بعد صراع و مد و جزر حول حقوق المرأة السياسية في الكويت، إستطاعت المرأة الكويتية أن تحقق حلماً قديماً إستمر أربعة عقود من المطالبة بحقوقها السياسية. خلال تلك الفترة الطويلة بقيت الحقوق والمشاركة السياسية حكراً على الرجال ممن هم فوق 21 عاماً ومواطنين بالتأسيس، إلى أن سمح للمتجنسين"الذكور"الذين مضى على تجنيسهم أكثر من 20 عاماً بالمشاركة بالإقتراع من دون الترشيح. قدمت أسباب و مبررات عديدة لمنع المرأة من المشاركة السياسية، بعضها ديني و بعضها الآخر عادات و تقاليد و تبرير ثالث بأن المرأة غير قادرة أو راغبة أو ملمة بالشأن السياسي حتى تشارك بالعملية السياسية. تحالفت ثلاثة قوى مهمة في المجتمع السياسي الكويتي لحرمان المرأة من حقوقها في المشاركة السياسية. وهي: الحكومة الكويتية التي لم تكن المبادرة إلى تقديم مشاريع القوانين لتمكين المرأة، ولم تكن متحمسة للمشاركة السياسية منذ قيام مجلس الأمة عام 1963 وحتى زمن قريب. والتيار الإسلامي المعارض للمشاركة السياسية على أساس الشريعة الإسلامية والولاية العامة، وخصوصية المجتمع الكويتي و عدم صلاحية المرأة للتشريع أو حتى تختلط مع الرجال. وتحالف التيار الإسلامي الذي إنقسم فيما بعد بين مؤيدين لمشاركة المرأة في المجلس البلدي، التقني وحتى التصويت في الإنتخابات البرلمانية لمجلس الأمة، من دون الترشيح للبرلمان لأنه ولاية عامة وهذا محرم شرعاً فتحالف الإسلاميون مع التيار القبلي الذي خرج منه العديد من النواب الإسلاميين، و تحالف الإسلاميون مع القبليين المحافظين وسط عدم حماس حكومي، لتدفع المرأة الكويتية ثمن هذا التحالف الثالوثي. يضاف إلى ذلك، تذبذب وعدم ثبات وفقدان المصداقية والدعم الجماهيري النسوي حتى وسط المجتمع النسوي الكويتي. اذ بدت حركات الجمعيات النسوية متعثرة ومترددة، خجولة وموسمية، رئاستها وعضواتها من النساء الليبراليات الكويتيات، اللاتي لم ينجحن في تحقيق مصداقية و إنتشار لكسب شرعية في أوساط النساء الكويتيات. لذلك بقيت الحركة النسوية الكويتية هامشية محدودة لم تنجح في تحقيق إختراق أو حتى قبول لدى نساء الكويت، لأنها جمعيات نخبوية لا تجد المرأة الكويتية أية رابط أو صلة معها، ناهيك عن عدم قدرة تلك الجمعيات على التصدي لمشاكل المرأة الكويتية وهمومها، ولم تكن المشاركة السياسية أبرز تلك الهموم بمقدار ما كان التوظيف و رعاية الأرامل والمطلقات، والمتزوجات من غير كويتيين ومعاناتهن في الحصول على السكن والتعليم والتوظيف لهن ولأطفالهن، وحتى بكفالة أولادهن للبقاء في الكويت. غابت القضايا المحورية، ولم تجد نساء الكويت ضالتهن في تلك الجمعيات التي ما لبثت ان تحولت إلى سبب اضافي من أسباب حرمان المرأة الكويتية من المشاركة السياسية. صدرت تأكيدات عن رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بأن إقرار حقوق المرأة السياسية تحقق لا بسبب الضغوط الخارجية بل برغبة من الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح. اذ كان الامير أبدى رغبته في العام 1999 بتمكين المرأة سياسياً لكن تلك الرغبة هزمت في مجلس الأمة عبر تصويت المجلس مرتين في نهاية عام 1999 وبفارق ضئيل. لكن لا يمكننا أن نفهم حماس الحكومة من دون أن نضعه في سياقه العام من هجمة الديموقراطية والإصلاح التي تقودها واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، من إنتخابات العراق والسلطة الفلسطينية إلى ثورة الأرز والسيادة و إخراج السوريين في لبنان، مروراً بالإنتخابات البلدية في السعودية، وتعديل الدستور المصري ليسمح بتعددية للمرشحين للرئاسة في مصر، وصولاً إلى إقرار الحقوق السياسية للمرأة الكويتية. قد تكون تلك الخطوات محدودة، و لا تشكل ظاهرة، إلا أن قوة الدفع التي تصاحبها لا شك لها تأثير ودور حتى لو لم تعترف الأنظمة بذلك. لقد تغير المشهد السياسي الكويتي وحتى الخليجي، إلى الأبد، بدخول المرأة المعترك السياسي كناخبة ومرشحة للمناصب العليا في الدولة، وصولاً الى قبة البرلمان ومجلس الوزراء والمجلس البلدي، اذ بقيت هذه المناصب مقتصرة على الذكور حتى اليوم. لطالما كانت الكويت المثال والنموذج الديموقراطي ليس خليجياً لكن حتى عربياً. لا يوجد برلمان في العالم العربي إستطاع أن يسقط حكومات ويستجوب وزراء ويقر قوانين وإصلاحات، ويلعب دوراً واضحاً ومؤثراً في الرقابة و الشفافية مثلما إستطاع البرلمان الكويتي ولا يزال. لكنه برلمان يوصف "بمجلس أمة"وهو إسم على غير مسمى، لأنه لا يمثل سوى 15 في المئة من الشعب الكويتي. و هم من يملكون حق المشاركة السياسية. فمن أصل حوالي المليون كويتي لا تحق المشاركة الإنتخابية إلا ل 140 ألف كويتي. أما اليوم فإن تضاريس الحراك السياسي في الكويت وحتى المنطقة ستتغير إلى الأبد. فبمشاركة أكثر من 200 ألف إمرأة في إنتخابات عام 2007 بزيادة تتجاوز 120 في المئة ليصل عدد الناخبين أكثر من 350 ألف ناخب وناخبة مما يعني أننا نتحدث عن نسبة تصل إلى 38 في المئة من أفراد الشعب الكويتي. صحيح أن دولاً خليجية أخرى، مثل البحرين وقطر وعمان، مكّنت المرأة وأعطت المرأة حقوقها السياسية، وأن هناك 6 نساء وزيرات في 4 دول خليجية بإستثناء الكويت والسعودية. إلا أن ذلك القرار أتى من السلطان والملك والأمير، وأتى من فوق وسط عدم وجود برلمانات منتخبة لتقرّه وتناقشه، بعكس الكويت حيث رفض القرار من فوق عندما أقترحه الأمير، وأتى قرار تمكين المرأة من تحت عبر السلطة التشريعية، ووسط نقاش كبير وخلاف حاد قسم المجتمع الكويتي، ووسط إتهامات برلمانية للحكومة، بإستخدامها كل أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة. ولتكتمل خطوات الإصلاح السياسي في الكويت، لا بد من أن يتبع إقرار الحقوق السياسية للمرأة المزيد من الإصلاحات، ومنها: خفض سن الإنتخاب في الكويت إلى 18 عاماً من 21. والسماح بإقرار حقوق العسكريين السياسية وهو ما يدعمه معظم أعضاء مجلس الأمة وسيؤدي إلى إرتفاع نسبة من تحق لهم المشاركة السياسية إلى 45 في المئة من الشعب. كذلك تشريع الأحزاب السياسية ليتم تشكيل قوائم و لوائح لأن بذلك التطور وتوسيع القاعدة يعني نهاية عصر المرشح المستقل الذي كان يصل إلى البرلمان بأقل من 1000 صوت. وكذلك إعادة توزيع الدوائر الإنتخابية من وضعها الحالي التي تكرس الطائفية والقبلية والعائلية والمناطقية إلى دوائر أقل تكرس مفهوم المواطنة والكويت ككل. وبهذا يرتقي إصلاح النظام الإنتخابي إلى مرحلة أكثر تطوراً وديموقراطية. وهذا هو التطور والنمو التراكمي المتعارف عليه والذي شهدته جميع الديموقراطيات عبر تطورها الزمني وهو ما حدث في ديمقراطيات أوروبا وأميركا عبر إدماج شرائح وفئات. فهل سيحقق ذلك؟ أم سيكون إقرار حقوق المرأة السياسية هو نهاية المسار الإصلاحي؟ بعد نشوة وفورة إنتصار المرأة وحصولها على حقوقها، عليها أن لا تكرر أخطاء النساء في البرلمانات العربية. هناك تحديات ستقع على عاتق المرأة في الكويت، و عليها أن لا تبني أحلاماً وتتوقع إختراقات في السنوات الأولى للمشاركة السياسية، حتى لا تحبط سياسياً. فالمرشحات المستقلات بغياب نظام"الكوتا"يعني إستحالة وصول المرأة إلى البرلمان بقدراتها و إمكاناتها كمستقلة. لذلك كان مضحكاً ومثيراً للشفقة يوم إقرار حقوق المرأة السياسية أن تعلن خمسة نساء ترشحهن لإنتخابات مجلس الأمة المقبلة سنة 2007. لا يزال سجل النساء في البرلمانات العربية خجولاً ومحدوداً للغاية. النسبة العالمية للبرلمانيات النساء لا تتجاوز 15 في المئة. وهي في العالم العربي أقل من نصف ذلك. ثم ان وصول العنصر النسائي الى البرلمان في العالم العربي يتم عبر الحزب، أو الترشيح على اللوائح. وتمثل حالة لبنان نموذجاً صارخاً لضعف أداء النساء في البرلمان. فالمرأة اللبنانية، التي منحت حق المشاركة السياسية منذ عام 1953، لا يتعدى حضورها فب البرلمان 3 نساء من أصل 128 نائباً بما لا يتجاوز 2.3 في المئة والملفت أن جميع النساء في البرلمان اللبناني وصلن بسبب الإرتباط العائلي وإضافتهن الى لوائح قوية وليس لأي سبب آخر. لا أتوقع خلال السنوات العشرة الأولى أو حتى أكثر، و بدون ظهور أحزاب سياسية، أو لوائح ذات شعبية عريضة، في مجتمع ذكوري محافظ، أن تصل المرأة في الكويت أو أي دولة خليجية أخرى إلى سدة البرلمان عبر صناديق الإقتراع، بل ستصل فقط عبر التعيين كوزيرة من جانب رئيس الوزراء. وذلك ليس إستخفافاً وتصغيراً لقدراتها بمقدار ما هو الواقع المؤلم الذي يجب ان تعترف به المرأة كناخبة ومرشحة. فتجارب الإنتخابات وأداء المرأة في البحرين وقطر وعمان واضح وجلي للجميع. الملفت أن الإسلاميين الذين عارضوا بشدة على أسس ومبادئ إسلامية هم الذين سيستفيدون أكثر، خصوصاً أن الإسلاميين هم الأكثر إنضباطاً وتنظيماً بالمقارنة مع التنظيمات الأخرى. ودور المرأة في إنتخابات الجمعيات التعاونية والإتحاد الوطني لطلبة الكويت الذي يسيطر عليه الإسلاميون لأكثر من 25 عاماً يؤكد بأن المرأة تصوت ل"المحافظ الإسلامي". إنه مشهد جديد بقواعد جديدة ولاعبين جدد وطعم مختلف، مع تأثير إقليمي وإفرازات ونتائج ستكون غير مسبوقة. استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.