10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسة خطوط هاتفية ... والتلفزيون ينتظر قرار "أمير المؤمنين" . رحلة بين ألغام الموت الأفغاني إلى عالم آخر ... اسمه قندهار
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 1999

لم تصدق عيناي وأنا في طريق العودة من رحلة الى مدينة قندهار، مقر قيادة زعيم حركة "طالبان" الملا محمد عمر، ما رأيته من عشرات الآف الألغام المزروعة على جانبي الطريق التي سلكتها نهاراً، بعدما سلكتها ليلاً حين انتقلت من نقطة شمان على الحدود بين باكستان وافغانستان.
ولعل سبب الدهشة هو ان سائق السيارة الذي كان يسير بسرعة جنونية وكثيراً ما كان يخرج عن الطريق العام ليتجاوز سيارة او شاحنة امامه تجرأ على سلوك طرقات مليئة بالقبور على الجانبين دفع من يرقد فيها ثمناً غالياً نتيجة هذا التجاوز.
ولا يجد رجال المنظمات الدولية العاملة في مجال نزع الالغام ومن يساعدهم من السكان المحليين الذين تلقوا تدريبات في هذا الخصوص، سوى وضع علامات لتمييز الألغام هي عبارة عن حجارة على كل لغم.
ومن يمعن النظر في مساحة معينة، يجد كيف ان القوات الروسية ومن أعقبها من محاربين في جولات القتال الاخوي كانوا يجهدون انفسهم في زرع حقول ألغام لا يبعد الواحد فيها عن الآخر اكثر من متر واحد. ومثل هذا يفسّر المصائب التي يعاني منها السكان الافغان التي كانت ابرزها مقتل 40 امرأة وطفلاً على الفور في مطلع شهر ايلول سبتمبر الماضي حين خرج باص كان ينقل الركاب في موكب فرح، عن خط سيره الى احد الحقول في محلة ميربازار التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن وسط قندهار القديمة.
ولا يمر يوم في افغانستان او حتى في اي من محافظاتها من دون ان يدفع افغاني او قطيعه ثمناً، تنفق خلاله الماشية او يفقد راعيها عضواً من جسده.
ولعل مشهداً مثل هذا، هو الذي اعادني بالذاكرة الى ما قاله لي موظف الحدود الافغاني، عن رفض السماح لسائق سيارة بيك اب باكستاني، نقلني من مدينة كويتا عاصمة اقليم بلوشستان الى الحدود بمواصلة طريقه، فقد برّر مسؤول ختم الجوازات الافغاني موقفه بجهل السائق الباكستاني الطرقات التي يسلكها العاملون على خط المرور الذي يصل نقطة الحدود شمان بعاصمة اقليم قندهار.
كل شيء في الطريق المذكورة التي يبلغ طولها 120 كيلومتراً، لا يزال يذكّر بسنوات الحرب، الطرقات غير المعبّدة، الجسور المهدّمة، البيوت المدمّرة، الدشم المسلحة بالإسمنت، ومع ذلك فهي توحي بالامان، على عكس الطريق التي تصل عاصمة اقليم بلوشستان بالنقطة الحدودية. اذ تمنع السلطات الباكستانية بشكل خاص الاجانب من عبور تلك المنطقة التي يسيطر عليها رجال القبائل من دون مرافقة رجال الشرطة لهم او حتى دورية كاملة احياناً، اذ بعد هبوط الليل يسيطر، رجال القبائل على الطريق العام ويتعرضون للعابرين.
ثلاث نقاط تفتيش لرجال حركة "طالبان" فقط هي كل ما شاهدته على طول هذا الطريق، لكن اكثرها دقة في التفتيش هو الحاجز الواقع على مدخل قندهار، اذ أمعن رجاله في التدقيق في اوراقي، وطلبوا من السائق ان يذهب بي الى مركز شرطة داخل المدينة وزاد من صعوبة التفاهم مع السائق عدم معرفتي باللغتين الفارسية والباشتونية.
بعد جولة على عدد من المراكز التابعة لحركة "طالبان" أصررت على السائق، عبر مترجم يتحدث الانكليزية، ان ينقلني الى مركز للامم المتحدة، او الى الفرع التابع لوزارة الخارجية، وهو ما نصحني بالتوجه اليه فور وصولي سفير افغانستان في العاصمة الباكستانية مولوي محمد سعيد الرحمن حقاني. لكن عدم معرفته، قادته الى اخذي الى مركز شرطة آخر.
كان من حسن حظي ان احد عناصره يتكلم العربية، الامر الذي يسّر امري، فاتصل بفرع وزارة الخارجية في قندهار، الذي طلب من مضيفي، ان يبقيني عنده، قبل ان يطلب من السائق الانصراف.
لم يمر اكثر من ربع ساعة، حتى كانت سيارة مرسيدس تتوقف في باحة المقر، ويترجل منها شابان احدهما يتكلم العربية والانكليزية بطلاقة.
رحب بي بعدما استفسر عن سبب وصولي في وقت متأخر من الليل. وعندما طلبت منه ان يدلّني على مركز لإقامة الضيوف من الاجانب تابع للامم المتحدة او آخر تابع للصليب الاحمر الدولي، تبرع الشاب الذي أفصح لي بأنه طالب طب في السنة الثالثة في جامعة قندهار انه سيوصلنا الى هناك على ان يؤمن الاتصال بي صباح اليوم التالي من قبل المسؤولين عن شؤون الاعلام في "امارة افغانستان الاسلامية" حسب تسمية "طالبان".
كان الطقس بارداً تلك الليلة، الامر الذي شجع احد العاملين في مقر الضيافة الذي يدفع زواره بدلات متواضعة لقاء اقامتهم، على وضع مدفأتين واحدة على الغاز واخرى على الكاز، وهو ما كاد يؤدي الى اختناقي لولا العناية الالهية التي ايقظتني في اللحظة المناسبة. وفضّلت بعد هذه الحادثة عدم النوم وفتح نوافذ الغرفة واستقبال البرد القارس على الموت اختناقاً بانتظار الصباح. كان صحن البيض المقلي مع رغيف خبز جاف هو الطبق الوحيد الذي يقدم كفطور لي في المكان الذي بدا شبه خال من الزوار، منذ ان تعرضت افغانستان للقصف الصاروخي الاميركي الذي استهدف مقرات قيل انها تابعة لأسامة بن لادن وأنصاره.
بعد التاسعة بقليل أبلغت المسؤول بالتوجه بسيارة الى مكتب مولوي وكيل احمد متوكل الناطق باسم رئيس حركة "طالبان" وأحد أبرز مفاوضيه سواء مع فصائل المعارضة التي يطلق عليها اسم "المخالفين" في المناطق الخاضعة لسيطرة "طالبان" او مع المبعوثين الدوليين المهتمين بإيجاد حل سلمي للنزاع.
بعد لقاء استمر حوالى الساعتين غادر وكيل للقاء الملا محمد عمر الذي يُطلق عليه لقب "أمير المؤمنين" قبل ان يتوجه في مهمة الى خارج البلاد. كان القيادي البارز في حركة "طالبان" مرتاحاً ذلك النهار المشمس، وربما فسّر ذلك قوله حين اجاب مازحاً رداً على سؤال عن وضع المرأة الافغانية في ظل حكم "طالبان" ان "المرأة في بيوتنا معروفة بأنها وزيرة الداخلية ووزيرة الدفاع، اما الرجال فهم وزراء الخارجية… وتتهمنا بأننا نضطهد المرأة".
وحين طلبت من مولوي تأمين لقاء مع الملا محمد عمر، رد قائلاً: "سأطرح الامر عليه حالاً وقبل سفري، على رغم انني اعرف ان مشاغله كثيرة في الوقت الحاضر". لكنه طلب مني تفقّد قندهار التي اوشكت ان تخطف الاضواء من كابول العاصمة بعدما اتخذتها "طالبان" مقراً للقيادة.
شوارع قندهار تعجّ بالدراجات الهوائية والنارية، الاولى يبلغ معدل سعر الواحدة منها حوالى مئة دولار، اما الثانية فيتراوح سعرها بين 300 و400 دولار تبعاً لطرازها ومكان صنعها. اما السيارات فهي تتراوح بين الحديثة جداً التي تم استيرادها من منطقة الخليج العربي عبر ايران وباكستان او القديمة التي "أكل الدهر عليها وشرب". على مسافة غير بعيدة من السوق المعروفة ب "عمري ماركت" يُشيّد مسجد كبير يُطلق عليه اسم الملا عمر او مسجد عمري، وفي الشارع الرئيسي المعروف بطريق حيرات يافطة كُتب عليها "فلتسقط كل انواع المخدرات". بسطات الفاكهة تنتشر في كل مكان ومنها تجد كل انواع الفاكهة تقريباً التي تصل في معظمها من باكستان.
حين سألت مرافقاً كان الى جانبي كالظل عن سرّ تهريب الماشية الذي لاحظته بعد دخولي مسافة غير بعيدة عن نقطة الحدود الافغانية - الباكستانية، ردّ بالقول ان تجّار الماشية في افغانستان يلجأون الى تهريبها الى باكستان بسبب الارباح العالية التي يجنونها من جراء ذلك. فسعر كيلو اللحم لا يتجاوز الدولار الواحد، وهو سعر مرتفع، اذا ما قورن بمعدل دخل الموظف الحكومي الافغاني الذي لا يتجاوز العشرة دولارات. وحين سألته عن الطريقة التي يتدبّر بها الموظفون شؤونهم المعيشية ردّ بالقول انهم يعتمدون على الأغلب، على ما تدرّه عليهم محاصيلهم الزراعية اذا كانوا من ملاّك الاراضي او مما يحصلون عليه من مساعدات تقدمها منظمات الاغاثة الدولية المختلفة او أقاربهم في الخارج.
وضرب مرافقي مثلاً، فقال ان حاجي محمد فاضل مدير مكتب وزارة الخارجية في قندهار لا يتجاوز دخله 8 دولارات شهرياً، وهو دخل يوازي دخل الموظفين العاملين معه في المكتب، الا ان حاجي فاضل يعتمد على مورده المالي من الزراعة في قريته.
من شارع مقر قيادة الشرطة عبر شارع غولي اوردو حيث توجد قاعدة عسكرية، يُلاحظ العابر ان الطريق معبدة، وهي من اول الطرق المعبّدة في افغانستان حديثاً، والحيطان التي لا تزال واقفة في النصف الثاني من الشارع تحمل آثار القذائف بفعل المواجهات العسكرية التي حصلت في العقدين الماضيين، سواء بين الروس والمجاهدين الافغان، او اثناء الحروب "الاخوية".
في شارع شاوني بازار يقيم عدد كبير من رجال "طالبان" لقربه من الثكنة العسكرية وفي حي ارغنداب المعروف بأنه مكان اقامة النخبة في قندهار يمكن ملاحظة التنظيم الاداري للمنطقة التي تقطعها ساقية صغيرة تعرف بقنال ظاهر شاه وتصلها
المياه من سدّ كاجاكي الذي تحجز خلفه المياه لفترة تتراوح بين شهر وشهرين قبل ان تتوزعها الحقول المشهورة بتصدير افضل انواع الفاكهة.
على جانبي الطريق تتوزع مدارس مختلفة، احداها مدرسة دينية يُطلق عليها اسم مدرسة ابو حنيفة وهي احدى اشهر مدارس قندهار، واخرى يطلق عليها اسم مدرسة محمد ضياء. وعلى يمين قناة ظاهر شاه يشيد منذ سنوات الملا محمد عمر مسجداً هو الاضخم في افغانستان ويعرف باسم اولد ايدجاب اي المسجد الكبير. وقد كلّف الاشراف على بنائه مستشاره مولوي وكيل احمد متوكل الذي اشتهر والده بكونه من ابرز رجال الدين في المنطقة منذ عقود، وهو أمرٌ اكسبه احتراماً وسمعة جيدة.
ويشير احد رجال "طالبان" الى منزل يعود الى احد القادة العسكريين في التنظيم الذي يتزعمه القائد الطاجيكي احمد شاه مسعود، ويدعى خان محمد. ويضيف محدثي قائلاً ان "خان محمد هو أسوأ رجل في قندهار، وقد فرّ الى خارج البلاد اما قائده الملا نقيب فاستسلم للحركة بعدما فرضت "طالبان" نفوذها على المنطقة في نهاية العام 1994 ويبدو ان الملا نقيب آثر الانتقال الى اسلام اباد للعيش فيها، بعدما تعرض لاطلاق نار واصيب بجروح بليغة.
منظر السيارات الحديثة الفارهة في شوارع قندهار يعود معظمها للميسورين الذين صنعوا ثروتهم من تجارة المخدرات، او لقادة "طالبان" ولعل ما يفسّر كثرتها، الرسوم القليلة التي تتقاضاها الحكومة الاسلامية على السيارات القادمة عبر ايران وتركمنستان وتتراوح بين 300 دولار و400 دولار. ويقول أحد تجار السيارات إن قيمة سيارة "لاندكروز" تتراوح بين 10 و15 ألف دولار، وان بعض هذه السيارات الفارهة يحتم تزوير بعض قطعها قبل أن يتم تهريبها إلى باكستان حيث أسعار السيارات أكثر ارتفاعاً.
ويقول أحد المسنين "إن قندهار التي يغطي الغبار شوارعها وبيوتها كانت يوماً ما مدينة عز، فعندما حكمها أحمد شاه بابا جعلها عاصمة قبل حوالي 350 عاماً ونجح في اخضاع الهند وبخارى وباكستان وطاجيكستان ونصف إيران لسلطتها".
وينسب لأحمد شاه بابا تسمية بلاده بأفغانستان بعدما كانت تدعى بلاد خراسان وقبل ذلك اريانا.
وتعتبر قبيلتا بوبارزاي والكوازي أكبر القبائل في قندهار، في حين ينتمي قائد "طالبان" الملا محمد عمر اخوند إلى قبيلة غلجا وهي فرع صغير من قبيلة خروجا.
وتتكدس براميل المحروقات على جنبات الشوارع على رغم ان التيار الكهربائي عاد إلى المدينة قبل بضعة أشهر، وكذلك مياه الشرب التي قال الملا محمد حسن حاكم قندهار وعدد من المحافظات المحيطة بها أنها عادت إلى قندهار بشكل عادي للمرة الأولى منذ بدء الأحداث في أفغانستان. ويبلغ سعر غالون البنزين حوالي دولارين، في حين يبلغ سعر غالون الكاز المازوت دولاراً واحداً. أما الاتصالات الهاتفية التي تربط قندهار بالعالم فتقتصر على 5 أو 6 خطوط هاتفية مربوطة عبر الشبكة الباكستانية وموزعة على عدد من مكاتب المسؤولين في "طالبان"، في حين تعتمد عامة الناس على الاتصالات اللاسلكية التي تم اصلاحها قبل وقت غير بعيد.
ويستمع أكثر من 90 في المئة من السكان الأفغان إلى محطات الاذاعة التي تبث من لندن وطهران وإسلام اباد بسبب عدم وجود بث متواصل من محطة "صوت الشريعة" التي تبث بضع ساعات في الصباح والمساء، سواء في قندهار أو كابول.
ويقول عبدالحي مطمئن المسؤول الإعلامي في "طالبان" إن الامكانات المادية والفنية تحول دون تواصل البث أو تعميمه ليشكل كل أنحاء البلاد، أما أمر البث التلفزيوني الذي حُظر منذ أن فرضت الحركة سيطرتها على نحو 90 في المئة من البلاد، فقال إنه بحاجة إلى "قرار على أعلى المستويات"، ويقصد بذلك "أمير المؤمنين".
ويعتبر الملا محمد حسن رحماني والملا محمد رباني رئيس مجلس الشورى في كابول، إضافة إلى مولوي وكيل أحمد متوكل والملا عبدالجليل اخوند والملا واديلا قائد عسكري من أبرز قيادات الحركة التي يعتمد عليها الملا محمد عمر في إحكام سيطرته وتنفيذ توجهاته.
في قندهار مستشفيان احدهما مدني ومعروف بالمستشفى الصيني، يشرف الصليب الأحمر الدولي على جناح خاص فيه، والآخر مستشفى يعرف بالمستشفى العسكري. ويقول أحد الأطباء في المستشفى الصيني إنه لا يمر أسبوع من دون وصول مصابين جرحى أو قتلى من جراء الألغام المنتشرة في كل مكان، فيما العيادات تفتقر إلى الأدوية المطلوبة، التي يضطر السكان لشرائها على نفقتهم الخاصة.
وفي قندهار جامعة تضم كليتين، واحدة للطب وأخرى للزراعة، ويدرس فيهما حوالي 300 طالب. ويقول جميل أحمد، أحد طلاب كلية الطب، إنه قدم إليها من الكويت، وهو إلى جانب دراسته يعمل بدوام جزئي في وزارة الخارجية.
في الزيارات التي قمت بها لعدد من المقرات التابعة لمنظمات دولية في قندهار ومحيطها، راح موظفو هذه المنظمات من الأجانب يهمسون في اذني متسائلين إذا اتيحت لي فرصة لقاء أو. بي. ال أو بالانكليزية O.B.L، وبعد همسات أخرى عرفت انهم يقصدون اسامة بن لادن. وقال بعض الذين تحدثت إليهم من المسؤولين في "طالبان" وحتى من السكان، ان ابن لادن غير موجود في قندهار. وأسر مولوي وكيل أحمد متوكل لي قائلاً إن "أمير المؤمنين منع أي شخص من الالتقاء به بسبب غضب حركة طالبان من التصريحات الأخيرة التي أدلى بها ابن لادن وتعرض فيها للموقف الأميركي من قصف العراق".
وقال مسؤول آخر: "سمحنا لابن لادن بالدفاع عن الاتهامات الموجهة ضده في شأن ضلوعه في عمليتي تفجير للسفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، وليس لاعطاء وجهة نظره في مواقف حكومات ودول تسعى الإمارة الإسلامية في أفغانستان إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية". وأجمع عبدالحي مطمئن والملا محمد حسن ومولوي وكيل أحمد على أن الحركة "استضافت ابن لادن وهي مهتمة بسلامته تقديراً لجهوده ودوره في الجهاد الأفغاني، إضافة إلى أن واجبات الحركة تجاه شخص مسلم تقتضي ذلك، لكن الواجب يقضي بأن لا يجلب ابن لادن أي ضرر لأفغانستان".
ويقول أحد المواطنين الأفغان إنه من الصعب التمييز بين عربي وأفغاني في هذه المنطقة، وأعطى مثلاً انه دأب على الصلاة طوال شهر رمضان مع أحد الأشخاص، إلا أنه لم يكتشف أنه عربي إلا عند مصافحته يوم عيد الفطر. وأضاف ان العرب باتوا يلبسون الزي الأفغاني ويتكلمون لغة أهل البلد، وبالتالي من الصعب تعقبهم أو حتى معرفة أماكن وجودهم، وإن كان بعضهم يقول إن هؤلاء تركوا أسرهم أخيراً في مجمعات تم اصلاح أبنيتها أو تشييدها حديثاً في قندهار ومحيطها.
ويقول مسؤول أفغاني: "إن إثارة الغرب لموضوع ابن لادن فيها الكثير من المبالغة، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة التي أشرفت حتى زمن غير بعيد على نشاطه وتشييد معسكراته"، معتبراً أن لدى الحركة هموماً أكبر من هم ابن لادن، وهو كيفية إعادة بناء بلد تهدم بالكامل.
ويقول الملا محمد حسن، الذي يوصف بأنه رفيق درب الملا عمر: "إن هم التعليم وحرية المرأة وحقوق الإنسان لا تلقى الاهتمام الذي يريدنا الغرب أن نوليه لها لسبب مهم، هو ان أولوياتنا غير أولوياتهم، فقبل أن نهتم بتعليم المرأة علينا أن نهتم باطعامها واسكانها، إضافة إلى تطبيق الشريعة وحكم الله على الأرض ضمن ما لها علينا من حقوق".
ويروي مسؤولون في الخارجية وفي مؤسسات الأمم المتحدة حادثة حصلت مع منسق عمليات الأمم المتحدة السابق في أفغانستان أثناء اجتماعه مع الملا محمد حسن، فقد قذف حاكم قندهار موظف الأمم المتحدة بابريق الشاي حين حاول المنسق أن يشرح للملا حسن أهمية عودة النساء الأفغانيات للعمل في وظائفهن في مكاتب الأمم المتحدة، متسائلاً عن رد فعل زوجة الملا إذا مُنعت من القيام بعملها رغماً عنها، الأمر الذي اعتبره الملا إهانة شخصية. وربما تكرار مشهد كالذي رأيته في حي شهري نو حيث الستاد الرياضي، يعبر عن طريقة فرض الأمن، إذا كان المئات من سكان المدينة يتدافعون من أبواب الملعب، وحين استفسرت من مرافقين عما إذا كانت مباراة رياضية قد انتهت للتو، أجاب: "لقد تم إعدام رجل اتهم بقتل أربعة أشخاص وذلك بإطلاق الرصاص عليه". وكان راديو "صوت الشريعة" لفت انتباه السكان في الليلة التي سبقت عملية الاعدام إلى الحكم الصادر بحق الجاني وحددت الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم كموعد لتنفيذ الحكم.
ويؤكد الملا محمد حسن أن نسبة الجريمة والاعتداء على أملاك الناس وأرواحهم خفت منذ سيطرة "طالبان" على الوضع بنسبة 90 في المئة. وهو أمر يقره المواطنون، لكنهم يتساءلون إذا كان فرض الأمن هو الشيء الوحيد المطلوب، ولو على المدى المنظور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.