستقيم زعاماتهم ولن تكتمل. يجمع يمنيون على أن هؤلاء الأمراء السلفيين المحليين استفادوا الى حد بعيد من التسويات التي اجرتها الحكومة اليمنية معهم. ففي نقاشاتهم على صفحات الصحف اليمنية يتبادل هؤلاء الشيوخ التهم حول الاقطاعات الزراعية التي حازوها نتيجة عقدهم احلافاً مع الأجهزة الأمنية. ويشير صحافي يمني من ابناء منطقة جعار الى ان هؤلاء الأمراء الصغار تحولوا الى وسطاء بين جماعاتهم وبين الدولة، ما ثبتهم في مواقعهم على رغم هشاشة تمثيلهم. على رغم طرافة هذه الوقائع في دولة مترامية ضعيفة الصلة بأطرافها، يشكل اليمن بسلطته ومعارضته وعاء اجتماعياً وسياسياً لهذه الجماعات، التي يعتقد يمنيون بأنها جزء من الدولة. انهم ارث الحرب الباردة. وعلى نحو ما كان اليمن الجنوبي شيوعياً كان اليمن الشمالي اسلامياً. واسلامية اليمن الشمالي تعني اشياء كثيرة، منها التجمع اليمني للاصلاح بتكتلاته الكثيرة، وتعني جامعة الايمان، والجماعات السلفية العائدة من افغانستان واشياء اخرى، لكنها تعني ايضاً وربما بدرجة اكبر حزب المؤتمر الحاكم وتحالفاته العشائرية في الداخل، وانخراطه اليوم في الحرب على الارهاب. ويقول استاذ في جامعة صنعاء ان السلطة استعملت الزنداني في مرحلة الحرب الباردة الى ابعد الحدود، ويضيف""الزنداني كان الزعيم الروحي للمجاهدين في افغانستان وقاد عملية التعبئة عبر الأشرطة والمحاضرات والكتب، وكان تأثيره في مرحلة ما قبل الوحدة كبيراً. الحكومة في حينها ارادت ذلك في سياق وقوفها مع التحالف الغربي في مواجهة الشيوعية. كان هناك مقرر في جامعة صنعاء الحكومية اسمه الثقافة الاسلامية ، كله من تأليف الزنداني ويتناول اسبقية الدين في العلوم الوضعية. وكل هذا في سياق دعم المجاهدين". الدولة في اليمن ضعيفة الصلة بأطرافها، والحديث في صنعاء عن التجمعات السكانية المتباعدة التي لا يصل بينها طريق او هاتف يشعرك بأنك في زمن ما قبل الدولة الحديثة. لكن الأمر مختلف في اليمن، ذلك البلد الذي تتجاوز مساحته مساحة فرنسا، وفيه نحو 310 اقضية وفي الكثير من هذه الأقضية نحو 20 او 30 عزلة متباعدة بحيث استنفد اليمن جزءاً من امكاناته في عمليات الربط بين هذه العزلات. يفضل اليمنيون في عزلاتهم العيش في اعالي الجبال ويتركون السفوح والوديان للزراعة التي تبدو عملية شاقة نظراً الى ما تتطلبه من انتقال دائم من اعالي الجبال الشاهقة الى السفوح والوديان. انه مشهد من مشاهد قساوة العيش في هذا البلد. لكن هذه القساوة لم تمتد لتصل الى طبائع اليمنيين خلافاً للكثير من المجتمعات التي تعيش في ظروف مشابهة، وعلى هذا النحو يبدو اليمني مسالماً ومقاتلاً في آن. يصل نبيل الحيلة كل يوم تقريباً الى صنعاء آتياً من منطقة بني حشيش الواقعة في محيط صنعاء ليتابع قضية شقيقه عبد السلام المعتقل في غوانتانامو. انهما ابنا احد شيوخ عشائر بني حشيش، ويبدو ان للعائلة موقعاً في التركيبة البكيلية للعشيرة. يصل نبيل الى صنعاء محتفظاً بوسامة يمنية لا تدرك الا عند التدقيق في تفاصيل ثوبه الصنعاني وخنجره البكيلي والشماغ الذي تختاره يومياً زوجته التي لم يمض شهران على اقترانه بها. وسامة الشاب جزء من عنفوان المشيخة التي تربى في ظلها، واختير شقيقه عبدالسلام في وحي منها ضابطاً في القوات المسلحة اليمنية. ويقول محمد علاو المحامي الذي يتولى قضية عبد السلام ان موكله ذهب مبكراً الى افغانستان وعاد منها مبكراً ايضاً، وبدأ يعمل في تجارة الأدوية وهو اصلاً من عائلة ثرية. ويتابع:"يبدو ان الشاب الذي استمر ضابطاً في جهاز الأمن السياسي عمل بحكم خبرته مع الأفغان العرب في ملف ترحيل من وصل من هؤلاء الى اليمن. وبعد احداث 11 ايلول يبدو ان الاستخبارات الأميركية والمصرية اهتمت بالمعلومات التي لديه واستدرجته الى القاهرة، وأعلنت الحكومة المصرية في حينه انه غادر القاهرة في طائرة خاصة الى جورجيا. وبعد مدة من اختفائه ظهر في قاعدة غوانتانامو الأميركية. في صنعاء حكايات كثيرة مماثلة، مثل حكاية الشيخ محمد المؤيد الذي حكم في الولاياتالمتحدة بالسجن 75 عاماً بتهمة دعم"القاعدة"و"حماس"، وكان استدرج ايضاً الى المانيا ومنها الى اميركا. حكايات ترويها العائلات، ويختلط فيها التعاطف مع الأبناء والأشقاء بوقائع غامضة لكنها شديدة الارتباط بالظروف التي افضت الى المشهد السياسي الراهن لليمن. والدولة تدرك هذا الالتباس، وتدرك ايضاً صعوبة ما يطلب منها من التزامات دولية. لكن الموازنة بين الواقع الثقيل والالتزامات المستجدة في سياق حرب غير تقليدية، مسألة تبدو من اصعب المهمات.