تنظيم لبنان لنهائيات كأس آسيا لكرة القدم كان بمثابة الحلم، حتى حين مُنح شرف الاستضافة قبل أربعة أعوام، ونظراً إلى صعوبات كثيرة واجهت مراحل التنظيم، ظلت الأيدي على القلوب حتى قبل أيام قليلة من موعد الافتتاح في 12 تشرين الأول اكتوبر الجاري في المدينة الرياضية في بيروت. افتتاح ضج بالموسيقى والألوان وكان عنوانه البساطة الراقية الممزوجة بفولكلور القارة لتصل رسالة هادفة عنوانها "آسيا كلها في لبنان، ولبنان في قلب آسيا"، وصدح صوت مارسيل خليفة "يا بحرية هيلا هيلا" أمام أكثر من 55 ألف متفرج. المهم أن كأس آسيا ال12 "لبنان 2000" انطلقت منافساتها التي تجمع 12 منتخباً وزعت على ثلاث مجموعات، ضمت المجموعة الأولى منتخبات لبنانوإيران الطامحة إلى استعادة لقب افتقدته قبل 24 عاماً، والعراق الساعي إلى العودة إلى الأضواء الكروية آسيوياً ثم دولياً، وتايلاند. بينما تألفت المجموعة الثانية من كوريا الجنوبية والصين والكويت وأندونيسيا، والمجموعة الثالثة من اليابان، الأفضل فنياً، والسعودية حاملة اللقب، وقطر وأوزبكستان. وفي وقت "كرجت" كرة المنافسة غير عابئة لا بالتهديدات الإسرائيلية بقصف المراكز الحيوية في البلد مجدداً، والتي انطلقت قبيل الافتتاح. فقد ترافق أسبوعها الأول مع أكثر من حدث سياسي اقليمي، لكنه لم يحجب عنها الرونق، لا سيما أن أكثر من 800 إعلامي عربي وأجنبي يتابعون وقائعها. حين وردت الاتحاد اللبناني لكرة القدم فكرة تنظيم نهائيات كأس آسيا لم يكن التركيز من خلال ذلك توفير الفرص المناسبة والأجواء المؤاتية للمنتخب ليحرز لقباً غير مسبوق، بل كان الهدف الأساسي ان توفر البطولة بنية تحتية من الملاعب ومرافقها تخدم تطوير المستوى الفني في السنوات المقبلة، وتؤسس بالتالي لكرة قدم لبنانية صلبة القاعدة من خلال التواصل بين فرق الفئات العمرية كلها. لذا، فإن انجاز بناء ملعبين جديدين عصريين في طرابلس وصيدا، وإعادة تأهيل ملعب المدينة الرياضية الذي شهد افتتاح الدورة العربية الثامنة 1997، وتأهيل وتطوير 15 ملعباً لتستعمل لتدريب المنتخبات خلال البطولة، سيساهم كثيراً في النمو الكروي المرجو. من هنا قول رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر، الذي حضر افتتاح كأس آسيا: "أصبحتم تملكون المنشآت وعليكم الآن بصقل المواهب، والاتحاد الدولي الذي اطلق برنامج الهدف الانمائي للعبة في مختلف أنحاء العالم، سيساهم من خلاله في عملية التطوير المنظورة". فضلاً عن البرنامج الذي يُعد له الاتحاد اللبناني على نار هادئة، وصولاً ربما إلى استضافة أحداث عالمية مثل كأس العالم للناشئين أو الشباب وحتى كأس القارات، خصوصاً أن بلاتر شجع على ذلك. عندما بدأ الكلام عن أهمية استضافة لبنان لكأس آسيا تعدى الأمر القطاع الرياضي ليشمل القطاع الاقتصادي وتحديداً السياحي منه. ورسالة الترشيح وأهداف التنظيم التي اذيعت العام 1996، شددت كثيراً على ذلك، وأجريت دراسات وبنيت توقعات حول المداخيل المنظورة للبطولة، والتي قدرت بملايين الدولارات. لكن التأخير في مرحلة الإعداد الإداري والترويجي والظروف السياسية المحلية والاقليمية المصاحبة لذلك جعلت التقديرات المطروحة خيالية إلى حد ما. ومهما يكن فإن البطولة استقطبت نحو 700 إداري وفني ولاعب وحكم، وعدد كبير من الإعلاميين ومسؤولي ومندوبي وممثلي الشركات الراعية، وبالتالي فإنها حركت جانباً من الركود الاقتصادي القائم. أما مفاعيلها غير المباشرة فهي نقل صورة ممتازة عن اللبنانيين إلى الخارج الذين تمسكوا بالتنظيم إلى أقصى الحدود، وعوضوا تأخير الإعداد بسرعة قياسية وانفقوا من "اللحم الحي" ليتحقق الحلم. وما الحديث عن الخدمات الممتازة على مختلف الأصعدة سوى دليل على ما تقدم. وتبلغ التكاليف التنظيمية نحو 35 مليون دولار بما فيها كلفة الملعبين الجديدين والمقدرة ب24 مليون دولار. وحددت مصادر التمويل من عائدات رسوم السفر التي ستحصل على مدى عشرة أعوام والطابع البريدي التذكاري الذي سيصدر في الأيام المقبلة. أما الضريبة على الأسرة في الفنادق فقد نتج عنها جدل كبير ومعارضة من أصحاب الفنادق دفعت رئيس النقابة بيار الأشقر إلى إعلان استقالته، باعتبار أن هذا القرار جعل زائرين وسياحاً كثراً يلغون حجوزاتهم. وتردد أيضاً أن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة عززت عدم الإقبال السياحي، لكن مطلعين على بواطن الأمور والشؤون الإدارية والتنظيمية في البطولة يؤكدون ان البطولة استقطبت نحو 10 آلاف زائر من الخارج. أما الاتحاد الآسيوي الذي تبلغ حصته من العائدات الإعلانية 20 مليون دولار، فمنح الاتحاد اللبناني مليوني دولار جيرّها الأخير إلى الحكومة مساهمة في النفقات التنظيمية، إلى مليون دولار إضافية جاءت بمثابة بادرة دعم للبنان في آذار مارس الماضي بعد القصف الإسرائيلي الذي طال مجدداً محطات التحويل الكهربائية، وانفقت لتأهيل ملاعب التدريب. كما تحمّل الاتحاد الآسيوي نفقات انتقال وإقامة أعضائه ومسؤوليه وموظفيه والحكام، ما ساهم في خفض "الفاتورة اللبنانية". واللفتة الأبرز في تاريخ تنظيم البطولة في لبنان كان الدعم المباشر من الأعضاء العرب في الاتحاد الآسيوي، وفي مقدمهم نائب الرئيس الكويتي أسد تقي، وعضو اللجنة التنفيذية في الاتحاد الدولي القطري محمد بن همام. ولعل أبلغ دليل على نجاح تنظيم البطولة في لبنان والتي دخلت مراحلها الحاسمة، تقويم بيتر فيلابان الأمين العام للاتحاد الآسيوي لها، إذ اعتبر ان أربعة عناصر ساعدت على انجاح هذا الحدث: أولاً، بناء ملاعب ذات مستوى دولي. ثانياً، انطلاق المباريات بنجاح تام. ثالثاً: الإقبال الجماهيري على المباريات والذي يُغني البطولة. رابعاً، عمل اللجان المتواصل الذي أظهر صورة ايجابية عن الشعب اللبناني. وأكد فيلابان أن بطولات كأس آسيا هي المعيار الأهم لمقياس تطور الكرة الآسيوية، ويدل مستوى المنتخبات المشاركة، خصوصاً اليابان التي تستضيف كأس العالم مناصفة مع كوريا سنة 2002، على أن مستقبل اللعبة في آسيا يبشر بالخير. وعن دعم الكرة الآسيوية، ذكر فيلابان أن الاتحاد القاري يقوم بكل ما في وسعه، وبمساعدة من الاتحاد الدولي، الذي عيّن أميناً عاماً تنفيذياً مهمته معرفة حاجات الاتحادات الأهلية في القارة، إضافة إلى مدير مسؤول عن تنظيم دورات للفئات العمرية المختلفة لتنمية المواهب عند اللاعبين الصغار. وشبّه فيلابان التطور الكروي بدخول التلميذ إلى المدرسة وتدرجه من صف إلى آخر وصولاً إلى الجامعة، أي الدورات الأولمبية والبطولات الدولية. وعلى هذا الأساس، يتوقع أن تتطور الكرة الآسيوية لتقارب نظيرتها الأوروبية في السنوات العشر المقبلة. الكأس العريقة التي صنعها أحد مصممي مجوهرات التاج البريطاني عام 1956، سيسلمها سلطان أحمد شاه رئيس الاتحاد الآسيوي في 29 الشهر الجاري إلى أحد المنتخبات المشاركة ايذاناً بانتهاء البطولة، وبعدما تكون قد أعلنت في 28 منه هوية البلد الذي سيستضيف النسخة ال13 سنة 2004. والمرجح أن تنحصر المنافسة على اللقب الحالي بين اليابانوإيران. لكن البطولة فقدت نضارة المدرجات نظراً إلى خروج المنتخب اللبناني من الدور الأول، على رغم الإعداد المتواصل الذي خضع له في الأشهر الستة الماضية وتضمن أربعة معسكرات خارجية، وضمت صفوفه ستة لاعبين مغتربين من البرازيل واستراليا، لكنه وقع في المحظور بخسارته افتتاحاً أمام إيران صفر -4، وتعادله مع العراق 2-2، ومع تايلاند 1-1، فاحتل المركز الرابع والأخير في مجموعته. لكن الأداء الكبير الذي قدمه أمام كل من العراقوتايلاند يبشر بمرحلة مقبلة باسمة إذا واصل القائمون عليه تهيئته بالشكل المناسب، خصوصاً أن تشكيلته تضم أكثر من 14 لاعباً دون ال24 عاماً، والاستحقاق المقبل الذي ينتظره هو تصفيات كأس العالم 2002.