عاودت الأميرة هيا بنت الحسين المشاركة في مسابقات الفروسية على الساحة العربية بعد غياب طويل. واستهلت ذلك بترؤسها فريق الفروسية الأردني في الدورة الرياضية العربية التاسعة "دورة الحسين"... حيث تعدّى دورها الجانب التنافسي الى المهام التنظيمية لتخرج المسابقة بالرونق المطلوب فضلاً عن حملها العلم الأردني في حفل الافتتاح، محققة أمنية والدها الملك الراحل. الأميرة هيا الفارسة البطلة حاملة لقب الدورة العربية في دمشق 1992، هي شبه متفرغة للفروسية في ألمانيا حيث تتدرب وتشارك في المسابقات الدولية، وقد تأهلت اخيراً لدورة سيدني الاولمبية سنة 2000. "الوسط" التقت الأميرة الرياضية الحسناء خلال "دورة الحسين" وقبل مشاركتها في دورة الباسل الدولية في اللاذقية وبطولة فقرا العربية في لبنان، وحاورتها حول دورها الرياضي والشبابي والاجتماعي وتطلعاتها المستقبلية. وتدرك الاميرة هيا اهمية دورها علماً انها تنشد الهدوء والسكينة والحياة العادية. وتكشف ان تفرّغها للفروسية يكلف اموالاً كثيرة، لكن ذلك لا يأتي على حساب الشعب الأردني وشبابه "بل ان تمويل ذلك يتم من الرعاية والدعم الخاصين ومن اشخاص من خارج الأردن". وتعترف بان سعيها الدؤوب لنجاح مسابقة الفروسية في "دورة الحسين" انعكس سلباً على ادائها فيها. وفي نظرتها الى الرياضة نجد بعداً اجتماعياً، وتعاطياً لا يقتصر فقط على المنافسة والفوز والخسارة... وتطمح الأميرة الرياضية لدخول عضوية اللجنة الأولمبية الدولية عن جدارة واستحقاق. وأن تساهم مستقبلاً في تفعيل التبادل الرياضي العربي ليتطور المستوى. والأميرة هيا تعشق الكتابة وتمارس هوايات شتى، التنس والتزلج المائي والتزلج على الثلج والإبحار والتصوير والاهتمام بالحدائق، وهي تتطلع دائماً الى بناء أسس ثابتة ودائمة للصداقات... وفي ما يأتي نص الحوار الذي اجرته "الوسط" مع الأميرة الشابة. من وجهة نظر شبابية ورياضية، ما هو رأيك في دور الرياضة؟ وما هي الخطط التي ترينها ملائمة لتعزيزها؟ - أنا أعتبر الرياضة شكلاً من التسلية والتخفيف من حدة المشاكل اليومية التي يواجهها الشعب في حياته. وهي البديل المنطقي للفراغ الذي سينشأ في منطقة متقلبة فيما لو حل السلام. لقد عاش العرب حياتهم، ليس فقط لسنوات بل لقرون، في حروب لا تنتهي، وقاتلوا لا حباً بالقتال بل حباً بالبقاء. من الممكن تحقيق السلام، ولكنه لن يكون من دون تحول نفسي. وأنا أرى أن الرياضة طريقة صحية ونموذجية للحياة، وهي طريقة للاحتفال بهذه الهبة التي أنعم الله علينا بها. إن الطريقة التي أراها ملائمة لتعزيز الرياضة على المستوى الوطني وفي كل دولة من دول المنطقة هي في توفير اللقاءات الرياضية، لأن التدريب مهما كان مقداره فإنه لا يغني أي رياضي عن خبرة المنافسة بحد ذاتها. إن فعالية التنظيم والسيطرة على الجماهير، وخلافات التحكيم، جميعها من سمات العرب، وقد ظهر ذلك جلياً في دورة الألعاب العربية، ولن يحل هذه المشكلة سوى التدرب على المنافسة بروح التسامح والمحبة بين المشاركين. إن مجالك في الرياضة هو الفروسية، هل يؤثر ذلك على اهتمامك ومساهمتك في الرياضات الاخرى؟ ومن ناحية اخرى هل يؤثر اهتمامك بتعزيز الرياضة على نتائجك في الفروسية، ويقلل من وقت تدريبك؟ - أستطيع القول ان كلا الجانبين تأثر في البداية، وكان ذلك في معظمه لأن الناس داخل المؤسسات الملكية وخارجها، ينظرون إلي كأميرة وليس كرياضية. لم تكن هناك مسألة طموحاتي فقط، ولكن مسألة مساهماتي ضمن اطار تمثيلي وضمن سلسلة من الواجبات. ونتيجة لذلك شعرت بأنني مشدودة نحو اكثر من اتجاه، وغير قادرة على انجاز شيء واحد بشكل جيد او مرضٍ. إضافة الى ذلك، ان الشهرة التي صادفتني بسبب الرياضة، والتي كانت تقريباً أكثر من قدرتي على التحمل، وضعتني في موقع فرض عليّ ان احقق باستمرار مزيداً من الانجازات. وما يعتبر تجارب تعلُّم عادية للرياضيين الآخرين، كان في حالتي يعتبر فشلاً من قبلي، ومن قبل الآخرين. لقد تطلب ذلك مني الكثير فاختفيت من الحياة العامة بإرادتي، وقررت ان أتعلم التعامل مع الضغوط، أو أن أختار ببساطة ألا أفعل شيئاً. ومع ذلك فأنا لست استسلامية. فقد عملت بجد لخمسة أعوام، لأتمكن من صياغة مستقبلي الرياضي، وقمت بذلك لأصل الى وضع جعلني في النهاية أتحمل مسؤولية أدائي. كذلك بذلت جهداً لتثقيف نفسي بما يتعلق بالمتطلبات المحددة للرياضي. وكان أحد أصعب الأشياء التي كان علي أن أتعلمها، هو أن أستطيع قول "لا". بعد خمسة أعوام من التعلم، أنا جاهزة وأشعر بالسلام مع نفسي في ما يتعلق بقدرتي على مواجهة أي قدر من الضغط، وليس علي أن أقوم بأي شيء على حساب شيء آخر شرط أن أخطط وأدير وقتي بشكل مناسب. أنا قوية بما فيه الكفاية لأتحمل المسؤولية وأفي بواجباتي كلها على أفضل وجه، ويشعرني بالأمان ادراكي أن أقسى حكم على سلوكي وحياتي هو الصادر عني. ما هي طموحاتك في هذا المجال؟ - أتمنى، إذا وفّقني الله، أن أكون رياضية أولمبية، وأن أتنافس في بطولة العالم، وأن أفوز. ليس فقط على المنصة، ولكن أيضاً كإنسان في توجهاتي وسلوكي. أنا شخصية سياسية. وكان هذا تخصصي في الدراسة، وهو اهتمامي، وأكبر دور سياسي يمكنني أن أقوم به بواقعية، هو أن أكون عضواً نشطاً في اللجنة الأولمبية الدولية، وآمل أن أحظى بهذه الفرصة. لكنني سأتألم لو شعرت بأنني وصلت الى هذا المكان بسبب لقبي، ولذلك سأفعل ما بوسعي لكسب هذا الشرف. يندر ان نرى رياضيات يخصصن وقتهن بكامله للرياضة في العالم العربي. بسبب ظروف اجتماعية راسخة. فإلى متى ستثابرين على ذلك؟ - أنت على حق. فمن النادر ان تجد رياضية في هذه المنطقة من العالم متفرغة للرياضة، بسبب المجتمع. في حالتي كنت محظوظة. ولكن أنا أيضاً كان علي أن أناضل لأجل ذلك الحق، وقدمت العديد من التضحيات، وتسببت بالأذى للكثيرين خلال جهودي. أنا أدرك ذلك وآسف له. ولكني لا أعتقد أنني كنت على خطأ حين لم أقدم تنازلات، فلكي تكون محترفاً، لا يمكنك التنازل. أنا أشكر الله أن والدي وشقيقي علي منحاني الشجاعة والقوة لأتحمل الكثير من الرفض، وأن أستمر في مساري. وأنا أشكر الله كذلك لأن أخي الملك عبدالله والملكة رانيا وأشقائي وشقيقاتي دفعوني للاستمرار بعد وفاة والدي، ولولا ذلك لتركت هذا الحلم المشترك يموت معه. لا أعرف الى متى سأستمر في وضعي المهني. الوقت هو أساس الحياة، وعندما يحين الوقت آمل ان أكون حكيمة بما فيه الكفاية لأدرك ذلك. هناك شيء مؤكد، أنا واقعية وأعي تماماً متطلبات رياضتي على المستوى العالمي، وفي اللحظة التي أشعر فيها بأنني غير قادرة على الإيفاء بهذه المتطلبات، سأتخلّى بسرور عن شرف تمثيل بلادي. ما هي الخطط الرئيسية التي تعتبرينها مهمة لتعزيز الرياضة النسائية، مع الاخذ بعين الاعتبار تراثنا وتقاليدنا؟ - ليس هناك ضرورة لنتجاوز تراثنا وتقاليدنا حين ندعم الرياضة النسائية. والأمر غير الواضح بحد ذاته هو سبب إنكار حق الإناث في مجتمعنا. ان المبادرة يجب ان تأتي من الذكور بالدرجة الأولى. ومن جهتي سأستمر في القيام بدوري على أكمل وجه. ما هي انطباعاتك عن الدورة الرياضية العربية التي استضافها الأردن أخيراً؟ - لقد كانت الدورة الرياضية العربية على قائمة اولويات الملك عبدالله الثاني، بعد وفاة والدي. وتولى شقيقي الأمير فيصل رئاسة اللجنة المنظمة، وترأس شقيقي الأمير علي اتحاد كرة القدم. وبالنظر الى التسهيلات المقدمة والجهد المبذول، فقد أصبحت على علم بأن كل العاملين يبذلون أقصى جهدهم، وأنه لو تسنى لوالدي أن يكون موجوداً لكان فخوراً بهم. وكما ذكرت سابقاً، فإن عنصر الوقت يعني أن التسهيلات كانت جاهزة، إلا أنها لم تستخدم قبل بدء الدورة. ولعل أكثر الجوانب سلبية وإزعاجاً لي في الألعاب تتلخص في العداء بين الجماهير في بعض منافسات الفرق. وبالاخص كرة القدم وكرة السلة. وعلى الرغم أن هذه ليست ظاهرة، فهذا يعتبر مميزاً لألعابنا، إلا أنه من العسير علي أن أفهم المنطق الذي يكمن وراء أناس يعبرون عن سعادتهم بعد تسجيل أحد الأهداف، عن طريق قذف الزجاجات الفارغة على أناس آخرين. وقد شعرت بالخجل عندما قام بعض الحشود بإبداء عدم الترحيب بالطرف الآخر، وانتابني الغضب والحنق عندما قام البعض بالشغب. لا يوجد مباريات من دون أخطاء، ولكن بشكل عام الدورة العربية تعتبر ناجحة. إلى أي مدى تعتقدين بأن دعم أفراد العائلة المالكة المجالات الرياضية والاجتماعية يفيد هذه المجالات في الأردن؟ - في المجال الاجتماعي، تعتبر رعاية العائلة المالكة لا غنى عنها، لأنها تمنح كل الدعم. فعلى سبيل المثال، لم تبحث الملكة رانيا عن الشهرة والصيت خارج الأردن، ولكنها قامت بزيارات في المملكة، وقامت بتعريف نفسها على المواطنين والاطلاع على مشاكلهم من دون شكليات، حيث جلست في خيامهم ومنازلهم ومكاتبهم. كما حاولت تقديم المساعدة لكل حالة، وإنها لم تجن شيئاً من ذلك سوى التمتع بمساعدة الآخرين. وليست هناك مكافأة على العمل الاجتماعي او قوانين لجعل المواطنين سعداء، انه امر يتمثل في اعطاء شيء يعتبر جزءاً من نفسك وقلبك وروحك، وهذا يعتبر واجباً. ولكن عندما تتحدث عن تلك الطاقة على الصعيد المحلي، فإن الشخص الذي يرغب في القيام بذلك العمل، لا يقوم بالدعاية لنفسه. لقد قام والدنا بتربيتنا لنفهم بأننا نقوم بخدمة مواطنينا وليس هم الذي يقومون بخدمتنا. اما الرياضة فتعتبر مجالاً مختلفاً، لانها معقدة جداً. وتلعب العائلة المالكة دوراً ايجابياً كراعية وداعمة لهذا القطاع. ويعتبر كونها داعمة ومعنية بنجاح الفرق الاردنية مصدر فخر. أعتقد أن كرة القدم بحاجة الى أحد أعضاء العائلة - الملك عبدالله في السابق وعلي الآن - لإحداث التوازن، حيث يتوجب ان يكون هناك شخص قوي للغاية، وقادر على التعامل مع النوادي الوطنية وقضاياها. وتعتبر كرة القدم لعبة وطنية متجذرة. وبالنسبة للرياضات الاخرى التي تحتاج الى دعم، وتتطلب انتقادات بنّاءة لتتطور، يجب ان يكون لديها اعضاء من العائلة المالكة بصفة فخرية، كرؤساء للاتحادات. وأعتقد ان هذا النهج ضروري لتحقيق النجاح. ما هي اهتماماتك بعيداً عن الرياضة، في القطاعين الشبابي والاجتماعي خصوصاً؟ - أنا مهتمة بدعم من يعانون ضعفاً في السمع والنطق، وهو مجال ورثته من خلال العمل الشاق لوالدتي رحمها الله الملكة علياء. ومثابرة جدتي العزيزة حنان طوقان. لقد تعلمت إشارات اللغة العربية والإنكليزية، وبالرغم من أنني بطيئة قليلاً إلا أنني أستمتع بأن أكون جزءاً من عائلة تتكلم بالإشارات. وأنا أستمتع كثيراً عند مشاهدة الناس يتوافدون الى مؤسسة الملكة علياء وهم غير قادرين على السمع، ويخرجون بهبة السمع او النطق. وأحب عملي في قطاع تنمية الطفل، من خلال مركزها الثقافي، وهو أيضاً مؤسسة أوجدتها والدتي رحمها الله. أنا أستمتع وأؤمن بتوفير الفرص، لأن القليل من الأطفال في منطقتنا يعيشون طفولة حقيقية. وأنا أحب كل جانب بسيط في العمل مع الأطفال. واحدة من مشاركاتي المفضلة، هي رئاستي الفخرية لاتحاد النقل والميكانيك في الأردن، فقد أتاحوا لي الفرصة للمشاركة في صفوفهم عندما حصلت على رخصة قيادة المركبات الثقيلة والشاحنات، التي رغبت بحملها من اجل التمكن من نقل خيولي. وانا ممتنة للعاملين في اتحاد النقل والميكانيك لدعمهم المتواضع، فقد عاملوني مثل أخت أو ابنة بعيداً عن الرسميات. وأنا أحب الاستماع لقصص مشاكلهم على الحدود، وساعات القيادة، وماذا يسمعون ويرون. وهنالك العديد من الطرق لتحسين حياتهم، ولذلك وجدت العمل محفزاً ويشكل تحدياً بالنسبة لي. والمؤسسة الخيرية الأخرى التي تشرفت بالعمل معها، هي مؤسسة الرياضة والتضامن، ومقرها روما، وقد أُنشئت هذه المؤسسة لجمع الاموال من خلال الرياضة والأحداث الرياضية، ومنحها لمناطق الأزمات ومساعدات الطوارئ. ومن خلال اهتمامي بالقطاع الطبي والمستشفيات، أشعر بالرضا عند تقديم أية مساعدة في هذا المجال، وغالباً عن طريق البحث والاستماع ورفع التقارير للسلطات العليا. كما أحب التجول من دون إعلان ومن دون رسميات. فقد توفيت أمي وهي تقوم بزيارة الى إحد المستشفيات، وأنا مدينة لها بإكمال عملها بأية طريقة كانت. كيف تقضين وقتك في ألمانيا؟ - إن حياتي في ألمانيا شبيهة بحياتي هنا. وفي الواقع لدي حرية أكبر للقيام بنشاطات في مجتمعنا أكثر مما هو الحال في أوروبا، حيث الصحافة الأجنبية هناك تراقب كل خطوة أقوم بها. وأحاول دائماً التأكد من أن ما أقوم به، أو أنوي القيام به لن يُساء فهمه. وبالنتيجة، أصبح وقتي أكثر ضيقاً. وفي الواقع أقوم بامتطاء الخيول والتدرب، أو خوض المنافسة. وفي المساء أقضي وقتي في المنزل، وأقوم بالأعمال المكتبية، وخصوصاً المشاريع المتعلقة بترويج السياحة في الأردن بالتعاون مع سفارتنا. وبعد ذلك أستغرق في النوم كل ليلة. وليس لدي أصدقاء كثيرون هناك. وهناك شخص واحد أو شخصان أثق بهما حقاً