كان يحلو لزعيم الحزب الإسلامي الافغاني قلب الدين حكمتيار ان يردد انه لم يتقدم لمصافحة الرئيس رونالد ريغان خلال استقباله قادة المجاهدين الأفغان للاحتفال بانسحاب القوات السوفياتية من بلادهم أواخر الثمانينات من القرن الماضي. هذا"التمرد"من حكمتيار لم يكن نتيجة إصراره على"معاداة الامبريالية"فحسب، بل أيضاً لرفضه ان يكون واحداً من مجموعة قادة يعزى اليهم الفضل في هزيمة الجيش الأحمر، بل هو يريد ان يكون الرائد في هذه المجال. عندما اشتم"المهندس"كما يحب ان يسميه أنصاره، بوادر تسوية محتملة بين الحكومة الأفغانية"وطالبان"، سارع الى تأكيد حضوره في المعادلة، بتبنيه هجوماً قرب كابول أواسط آب أغسطس الماضي، أسفر عن مقتل عشرة جنود فرنسيين، هو الذي لم يغفر لبلادهم دعمها خصمه الراحل أحمد شاه مسعود خلال التقاتل بين المجاهدين العشرين على العاصمة الأفغانية أوائل التسعينات من القرن الماضي. يمسك حكمتيار بمنطقة استراتيجية على الحدود الأفغانية - الباكستانية، انطلاقاً من ولاية كونار حيث يتخذ وأنصاره ملاذات آمنة سرية، على بعد مئات الأميال عن مكان تحصن زعيم"طالبان"ملا محمد عمر في مسقط رأسه في ولاية اوروزجان وسط أفغانستان. وعلى رغم تباعد المسافة بينهما، فإن"قلبيهما"يلتقيان على كراهية المحتل الأجنبي، ما يساعدهما في نسيان النفور المتبادل الذي لم يمحُه تبدل الظروف منذ أواسط التسعينات حين أطاحت"طالبان"حكومة"المجاهدين"في أفغانستان والتي كان يرأسها"المهندس". والى جانب حكمتيار والملا عمر، ثمة قائد ثالث يقاسمهما مهمة التصدي للاحتلال الأجنبي، هو الشيخ جلال الدين حقاني الذي أغارت الطائرات الأميركية على معقليه في باكستانوأفغانستان مرتين في أيلول سبتمبر الماضي، من دون ان تحقق هدفها في تصفيته. ويمسك حقاني بالجزء الاوسط من الحدود الباكستانية -الأفغانية انطلاقاً من معاقله في ولايتي بكتيا وبكتيكا، وهو"مهندس"العلاقة بين الملا عمر وزعيم تنظيم"القاعدة"أسامة بن لادن، إضافة الى تغلغله في التركيبة البشتونية في مناطق القبائل العصية على الدولة غرب باكستان، ما دفع زعيم"طالبان"الى تعيينه أواخر التسعينات، قائداً للقوات المسلحة لنظام الحركة، على رغم كونه لا ينتمي إليها تنظيمياً. وفي حين يعتقد مراقبون أن حقاني لا يزال الأقرب الى بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، فإن المرجح ان علاقة حكمتيار بپ"القاعدة"لا تتعدى حد"احتكاكه"برجالها لدى تحركهم في المنطقة المحاذية لمعقله، نظراً الى انعدام ثقة تقليدي بين الجانبين، ومأخذ زعيم الحزب الإسلامي على بن لادن دعمه"طالبان"في السيطرة على الحكم في كابول. أما الملا عمر فهو"يوازن"بين تيارين في حركته، أحدهما مؤيد لمتشددي"القاعدة"باعتبارهم"إخوة في الجهاد"، وآخر يناهض المقاتلين العرب وان رضي بالميثاق الذي قطعه الملا عمر بپ"استضافتهم"، الى ان وجد هذا التيار نفسه في حل من هذا العهد مع الهجوم الأميركي الذي أطاح نظام"طالبان"أواخر 2001. ويقود هذا التيار داخل"طالبان"وزير خارجيتها السابق وكيل أحمد متوكل والى جانبه الديبلوماسي الأبرز سابقاً في نظام الحركة عبدالسلام ضعيف الذي طارت به الشهرة عندما كان النافذة الوحيدة للحركة على العالم الخارجي، عبر مؤتمراته الصحافية اليومية حين تولى منصب سفير"طالبان"لدى أفغانستان ابان هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001. عاد متوكل وضعيف اللذان لطالما اعتبرا من"انتليجنسيا"الحركة الى الواجهة في الأسبوعين الماضيين، في ظل تكاثر الكلام على"مفاوضات"بين"طالبان"وكابول، برضا الأميركيين وتشجيعهم، في محاولة للتوصل الى تسوية تنهي الحرب في أفغانستان، ما يعيد الى الأذهان اتصالات جرت مع متوكل غداة"11 أيلول"من اجل تسوية مع الحركة، ولا يزال الأميركيون عند الشرط الذي وضعوه آنذاك للتطبيع مع"طالبان"وهو قطع علاقتها بپ"القاعدة"، الأمر الذي يوحي بصعوبة تحقيق اختراق في المحاولة المستجدة، خصوصاً مع مسارعة الملا عمر الأسبوع الماضي الى وضع شرط للمصالحة مع الحكومة الأفغانية هو انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان! ولا تصل السذاجة بپ"العم سام"الى حد الاعتقاد أن متوكل وحده قادر على"تطهير"الأراضي الأفغانية، خصوصاً المتاخمة لمنطقة"بشتونستان"القبلية الباكستانية، من المتشددين العرب، لكنه قد يكون قادراً على إعادة نشر رسالة بين البشتون في الجنوب الأفغاني مفادهاً ان التحالف مع"القاعدة"كان ولا يزال وبالاً على"المولويين"، اتباع المدرسة الفكرية التي انبثقت منها"طالبان"في أفغانستان. وقد يكون القصد من هذه الرسالة استنساخ تجربة"الصحوة"التي أبصرت النور بين سنة العراق، وظهرت بوادر مماثلة لها في الجانب الشرقي من الحزام القبلي البشتوني في باكستان أخيراً، وصولاً الى استحداث ميليشيا للصحوة في بعض المناطق الأفغانية، على أمل تطويق معاقل التشدد على الحدود الباكستانية - الأفغانية بين فكي كماشة، وتخفيف الضغط عن قوات التحالف، والحيلولة دون انهيار نظام الرئيس الأفغاني حميد كارزاي بفعل ضربات المتشددين. ولعل الخوف من هذه"الصحوة"هو الذي دفع طهران الى إبداء معارضتها لفكرة التسوية مع"طالبان"بعدما توالت الأصوات الأميركية المشجعة لهذا الأمر وكان آخرها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس. وفي هذا السياق كان لافتاً قول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي، ان على دول الغرب دعم حكومة كارزاي بدل محاولة التفاوض مع"طالبان".