دراويش السادات يعيشون في القاهرة أسعد أيامهم. الرجل يعود حياً مبرأ من اللعنات والخيانات وبيع القضية، ليس وحده الذي ذهب إلى الكامب كامب ديفيد ذهب مثله الرئيس ياسر عرفات. زوجته الأولى السيدة إقبال ماضي تنقب في محاسنه على طريقة أذكروا محاسن موتاكم في مذكرات تنشر اسبوعياً في القاهرة. دور السينما تنتظر فيلم "السادات" الذي يقوم ببطولته النجم أحمد زكي ليرفع الإيرادات ويحطم الأرقام القياسية لنجوم الكوميديا الجدد، ولربما تجاوز إيرادات شريط "ناصر 56" الذي مثله أيضاً أحمد زكي قبل سنوات. تطرح زوجته جيهان الجزء الثاني من مذكراتها "سيدة من مصر" في فصل الشتاء لتلهب الأجواء المصرية بأسرار جديدة ورسائل تنشر للمرة الاولى للرئيس الراحل. انها حالة ساداتية خالصة تصل الى ذروتها في 6 تشرين الأول اكتوبر الجاري عندما يطل الرئيس حسني مبارك عبر الشاشة الصغيرة ليعدد مناقب الرئيس الراحل بطل الحرب والسلام ويعلي من شأن الرجل ويذكّر بانتصاراته كما يفعل كل عام. الدراويش يعتبرونها حالة رد اعتبار تأخرت طويلاً. 19 عاماً كاملة. والمناهضون يتحركون من معسكر الرفض المطلق إلى القبول المستتر بما فعله الرئيس الراحل. العاديون كما جسدهم الثنائي مصطفى حسين وأحمد رجب صاحبا كاريكاتير صحيفة "الأخبار" يجلسون في عجب ويقولون "الله يرحمك ياسادات"، لكن الأمر لا يخلو من رافضين على طول الخط دامغين الرجل بالخيانة والعمالة إلى أن تقوم الساعة. المناهضون احياناً يتطرفون في الرفض ويعترض رئيس الحزب الناصري ضياء الدين داود على اي محاولة لرد الاعتبار للراحل، ويرفض ايضا وبشدة اي كتابات تنصف الرجل. يقول داوود: "كامب ديفيد هي سبب كل ما تعانيه الامة العربية، السادات فتح عيون العرب على الجلوس على حجر اسرائيل والتسابق لهذا"، ويرمي من يسلم بصحة نهج السادات بالتخاذل، "هذا التخاذل ثمرة التخاذل الاول الذي بدأه السادات"، معتبراً أن السادات "لم يفعل شيئاً، استعاد سيناء مقيدة فقط واعترف بالوجود الاسرائيلي". ويرى داوود ان المثقفين العرب والمصريين الذين وقفوا امام كامب ديفيد "لم يقفوا ضدها كما يجب ولم يدينوا السادات الى مستوى الادانة التي تناسب حجم التفريط الذي قدمه"، ويسخر القطب الناصري من القول بأن السادات كان سابقاً لعصره عبقري ويتساءل: "أي شجاعة وعبقرية ان تقف عارياً في الشارع؟ اي شجاعة ان تلقي بنفسك من فوق الهرم؟ ما حدث هو نوع من الانتحار، السادات انهى حياة جيل مازال يعاني حتى الآن مستخدماً - اي السادات - شجاعة التهور". رد اعتبار في مسألة رد الاعتبار يبدو وجود حزب سياسي باسم "حزب السادات" مثيراً للخيال وعلى رغم ان لجنة شؤون الاحزاب رفضته لعدم تمايز برنامجه فإن صاحب الحزب ووكيل المؤسسين محمد محمود عبد الوهاب يرى ان الحزب هو اكبر رد اعتبار، ويضيف "أن ما جرى في كامب ديفيد الثانية رد اعتبار لكامب ديفيد الاولى". يصل عبد الوهاب الى كون السادات عبقري وبعيد النظر ويقول "إنه توقع كل شيء الانفتاح الاقتصادي ونحن الآن في قلبه، انهيار الاتحاد السوفياتي وليته عاش ليرى تحقق توقعاته، عندما قال 99 في المئة من اوراق اللعبة في يد اميركا كان مصيباً"، يلفت عبد الوهاب الى ان الانتخابات البرلمانية الجارية في مصر هي احدى ثمار ايمان السادات بالديموقراطية وتعدد الاحزاب، ويرى أن التاريخ لم يظلم السادات لانه سيكتب حتماً انه مثلما الملك مينا موحد القطرين فان السادات استعاد الارض من اليهود، ويرمي المثقفين بالغفلة ويقول "انهم مثقفو قصص وروايات وليس لهم علاقة بالسياسة، هم كما يقولون يرددون من دون وعي "عاش الملك، مات الملك" حتى يظهر جيل آخر يرد للرجل اعتباره كما يجب. انهم الآن يقولون السلام خيار استراتيجي، ألم يقل السادات ان حرب اكتوبر آخر الحروب، لو فعلها العرب عام 1977 مع السادات لحصلوا على اضعاف ما حصلوا عليه الآن ان كانوا حصلوا على شيء في منطقة محايدة". سلبيات وايجابيات ويرى الدكتور رفعت السعيد الامين العام لحزب التجمع الوطني الديموقراطي إن السادات لا يحتاج لاعادة اعتبار لان اعادة الاعتبار تكون لانسان او مواطن وجهت الدولة كل قدراتها وآلياتها ضده، مثلما يحدث عندما تتعقب بعض الحكومات او الدول خصوماً سياسيين وتفرض عليهم احكاماً قاسية لا مبرر لها كالسجن او النفي، والرئيس السادات لم يتعرض لذلك، هو رئيس دولة اختلف الناس في تقييمه، كما اختلفوا في تقييم الرئيس عبد الناصر وسيظلون يختلفون، والامر يحتاج لنظرة مغايرة ترصد السلبيات والايجابيات من دون إغفال واحدة لمصلحة الأخرى، وإذا حدث ذلك لن نكون في حاجة لرد الاعتبار. ويقسم الدكتور السعيد المثقفين المصريين تجاه السادات الى قسمين، "الاول مثقفون نظروا الى السادات بعين الرضا، مثل انيس منصور والدكتور عبد العظيم رمضان، وآخرون نظروا اليه بعين الرفض المطلق وهم كثر مثلما اختلفوا على عبد الناصر، لكن كثيرين نظروا الى عبد الناصر بعين الرضا. اما عن تقييمي الخاص فأقول انه هو الذي بدأ بالتعددية، على رغم كثرة عيوبها، والتعددية شيء وعيوبها شيء آخر، هو الذي بدأ كامب ديفيد وزار القدس ولنا تحفظات عليها، هو الذي خطط لحرب اكتوبر وفعلها على رغم ان كثيرين يقولون انها لعبد الناصر". ويضيف: "عندما رفضنا زيارة السادات للقدس كانت هناك وجهة نظر ان السادات وقع على اتفاق جزئي، انفراد عزل مصر عن الامة العربية، ونفذت منه اسرائيل الى قلب العروبة وتفكك مسار الصراع العربي - الاسرائيلي الى مسارات وأصبح التنسيق العربي صعب المنال".و يؤكد انه لا يوجد في علم التاريخ شيء اسمه لو أن وبالتالي لا يصح ان نسأل لو ان عرفات وافق على الجلوس في 1977 لانه لا احد يستطيع ان يجيب على هذا السؤال قطعياً، كما اننا لا نخطئ السادات قطعياً ولا نستحسنه كاملاً بل النظرة المحايدة افضل كثيراً". خطأ سيكولوجي وعلى خطى السادات، ذهب الكاتب المسرحي علي سالم الى القدس في رحلة اول مثقف مصري الى الارض المحتلة بإرادته وخياره الشخصي. نال علي سالم مما نال السادات الكثير وربما يحتاج الامر لرد اعتبار لعلي سالم هو الآخر، يستصعب سالم رد الاعتبار للسادات ويقول "ان اعلان الحرب على اميركا واسرائيل والغرب كله اسهل على العرب من رد الاعتبار للسادات لان رد الاعتبار يعني طريقة اخرى في التفكير مخلصة للواقع وللحياة وليس نتاج ذبذبات تطرف عاطفي، تعني اعادة النظر في العقل العربي والتخلي عن الشعارات بأنواعها واستعادة المسؤولية الفردية والكفاءة"، ويؤكد سالم انه كان من المستحيل على العرب ان يتفقوا مع السادات فيما ذهب اليه عامي 1977 و1979 لأسباب تخص الانظمة العربية في ذلك الوقت والضغوط على منظمة التحرير الفلسطينية. كذلك كان هناك خطأ سيكولوجي كبير وقعت فيه عملية السادات برمتها، خطأ يقول: لماذا اعطي لهم كل شيء ولا اضمن شيئاً؟ خطأ عدم المعرفة، الخطأ نفسه الذي قاله اسماعيل فهمي وزير الخارجية والذي لم يكن يعرف ان السادات حصل على وعد وضمان بعودة سيناء قبل ان يسافر الى القدس"، ويضيف "ان النظرة الى السادات اهملت انه كان فلاحاً بمعنى انه يتمسك بالارض بكل الطرق، كما انه كان عضواً في المؤسسة العسكرية، اي كان مسؤولا عن حماية الارض. السادات كان مغامراً، كان يلعب بالرصيد كله، بمعنى إذا فشلت المفاوضات فعليه ان يترك منصبه فوراً وهذا ما حدث عندما نزل الى اسوان وقت تعثر المفاوضات ففهم كارتر السر مباشرة ومغزى الزيارة فجاء الى القاهرة يسعى ومعه شاه ايران". العمل لا الشعارات وعلى رغم كل الضجة حول السادات فإن علي سالم يرى أن إعادة الاعتبار للسادات تحدث الآن على استحياء شديد، ومع وجود جيل يؤمن بالعمل وليس بالشعارات سيمجد السادات كبطل قومي، ويضيف: "السادات كان موهوباً، والموهوبون مكروهون لا يحبهم الناس، والاعتراف بما حققه السادات يتطلب تغييراً في ايديولوجية المنطقة والاعتراف بصحة ما فعله السادات، فكثيرون من الذين اقابلهم يقولون لي همسا انهم يقدرون السادات وما فعله من اجل السلام لكنهم لا يقولون ذلك صراحة لأن الثمن سيكون غالياً في مواجهة ديماغوجية عالية لدرجة ان اظهار البطولة تكون بفعل شيء ضد السلام وانصاره". السفير تحسين بشير المتحدث الرسمي باسم مصر سابقا يعتقد بان الوقت قد حان لهؤلاء النفر من المثقفين ان يعيدوا الاعتبار لانفسهم وليس للسادات لان السادات حقق ما حقق لمصر والعرب وهو كثير. المشكلة كما يقول بشير "ان صدمة حزيران يونيو 1967 مرت على الكثيرين من المثقفين المصريين والعرب وغيرهم ككابوس ظنوا انه مع بزوغ الفجر سينتهي، هي لم تكن كابوساً، كانت اكبر من ذلك بكثير ومازالت معنا حتى الآن، الهزيمة سميناها نكسة واعتبرنا عبد الناصر رمزا وهو فشل في كل الحروب التي خاضها إذا استثينا معركة تأميم قناة السويس وكانت معركة سياسية وليست حربية، كان على السادات ان يفعل شيئاً صعباً وهو يحارب اسرائيل بجيش النكسة، ودول عربية مفككة، وكان على السادات مواجهة كل ذلك، ومن هنا تبرز شجاعته وبعد نظره، فهو فلاح في الحفاظ على ارضه ولا يهمل ديناميكية العلاقات السياسية الدولية". ويضيف السفير بشير "ان الواقعين تحت تأثير كابوس 1967 والحالمين بنصر يأتي كالبرق الخاطف لم يفهموا طبيعة المشكلة ودقتها وصعوبتها وطبيعة العلاقات الدولية، السادات فعل ما امكنه ومن اتهموا السادات بالخيانة لم يفهموا طبيعة ما كان يواجهه السادات وطبيعة العلاقة المعقدة بين اميركا واسرائيل، ويجب على الجميع اعادة النظر ودراسة القضية من جديد"