في هذه الحلقة الثانية من ندوة "الوسط" حول "الطريق الى مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية"، يطرح المشاركون سؤالاً كبيراً ويدخلون في نقاش حوله. والسؤال هو: هل اضاعت مصر - السادات مكاسب حرب اكتوبر 1973؟ وهل اخطأ السادات بالتوجه، وضد رغبة الدول العربية الاخرى، الى القدسالمحتلة في تشرين الثاني نوفمبر 1977 وبتوقيعه معاهدة السلام مع اسرائيل في آذار مارس 1979 من دون الحصول على موافقة العرب وخصوصاً موافقة الاطراف العربية والفلسطينية المعنية مباشرة بالنزاع مع اسرائيل؟ المشاركون في الندوة التي عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة وادارها عمرو عبدالسميع هم اربعة من ابرز الخبراء الديبلوماسيين والسياسيين والعسكريين المصريين في شؤون "مرحلة حرب اكتوبر" وما بعدها وهم: الدكتور محمد حسن الزيات، وزير الخارجية المصري خلال فترة الاعداد لهذه الحرب بين ايلول - سبتمبر - وتشرين الاول - اكتوبر 1973 ثم مستشار السادات بين 3197 و1975. السفير تحسين بشير المتحدث الرسمي باسم مصر بين 1969 و1976 ومندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربية من 1971 الى 1979. اللواء طه المجدوب رئيس تخطيط هيئة العمليات في القيادة العامة للقوات المصرية خلال حرب 1973، عضو وفد مصر الى مؤتمر جنيف للسلام في كانون الاول ديسمبر 1973، عضو الوفد المصري الى المفاوضات مع اسرائيل لتحقيق اتفاق فك الارتباط الاول والثاني عام 1974 و1975. وترأس المجدوب الوفد العسكري المصري المشارك في المحادثات التي ادت الى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل في آذار مارس 1979 وتم تكليفه بعد ذلك بمتابعة تنفيذ بنود المعاهدة. السفير وفاء حجازي: ديبلوماسي وسفير سابق ومساعد لوزير الخارجية المصري ومؤلف عدد من الكتب عن الصراع العربي - الاسرائيلي. وفي ما يأتي الحلقة الثانية والاخيرة من الندوة: - تحسين بشير: اريد اولاً ان أوضح ان هناك خطأ عاماً وشاملاً في فهم العلاقات الدولية لدى عدد كبير ممن يتعرضون لها في مصر ودول اخرى خصوصاً أن مدرسة العلاقات الدولية المصرية نشأت في أحضان الاممالمتحدة. فهذه المدرسة تتكلم عن قرار التقسيم ولجنة التوفيق الفلسطينية والقرارين 242 و338، واللجنة الرباعية السباعية، وكأن العلاقات الدولية تتقرر في ضوء لجان فنية في الاممالمتحدة. المشكلة ان العرب واجهوا اسرائيل عام 1948 بالطريقة التقليدية وحماسة اجتماعات رؤساء الوزراء العرب وحضور المنتديات الدولية وإلقاء الخطب، في حين أن الاسرائيليين يحركون اعضاء مجلس الشيوخ والنواب واللوردات، أي يحركون القوى الحقيقية السياسية. لم ندرك اننا اخطأنا إلا بعد أن فشلنا ووقعنا في هوة رهيبة اسمها هزيمة 1967 واكتشفنا أن بيننا وبين العالم هوة ساحقة جداً. انا لا أؤمن بالديبلوماسية، أنا أؤمن بالسياسة، والسياسة هي علم القوى بما فيه القوة العسكرية لكنه يشمل قوى أكثر من عسكرية . وللاسف الشديد مهما قيل عن الانجازات العظيمة لمصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر إلا ان القوة الذاتية لمصر كان يمكن ان تتضاعف إذا ركزنا على النوع والجودة. نحن فتحنا المجال لاسرائيل واصطادتنا ونحن الذين بادرنا بهذا. اتفق مع الدكتور الزيات في أنه إذا وافقت اسرائيل على حدودها الدولية والتزمت بعلاقات متبادلة مضمونة دولياً فمن الممكن ان نتعايش في سلام في حدود الشرق الاوسط. لكن يبقى الامر بالنسبة الى مصر، ومصر أولاً، يعني لا نستخدم الدول العربية كمبرر لعدم قيام مصر بواجباتها... واجبها نحو نفسها بناء القوة المصرية، علمياً وتكنولوجياً وانسانياً وفكرياً وعسكرياً وسياسياً، لعل طريقة السادات قامت على صدمات واستفزت أناساً كثيرين لانها كانت عكس التيار. كانت طريقة السادات ناجحة جداً لانه استطاع أكثر من أي زعيم عربي، حتى من انصار اميركا مثل الملك حسين، ان يكتسب شعبية في الشارع الاميركي ولم يحصل فقط على دعم الحكومة الاميركية. نحن الآن في عالم جديد وعلينا ان نفهم علاقات القوى وقد وصل السادات عن طريق رؤية قد لا تكون رؤية علمية ولكن رؤية خاصة به الى ادراك أن الاتحاد السوفياتي يتقاعس في مساندتنا. الاتحاد السوفياتي كانت له مصالحه ونحن لنا مصالحنا ولأميركا مصالحها واليابان وألمانيا اعيد بناؤهما تحت الاحتلال الاميركي وخرجا من الاحتلال ماردين. فالحكمة أن نعرف ما هي الامكانات والفرص وكيف نحافظ على مصالحنا. المهم هو أن نخلق قوة جذب مصرية لا تفرض على العرب. أنا ضد الفرض وضد الوحدة العربية بالقوة لأنها فشلت فشلاً ذريعاً، وفي كل فشل كانت النتيجة أسوأ. السوريون رفعوا جمال عبدالناصر عن الارض بسيارته، لكن يوم حدوث الانفصال ضربوا المصريين ولا يمكن ان يرجعوا من الانفصال الى الوحدة لا بد أن نكون عمليين. هناك سؤال حول تصرف السادات في مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974 حول اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومدى اتفاقه واختلافه مع ما ذكره بعض المراقبين عن وعود هنري كيسنجر بشأن هذا الامر. - تحسين بشير: السادات في قمة الرباط تشرين الاول - اكتوبر 1974 لم يكن موجوداً في اللجنة التي اقرت اعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كانت لجنة صغيرة جداً فرعية ضمت، في من ضمت، وزير خارجية الاردن ولم تحدث مناقشات كثيرة وذهل الحاضرون. لم يستطع أحد أن يقف ويقول إن المنظمة ليست ممثلة للفلسطينيين. الوحيد الذي حذر في جلسة سرية من نتائج هذا القرار كان الملك حسين، أما مصر فسايرت هذا التطور فلا اسماعيل فهمي وزير الخارجية ولا الرئيس السادات اعترضا على القرار، المهم ان هذا القرار كان مواكبا لتحرك فلسطيني بانشاء سلطة وطنية فلسطينية، فكانت عنده بداية اعتراف العرب بأن الفلسطينيين لهم كيان وطني مستقل يمكن ان يتحدوا مع العرب لكنهم شعب له كيان مستقل وكانت هذه مسألة رمزية اعطيت لهم ثم اكتسبت بمرور الزمن ولم يكن لكسنجر دور فيها ولا كانت لها أهمية أكثر من اعطائهم هذا الرمز الذي نما مع الزمن وبقي قوة واضطر الاردن ان يعترف بهم. - اللواء طه المجدوب: أريد أن أسأل: هل نحن الذين اخترنا الحل المنفرد أم أنه فرض علينا نتيجة مواقف جامدة ونظرة قصيرة لم تستوعب المستقبل بالطريقة الصحيحة في ذلك الوقت؟ أنا في صف الاجابة الثانية وهي ان الحل المنفرد فرض علينا. لقد فقدنا الكثير عندما كنا نتفاوض وحدنا بلا شك ولكن الفرص كانت متاحة أمام الاخوة العرب لأن يشاركوا، وهناك أمثلة كثيرة، ففي عام 73 مثلاً سورية لم تحضر مؤتمر جنيف، كان باستطاعتها ان تحضر مؤتمر جنيف وترى ما الذي سيحدث، مثلاً في 77 بعد مبادرة السلام عقد مؤتمر ميناهاوس وأنا كنت عضواً في هذا المؤتمر حيث كانت المائدة مستديرة وتضم أماكن لوفود الاردن وسورية والفلسطينيين، ولم يحضر أحد، يعني أنا اتخيل لو كان هذا السيناريو نجح فكيف كان الوضع؟ التحرك العربي اعتقد انه كان سيختلف تماماً وحتى في كامب ديفيد ومعاهدة السلام، الالتزام القومي لمصر كان موجوداً ومعاهدة السلام نصت على انها جزء من سلام شامل لكل العرب. واذا كنا قد اخطأنا في مصر فبماذا نفسر ما يحدث الآن؟ واذا كانت الدول العربية اشتركت معنا فما هو تصورنا لما كان عليه الوضع الآن، تساؤلات لا بد من طرحها، وهل لو سارت مصر خلف العرب في ذلك الوقت، ولم تحرر سيناء وتوقفنا عند حد معين فماذا كان سيحدث؟ أرجو ان يكون الدرس استوعب، وأنا اعتقد ان مصر اليوم في هذا الاطار وفي اطار ما هو واضح لدى الاطراف المختلفة لا بد ان يكون لها دور في ما هو قادم من عمليات السلام، وممكن ان تشارك بايجابية اكثر خصوصاً انها مطالبة الآن بهذا، سواء من العرب أو من الولاياتالمتحدة أو حتى من اسرائيل، فالكل يريد من مصر أن تفعل شيئاً. من يتحكم بالمنطقة! - وفاء حجازي: سأتعرض لنقطة ذكرها الدكتور الزيات وترتبط بالسؤال المطروح علينا جميعاً وهو: من الذي سيسيطر على المنطقة؟ فنحن نعيش مأزقاً وخروجنا منه يرتبط بكون الصراع هو أساساً صراع حول من يتحكم ويسيّر الاتجاه في المنطقة: اسرائيل أم الدول العربية وفي مقدمتها مصر؟ والاجابة في رأيي تتوقف على تمسك اسرائيل بتنفيذ المشروع الصهيوني وإذا كانت اسرائيل لا تزال مستمرة بمنطق التوسع ومنطق الاستيطان ومنطق انحسار العرب فهذا يعني ان الصراع ما زال وسيستمر دائراً، والشاهد حتى الآن أن اسرائيل في أي مرحلة من مراحل تاريخها من 48 حتى 92 لم تتراجع خطوة عن ذلك المشروع، فنحن أمام مشروع ديناميكي وليس امام مشروع في حالة سكون، أو أمام مشروع تم تنفيذه، إنه مشروع ينفذ على مراحل. إذن عملية التحكم أو عملية تشكل مناخ المنطقة وتشكيل التوجه السياسي في المنطقة هل يكون بيد اسرائيل أم بيد الدول العربية؟ هذه مسألة تتوقف على مدى نجاحنا أو فشلنا في وقف هذا المشروع الصهيوني ومدى علمنا بأن اسرائيل حتى بعد انتخاب اسحق رابين لم تتراجع عن هذا المشروع ولم تقل انها ستوقف عملية الاستيطان ولم تقل إنها ستوقف عملية المهاجرين ولم يذكر أحد من المسؤولين الاسرائيليين أنه مستعد أن ينسحب من الاراضي العربية أو مستعد لرد الحقوق العربية بشكل من الاشكال. حتى الآن ليس أمامنا مقولة لا اسرائيلية وأضيف ولا أميركية، تحدد بشكل واضح ما هو المستقبل، بينما هناك مواقف عربية محددة بالنسبة الى قبولنا الاعتراف باسرائيل والتعاون مع اسرائيل. نحن لا نستطيع، حتى لو كان بيننا وبين اسرائيل مليون معاهدة، أن ننسى أموراً بسيطة جداً، فهناك ترسانة من أسلحة الدمار ومن الاسلحة النووية، وهناك قدرات عسكرية تتزايد يوماً بعد يوم، وهناك سكان جدد يأتون الى اسرائيل ويمنحونها من القوة العسكرية والتكنولوجية والعلمية الكثير، وهناك توسع اسرائيلي وامتداد اسرائيلي الى العمق العربي، من سيكون أكثر الدول تأثراً بهذا الوضع؟ هذا يقودنا في النهاية الى أن قدرنا ومصيرنا أن تكون لنا علاقات عضوية عربية متينة، وأن الدفاع عن الحق العربي والدفاع عن القضايا الوطنية المصرية يبدأ من ضرورة التعاون مع القوى العربية كلها حتى نستطيع أن يكون لنا، ليس تأثير اقليمي فقط، ولكن ايضاً حتى تكون لنا قدرة التعامل الدولي من موقع قوة وموقع تقدير. بناء على كل ذلك اختلف مع الاخ طه المجدوب في قوله ان العرب هم الذين فرضوا على السادات ان يتفاوض منفرداً، أقول لا، لم يحدث هذا. فالسادات منذ اللحظة الاولى رأى ان مصلحته ان يذهب مع الاميركيين الى آخر مدى، واتخذ القرار، بدليل ان قرار الذهاب الى القدس كان مفاجئاً للجميع حتى للقيادات المصرية. واذا كانت المسألة مسألة تفاوض جماعي فقد كان عليه ان يتصل أولاً بالدول العربية، أنا هنا لا اتحدث عما إذا كان محقاً أو مخطئاً وانما ارصد واقعاً عملياً حدث وهو أن عملية المفاوضات المصرية مع اسرائيل كانت مفاوضات ثنائية منذ البداية وحتى النهاية، بدليل انها توصلت الى اتفاقيتين، احداهما نفذت والاخرى لم تنفذ، ولم يحدث تطور فيها وهو إطار السلام، إنما الذي نفذ العلاقات المصرية - الاسرائيلية وتطوير هذه العلاقات. والسادات، عن وعي كامل جداً، كان يرى أن لا مانع من ان المفاوضات الثنائية تستمر، وحتى إذا فرضنا انه كانت لديه نية حقيقية في أن تشمل المفاوضات القضايا كلها ولكن هذا نوع من "برد العتب" كما يقال في المثل المصري. وأنا أرى من وجهة نظري أنه لا علاقة إطلاقاً بين ما تم في كامب ديفيد وما يتم اليوم لأن اطار مدريد إطار جماعي ويتم على مستويات مختلفة جداً بوجود نوع من الاشراف الدولي، وبشكل يجمع الاطراف كلها. اكرر: عندما ذهب السادات الى القدس، ذهب من دون ان يخطر أحداً واتخذ هذه المبادرة بنفسه. - تحسين بشير: هذا ليس صحيحاً لقد اخطر الزعماء العرب كلهم بمن فيهم الرئيس الاسد. أي تضامن عربي؟ - حجازي: هل تعتقد أنه كان المقصود فعلاً والمستهدف هو استحضار العرب الى موائد المفاوضات أم استكمال شكل ما كان من الضروري ان يستكمل، بدليل أنه استمر حتى وصل بالمفاوضات الى نهايتها في غيبة العرب؟ - تحسين بشير: لأنهم لم يحضروا ورفضوا المشاركة. - حجازي: اياً كان السبب انما الحقيقة التي لا تقبل الجدل كانت مفاوضات ثنائية انتهت الى اتفاق ثنائي. أما اليوم فما يجري في مدريدوواشنطن شكل آخر من المفاوضات مختلف عن تلك التي كانت تجري بين مصر واسرائيل، قد يكون السادات هو الذي فتح الباب، انما السؤال المطروح: كيف ندير هذه المفاوضات مع اسرائيل وما هو منظورنا لهذه المفاوضات ولماذا قبلت اسرائيل؟ ولا بد من الاتفاق على مبدأ مهم وهو أن التضامن العربي والوحدة العربية ضرورة لكي تتحقق كل الاهداف. - تحسين بشير: لم يناقش أحد هذه النقطة لكن المهم أن يكون الاتفاق على خير وليس على شر. - حجازي: اسأل سؤالاً: ألست محتاجاً لهذا اشد الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى حتى لانجاح المفاوضات. - تحسين بشير: الاهم من التضامن العربي هو نوعية هذا التضامن. في 1967 كان هناك تضامن عربي. - حجازي: لا… أنا اختلف معك في هذه النقطة. - تحسين بشير: أنا أقول انه في عام 1967 كان العرب متضامنين وانحرفوا فرادى وجماعات، ولذلك أقول ان التضامن يكون على خير، على سياسة عاقلة ممكنة، وليس مجرد تظاهرة، في عام 67 حصل تضامن، لقد كنا متضامنين على أهداف وهمية وهزمنا مجتمعين. - حجازي: يعني بما أنك هزمت في 67 يصبح التضامن العربي غير وارد. - تحسين بشير: لم أقل هذا، قلت يحصل تضامن عربي على مفهوم حديث. - حجازي: إذن متفقون، أن تكون نقطة البداية بالنسبة الى التعامل مع الواقع الآن هي التضامن وعلينا أن نعمل هذا التضامن. - اللواء المجدوب: المأزق هو توفر الارادة العربية الحسنة لاجراء هذا التضامن إنما الكل يتكلم على التضامن ولا توجد دولة عربية لا ترفع شعار "يحيا التضامن". - حجازي: اذن نحن لسنا مختلفين. - اللواء المجدوب: كيف هذا؟ اننا مختلفون جداً. - حجازي: لسنا مختلفين على ان التضامن اساسي وضروري للخروج من هذا المأزق. وعدم تحقيق هذا التضامن وتبرير عدم تحقيق التضامن يعتبر خطأ فكرياً وثقافياً. - تحسين بشير: اقول مرة اخرى ان التضامن العربي مطلوب، على ان يكون تضامناً برؤية عملية لما هو ممكن ولما يمكن ان يقدمه كل طرف طواعية ومع فهم معقول لفاعليات العالم الحالية، وليس مجرد تظاهرة عربية. - حجازي: انا لن اناقش حرفاً قلته، ولتكن هذه دعوتك، ان علينا كعرب ان نضع كل الوسائل الممكنة لتحقيق ما تفضلت به واعطائه اسبقية يحتمها الموقف الآن. الذي فتح هذه المناقشة هو الكلام عما اذا كان التحرك المصري للسلام مع اسرائيل هو تحرك حل منفرد ام أنه كان تحركاً في الاطار العربي؟ بالمفهومين اللذين عرضا يبدو لنا ان تحرك مصر كان تحركاً في اطار عربي ولحل عربي. وكونه أفضى في النهاية الى تفاوض ثنائي ليس مسؤولية مصرية. - حجازي: انا اختلف في هذا، لأن ما جرى في كامب ديفيد كان تحركاً منفرداً، لا يمكن مقارنته بمفاوضات مدريد، اعتبرت مجرد الجلوس الى مائدة المفاوضات هو تشابه بين كامب ديفيد ومدريد ليست عندي هي السابقة الاولى، فالسابقة الاولى كانت سنة 49. - تحسين بشير: في رودس كان التفاوض منفرداً ايضاً. - حجازي: لا... لم يكن منفرداً، فاذا كانت هناك سابقة للمفاوضة جرت بين العرب واسرائيل فقد بدأت في سنة 49 في مفاوضات رودس، في كامب ديفيد كان التحرك عبارة عن مبادرة شخصية قام بها الرئيس السادات، فالفكرة اساساً فكرته والرغبة اتت من جانبه والدعوة وجهها هو امام مجلس الشعب، يعني خاطب الجانب الاسرائيلي يدعوه الى المبادرة وانه يزور القدس قبل ان يجري اي اتفاق مع الجانب العربي، سواء كان العرب مخطئين او غير مخطئين، فهذا موضوع آخر لكننا نرصد حقيقة تاريخية ان ما جرى في كامب ديفيد كان مبادرة فردية وانتهت الى اتفاق ثنائي. - الزيات: هل كان من الممكن ان يصل الى اتفاق عربي في رأيك، هل كان من الممكن ان يصل الرئيس السادات الى اتفاق مع العرب على ان يوافقوا على مبادرة السلام؟ - حجازي: والله، الرد على هذا صعب يا دكتور، لكنني أرد على السؤال بسؤال: هل جرى جهد حقيقي سياسي مصري بقصد اقناع الجانب العربي للدخول في مفاوضات معه؟ - الزيات: لا، ولا يمكن ان نسأل هذا السؤال أصلاً، فالمفترض ان الشخص يتدبر أولاً هل يمكن ان ينجح جهده ام لا، فاذا تأكد انه كان لا يمكن ان ينجح، يصل الى النتيجة العكسية واعتقد أن الرئيس السادات ادرك انه لا يمكن ان ينجح جهده. - حجازي: هذا يؤكد وجهة النظر انه حينما أدرك هذا رأى أن يأخذ الموضوع بنفسه. - الزيات: لا لقد اراد ان يتخذه قيادة للعرب. - حجازي: قيادة للعرب، إنما ليس في اطار جماعي، إذن فهو إدراكاً منه أن العرب لن يوافقوا قام بعمل منفرد. والاتفاق إتفاق مصري واللقاء جاء بمبادرة مصر وبناء على طلب رئيس مصر ومن دون وساطة، وايضاً جاء بطريقة سرية استخدمت فيها أجهزة المخابرات. - الزيات: لكن ماذا قال في خطابه امام الكنيست؟ - حجازي: قال حل شامل وكان الخطاب عظيماً جداً في الكنيست، انما هذا لا يغير من حقيقة انه بدأ المبادرة بدعوة فردية، وقد تكون نية الرئيس السادات سليمة جداً في انه لا يتقيد بالمواقف العربية في سبيل تحقيق مصلحة وطنية مصرية، قد يكون له كل الحق في هذا انما هذا لا يغير من الرصد التاريخي ان المبادرة كانت فردية والاتفاق كان ثنائياً. مفتاح تغيير الوضع - تحسين بشير: أنا سأرد على هذه النقطة فقط، هناك مفاوضات جماعية عربية بدأت منذ سنة49 ولا تزال قائمة في الاممالمتحدة يصدر فيها سنوياً قرار من الجمعية العامة إسمها اعمال لجنة التوفيق الفلسطينية، منذ سنة 49 الى الآن حصرت بعض الاملاك، في وقت من الاوقات وصلوا الى اتفاق حول 100 ألف لاجئ ولم ينفذ حرف واحد، ولم يتمكن العرب وهم مجتمعون من سنة 49 الى الآن إلا من زيادة مآسي الشعب الفلسطيني. والرئيس عبدالناصر حين دعا الى القمتين الاولى والثانية كان ذلك بمبادرة شخصية تماماً، بل بالعكس قدرة السادات تكمن في أنه بادر وأربك اوراق اللعبة الاميركية والاسرائيلية وطرح شيئاً جديداً في عالم السياسة، فقيمة أي محارب، سواء كان محارباً ديبلوماسياً أو سياسياً أو عسكرياً، انه يبادر بشيء جديد لم يتعود عليه الناس ويأخذ عنصر مبادرة ويحتكر، مبادرة السلام تحتاج الى شجاعة وقدرة والقدرة هذه اكتسبت لمصر والعرب. والواقع انه من دون مبادرة السادات ومن غير زيارته القدس ومن غير معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية لما حدث اجتماع مدريد ولا المفاوضات المتعددة ولما حدثت مفاوضات واشنطن، فمصر الآن اساس السلام مع اسرائيل، والذين يريدون أن يحاربوا اسرائيل هذا موضوع آخر. الذين يريدون تحقيق سلام، يمكن ان يستفيدوا من علاقة مصر باسرائيل وعلاقة مصر بأميركا. فقد نجحت مصر في المبادرة بعملية السلام وفتحت أرضاً جديدة في العالم وهذا اصل من أصول النجاح المصري نتمسك به ونستثمره ونوظفه، أما التفكير في جمع العرب لمجرد جمعهم لاتفاق جماعي كي يتفقوا في حرب أو في سلام يعني أننا لن نستطيع أن نحد من الغلو الاسرائيلي ونجعل اسرائيل تعيش معنا بقواعد نقبلها وتقبلها الا بسياسة منفتحة. - حجازي: الجزء الاول من حديثك، أنا من غير شك راض عنه، لكنك تؤكد المعنى الذي بدأته وان ما تم هو بمبادرة فردية. أنا لم اقل اذا كانت صواباً او خطأ، ولم اقل اذا كانت في صالح مصر أو غير صالح مصر ولم أوجه لها انتقاداً، أنا رصدت رصداً تاريخياً، انا قلت ان هذه مبادرة وهذا رد عليها. - تحسين بشير: كل حرب مبادرة ايضاً. - حجازي: هذا الجزء أنا غير مختلف عليه، لكن الجزء الذي اختلف عليه هو قولك أنه لن يحدث أن يلتقي العرب فلا بد من انتزاع هذه المسلّمة القائلة بأنه لا أمل في أن نلتقي في المدركات العربية. - اللواء المجدوب: أقول انه لا امل في المستقبل الا اذا شاركنا جميعاً في محاولة ايجاد هذا التضامن ومن دونه صعب جداً ان نصل الى شيء. - حجازي: هذا يتوقف على العملية الاجرائية وهي عملية المفاوضة، نحن نتكلم الآن حول ماذا يمكن عمله في هذه المفاوضة، وأنت تعلم حتى الآن ان كل يوم يمر تصل طيارة فيها بين 300 و400 مهاجر، وكل يوم يمر يعني بناء كذا مسكن وتكريس احتلال أرض... كيف نوقف هذا؟ هل من الممكن ان تكون المفاوضة من وجهة نظر اسرائيل هي الحصول على موافقة العرب على المشروع الصهيوني، فالمفاوضة من وجهة النظر العربية يجب ان تكون محاولة ايقاف هذا المشروع الصهيوني، نحن لا نملك من القوة والقدرات العسكرية ما نستطيع ان نواجه به هذا. انت تتعامل مع طرف اسرائيل لا تستطيع ان تضمن موافقته على حقوقك. - اللواء المجدوب: لو كان العرب انضموا للمفاوضات لما حدث ذلك. - حجازي: من قال هذا الكلام، كيف تضمن هذا وأنت تعلم ان الطرف الذي نتفاوض معه طرف عدواني بطبيعته! - اللواء المجدوب: إذن ما الحل؟ - حجازي: أريد ان اسأل سؤالاً، الآن نحن موجودون في داخل قاعة المفاوضات ولدى الطرف الاسرائيلي تعهدات سلام من الطرف العربي، ما هو رد الفعل الاسرائيلي؟ - اللواء المجدوب: الذي حدث انه وقّع مع مصر معاهدة سلام واحترمها. - حجازي: اذا كنت تجلس الى مائدة المفاوضات والاوراق العربية كلها اوراق تعطي لاسرائيل جميع مطالبها، الاعتراف والتعاون وتبادل العلاقات، لماذا لم يجب الطرف الاسرائيلي على مطالبك، وكيف تفترض ان الطرف الذي يرفض الآن الموقف الجماعي العربي السلمي كان سيسلك سلوكاً مختلفاً اذا كانت المفاوضات قبل سنوات عدة وفي أي مرحلة من المراحل في الصراع العربي - الاسرائيلي، حينما جلست اسرائيل للتفاوض اعطت. في المفاوضات مع مصر. - حجازي: لأن مصر كانت تملك القوة أو تملك الورق. - تحسين بشير: اسرائيل طلبت مشروع التقسيم ونحن رفضنا، وحالياً هي تعرض على لبنان الحدود الدولية ولبنان غير قادر لاسباب معروفة، فاذا كنا نتحدث في المفاوضات فليكن كلامنا جاداً. - اللواء المجدوب: إذن ما هو الحل؟ - تحسين بشير: هل يرفض العرب الآن ما هو معروض عليهم مرة اخرى؟ - حجازي: لا... الحل هو أن وضعاً مفروضاً عليك، وهذا الوضع مستمر، وما زلت اكرر: المشروع الصهيوني الاستيطاني يتحرك متجهاً نحو احتلال مزيد من الارض، فأنت مطالب بالوقوف اليوم امامه. - اللواء المجدوب: كيف؟ - حجازي: نقطة البداية التي لا غنى عنها هي التضامن العربي بأبعد حدوده. - اللواء المجدوب: كيف ايضاً؟ - حجازي: أنا لست حاكماً وأنت لست حاكماً. - تحسين بشير: بما تنصح الحاكم في هذا الموضوع؟ - السفير حجازي: كل موضوع يبدأ بفكرة وهذه الفكرة هي التي تضيء الطريق، هل عندك طريق آخر من الممكن ان يوصلك الى حقوقك؟ - تحسين بشير: نعم - حجازي: ما هو؟ - تحسين بشير: زيادة القوة النوعية لكل دولة عربية. - حجازي: كيف؟ - تحسين بشير: بالتقدم العلمي والتكنولوجي، وهذا هو المفتاح لمن يريد تغيير الوضع الى الاحسن.