مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    اتحاد الغرف يطلق مبادرة قانونية للتوعية بأنظمة الاستثمار في المملكة والبرتغال    الاحتلال لا يعترف ب (الأونروا)    «الكونغرس» يختار الرئيس حال تعادل هاريس وترمب    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «حديقة السويدي» من ثقافة باكستان إلى الأسبوع اليمني    شتاء طنطورة يعود للعُلا    «الأسبوع العربي في اليونسكو».. ترسيخ المكانة الثقافية في المملكة    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    برعاية الأميرعبدالعزيز بن سعود.. انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي الرابع لعمليات الإطفاء    ليلة الحسم    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    رئيس الشورى يستقبل السفير الأمريكي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    تنوع تراثي    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    ترمب وهاريس في مهمة حصاد جمع الأصوات    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى السبت المقبل    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي        حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 150 كلجم من القات    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات مثيرة لمسئول استخباراتي سعودي حول بن لادن والسادات
نشر في أنباؤكم يوم 29 - 11 - 2009

يتأكد يوم بعد يوم أن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات كان سابقا لعصره في قراءة الأحداث وتطوراتها بل إن الذين اتهموه بالخيانة وبعد سنين على رحليه حاولوا السير على دربه إلا أنهم فشلوا في تحقيق أي من إنجازاته وهذا ما ظهر واضحا في شهادة أحمد باديب نائب رئيس جهاز المخابرات السعودية الأسبق والذي عاصر فترات النكسة وحرب أكتوبر واتفاقية كامب ديفيد وما تبعها من أحداث دراماتيكية .
وكانت صحيفة "المصري اليوم " نشرت في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني مضمون حوار مطول ومثير أجرته مع باديب وكشف خلاله الكثير من الأسرار حول الأحداث التاريخية التي مازالت تثير جدلا واسعا في العالم العربي ، بالإضافة إلى المشهد الراهن وما آلت إليه القضية الفلسطينية .
قصة بن لادن
والبداية مع قصة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ، حيث أكد باديب أن تنظيم القاعدة هو نتاج طبيعى لتجاهل الأنظمة العربية تأهيل من أرسلتهم لأفغانستان ويتذكر تلميذه بن لادن واصفا إياه بأنه كان دمث الخلق .
ومعروف أن باديب كان يعمل قبل التحاقه بجهاز الاستخبارت السعودي مدرسا للأحياء في إحدى المدارس الثانوية السعودية وقام بالتدريس حينها لأسامة بن لادن ، ويعلق على هذا الأمر ، قائلا :" كنت أعتبر أسامة بن لادن بمثابة ابنى، كان دمث الخلق، مهذب الكلمات، هادئ الطباع ويقظ الذهن ، وفوجئت بالطبع بما آل إليه حاله بعد ذلك ، وأعتقد أن المشكلة الخاصة بين بن لادن ومن هم مثله تكمن فى الازدواجية التى نحيا بها كأمة إسلامية على وجه العموم، وفى المملكة السعودية على وجه الخصوص، حيث هناك فهم خاطئ للدين الذى ندرسه لأبنائنا فى مناهج التعليم والذى لا يولد لديهم سوى تكفير الآخر".
وأضاف " قضية أحداث 11 سبتمبر وتورط بن لادن وسعوديين فيها تأتي في إطار قضية أكبر وهى قضية العدالة ، فقد تفتحت عيوننا كعرب على قضية فلسطين التى لم تجد لها الأجيال المتعاقبة أى حل ، فى ذات الوقت الذى تكونت فيه جماعات هؤلاء المجاهدين العرب فى أفغانستان بتشجيع من أجهزة المخابرات فى مصر والسعودية والولايات المتحدة للقضاء على الوجود السوفيتى هناك ، كل حسب مصالحه، فربينا جماعة خارجة عن نطاق أوطاننا العربية، جماعة لا تخاف، وللأسف فإننا لم نحتضن تلك الجماعة بعد انتهاء الحرب، لم نحسب عددهم وفقدنا السيطرة عليهم ".
وتابع " التقصير في هذا الصدد جاء من الأنظمة العربية وأجهزة الاستخبارات على حد سواء ، أجهزة الاستخبارات انشغلت بتغيير صورتها، فتركت هامشا من الحرية غير الموجهة ظنا منا أن هؤلاء الشباب ذو قدرات ضعيفة ولن يفعلوا شيئا أكبر مما فعلوه فى أفغانستان ، كما شغلنا كعرب بحرب الخليج الثانية ودخول صدام للكويت، فدخلنا فى متاهة شديدة، وكان علينا فى المملكة السعودية أن نحمى أنفسنا، فمن جرأ صدام على دخول الكويت يجرئه على دخول السعودية، ونسينا هؤلاء الشباب الذين نظمهم الآخرون وبات لديهم أرض خصبة لفعل ما يريدون مع الإيمان الشديد بأنهم سيخلصون العالم العربى من كل ما يعانيه من ظلم سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، بينما كان هناك دول عربية أمسكت العصا من المنتصف فى علاقتها مع القاعدة مثل اليمن التى كانت تعلم أن للحوثيين علاقة قوية مع القاعدة ولكنها تغاضت عن ذلك لتحقيق الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه، وبعد أن حققت هدفها كانت الحرب بين النظام والحوثيين هناك" .
وبالنسبة للوضع العربي وتحديدا فيما يتعلق بتعليقه على مقولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنرى كيسنجر حول أن التعامل مع العالم العربى يجب أن يتم وفقاً لنظرية الشيخ والقبيلة ، قال نائب رئيس جهاز المخابرات السعودية الأسبق :" العملية أعقد من نظرية هنرى كيسنجر، هو يظن أننا نتعامل بمنطق الشيخ الذى يرأس قبيلة لا يبحث سوى عن مصلحتها، ويحدد علاقته بمن حوله، حسب تلك المصالح، ولكن العملية أعقد من ذلك لأن هناك أموراً نفسية لدى كل نظام عربى، أهمها عقدة الخوف من التجربة واتخاذ القرار الصحيح، نفتقد الثقة فى قدرات شعوبنا وفى بعضنا البعض، كما نفتقد الهدف والرؤية والإرادة، أذكر تصريحات ياسر عرفات حين كان يقول إن فلسطين لن تتحرر إلا عبر جونيا فى لبنان، ليتوافد الفلسطينيون على جنوب لبنان ويصبحوا عبئاً عليها، لا هم يحملون هوية البلد، ولا هم عادوا لبلادهم التى ادعوا أن تحريرها سيبدأ من لبنان، نحن لا نعرف ماذا نريد ولا كيف ننفذ ما نسعى له".
وتابع " مشكلة الأنظمة العربية أن الغالبية منهم ليسوا أكفاء بتشديد الفاء، وهى جمع كفء، ولكنهم أكفاء، بفتح الفاء، وهى جمع كفيف، هم غير قادرين على قراءة الأمور بشكل صحيح فيخلطون الأمور، نحن لم نأت بالكفؤ الذى يحكم ويتحمل المسئولية ولكننا نأتى بأهل الثقة، لا يهم عنصر الكفاءة بل على العكس قد تكون الأمانة والكفاءة من السمات غير المطلوبة " .
وفي شهادته حول القضية الفلسطينية ، أضاف باديب قائلا :" لقد اختلطت حبال اللعبة فى قضية فلسطين، هناك عوامل خارجية وداخلية كثيرة أثرت عليها بدءاً من رفض قرار التقسيم عام 1947 انتهاء بالوضع الحالى الذى قسم الشعب الفلسطينى إلى جبهتين، كل منهما تتهم الأخرى بالعمالة، وتدعى كل منهما العروبة، لتتوالى الاعتراضات المدفوعة من مصالح قوى خارجية، على ما يطرح من حلول، وفى عالمنا العربى أدمنا ممارسة سياسة ردود الفعل لا المبادرات، يا ليتهم خططوا لاستغلال قضية فلسطين، نحن أمة لا تعرف التخطيط حتى فى المكائد، أتذكر الحبيب بورقيبة الذى أقر مبدأ سياسيا مهما بات يدرس فى عالم السياسة مفاده خذ وطالب، وكان ينصح به الفلسطينيين لحل مشكلة قضيتهم، فاتهمته بعض الأنظمة العربية بالخيانة والماسونية".
وفيما يتعلق بحرب أكتوبر وما أعقبها من توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، قال باديب :" تخرجت فى كلية العلوم قسم كيمياء الحيوان ولكننى عملت بالاستخبارات واقتربت من الشيخ كمال أدهم رئيس جهاز الاتصالات الخارجية وتعلمت الكثير فى تلك الفترة التى كانت شديدة الحساسية بعد نكسة يونيو 1967، فى الوقت الذى كانت الاستعدادات تجرى فيه على قدم وساق لاستعادة الأرض حدث اجتماع بين الملك فيصل والشيخ كمال أدهم ووزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، كان حديث الملك فيصل يدور حول استحالة بقاء الوضع فى الشرق الأوسط على ما هو عليه بعد النكسة وأنه لابد من إعادة سيناء والجولان والضفة وغزة ولو بالمفاوضات، كان الاعتقاد السائد أن إسرائيل طفل أمريكا المدلل التى لن تسمح لأحد بالاعتداء عليه، ولكن كيسنجر أعرب عن قناعة بلاده بعدم القدرة على إقناع إسرائيل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، طالما ظلت هى الطرف الأقوى، وأنه لابد من تحرك عسكرى عربى يجبر إسرائيل على التفاوض، وهو ما اعتبره الملك فيصل بمثابة الضوء الأخضر الأمريكى لقيام الحرب، وتحدث فى ذلك مع الرئيس السادات حيث كان التنسيق بينهما على أعلى المستويات".
وتابع " كان الهدف من الحرب هو تحريك الموقف، وكانت توقعات الخسارة عالية، وكالعادة فقدنا الرؤية العربية الجماعية التى تؤيد موقفنا، فقد رفض الملك حسين ملك الأردن المشاركة فى الحرب رغم أهمية الجبهة الأردنية فى دعم القوة العسكرية، وتم الاتفاق بين الملك فيصل والرئيس السادات على أن تقوم مصر بعبور القناة والوصول إلى الكبارى والممرات وتحصين نقطها الدفاعية والتمسك بها دون التوسع فى عمق سيناء، وهو ما حدث فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب وبأقل الخسائر المتوقعة، على عكس الجبهة السورية التى خسرت الكثير، حتى إن القوات الإسرائيلية صارت على بعد 40 كيلومترًا من دمشق، فاضطر السادات إلى تعميق القتال فى سيناء وتطويره خارجا عن الخطة الموضوعة لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية، فبدأ التدخل الأمريكى فى الحرب إلى الحد الذى أعلن فيه كيسنجر وقتها الاستعداد النووى الأمريكى لصالح إسرائيل، وبدأ الجسر الجوى للسلاح الأمريكى فى دعمها، ووقعت مذبحة الدبابات التى خسرت فيها مصر ما يزيد على 200 دبابة بسبب تفوق السلاح الأمريكى، وحدثت ثغرة الدفرسوار التى كان من الممكن التعامل معها، لولا الضغط الغربى على مصر لمنعها من تصفيتها، فشعر السادات أنه لو أكمل الحرب، سينقلب النصر الذى حققه عليه، كان السادات بطلاً، تحمل كل هذ الضغوط برباطة جأش وحكمة كان يفتقدها الكثير من الزعماء العرب".
وفي تعليقه على اتهام السادات فيما بعد بالخيانة من قبل الأنظمة العربية ومن بينها السعودية ، استطرد بايب قائلا :" الرئيس السادات لم يكن أبدًا خائنًا، كان رجلاً على قدر المسئولية، ومن أشجع الحكام العرب، يكفى تحمله قرار الحرب الذى لم يكن بالأمر السهل، وقرار السلام والذهاب للقدس الذى كان أصعب من قرار الحرب، وقد أخذ السادات قرار التفاوض مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر بالتنسيق الكامل مع الملك فيصل رحمه الله، تماما كما أخذ قرار الحرب معه، كان الملك فيصل يؤمن بإمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل على أن تستعيد مصر سيناء، وسوريا الجولان، وتقام دولة فلسطينية فى غزة وجزء من الضفة، كما كان يؤمن بأن الفلسطينيين قادرون بعد إقامة دولتهم على استعادة الباقى إن أرادوا، ولكن شاءت الأقدار أن يموت الملك فيصل فى العام 1975 فيكمل الرئيس السادات الطريق وحده ".
وأضاف " بعد وفاة الملك فيصل فى العام 1975، تغير الموقف فى السعودية، وشعر الرئيس السادات أنه بمفرده، فقرر إعلان مبادرته للسلام مع إسرائيل، وذهب إلى أبعد الحدود وأعلن عن زيارة القدس، وتفاعل العرب مع الموقف عاطفيا وبشكل خاطئ ، وأتذكر أن المسئولين فى المملكة سألوا السادات عن مبرراته فى هذا الموقف، فأكد لهم أن ما فعله كان متفقًا عليه مع الملك فيصل، وأن المنسق بينهما كان الشيخ كمال أدهم، رئيس مكتب الاتصالات الخارجية، وقتها بدأت تحركات صدام حسين ومعه الفلسطينيون ليظهروا السادات أمام العرب كخائن، حتى إن المملكة العربية السعودية أقالت الشيخ كمال أدهم، وقاطع العرب مصر وكان على الرئيس السادات أن يسير وحيدا فى طريق ثبت بعد كل هذه السنين صحته".
التصريحات السابقة تعتبر هامة جدا ليس لأنها فقط صادرة عن شخص كان مقربا من صناعة القرار السعودي في فترة تاريخية حرجة جدا في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي وإنما أيضا لأنها تبريء ساحة السادات من الاتهامات التي وجهها بعض العرب له بأنه ركز على استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية .
وكانت ردود الأفعال حول اتفاقية كامب ديفيد تباينت بشدة سواء مصريا أو عربيا ، فعلى الصعيد المصرى ، يرى مؤيدون للمعاهدة أنها أرجعت لمصر سيناء كاملة ، وأنهت الحرب بين مصر وإسرائيل وأنقذت مصر من ويلات الحروب و نشرت السلام في المنطقة ، في الوقت الذى لم تقدم فيه مصر تنازلات جوهرية حيث يرى بعض المحللين السياسيين أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تؤد على الإطلاق إلى تطبيع كامل في العلاقات بين مصر وإسرائيل وكانت علاقات البلدين وحتى الآن تتسم بالبرود والفتور حيث لم ينجح السفراء الإسرائيليون في القاهرة ومنذ عام 1979 في اختراق الحاجز النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي الهائل بين مصر و إسرائيل .
وفي المقابل ، يري معارضون للاتفاقية أنها وضعت شروطا على سيادة مصر على سيناء بعد عودتها إليها ، عبر فرض قيود على مدى تحرك الجيش المصرى وقواته في سيناء فقصرت مثلا استخدام المطارات الجوية التي يخليها الإسرائيليون قرب العريش وشرم الشيخ على الأغراض المدنية فقط.
كما أنها لم تقدم حلولا لمسائل كثيرة مازالت عالقة أبرزها ، قضية مدينة "أم الرشراش" المصرية والتي لاتزال تحت سيطرة إسرائيل ويطلق عليها اسم "إيلات" من قبل الإسرائيليين ورغم أن وزير الخارجية المصرى أعلن مؤخرا أنها ليست مصرية إلا أن مصريين كثيرين يعتقدون أن قرية أم الرشراش أو إيلات قد تم احتلالها من قبل إسرائيل في 10 مارس 1949 كما تشير بعض الدراسات المصرية إلى أن قرية أم الرشراش أو إيلات كانت تدعى في الماضي قرية الحجاج حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها .
وهناك أيضا مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقتل أسرى من الجيش المصرى في حرب أكتوبر وحرب يونيو 1967 بالإضافة إلى قضية الأموال المصرية المنهوبة نتيجة استخراج إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات .
أما على الصعيد العربى، فقد أثارت المعاهدة ردود فعل غاضبة جدا من قبل معظم الدول العربية خاصة وأن الشارع العربي كان في هذا الوقت لايزال تحت تأثير أفكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبد الناصر وخاصة فى العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن ولذا عقدت هذه الدول مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر عن المعاهدة كما اتخذت جامعة الدول العربية فيما بعد قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية.
وتوجه اتهامات عربية بين الفينة والأخرى بأن السادات ركز على استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية رغم أن الاتفاقية تضمنت بنودا حول القضية بالاضافة إلى أن السادات كان حريصا على مشاركة بقية دول المواجهة في المفاوضات إلا أنها رفضت .
وتستند وجهات النظر تلك إلى أن فرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس بطرس غالي في قصر الإليزيه ناصحا قبل أن توقع مصر اتفاقية السلام : "إذا لم تتمكن من الوصول إلي اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية فكن علي ثقة من أنك لن تحصل لهم علي شيء فيما بعد من الإسرائيليين" .
كما أن البعض يعتبر الاتفاقية انتهاكا لقرار الخرطوم في 1 سبتمبر 1967 والذي اتخذ بعد هزيمة يونيو واشتهر باللاءات الثلاث حيث قرر زعماء 8 دول عربية أنه لاسلام مع إسرائيل ولا اعتراف بدولة إسرائيل و لامفاوضات مع إسرائيل.
وبالإضافة إلى ماسبق ، فإن هناك من يرى أيضا أن الاتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا وضد العرب حيث تراجع التوازن العربي بفقدان العالم العربي لأكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري كما أنها تسببت في فقدان مصر دورها القيادى والمركزي في العالم العربي ما أدى إلى ظهور نزاعات حول الزعامة الإقليمية العربية حيث حاولت القيادات في العراق وسوريا تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد أسابيع قليلة كما سارع العراق للدعوة لعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 رفضت خلالها اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية و منظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم " جبهة الرفض " ، هذا في الوقت الذى عارضت فيه الإمارات الخطوات العربية ضد مصر .
وازداد التشتت في الموقف العربى بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران ضد العراق وحدث أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية فى جنوب لبنان ، وانتشر التشتت والتمزق العربى أكثر وأكثر بعد غزو العراق للكويت واحتلال العراق نفسه فيما بعد .
مصر ليست المسئولة
إلا أنه هناك في العالم العربي من يرفض أن يحمل مصر وحدها مسئولية تردى الوضع العربى لتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد ، بالنظر إلى أنها مازالت أكبر الداعمين للحقوق الفلسطينية والعربية ، كما أنه بجانب الانقسامات العربية العربية بسبب توقيع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل ، فقد اندلعت حروب أهلية فى العالم العربي أدت إلى تدمير ما تم تحقيقه من إنجازات في حربي الاستنزاف وأكتوبر وكانت الحرب الأهلية الأردنية فاتحة الحروب الأهلية عام 1970 ثم شكلت الحرب اللبنانية التي بدأت عام 1975 أعمق وأسوأ الحروب العربية الأهلية ، فقد دمرت تلك الحرب مركز لبنان الاقتصادي والسياحي وأضعفت المقاومة الفلسطينية.
ثم انتقل العالم العربي لحروب داخلية أكثر عمقا في السودان والجزائر ، ثم وقع انشقاق كبير على الصعيد العربي حول الغزو الذي قام به الرئيس العراقي السابق صدام حسين للأراضي الكويتية عام 1990 ، وبعد تحرير الكويت تعرض العراق لحصار غربي خانق انتهى باحتلال العراق في مارس 2003 ، كما تتعرض سوريا والسودان لضغوط أمريكية متزايدة ، بالاضافة إلى استمرار تردى الاوضاع في الصومال والتدخل الاثيوبى هناك .
وبجانب ما سبق ، فقد ارتبط التردى أيضا بسواد الديكتاتورية وبمنع الحريات وملاحقة المثقفين، الأمر الذي أدى إلى تكرار النكسات العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.