وصف الرئيس السوداني السابق المشير جعفر نميري لقاء جنيف بين رئيس وزراء السودان السابق الصادق المهدي ورئيس المجلس الوطني البرلمان الدكتور حسن الترابي، بأنه اجتماع عائلي يخلو من المضامين السياسية. وأكد أن عودته للسودان في أيار مايو الجاري بأنها زيارة استطلاعية سيعود بعدها الى القاهرة. وقال نميري أنه ارسل خطاباً الى الرئيس السوداني الفريق عمر البشير في شأن عودته، واتصل هاتفيا بالدكتور الترابي عقب إعلان مبادرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل نحو عام، وكان هناك اتفاق على العودة التي وافق الترابي عليها. لكنه ذكر أن عودته الحالية لا علاقة لها بتلك المبادرة، إنما هي جاءت بطلب من التنظيم المؤيد لمبادئ نظام أيار مايو 1969 الذي تزعمه نميري. تطرق نميري، في حوار مع "الوسط"، الى عداوته للصادق المهدي وعلاقته بالترابي والقائد الجنوبي جون قرنق، وسبل حل المشكلة السودانية. وهنا نص الحوار: يتردد أن عودتكم الى الخرطوم تأتي بناء على صفقة سرية بينك والدكتور الترابي... - أنا احب الصراحة والمصارحة، وأؤكد عدم وجود اي صفقة مع اي شخص. أنا عائد بناء على طلب من جماهير التنظيم المايوي الذي كون في الخرطوم بعد أن اختارني رئيساً له. وسأعود لوضع اللمسات النهائية لمكاتب التنظيم ووضع الاسس الديموقراطية لهذا التنظيم. نحن نريد ان نقدم خدمة حقيقية للشعب السوداني ونعيده الى عصر ديموقراطية مايو، واعتقد انه لا توجد حكومة سودانية منذ الاستقلال كانت عندها ديموقراطية مثل حكومة ثورة مايو. ولكن عودتك ربما كان ثمنها حياتك. قد يقدمونك الى المحاكمة، وهناك اتهامات مؤجلة تنتظركم في الخرطوم منذ خروجك منها قبل 14 عاماً؟ - كل هدفي تقديم خدمة حقيقية للشعب السوداني أرى انه يحتاجها الآن، ثم انني اعود الى الخرطوم وفق قوانينهم التي شرعوها أخيراً، سواء الدستور او قانون التوالي السياسي الذي سنسجل تنظيمنا السياسي حسب مقرراته وسندخل الانتخابات ونشارك معهم، فإذا كانوا صادقين أهلا وسهلا. وإذا كانوا كاذبين فسيكشفهم الرأي العام العالمي. النقطة الثالثة انه لا الترابي ولا البشير حركا إجراءات قضائية ضدي. ربما فتحوا ملفات او حركوا تظاهرات تطالب بمحاكمتكم؟ - من ناحية الملفات نحن مستعدون، ملفاتنا وملفات الآخرين بل اطلب من القضاة ذلك، وإن لم تكن هناك ملفات فليبدأوا فتح ملفات حتى تتضح الحقائق، لأننا لا نخشى شيئاً وكل ما عملناه كان لصالح الشعب السوداني، والأيام أثبتت ذلك وأكثر. ذكرت انك ارسلت خطاباً للفريق البشير. ماذا يحوي؟ - كلمته في الخطاب عن العودة، وقلت إنني وافقت على قانون التوالي السياسي ووافق التنظيم في الخرطوم على هذا القانون واختارني رئيساً، وسأعود لبضعة ايام، ولو وجدت الاحوال مشجعة فسأبقى. هل تقصد انها زيارة استطلاعية؟ - نعم، وقد اصدرت بياناً بهذا المعنى. هل هناك ضمانات للعودة أم أنها قفزة في المجهول؟ - ماذا تقصدون بالضمانات؟ انا عسكري متمرس على الرصاص ولا أعرف الخوف ولا أسعى الى ضمانات او تطمينات، نحن نعود لبلدنا. قابلت الرئيس حسني مبارك بعد اعلانك نيتك في العودة. لماذا؟ - كان ضرورياً أن نقابله، لأن هذا الرجل فتح لنا ابواب مصر طوال 14 سنة، صاحب البيت لابد من إستئذانه قبل إعلان العودة، كنا نريد ان نطلعه على افكارنا. والواقع أنه كان مشغولاً في زيارات خارجية وكتبنا له بكل ذلك، ولما توفر الوقت التقيناه، وقلت له انا راجع للسودان، قال: بالعافية.. يقصد بالسلامة او صاحبتك السلامة، وعموما مصر لا تتدخل في شؤونك ولا شؤون السودان، وكانت نصيحته لي: خلي بالك. يعني خذ حذرك. هناك من يتصور أن للقاهرة دوراً في عودتك؟ - لا، مطلقاً. العودة بناء على رغبة جماهير تنظيمنا في الخرطوم، وكما قلت القاهرة لا تتدخل في شؤون السودان، ولماذا الاصرار على حكاية الدور هذه. هل لها علاقة إذن بمبادرة الشيخ زايد التي اطلقها قبل نحو عام؟ - لا علاقة لها بتلك المبادرة، وقصتي مع هذه المبادرة ببساطة عندما كنت في ابو ظبي كان الشيخ زايد قدم مبادرته، وتكلمت معه، وقلت له يستحسن المبادرة تدخل فيها مصر، لأنه لو مصر لم تدخل في اي مبادرة فستفشل. لم يعترض. وعندما عدت الى القاهرة اتصلت بالبشير، والترابي هاتفياً، الترابي وافق على المبادرة والبشير قال لي انتظر قليلاً - ثلاثة ايام - لأن لدى الآن مبادرة "الايغاد" الافريقية، فقلت له: "على كيفك" ... سلام عليكم. وهناانسحبت من الحكاية برمتها، رغم انني كنت اتفقت مع مصر وكلمت الشيخ زايد. بخلاف ذلك لم تكن هناك إتصالات مع القيادة في الخرطوم سوى بعض المسائل الانسانية كالتعزية في وفاة الفريق الزبير محمد صالح، وأذكر ان التليفزيون السوداني اذاع برقية العزاء الخاصة بنا في أول نشرته، وانت تعرف ان العرب عادة يتخانقون ولكن الانسانيات شيء آخر، والسودانيون علموا العرب هذه الصفة الحميدة. رفض البشير مبادرة الشيخ زايد لم يمنعكم من معاودة الاتصالات مرة اخرى قبل الإقدام على العودة؟ - رأيت ان القانون الجديد مناسب لنا، وإنه سيتيح لي فرصة النضال بالقانون، ثم ان هؤلاء، البشير والترابي، لا أدخلوني السجن ولا سجنتهم. بالعكس انا اخرجت الترابي من المعتقل وعينته وزيراً ورقيته الى مساعد لرئيس الجمهورية للشؤون القانونية. والآخر كان رئيس قوة الحرس لدينا، ولو كانت عنده اي مشاكل لكان عبر عنها، لا الاول ولا الثاني لديه عداءات معي. هل جرى مثلا تداول امر العودة مع قيادات المعارضة في الخارج مثل الصادق او الميرغني؟ - هذان من ألد أعدائي. وكيف ترى لقاء الصادق مع الترابي في سويسرا؟ هل هذا إيذان بعودة الصادق الى الخرطوم ؟ هل ترى في الامر صفقة سياسية جديدة؟ - لا تنس ان شقيقة الصادق هي زوجة الترابي، وانا اراه اجتماع ل "نسوان" العائلة. اجتماع العوائل لا يحتمل اكثر من ذلك. هل تعتقد بوجود اتصالات بين الصادق والنظام الحاكم في الخرطوم لتدبير امر عودته الى الخرطوم؟ - مع البشير لا اظن. مع الترابي العائلة مختلطة، ويجوز هذا. يبدو أن الترابي هو اللاعب الاساسي في السودان الآن، فهو الذي يتكلم معك، وهو الذي يقابل الصادق تحديداً.. ما علاقتك بالترابي؟ - آخر مرة تكلمت معه في الهاتف كان في ابو ظبي، أيام مبادرة الشيخ زايد، وأنا اعتبره سياسياً خصمي. اما عن علاقتي به فأنا الذي أخرجته من السجن وعينته، وإن كان قيادياً في تنظيم الاخوان المسلمين. عودتك للسودان تعني دعماً لهذا النظام. ما هو المقابل من جانب الخرطوم؟ - ماذا تعني بمقابل؟ انا لا اعرف مثل هذه اللغة. انا مستعد انتقد البشير والترابي في كل وقت، ولكن هذا لا يمنعني من العودة، لي تحفظات على حكومة البشير ودوما اقول ان اخطر شيء انهم وضعوا الاقتصاد الخاص بالسودان كله في ايدي الحزب الخاص بهم، اما من ناحية الدعم فهذه لغة المعارضة التي تقول عودة نميري تطول عمر النظام، ويرسلون لنا متسائلين متى سيسقط النظام. انا لا احب إسقاط هذا النظام بالعنف والسلاح، لأن هذا ليس في صالح الشعب السوداني. لابد ان نجنب هذا الشعب مأساة الحرب الاهلية. هل كل مستشاريك موافقون على قرار العودة؟ - ليس لدي مستشارون، صحيح ناس كثير كلموني واتصلوا بي هاتفياً وأرسلوا فاكسات، وفي الغالب مجهولة المصدر، جميعها تقول: لا تعود، وأنا أرى أن العودة مناسبة جداً في هذا الوقت. يبدو أن عداءك للصادق المهدي عكس نظريتك على لقائه مع الترابي، والسؤال كيف علاقتك بالصادق؟ - مرة أخرى أقول لكم إن هذا "لقاء عائلي"، زوجته ستقول له ارجع، وأخته ستقول له ارجع، ونحن عفونا عنك وستضمن له اخته عفواً، لو كان الأمر يحتاج هذا العفو، وهذا اللقاء ليس له اي مدلول سياسي، لا تستغربون عودة الصادق للخرطوم في أي لحظة، يعود في دقائق، وللعلم العودة في تصوري لا علاقة لها بالتجمع الوطني في الخارج، والصادق دوماً يلعب لصالحه، عندما خرج من السودان تصور التجمع ان الصادق يكبّر كوم المعارضة، لكنه كان يكبر كومه الشخصي. عن علاقتي به، نحن التقينا ولعبنا البولو، لكن لا يوجد كلام بيني وبينه، وهذا الرجل معتمد على التراث، والصادق منذ بدايته وأنا اسميه "الكاذب الضليل"، وهو زوّر تاريخ ميلاده من 28 سنة الى 30 سنة، حتى يدخل الانتخابات في الستينات. ولم يحدث ان شغل في حياته وظيفة. أول مرة يشتغل في حياته كان رئيس وزراء، هو يخلو من أي خبرة أو نوع من القيادة، لذا فشل في كل مرة. هذه الأحزاب الطائفية فشلت ست مرات، والمرة الأخيرة التي فشل فيها جاء البشير. وتصور المهدي ان نميري عاد الى الحكم فحلق ذقنه وحواجبه، وركب دراجة متنكراً حتى لا يراه احد في الخرطوم، ويعرفه ويقبض عليه ولما سألوه لماذا فعلت ذلك - حلقت ذقنك - فقال حسبت نميري عاد الى الحكم! والميرغني؟ - هذا أصله باكستاني، وهو يخدع الناس. جده جاء من باكستان، وعاش في المملكة العربية السعودية ثم رحل الى مصر. وجون قرنق... هل تكلمت معه في مسألة العودة؟ - لم يحدث، لأن الرجل الآن في الغابة والاتصالات معه صعبة إن لم تكن مستحيلة. لكن من المؤكد أنه علم من خلال الأخبار المنشورة. هل تتصورأنه يعارض عودتك؟ - تلك رؤيته ولكن ما أعرفه ان قرنق وحدوي وليس انفصالياً، ثم أنا الذي أرسلته لاميركا ليحصل على الاجازة العلمية، وعندما عاد الى الخرطوم أعطيته شهراً على سبيل الإجازة، إلا أن حادثة غير عادية غيّرت مسرى حياته. كان في الجنوب ضابط ليس من عائلة قرنق يصيد الفيلة بأسلحة الجيش للحصول على العاج. تحركت قوة للقبض عليه، خطأ حدثت هجمة على قبيلة قرنق ففرت القبيلة ومعها قرنق نحو الحدود الاثيوبية. كان النظام الاثيوبي يواجه مشاكل مع السودان ويتصور أن الخرطوم تدعم النضال الاريتري ضد اديس ابابا، فاحتوى قرنق وحوله الى زعيم وأمده بالسلاح رداً علينا، فتحول الى مقاتل رغم أنفه، لكني لا أشكك في ميوله الوحدوية بل إنه من دعاة وحدة السودان في الجنوب. كيف ترى العلاقة بين القاهرةوالخرطوم؟ - أنا مع وحدة وادي النيل، وكاد التكامل الذي أسسناه مع مصر يؤتي ثماراً جيدة، إلا أن "الكاذب الضليل" جاء وقال التكامل ما كفاية نجعله إخاء. وذهب التكامل ولم يتحقق الإخاء، بل العداء. سنسعى بكل طاقتنا لتهدئة الاجواء والدعوة للوحدة. تتكلم وكأنك تعود للحكم في الخرطوم... - سندخل الانتخابات، واذا فاز الحزب الخاص بنا وأراد ان أحكم السودان فسأقبل، واذا قالوا ابق رئيس حزب فقط وسننصب رئيساً غيرك فأنا موافق. هل صحيح انكم رفضتم مبادرة العقيد القذافي التي طرحها للمصالحة في السودان؟ - لم أعرف بها من الأصل، ولم يتصل بي حتى أرفض، والقذافي يريد أن يفعل اشياءً كثيرة. من اين لك بأموال التنظيم الجديد؟ - ليس هناك دعم، نحن فقراء ولسنا اصحاب بلايين، ولو سألتني أين ستقيم في الخرطوم سأقول لك نحن منتظرين مخصصات رئيس الجمهورية السابق، القانون يعطي الرئيس السابق حقوقاً مثل السكن والراتب الشهري وغيره، نحن نطالب به. هناك من يتصورون أن للأميركيين دوراً في عودتكم... - ليت يكون الاميركان لهم دور في أي شيء في السودان، لأنهم سيصلحونه! اميركا دولة كبيرة وأي نظام او رئيس يريد أن يحاربها يكون مخطئاً لأنها أكبر دولة في العالم، وأرى أن فتح خطوط اتصال وقنوات معها يخدم السودان أكثر من العداء معها، لو اراد النظام الحالي أن اتوسط لديه عند اميركا فما في مانع سأرحب، كما أرحب بأي علاقة أو خطة لمصلحة هذا البلد