"محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    محترفات التنس عندنا في الرياض!    رقمنة الثقافة    الوطن    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تحاور قطبين من الحكومة والمعارضة . الازمة السودانية على قاب قوسين من الانفراج ! وزير الخارجية مصطفى عثمان : نقبل برئيس من الجنوب
نشر في الحياة يوم 08 - 11 - 1999

تشهد القاهرة نشاطات مكثفة في شأن القضية السودانية، خصوصاً إثر رفض الولايات المتحدة تأييد مبادرة مشتركة اقترحتها مصر وليبيا لتسوية المشكلة في هذه الدولة التي تمزقها حرب أهلية منذ أكثر من 15 عاماً. واستضافت العاصمة المصرية أخيراً سلسلة من الاجتماعات التي عقدها تحالف المعارضة السودانية مع وسطاء ليبيين ومصريين، وزيارتين قام بهما وزير خارجية السودان الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل والمبعوث الأميركي لمتابعة حل الأزمة السودانية هاري جونستون، وزيارة قام بها وزير الخارجية المصري عمرو موسى الى طرابلس للتشاور في شأن مستقبل المبادرة المشتركة. التقت "الوسط" في القاهرة وزير خارجية السودان الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل ورئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وطرحت عليهما الأسئلة المتعلقة بالوفاق وحل الأزمة.
وصفت زيارتك للقاهرة بأنها الأطول التي يقوم بها وزير خارجية للسودان منذ سنوات. هل يعني ذلك انه اتيحت لكم مناقشة العلاقات السودانية - المصرية بما يسمح بانطلاقة جديدة بين الخرطوم والقاهرة؟
- نعم. اعتقد ان اهمية هذه الزيارة تعود الى الترتيبات واللقاءات التي ركزنا فيها بشكل أساسي على مناقشة الملفات المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين الخرطوم والقاهرة، وكذلك الدور الذي تلعبه مصر في موضوع الوفاق بين الفرقاء السودانيين. وقد تركزت اللقاءات نفسها، سواء مع الرئيس حسني مبارك او الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء او وزراء الاعلام والدفاع والري والخارجية، أساساً على معالجة الملفات العالقة، بهدف الانطلاق الى النقطة التي من المفترض ان تكون عليها العلاقات بين البلدين.
تقف مصر على مسافة واحدة من جميع الأطراف السودانية، ووزير الخارجية المصري عمرو موسى تحدث أخيراً عن نية العمل لبناء سودان موحد. هل يعني ذلك ان لدى الحكم في السودان توجهاً لاستيعاب المعارضة، بما يلبي وجود تعددية سياسية وفصل الدين عن الدولة وغير ذلك من القضايا؟
- قناعتنا التامة بأن السودان يحتاج الى جميع ابنائه، ونحن نريد أن نخرج من مسلسل المعارضة في الخارج والحكومة في الداخل. نريد من الجميع ان يكونوا في الداخل، وحكومة اليوم هي معارضة الغد، ومعارضة اليوم ستكون حكومة الغد، بهذا نستطيع ان نصل الى وضع مستقر، والى تبادل سلمي للسلطة، والى سودان جديد يشارك في بنائه جميع ابنائه.
لقد ارتضينا، كحكومة، الوفاق عبر ملتقى الحوار الوطني السوداني الذي اقترح في إطار المبادرة المصرية - الليبية. هذا الحوار ليس بجديد، والحكومة منذ قيامها لم تتوقف عن الحوار، بل رضيت به أساساً، وهو الذي أتى بالشريف زين العابدين الهندي للبلاد ليؤسس حزبه وبدأ يمارس حياته السياسية، وهو الذي أتى بالرئيس جعفر نميري الى الخرطوم ليؤسس حزبه ويعود لممارسة حياته السياسية، وكذلك أتى بالدكتور رياك مشار ليؤسس حزبه. والأمر نفسه ينطبق على الدكتور لام أكول وزير النقل الحالي واللواء الهادي بشرى العضو السابق في القيادة العسكرية المعارضة والوزير في الحكومة. وهو الحوار نفسه الذي جعل ابو القاسم محمد ابراهيم النائب الأول للرئيس نميري ان يكون وزيراً في الحكومة الحالية، وشخصيات أخرى منها بدر الدين سليمان وزير الصناعة حالياً وعبد الباسط سبدرات وزير الاعلام والعمل السابق وعثمان عبد القادر نائب الأمين العام للحزب الحاكم وهو من حزب الأمة المعارض والدكتور حسين سليمان ابو صالح.
لقد ارتضينا المبادرة المصرية - الليبية التي تهدف الى عقد مؤتمر لكل القوى السياسية السودانية، واتفق على تسميته "ملتقى الحوار الوطني السوداني"، وقد التزمت الحكومة تنفيذ كل ما يصدره الملتقى من توصيات وقرارات، ولم نشترط أي موضوع للمناقشة في هذا الملتقى وإنما قلنا يكفي اننا نقبل بموضوع الحريات وكيفية ممارستها، وقضية السلام والعقبات التي تقف في طريقه، والاتفاق على ان تكون المواطنة هي أساس الواجبات وأساس الحقوق، وليس الانتماء الديني او العرقي أو القبلي.
الكثير من اللقاءات بين مصر والسودان في السابق كان يتم على أعلى المستويات. لكن الحقيقة ان العلاقات بقيت تراوح مكانها. أين يكمن الخلل؟
- أعتقد بأن الظروف لم تكن مواتية، كما ان التهديدات الخارجية كانت واضحة. الآن الظروف اخيراً أضحت أفضل بحكم ان الكثير من الملفات التي كانت تشكل "خميرة عكننة" بين الخرطوم والقاهرة قد تمت معالجتها أو هي في طريق المعالجة النهائية.
التهديدات الخارجية التي بدأت تستهدف مباشرة وحدة السودان أصبحت ظاهرة، إذن الموضوعية هي التي قادتنا الآن كي نصل الى محطة مفادها أنه لا بد من عودة هذه العلاقات وبسرعة، وهذا انعكس على اللقاءات والمناقشات التي أجريتها خلال هذه الزيارة.
التقى سفيركم في القاهرة أحمد عبدالحليم المبعوث الاميركي المكلف ملف السودان، هل يعني ذلك فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الخرطوم وواشنطن؟
- لم تحدد الخرطوم حتى الآن موقفها من استقبال المبعوث الأميركي في الخرطوم ام عدمه، باعتبار اننا ما زلنا نراقب النهج الأميركي العدائي سواء ذلك الذي صاحب تعيين المبعوث وتحديد اختصاصاته، أو التصريحات الأخيرة التي تزامنت مع جولة مادلين اولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة لافريقيا والملاحظات التي أبدتها حول المبادرة المصرية - الليبية.
ومع ذلك قلنا اننا سنراقب المبعوث وتصريحات الادارة الأميركية، وإذا وصلنا الى اقتناع بأن الولايات المتحدة ممكن ان تتدخل ايجابياً في المشكلة السودانية، فنحن سنكون سعداء باستقبالنا للمبعوث الأميركي لنتحاور معه، بل نقدم له الدعم اللازم حتى تنجح مهمته.
حتى الآن لم تتضح لنا هذه الصورة، واللقاءات التي يجريها سفراء السودان، سواء اللقاء الذي تم بينه وبين سفيرنا في نيويورك أو مع سفيرنا في اديس ابابا وكذلك سفيرنا في القاهرة، يأتي ضمن عملية استكشاف لنقاط الخلاف والاتفاق بيننا، وتحديد ما إذا كان بالامكان ان نخطو خطوة الى أمام، أم ان المبعوث الأميركي حددت أهدافه وصيغت بالشكل الذي لا يخدم مصلحة الأمن القومي السوداني في مجال الاستقرار والسلام في السودان.
ما هي نقاط الخلاف ونقاط الاتفاق بينكم وبين واشنطن؟
- الولايات المتحدة تدعي أنها تعرف أكثر من غيرها في السودان، وهذا الادعاء قادها الى ارتكاب اخطاء قاتلة بحق السودان، مثل ضرب مصنع الشفاء للأدوية، من دون أي مبرر وباتهامات وأكاذيب لا تسندها أي حقائق، نحن من جانبنا اقترحنا حواراً واقعياً نقدياً، كذلك اتاحة الفرصة كاملة للحكومة الأميركية لكي تأخذ معلوماتها مباشرة من السودان ودون طرف ثالث، وقلنا اننا من خلال هذا الحوار نستطيع ان نصل الى رؤية مشتركة تتعلق بالعلاقات الثنائية .عندئذ، تكون الولايات المتحدة وسيطاً مقبولاً لكل الأطراف وتساهم مساهمة فاعلة في حل كل المشكلات السودانية.
الولايات المتحدة من جانبها تصر على ان ما تقوله هي عن السودان هو الصحيح وما تفعله في السودان يجب ان تتم الموافقة عليه. اما نحن فعلى رغم تقديرنا للولايات المتحدة، باعتبارها دولة كبيرة ومهمة في المنطقة، إلا أننا لا نرضى ان نمحو انفسنا هكذا من الوجود أو من القضايا سواء منها الخاصة بالسودان او غيرها.
منذ مدة والغزل بين الحكم والمعارضة مستمر، فلهجة الصادق المهدي تجاه الخرطوم منذ لقائه بالدكتور حسن الترابي، باتت ألطف. هل اتصلت بالصادق المهدي او تبادلتما الاتصالات والرسائل خلال زيارتك للقاهرة؟
- الاتصالات والقنوات بيننا وبين المعارضة مفتوحة، لكن عملية تفجير انبوب النفط أدت الى تعطيل هذه القنوات، والحكومة لم ترد ان تجعل من العملية سبباً لتعطيل قنوات الاتصال وبالتالي مسيرة الوفاق، بل عملنا على تجاوزها وتنشيط قنوات الاتصال مرة اخرى.
انتقدت الولايات المتحدة المبادرة المصرية - الليبية تجاه السودان، كيف تنظر الخرطوم الى ذلك؟
- اعتقد بأن الادارة الأميركية اساءت فهم المبادرة المصرية - الليبية، لأنها أساساً ليست بديلاً لمبادرة منظمة "ايغاد". ان هذه المبادرة تطرح حلاً شاملاً للأزمة السودانية. وأساءت اليها واشنطن ايضاً من حيث التقدير، اذ ان المبادرة الليبية - المصرية وافق عليها جميع أطراف المشكلة السودانية، شمالاً وجنوباً، وفي الداخل والخارج، وبالطبع الحكومة السودانية.
لقد حرصت مصر وليبيا على الاستمرار في هذه المبادرة، والواضح انه من عدم الحصافة ان تنتقد الولايات المتحدة مبادرة هي ليست طرفاً فيها أولاً، وكان بإمكانها ألا ترضى عن المبادرة وتسكت، لأن المبادرة لا تخص الولايات المتحدة بل تخص السودان والسودانيين. وجميع العناصر المعنية بها قبلت بها، لأنها تطرح إطاراً للحل الشامل. انني واثق ان الولايات المتحدة ستجد نفسها في النهاية مضطرة لقبولها.
أكثر من جولة حوار تمت بين المعارضة والحكم في السابق، لكنها كانت تصطدم بتمسك كل طرف بموقفه، هل نتوقع ان يتم خلال لقاءات مقبلة تخطي العقبات؟
- نحن حريصون جداً على تخطي أي عقبة، وعلى إزالة أي عراقيل يمكن ان تسهم في دفع مسيرة السلام، وكما ذكرت وضربت أمثلة فان الحوار لم يتوقف، وكل فترة نشهد جماعات وأفراد يعودون الى السودان ليمارسوا حياتهم السياسية، وليكونوا نموذجاً للآخرين يؤكد ان السودان يتسع لجميع ابنائه. هذا سيكون منهجنا، وعلى هذا النسق سيستمر اتصالنا بجميع القوى السياسية الموجودة في الساحة السودانية في الداخل والخارج.
وزير الخارجية المصري تحدث عن استعداد الدكتور جون قرنق زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" للتنازل عن مطلبه بفصل جنوب السودان، وأشار الى عزم الحكومة في الخرطوم على بناء سودان جديد، هل يعني ذلك ان لدى الحكومة السودانية تصوراً لحل الأزمة السودانية؟
- نحن لسنا حكومة انفصالية، بل يهمنا الحفاظ على وحدة السودان، ونحرص كثيراً على أن تأتي هذه الوحدة طوعاً وبالرضى، ولن نقبل ان يفرض الانفصال فرضاً على مواطني جنوب السودان. نحن نتفق مع جون قرنق في اننا نريد صياغة العلاقات بين الشمال والجنوب سواء ذلك في شكل العلاقة بين الدين والدولة، أو التوزيع العادل للسلطة أو حتى صياغة للمجتمع السوداني بما يضمن المساواة بين الجميع، وأن تكون المواطنة هي الأصل بالنسبة الى الحقوق والواجبات وليس لأي عرق أو دين أو قبيلة.
هذه المسائل نحن متفقون بشأنها. والسؤال الآن كيف نصل الى هذا الهدف. الآن نحن نختلف حول الوسيلة، لماذا؟ نحن نرى ان الوسيلة المثلى للوصول الى هذا الهدف هي الحوار عبر مبادرة "ايغاد" أو المبادرة المصرية - الليبية التي تعطي تصوراً للحل الشامل. ونحن لا نرى معنى لاستمرار الحرب طالما أننا نعرف ان ما نهدف إليه يجب ان يتم من خلال الحل السلمي. ولذلك طرحنا وقفاً شاملاً لإطلاق النار في جميع مناطق العمليات. لكن قرنق يُصر على أن البندقية يمكن أن تأتي بالحل، ونحن نختلف معه حول ذلك.
لنأخذ مسألة فصل الدين عن السياسة: هل الحكم في الخرطوم على استعداد لإعادة موقفه منها؟ وما هو بشكل عام تصوركم للحلول الممكنة في الفترة المقبلة؟
- ليس لدينا قالب محدد، ولكننا لن ننتظر الآخرين، ولن نقبل بوجود فراغ في الحكم، وحتى عندما طرحت الحركة الشعبية موضوع الدستور السوداني، قلنا لهم عليكم أن تأتوا بدستور ونناقش المقترحين ونخرج بدستور واحد نتفق عليه. هذا الدستور هو ورقه الحكومة السودانية، لكننا لم نقل انه مُنزل كلماته لا تقبل التعديل، بل قلنا انه ثمرة تجارب سودانية، وطرحناه عبر الاستفتاء على الشعب، وقد تمت الموافقة عليه، وهو ما يعمل به في السودان. لم نرفض مناقشته حتى في اطار الملتقى الوطني السوداني.
لو كنا نريد أن نفرض الاسلام على الجميع، لكنا فعلنا مثلما فعل عدد من الدول الاسلامية، ولكنا قلنا ان السودان يجب أن يسمى جمهورية السودان الاسلامية.
وفي هذا الدستور لم نقل ان الشريعة هي المصدر الأساسي أو الوحيد للتشريع، بل قلنا ان الشريعة والعرف واجماع الأمة هي مصادر التشريع، وجميعها علمانية، فقبلنا أن تكون جزءاً من مصادر التشريع. وقلنا ان الممارسة في اطار الحقوق والواجبات تقوم فقط على المواطنة، بمعنى ان رئيس الجمهورية يمكن أن يكون مسلماً ويمكن أن يكون من الشمال، وممكن أن يكون من الجنوب. وقلنا لا بد من مراعاة التوزيع العادل للسلطة حين يُشكل مجلس الوزراء الاتحادي والبرلمان والمؤسسات الاتحادية. وقلنا ان النظام الفيديرالي هو النظام الأمثل للسودان. الولايات الجنوبية يحكمها أبناء الجنوب عبر مجالس ولائية برلمانية ووزراء كلهم من الجنوب، والولايات الشمالية يحكمها أبناء الشمال، إذن نحن نظرنا في تركيبة المجتمع السوداني المتنوعة، وحافظنا على هذا التنوع حين طرحنا الحكم الفيديرالي أساساً للحكم في السودان.
لا يمكن أن ننكر أن المجتمع السوداني مجتمع متدين، والاسلام هو الديانة الرئيسية، ولا اعتقد أن هناك شخصاً يستطيع نزع صفة التدين من المجتمع السوداني، نريد ان نجعل من هذا التدين عامل اتحاد وتعايش بين السودانيين، ولا نريد أن نجعل منه عامل تفرقة.
الى أي مدى يوافق الدكتور حسن الترابي رئيس البرلمان على آراء كهذه؟
- النظام السوداني متكامل، وهذه الكلمات التي أطرحها هي من وحي الدستور الذي تمت صياغته، ومن وحي النظام الفيديرالي وكيفية اجراء انتخابات الرئاسة وتركيبة مجلس الوزراء.
الآن في السودان نائب رئيس الجمهورية من الجنوب ومسيحي، ونائب رئيس البرلمان جنوبي ومسيحي، ونائب وزير الخارجية مطران يقود الصلاة كل يوم أحد في كنيسته. وفي مجلس الوزراء الاتحادي أكثر من 4 وزراء مسيحيين، المرأة الوحيدة في مجلس الوزراء هي من الجنوب ومسيحية وتشغل منصب وزيرة العمل، وكانت من قبل حاكماً لجوبا، عشرات من أعضاء البرلمان السوداني مسيحيون من الجنوب والشمال.
هل توزيع مناصب بهذه الطريقة، سبب لما يتردد مثلا حول صراع بين الدكتور الترابي والفريق البشير؟ أم أن هناك أسباباً أخرى؟
- ربما راجت حكاية الصراع نتيجة لانعقاد المؤتمر التأسيسي للمؤتمر الوطني. والقصة يجب أن ينظر اليها من خلال هذا الاطار. كان المؤتمر الوطني قبل إقرار الدستور وقانون التوالي السياسي الذي يسمح بالتعددية السياسية جزءاً لا يتجزأ من الدولة، كنا يمكن أن نسميه في ذلك الوقت باعتباره حزب الدولة، كما كان الاتحاد الاشتراكي في السابق في مصر. وبعد أن أجيز الدستور، وصدر قانون التوالي السياسي وفتحت حريات واسعة كما ذكر ذلك الصادق المهدي في لقاءاته الإعلامية وأقر بأن الوضع في السودان الآن يختلف عما كان عليه في السابق، حينما حدث كل ذلك كان هناك سؤال مهم جداً مطروح على ساحة المؤتمر، وملخصه إذا فقد المؤتمر السلطة، هل سينتهي المؤتمر مثله مثل الأحزاب الشيوعية التي كانت هي والسلطة جزءاً لا يتجزأ، أم اننا نريد أن يبقى المؤتمر حزباً يمارس حياته السياسية، حتى وان فقد الدولة؟ الاجابة جاءت ممثلة في أن المؤتمر في ظل هذه التركيبة نريد منه أن يبقى حزباً سياسياً جامعاً ومفتوحاً لكل السودانيين - مسيحيين ومسلمين. وان يكون مستعداً لأن يكون في السلطة اليوم، وفي المعارضة غداً. لهذا كان لا بد من فصل الدولة ومؤسساتها وصلاحياتها والمؤتمر ومؤسساته، وبالتالي نتائج المؤتمر والوصول الى النتيجة النهائية لهذا التصور أحدثت نوعاً من التباين وهذا طبيعي، ولكن انتهى بأن أصبح رئيس الدولة متمكناً تماماً من كل مؤسسات الدولة وهو الفريق عمر البشير، وأصبح الأمين العام للمؤتمر الوطني يتولى صلاحيات الحزب وأصبح متمكناً من عملية بناء الحزب. والمهم من كل هذا أن المؤتمر خرج بنتيجة مهمة جداً، تتمثل في تعزيز الديموقراطية بشكل واضح، وكذلك الأمر بالنسبة الى الشورى. والقضية لم تعد الفريق البشير أم الدكتور الترابي، بل القضية هي المؤسسات التي وجدت وتم انتخابها عبر شورى واسعة ضمت عشرة آلاف شخص، وتم انتخاب هيئة الشورى وهيئة قيادية من 60 شخصاً، وأصبحت القرارات كلها تدرس عبر هذه المؤسسات بصورة واضحة وديموقراطية أحدثت نقلة في تجربتنا الديموقراطية في السودان، ويمكن أن تقتدي بها بقية الأحزاب التي ستعقد مؤتمراتها في الأيام المقبلة، كالحزب الوطني الاتحادي الذي يقوده الشريف زين العابدين الهندي.
هل تتوقع تغييراً وزارياً في السودان قريباً؟ وهل يمكن القول إن مرحلة جديدة من التاريخ السياسي في السودان قد بدأت؟
- في الظرف الحالي لا توجد نية لتغيير وزاري، ولكن كما ذكرت، كنا نتمنى أن ينعقد ملتقى الحوار الوطني قبل حلول نهاية هذا العام. والحكومة ملزمة مسبقاً بتنفيذ جميع قرارات الملتقى، ولكن الآن ليس مطروحاً في الساحة أي تغيير وزاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.