محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكويتيون يودعون انتخابات الرجال وسيف النساء مسلط على البرلمان المقبل
نشر في الحياة يوم 12 - 07 - 1999

تفيد دراسات صادرة عن البنك الدولي وبعض المنظمات المهتمة بالتجارب الديموقراطية في العالم ان انطلاق هذه التجارب يفترض حداً أدنى من الدخل الفردي لا يقل عن ألف وخمسمئة دولار في السنة، وبعض الدراسات يرفع الرقم إلى ألفي دولار، معتبراً أن تدني مستوى المعيشة هو عائق جدي أمام تطور الديموقراطية واستقرارها في الدول المعنية بهذا الخيار السياسي.
إذا اعتمدنا هذا المقياس وحده في النظر إلى الممارسة الديموقراطية في الكويت، فإن ذلك يجب أن يقود إلى استنتاج مفاده ان هذا البلد يشهد أقصى درجات الديموقراطية، أو هو مهيأ لبلوغها، باعتبار ان الدخل الفردي فيه يقدر بعشر مرات أكثر من الرقم الوارد في الدراسات المذكورة، ناهيك عن ان القاعدة السكانية محصورة حوالي 800 ألف نسمة بالقياس إلى ثروة البلد الطائلة، ما يعني ان الكويت لديها فرصة لأن تشكل مثالاً أقرب إلى إمارة لوكسمبورغ منها إلى دولة مالي. لكن الأمور أكثر تعقيداً في الكويت مما يظن الدارسون، والديموقراطية نسق سياسي عام وغني إلى حد يستدعي الحذر الشديد ازاء هذا النوع من القياسات والتعميمات.
لكن ارتفاع مستوى الدخل الفردي في الكويت، كان حاضراً بقوة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فبعض المرشحين استأجر رافعات ضخمة لتعليق يافطات وصور، والبعض الآخر استعان بسيارة صغيرة لنقل الناخبين الطاعنين في السن والمقعدين إلى أقلام الاقتراع، والبعض الثالث استأجر "كرافانات" مبردة لكي يحمي ناخبيه من حرارة الشمس المرتفعة إلى أكثر من 48 درجة مئوية يوم الاقتراع، والبعض الرابع لجأ إلى خراطيم المياه لرش الناخبين بماء معطر. أما ثمن الصوت الواحد فوصل في إحدى الدوائر، قبل ساعات من إقفال الصناديق، إلى أكثر من ألفي دينار كويتي حوالي 6500 دولار، في حين ان ثمن الصوت المماثل في لبنان مثلاً لا يتعدى 200 دولار. وهذا الرقم قد لا يرضى به الابن الأصغر لأحد المرتشين في الكويت، علماً بأن الرشوة ظاهرة تناولها المرشحون علناً وتحدثت عنها وسائل الاعلام ونقلتها الصحف المحلية من دون أن يعني ذلك أنها ظاهرة عامة تطول كل الناخبين.
ولئن كان ارتفاع مستوى الدخل الفردي حاضراً بقوة في المظاهر الانتخابية، فهو لا يختصر الممارسة الديموقراطية في الكويت، فالمقاييس الأخلاقية والعاطفية الرادعة كانت هي الأخرى حاضرة أيضاً ولم تخل من أية دعوة انتخابية لمعظم المرشحين الذين حذروا من "مجلس يضم البصامين أو نواب الخدمات". وطالب عبدالله النيباري أحد أركان "المنبر الديموقراطي" ومرشح "دائرة عبدالله السالم" الراقية بنواب لا يخشون "العين الحمراء" لهذا الوزير أو ذاك، ومثله فعل أحمد السعدون المقيم في "الخالدية" الراقية وأيضاً أحمد الربعي وسامي المنيس ومخلد العازمي ومبارك الدويلة وحسين القلاف... الخ.
تبادل الدعم
وإذا كان الناخب الكويتي قد أنصت جزئياً لهؤلاء وحمل إلى مجلس الأمة نواباً لا يعبأون بالشرر المتطاير من عيون بعض وزراء الحكومة المقبلة، فإنه حمل أيضاً إلى البرلمان نواب خدمات وأحياناً بدعم من الشخصيات نفسها التي تحذّر من الوقوع في حبائل الحكومة. فالسيد أحمد السعدون، الذي يعمل في مجال العقارات، لم يتردد في دعم النائب مبارك الخرينج في ندوة انتخابية، وهو يعمل في المجال العقاري أيضاً، ولكنه يوفر الدعم للسعدون في الوصول إلى رئاسة مجلس الأمة.
والراهن ان تبادل الدعم الانتخابي العابر للتيارات ليس قاصراً على السعدون والخرينج. فتيار "حزب الله" لم يتردد في دعم الليبراليين في إحدى الدوائر ولم يتردد الليبراليون في دعم بعض المرشحين القبليين، ولم تنظر السلطة بعين الغضب لنجاح مرشحين معارضين يوحي كلامهم في المناسبات العامة أن "الثورة" ستقع خلال 24 ساعة. ما يعني أن مجلس الأمة المنتخب هو مجلس تغلب صفته الأهلية على التقاسيم السياسية التي تخترق صفوفه، ولربما كان بعض التصنيفات السوسيولوجية أكثر قدرة على وصف تركيبة المجلس من التصنيفات الايديولوجية أو السياسية. فالنواب المنتخبون ينقسمون مناصفة بين ذوي الاصول الحضرية وذوي الاصول البدوية، وإحدى القبائل تمكنت من الفوز بتسعة مقاعد، لكن الحضر ينقسمون بدورهم الى نخب ورجال اعمال، والبدو ينقسمون إلى "عرب شمال" و"عرب جنوب"، وفي المحصلة ينهض المجلس الجديد كما المجالس السابقة على قواعد مركبة ومتداخلة يتميز بها المجتمع السياسي الكويتي وتتميز بها الديموقراطية الكويتية المحكومة بدستور تعتبره الدولة، تنازلاً من سلطاتها للمجتمع السياسي، وهذا التنازل المحدد بدقة هو الذي يحكم العلاقة بين البرلمان والحكومة ويخضع للتداول. ولكن "التنازل" نفسه ينطوي على عموميات تتيح للحكومة إصدار "مراسيم للضرورة" تحمل صفة القانون، وتتيح للمجلس طرح الثقة ببعض الوزراء وليس برئيس الحكومة وولي العهد في الآن معاً، لأن العهد غير قابل للتداول وبالنص الدستوري نفسه، الأمر الذي يحمل النواب على المطالبة بفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، لكن هذه المطالبة تحال دائماً إلى المفكرة الاغريقية لأنها تطال محظوراً كويتياً لا ترغب الدولة في التفريط به.
إلا أن قضية الارتباط بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة، ليست أم القضايا التي ستدرج في جدول العلاقة بين الحكومة والبرلمان، على رغم كونها المصدر الأساسي وربما الأول في نظرة بعض المعارضين للاصلاح المطلوب في النظام السياسي الكويتي. وعندما نقول إنها ليست "أم القضايا" فهذا القول يستند إلى تصريح شهير لأمير الكويت الشيخ جابر الأحمد قبل سنتين، أكد فيه ان هذا الموضوع يدخل في نطاق صلاحياته وأن على البرلمان أن يلتزم الدستور الذي يحدد صلاحيات الجميع، وبالتالي ليس من حقه العمل في إطار صلاحياته وصلاحيات غيره في الآن معاً.
أم القضايا
ولعل استبعاد "أم القضايا" من التداول البرلماني لن يحرم النواب من التداول في "القضايا" التي تشغل الكويتيين والتي تعتبر بنظرهم ملحة لا تتحمل التأجيل، ويرجح ان تشكل عناصر مواجهة ساخنة بين البرلمان والحكومة المقبلة التي شكلها ولي العهد، ومن بين القضايا المطروحة قضية الاسكان.
ولا بد من القول بداية إن الحديث عن أزمة السكن تجمع عليه المعارضة والموالاة في آن معاً. فوزير الاعلام في الحكومة المستقيلة يوسف السميط أكد ل"الوسط" أن البلاد تعاني من مشكلة عويصة في هذا المجال، وأن هناك 54 ألف طلب اسكاني متراكمة وان الدولة لا يمكن ان تبني أكثر من 4 آلاف مسكن في العام الواحد، ما يعني أن الطلبات مرشحة للتراكم ما يطيل أمد الانتظار إلى أكثر من عشر سنوات للحصول على منزل، ويرى الوزير ان طالبي السكن يرغبون جميعاً في الإقامة في منطقة واحدة، وان ذلك غير ممكن بسبب النقص المتزايد في الأراضي والمناطق الجذابة.
واعتبر السميط أن حل هذه المشكلة لا يمكن ان يتم إلا عن طريق القطاع الخاص، وأن الدولة خصصت 25 في المئة من أرباح الصندوق الكويتي للتنمية لحل الأزمة السكنية أو هي على الأقل عازمة على اعتماد هذا الخيار وحمل الوزير على مفهوم الرعاية المعمول به في الكويت.
قبل الحديث عن موقف المعارضة من هذه الأزمة لا بد من الاشارة إلى أن الدستور الكويتي يقر حق السكن لكل مواطن ويضمنه، لذا يستفيد الكويتي المتزوج من كويتية فور زواجه من 4 آلاف دينار حوالي 15 ألف دولار لتأثيث منزل ودفع تكاليف الزواج، ونصف المبلغ يعتبر هدية والنصف الآخر يسدد على أقساط شهرية مقدارها 20 ديناراً. كما ينال الكويتي المتزوج قرضاً قيمته 70 ألف دينار حوالي 230 ألف دولار لشراء منزل أو ينتظر فتبني له الدولة فيلا مساحتها 400 متر مربع، وفي حال امتناعه عن الإفادة من هذا القرض يمكن له أن يستفيد من إعانة سكنية متوسطها 150 ديناراً شهرياً حوالي 500 دولار.
لا يوافق المعارضون كلهم على وصف الحكومة لهذه الأزمة، فالكاتب عبداللطيف سيف العتيقي يتحدث عن 65 ألف طلب سكنى بدلاً من 54 ألفاً، ويؤكد وجود الأراضي الصالحة للسكن، خصوصاً في "... حديقة الصداقة والسلام في منطقة الشويخ السكنية حيث يمكن حل 25 في المئة من طلبات الاسكان، لكن الدولة تريد أن تبني داراً للأوبرا والباليه، فكأن الشعب الكويتي يعاني من أزمة رقص وليس من أزمة سكنية".
ولا يتطرق المعارضون إلى هذه الأزمة دائماً بروح الدعابة، فبعضهم يؤكد أن الأزمة مفتعلة في جانب منها، فقسم كبير من أبناء القبائل الذين منحتهم الدولة مساكن وفيلات لا يسكنون فيها، وإنما يؤجرونها، فهم عبر تداخلهم وعلاقات القرابة التي تجمعهم مع فروع قبائلهم في الدول المجاورة استطاعوا الحصول على جنسية دولة مجاورة، إضافة إلى الجنسية الكويتية، مثال ذلك أن فلاناً اسمه وليد...، وهو كويتي بهذا الاسم ويحمل جنسية أخرى، فيستفيد من مشروع سكني في الكويت وفي الدولة الأخرى، ويؤجر هنا ويسكن هناك. ويرى المصدر الذي تحدث عن هذا المثال ان هذا الجانب يمثل أكثر من 30 في المئة من المشاريع السكنية، وان الدولة لا تضبط هذه الظاهرة وتتهاون مع أفراد القبائل المنتفعين بها.
في المقابل يرى مصدر مقرب من الحكومة ان المعارضين يبالغون في حديثهم عن هذه الظاهرة وان الدولة لا تتهاون مع أحد، وان القضاء مستعد للنظر في هذا الموضوع إذا ما توافرت عناصر الشكوى.
ويشير المصدر نفسه إلى أن عدداً من أبناء العائلة الحاكمة لا يملكون منازل ويقطنون في منازل مستأجرة، في إشارة إلى أن الأزمة السكنية تطال الجميع.
وأغلب الظن ان ايكال حال الأزمة السكنية إلى القطاع الخاص يمكن ان يلهب النقاش في البرلمان ويؤدي إلى جدل ساخن بين الحكومة والمعارضة البرلمانية، لأن بعض المعارضين ما انفك يحذر من الخصخصة ويعتبر أنها تهدد مصير الكويتيين المرتبطين بالمؤسسات المرشحة للبيع للقطاع الخاص، ويحذر من استبدال الكويتيين بأيد عاملة وافدة ورخيصة، وقد تكون الخصخصة الموضوع الساخن الثاني في المواجهة بين الحكومة ومجلس الأمة.
توسيع اقتصاد السوق
والراجح أن الحكومة ستختار توسيع اقتصاد السوق ليشمل المجالات التي تعاني من أزمات بسبب إدارة القطاع العام لها، وذلك على رغم الكلفة الاجتماعية للخصخصة. فالحكومات في الكويت، حسب النائب مبارك صنيدح العجمي 18 حكومة حتى الآن اعتمدت في تشكيلها الوزاري على اختيار 43 في المئة من الوزراء الذين ينتمون إلى العائلات التجارية و25 في المئة إلى الأسرة الحاكمة. ما يعني ان توسيع اقتصاد السوق، خصوصاً في الظروف الحالية، هو أقرب إلى مزاج الحكومة وتركيبتها من نظام الرعاية والضمانات الاجتماعية، وما يصعب تقديره هو كيفية معارضة الليبراليين لتوسيع اقتصاد السوق الليبرالي، وما يصعب على التوقع أيضاً هو كيفية النواب الإسلاميين وقدرتهم على التدخل لضبط آثار توسيع اقتصاد السوق وحماية الفئات التي تتضرر من توسيعه. ونشير إلى أن طروحات بعض النواب الحاليين خلال حملاتهم الانتخابية كانت من النوع المحافظ، فأحدهم تساءل عن معنى أن تسمح الكويت للشركات النفطية الاجنبية بالتنقيب في البلاد ولا تتولى الشركة الوطنية هذه المهمة وهي التي تنقب في بلدان أخرى. مما لا شك فيه ان مثل هذا الطرح المحافظ يحتاج إلى قوى اجتماعية تدافع عنه وإلى كتلة برلمانية قوية وموسعة ولا شيء يشير إلى ذلك في ضوء المعطيات المتوافرة.
ومن بين القضايا المرشحة للتفاعل بين الحكومة والبرلمان قضية المديونية التي يصفها شاعر شعبي عامي في "القبس" بأبيات ساخرة:
"... دينار في "نيويورك" يُشرى وينباع
ودينار جثمانه يُشيع بمدريد.
الشعب ما يدري أسرار الأوضاع
مديون والمديون حاله تناكيد".
وهذه المديونية التي لم يحصرها أحد بعد في رقم بعينه أو بتقديرات قريبة من واقع الحال، ناتجة أصلاً عن سوء إدارة "سوق المناخ" في الثمانينات وقضية "سانتافي" في اسبانيا، كما أنها ناتجة عن الحرب العراقية - الإيرانية وحرب الكويت واضطرار الحكومة لتطبيق القانون الرقم 25 من الدستور وينص على تعويض المواطنين عن الأضرار الناتجة عن الكوارث والأزمات والحروب. وهنا أيضاً تختلف وسائل المعالجة بين الحكم والمعارضة، فالحكم ميال إلى اعتماد نظام ضريبي وخدمات مدفوعة، والمعارضة تميل إلى المطالبة بحصر الضرائب بالشركات ورؤوس الأموال الكبيرة.
ولعل توسيع اقتصاد السوق وتفاعل مشكلة المديونية واعتماد المزيد من الخصخصة والترخيص للشركات الأجنبية برساميل كاملة 100 في المئة، سيترافق مع مشكلة بطالة متزايدة قد لا تكون خطيرة كما هي الحال في البلدان الصناعية، لكنها مثيرة للقلق بالقياسات الكويتية. فقد أكد ل"الوسط" مصدر موثوق أن كويتيين عاطلين عن العمل يمارسون السرقة ويتعاطون المخدرات ويرتكبون أعمالاً مخلة بالقوانين. ويرى أن هذه الظاهرة جديدة على الكويت، ويؤكد ان خريجي الجامعة في الكويت ينتظرون أكثر من سنة ونصف سنة للحصول على وظيفة، وان الجامعة لا تخرج طلاباً يحتاجهم سوق العمل. ويطالب الدكتور أحمد الخطيب بافتتاح جامعة أهلية بدلاً من "جامعة الجهل"، على حد تعبيره، غير أن الدولة في هذه المسألة تلتزم جانب التحفظ وليست متحمسة لخصخصة التعليم، الأمر الذي يوحي باندلاع توتر بين الطرفين حول هذا الموضوع المتفجر أيضاً.
وتكاد القضايا الخلافية المتفجرة تشمل كل شيء تقريباً من الأمن الداخلي إلى الأمن الخارجي إلى قضية المدفع الأميركي وزيادة رواتب المتقاعدين وإشهار الأحزاب السياسية والمراسيم التي أصدرتها الحكومة خلال الفترة الفاصلة بين حل البرلمان الماضي وانتخاب البرلمان الحالي، وقضية الجمعيات التي شكلها الإسلاميون وتولت جمع التبرعات لهم بصورة يعتبرها الليبراليون غير قانونية، ناهيك عن المرسوم الأميري بمنح المرأة حق التصويت والاقتراع في العام 2003.
وقد يكون المرسوم الأخير سبباً في توتير العلاقة بين الإسلاميين والحكومة. فالنائب حسين القلاف يرى أن الحكم أصدر هذا القانون ليكون فخاً منصوباً لمجلس الأمة المنتخب. معروف ان هذه القضية تثير حساسية أكثر من طرف إسلامي وغير إسلامي، وهي وإن كانت ترضي الحداثيين، فإنها تتناقض مع مزاج وعادات بعض الفئات التقليدية، ويذكر مرشح فاشل للانتخابات في لقاء مع "الوسط" ان بعض العائلات التقليدية كانت تنتقل من مكان إلى آخر هرباً من ادخال بناتها في المدارس، فما بالك باعطاء المرأة حق الاقتراع والترشيح. ويرى إسلاميون أن الشريعة صريحة في هذا المجال، وهي بالتالي لا تساوي المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات.
وإذا كان من الصعب التراجع عن هذه القضية، فإن كثيرين من أعضاء مجلس الأمة لا ينظرون إليها باعصاب باردة، فهم يخشون ان يؤدي إشراك المرأة في الاقتراع إلى تعديل كبير في التوازنات الانتخابية وبالتالي تزايد أحجام المقترعين وعدم القدرة على ضبطهم من جهة، ومن جهة أخرى التزام التقليديين بالاعراف وبالشريعة وحرمان نسائهم من الاقتراع مع المغامرة بخسارة أصوات ثمينة لقاء أصوات إضافية لخصومهم.
لكن الدولة لا تنظر إلى قضية المرأة من باب نصب الأفخاخ، وأكد مصدر رسمي ل"الوسط" أن الديموقراطية لا تستوي مع حرمان المرأة من المشاركة في الحياة البرلمانية، وكشف عن نية الحكومة لتعيين نساء في المجلس البلدي في الكويت، ولم يستبعد احتمال تعيين امرأة في منصب وزاري سواء في هذه الحكومة أو في حكومة أخرى.
وعلى رغم استبعاد سوء النية في حديث المسؤولين عن مرسوم "المرأة"، فإن مشاركتها في الاقتراع والانتخاب تتيح للحكومة هامشاً كبيراً للضغط على مجلس النواب وإشاعة الخوف من حله مبكراً، لأن مثل هذا الخيار من شأنه أن يعيد خلط الأوراق الانتخابية وتهديد عدد من المرشحين الأقطاب. خلاصة القول إن العلاقة بين البرلمان والحكومة المقبلة لا تعوزها القضايا الخطرة والمتفجرة. والسؤال الذي يطرحه كثيرون هو إلى أي مدى يمكن أن يتمكن الطرفان من السيطرة على النقاش في هذه القضايا وحصره في الجدل الهادئ البعيد عن الإثارة والاتهامات والكلام العنيف؟ وهل يحول مجلس الأمة دون انفجار هذه القضايا في كنفه فيتيح للحكومة فرصاً أوسع للتدخل وتسجيل الأهداف؟
هذا النوع من الأسئلة يستأثر باهتمام خاص، فالوزير السميط يقول إن المجلس الحالي هو الأكثر أهلية لصيانة الاستقرار في الكويت ويدشن مرحلة جديدة في العلاقة بين السلطة والبرلمان. ويقول مسؤول حكومي آخر ان قوة البرلمان ستأخذها الدولة في الاعتبار لكنها لن تقبل أي نوع من أنواع الابتزاز. ويرى المسؤول نفسه ان حل البرلمان مرة جديدة ليس في مصلحة البرلمانيين المنتخبين وقد لا يكون من مصلحة الكويت عموماً. وعبر عن أمله بألا تدفع المعارضة الحكم إلى هذا الخيار.
من جهتهم، يرى عدد من البرلمانيين ان النواب سيلعبون دورهم كاملاً في التشريع، وأنهم لم ينتخبوا كي يشرعوا وفق رغبات الحكومة، وإنما حسب رغبات وتطلعات ناخبيهم، وأن القضايا المتراكمة في الكويت تحتاج إلى حلول عاجلة وجدية ولا تتحمل "تبويس الخشوم"، ما يعني أن مستقبل العلاقة بين الطرفين سيكون أقرب إلى العلاقة بين البرلمان السابق والحكومة المستقيلة، وان الوزراء قد يتضامنون في إحدى المراحل في استقالة جماعية، الأمر الذي يقود إلى حل البرلمان، إلا إذا تدخلت السلطات العليا ووضعت حداً لهذا الايقاع الذي لا يمكن اعتباره، وبكل المقاييس، مفيداً للتجربة الديموقراطية في هذا البلد التي تدور حول قضايا المعيشة في حدها الأعلى وليس في حدها الأدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.