لا يعكس مشهد السيارات والشاحنات المتوقفة بسبب الجليد والعواصف الثلجية على الطريق المؤدي الى العاصمة الافغانية كابول على سفح جبل ماهي بر الا صورة من صور الحياة القاسية والصعبة التي يعيشها الافغان منذ غزا السوفيات بلادهم قبل حوالى 17 عاماً. ولا تظهر على وجه أي افغاني من سكان كابول الذين استفسرت منهم عن صحة الروايات المتداولة عن نبش أطفال للقبور في شمال العاصمة، بحثاً عن عظام الموتى من البشر، لبيعها لتجار ينقلونها الى بيشاور حيث يبيعونها على اساس انها عظام حيوانات لاستخدامها في صنع انواع معينة من الزيوت، سوى ملامح الاسى والحزن على الحالة البائسة للافغان الذين عُرف عنهم اعتدادهم بالنفس. يقول مُدرس من سكان كابول رافقني في السيارة التي اقلتني من بلدة تورخم على الحدود الباكستانية - الافغانية عبر مدينة جلال آباد الى كابول في رحلة استغرقت اكثر من سبع ساعات عبرنا خلالها طرقات مليئة بالحفر، تحولت الى برك مياه تجبر السائقين احياناً كثيرة على ألا تزيد سرعة السيارة على بضعة كيلومترات في الساعة، خوفاً من السقوط في الوديان المحاذية، يقول المدرس ان هذه العظام تستعمل اما لزيت يخصص للطعام أو في صناعة الصابون أو اطعمة للدجاج أو حتى كأزرار. ويشير المدرس الى ان التجار في كابول الذين يتولون نقل العظام تحولوا الى هذه التجارة بعدما كانوا في السابق يتولون جمع الحديد والمعادن الاخرى، اثر حظر حركة "طالبان" تصديرها الى باكستان، منذ ان سيطرت على كابول في 27 ايلول سبتمبر الماضي. "لا يوجد أي عمل آخر، نحن بحاجة للنقود لنشتري الطعام لاطفالنا"، قال أحد التجار الذي لم يسمح لنا بالتقاط صورة له من قبل مرافقي الذي ظل الى جانبي كظلي في الساعات القليلة التي قضيتها في كابول. هارون شاولي، خريج جامعة كابول ويعمل مع احدى منظمات الاغاثة قال: "لا يشعر السكان الذين يعيشون على مقربة من المقابر في شمال العاصمة أو حتى وسطها حيث مقبرة الشهداء، بالاستغراب لرؤية أطفال يتسللون الى المقابر في الساعات الأولى من النهار"، عندما يُرفع حظر التجول المفروض على العاصمة يومياً من التاسعة ليلاً وحتى الخامسة صباحاً. ويضيف هارون: "بالطبع لا تعرف حركة "طالبان" حقيقة الوضع، وان كانت قد سمعت به، بعدما بات الامر مكشوفاً، اذ ان تجار العظام يقولون للمسؤولين، ان ما يجمعونه يعود لكلاب أو احصنة أو حتى أبقار وغنم وليس لبشر". ويعزو محدّثي أسباب اللجوء الى هذا النوع من التجارة الى تردي الاوضاع الاقتصادية والغلاء الفاحش بعدما وصلت نسبة التضخم العام الماضي الى اكثر من 400 في المئة، ونصف سكان افغانستان على الأقل عاطل عن العمل، وزاد من تعقيدات الوضع وصعوبة المعيشة، اجبار حركة "طالبان" النساء على البقاء في منازلهن ومنعهن من العمل باستثناء الطبيبات والممرضات، شرط ان يرتدين الحجاب ويلتزمن ارتداء الزي الشرعي. ويصف هارون شاولي أطفال المقابر بأنهم ثمرة "جيل بلا عمل ولا طعام وحتى ولا أمل". الحياة في كابول مملة للبعض ومتعبة ومرهقة للبعض الآخر، مملة للذين لا تتوافر لهم أي وسيلة من وسائل الترفيه والتسلية، كدور السينما ومحطات التلفزيون والاذاعة التي تبث الافلام والموسيقى. يقول شاولي: "لقد اغلقت دور السينما الأربع عشرة في كابول وكل دور السينما الواقعة في مناطق تخضع لحركة "طالبان"، في العاصمة داران للسينما على الأقل حولتا الى مساجد في حين دمرت الحرب صالتين، وتم جمع كل اشرطة الفيديو والاغاني من المحلات في الساحات العامة واتلافها. سائق السيارة الذي رافقني في جولتي داخل العاصمة ومحيطها، لفت انتباهي الى انتزاعه آلة التسجيل من سيارته واخفائها في المنزل حتى لا تتم مصادرتها. الحركة في شوارع كابول تكاد تنعدم مع غروب الشمس، عندما تسأل، يأتي الجواب: لماذا الخروج من المنازل، طالما لا توجد اماكن عامة يرتادها الرجال مثل المقاهي أو دور السينما. ولعل انخفاض درجات الحرارة الى ما دون الصفر يزيد من تردد السكان في الخروج والتعرض للبرد القارس في العاصمة التي تتربع على ارتفاع حوالى ستة آلاف قدم، وسط جبال مرتفعة، كانت محطة للتجارة من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب. على ضوء الشموع مدير فندق انتركونتيننتال، أنور ماتونيار، الذي رحب بي عند وصولي الى الفندق لقضاء الليل، تردد كثيراً قبل ان يبلغني ان مولد الكهرباء سيتوقف عن العمل في الساعة التاسعة مساء، فالكهرباء على حد قوله لا تزال غير منتظمة بسبب الاعطال التي لحقت بمحطات التوليد، والشبكة التي تزود العاصمة. الشوارع في محيط الفندق الجاثم على تلة في محلة باغ بالا بالقرب من معهد "البوليتيكنيك" مظلمة، ويعرض عليّ شموعاً لاضاءتها عند الحاجة، ثم يعدني بانه سيزودني بوعاء مليء بالمياه الساخنة عند الطلب، معتذراً عن الحالة التي وصلت اليها بلاده، هو الذي عاش أزماتها الحديثة وحروبها منذ اطاح محمد داود الملك محمد ظاهر شاه في العام 1972. لكن أنور لا يخفي سعادته بالوضع الحالي، اذ "توجد حكومة اسلامية، ولا توجد صواريخ كما كان يحصل في السابق، هناك فقط غارات بالطائرات من وقت الى آخر، ونحصل على رواتبنا القليلة بانتظام، وهي لا تتجاوز بضعة دولارات شهرياً، الحياة غالية جداً ولا يستطيع الفقراء اطعام اطفالهم لولا المساعدات التي تقدمها منظمات الاغاثة الدولية العاملة هنا". في جولة عبر شوارع كارته بروان وشهر نو وقوى مركز ومستديرة داني باغ ووزير أكبر خان حيث يعتبر الحي الاخير من الاحياء الراقية التي يقيم فيها الوزراء والميسورون من القلة التي لم تغادر كابول مثلما فعل اكثر من 40 ألف مواطن تركوا العاصمة منذ ان سيطرت "طالبان" عليها، تبدو أكياس الرمل أمام المنازل والمحلات ومكاتب لمنظمات دولية في كابول، لتذكر بما عرفته وعاشته عواصم اخرى مثل بيروت عندما كان السكان يدفعون ثمن حروب الطوائف والتنظيمات على اختلاف انواعها وانتماءاتها مع فارق واحد، هو ان قساوة الطبيعة وصعوبة الحصول على لقمة العيش لا تقارن مع معاناة الافغان في كابول وفي غيرها من المدن والقرى. منظر براميل المازوت والكاز وصفائح البنزين مألوف على الطرقات والشوارع العامة، حيث الحاجة الى الوقود للتدفئة والحطب ضرورية بل وماسة في الشتاء القاسي الذي يعيشه مليون ونصف مليون افغاني في كابول. وعن تاريخ العاصمة الافغانية يقول ماتوينار، كان عدد سكان كابول في العام 1978 حوالى نصف مليون نسمة، لكن هذا العدد زاد حوالى ثلاثة اضعاف بسبب تدفق اللاجئين اليها هرباً من المعارك. وتشهد الاثار القديمة والعمارة التي لا تزال قائمة حتى الآن، على تاريخ عريق لكابول وتوسعها بعدما كانت لا تجاوز المنطقة الواقعة بين أقدام جبل دراوزه ونهر كابول، ثم امتدت لتشمل مدينة شهر نو في العام 1935 حيث بقايا حائط قديم يقول خبراء الاثار ان بناءه يعود الى القرن الخامس الميلادي. جمع السلاح جانان مير، أحد المسؤولين في حركة طالبان في كابول والذي رافقني في جولة داخل العاصمة شملت منازل أمير خان متقي المسؤول عن الاعلان والثقافة في حكومة "طالبان" ورئيس المجلس المكلف بالاشراف على كابول ملا محمد رباني آخوند، لم يفوت فرصة ليعدد خلالها ما حققته "طالبان" على صعيد الأمن والاستقرار. يقول مير الذي يتكلم الانكليزية والعربية، ان التعديات على المنازل والسرقات انخفضت بشكل كبير منذ سيطرت الحركة على العاصمة، وهناك شعور بالارتياح لدى المواطنين من نجاح الحركة في ابعاد العاصمة عن مرمى مدفعية وصواريخ قوات حكومة رباني وأحمد شاه مسعود المخلوعة. عن أولويات الحركة في المرحلة الحاضرة يضيف المسؤول في طالبان ان "الحواجز المنتشرة في المناطق الخاضعة لسيطرتنا، والدوريات المتنقلة تركز على جمع السلاح من المواطنين، لايماننا بأنه لا حاجة لوجود سلاح في ايدي المواطنين بعد اليوم". هروب الديبلوماسيين وباستثناء ديبلوماسيين باكستانيين وآخرين من ايران لا يوجد في كابول اي ممثل لعاصمة اخرى. سفارة السودان ابوابها مقفلة، وكذلك سفارة فرنسا وغيرها من السفارات التي شاهدناها اثناء جولتنا في كابول. ظالمي علي، طالب في جامعة كابول المتوقفة عن الدراسة بسبب فصل الشتاء، يأمل بعودة جميع الطلاب الى مقاعد الدراسة بعدما تعطلت الدراسة بسبب قرار "طالبان" منع الفتيات من الذهاب الى المدارس والجامعات. ومن بين سبعة آلاف طالب في جامعة كابول، يقول ظالمي الذي يعمل بشكل موقت كاداري، ان هناك ثلاثة آلاف طالبة في الجامعة. ويأمل ظالمي بالتوصل الى صيغة تتيح للفتيات مواصلة دراستهن، لأن المرأة، على حد قوله، نصف المجتمع، ولا يوجد ما يحول دون مواصلتها لدراستها "لأن الدين يحث المسلمات والمسلمين على تحصيل العلم". في أسواق وبازارات كابول يبدو الباعة أكثر عدداً من المشترين، بعدما باتت تجارة المواد الغذائية وكل ما يتعلق بالحياة اليومية من طعام وشراب ووقود وملابس مستعملة أمراً طبيعياً. ممرضة في احدى الجمعيات الدولية العاملة في كابول، قالت بتأثر واضح انها سعيدة للعودة الى عملها بعدما اجبرت على ارتداء الحجاب، لكنها قالت ان شقيقاتها لا يستطعن العودة الى اعمالهن بسبب عدم السماح لغير الممرضات والطبيبات من النساء بالعودة الى العمل بعد ارتداء الزي الاسلامي، مضيفة ان غالبية النساء الآن تحولت الى الاعمال المنزلية والخياطة وصناعة السجاد، اذ من غير المعقول ان تقتصر حياة النساء على الأكل والشرب والنوم في بلد تلعب فيه المرأة دور الأب اذا كانت أرملة أو مطلقة أو معيلة لأسرة تضم أطفالاً بشكل خاص. في مقر اللجنة الدولية للصليب الاحمر يسهب جان لوك بلاديني في الحديث عن نشاط المؤسسة الانسانية في كل انحاء افغانستان. فيقول ان عدد العائلات الافغانية المستفيدة من نشاط اللجنة يزيد على 36 ألف عائلة، عدد أفراد العائلة الواحدة لا يقل عن ستة أشخاص، وتوزع عليهم ا لمواد الغذائية مثل الطحين والرز والزيت والفاصوليا كل شهرين، اضافة الى مواد تساهم في حياتهم العادية مثل الوقود والشمع والحطب للتدفئة والاغطية. وتقدر موازنة الصليب الاحمر الدولي المخصصة لافغانستان بحوالى 60 مليون فرنك فرنسي 12 مليون دولار. ويعمل في الصليب الاحمر اكثر من 25 امرأة افغانية توقفن عن العمل بسبب قرار "طالبان"، بينهن من يقمن بأعمال السكرتاريا أو الترجمة أو حتى التنظيف. وتعاني منظمات دولية اخرى تابعة للأمم المتحدة في هذا المجال أكثر مما يعانيه الصليب الأحمر بسبب وجود عنصر نسوي أكثر في صفوفها. ويصف المسؤول في المنظمة الدولية البرد القارس والثلج بأنه المشكلة الاساسية التي يواجهها سكان كابول. فاسعار الوقود مرتفعة، ونسبة التضخم عالية فيما معدل الراتب الشهري للموظف الحكومي الافغاني يبلغ حوالى أربعة دولارات أميركية وهو مبلغ لا يكفي لشراء اكثر من سبعة كيلوغرامات من الرز. عن مهمة المجلس الذي تم تعينه للاشراف على الحياة وتنظيمها في كابول، قال جان لوك بلاديني: "تم تعيين لجنة من ستة اعضاء برئاسة ملا محمد رباني آخوند الذي يشغل منصب نائب رئيس "طالبان"، الى جانب كل من حج ملا محمد غوت أخوند القائم بأعمال وزير الخارجية والملا محمد حسن اخوند رئيس الاركان وملا فاضل اخوند قائد قوات المشاة، وملا عبدالرزاق المسؤول عن دار الجباية وملا سيد غياث الدين اغا وزير التعليم". ووصف المجلس بأنه حكومة انتقالية ربما يكون الهدف منه التمهيد ربما لانتخابات عامة على الأقل في المناطق. مليون لغم أرضي جيم دوران، فرنسي من منظمة "أكشن كونترا لافيم" الفرنسية تحدث عن أهمية العمل الذي تقوم به المنظمات الدولية غير الحكومية والتي تخفف من معاناة المواطنين. ويعتبر دوران ان ما ينتظر افغانستان في زمن السلم ربما يكون اكثر صعوبة من أيام الحرب، اذ ان هناك حوالى مليون لغم في معظم انحاء البلاد الامر الذي يفسر بشكل واضح سبب اصابات المواطنين بعاهات دائمة، أو قطع ايديهم أو بتر ارجلهم. ويقول زهير الدين عبدالله، وهو كاتب ومثقف، عن المجلس المخصص لعاصمته، انه شكل لحل مشاكل المدينة واعادة ما تهدم من بنيتها الاساسية. هناك مشاريع كثيرة أعلن المسؤولون عزمهم على تنفيذها مثل اعادة تعبيد طريق كابول - قندهار، واعادة التيار الكهربائي الى كل احياء العاصمة بعد اصلاح الاضرار الناجمة عن القصف". وعن قيمة العملة الافغانية في مقابل الدولار الاميركي قال زهير الدين عبدالله ان الدولار الواحد يساوي 27 ألف افغاني، الامر الذي يضع الافغان في وضع صعب لأنهم يدفعون على الاغلب ثمن البضائع التي يشترونها بالعملة الاجنبية سواء كانت باكستانية أم اميركية أو حتى بريطانية. وعن الأمن والنظام في كابول يقول انه لا يوجد ما يدعو الى القلق باستثناء الهجمات القليلة والنادرة التي تشنها طائرات القوى الاخرى المناهضة لطالبان، سواء على المطار أو على عدد من احياء المدينة. لكن اهتمام السكان بما يجري حولهم يكاد يكون معدوماً. الجلوس أمام شاشة التلفزيون أو سماع الموسيقى في العاصمة الافغانية أو حتى التردد على دور السينما أمر تخطاه الزمن فقوانين "طالبان" التي تم تعميمها تحرم مشاهدة التلفزيون والأفلام السينمائية وأشرطة الفيديو لأنها تلهي عن ذكر الله وممارسة الواجبات الدينية. اما الاطباق اللاقطة للقنوات الفضائية، مخالفة للشريعة وتركيبها ممنوع. وهناك ثلاث صحف حكومية احداها اسبوعية وباللغة الانكليزية تحمل اسم "كابول تايمز". وما تشترك به الصحف جميعها هي انها تصدر من دون صور. لم تكن أهمية انتصار "طالبان" في المعارك ضد قوات مسعود ودوستم خاصة بعد احتلال قاعدة باغرام الجوية العسكرية ذات الموقع الاستراتيجي وشاريكار والتقدم نحو ممر سالانغ ووادي بناشير تعني للافغان الشيء الكثير، ربما لأن مصاعب الحياة اليومية والحصول على لقمة العيش لم تترك لهم فسحة للتفكير بأبعد من ذلك. يقول أحد قادة "طالبان" العسكريين في قاعدة باغرام التي وصلنا اليها عبر قرى منتشرة على الطريق الذي يمر بقرى ده سبز وترخيل وجبل كوي صافي ان قواته التي تقدمت باتجاه القاعدة العسكرية التي انشأها السوفيات بعد غزوهم كابول لحماية العاصمة الواقعة جنوباً على بعد 50 كيلومتراً، اضافة الى ممر سالنج، لم تلق مقاومة تذكر. ويضيف المسؤول العسكري "ان اكثر من 200 مقاتل من انصار مسعود استسلموا من دون مقاومة، وقد اطلق سراح بعضهم فيما بقي اخرون للاستجواب". ملا أمير خان متقي المسؤول عن الاعلام في حكومة "طالبان"، والذي يتردد على الجبهة ويشارك في الاعمال القتالية من وقت لآخر، كما يفعل بقية مسؤولي الحركة قال: "لم نضطر لاستعمال المدفعية الثقيلة الا في الساعات القليلة التي سبقت اقتحام القاعدة الجوية والخطوط الدفاعية الأولى لمدينة شاريكار عاصمة مقاطعة باروان على بعد 65پكيلومتراً من كابول". وينفي أمير خان متقي بشدة الاتهامات التي توجه الى حركته في شأن اجبارها مواطنين على اخلاء مناطق تم احتلالها بسبب عدم ثقة الحركة بولائهم لها، ويقول، ان الحركة هي "لكل الافغان، ولا تميز بين مواطن وآخر". لكن مثل هذا التصريح لم يقنع مسؤولي منظمات الاغاثة في كابول بذلك، بعدما رأوا الآلاف من اللاجئين يتوافدون الى محيط العاصمة للعيش فيها. الفريق الصحافي الوحيد الذي شاركني في الاقامة في الفندق لم يتجاوز الثلاثة أشخاص، لم يتردد أحد افراده وهو صحافي تايلندي في المزاح قائلاً: "يبدو ان الفندق محجوز على حسابنا فقط، لعدم قدرة العاملين فيه على تلبية طلباتنا الكثيرة". في احدى ساحات كابول داني باخ تجمهر الناس على جانبي الطريق يحدقون في فتى كان وجهه مطلياً بالأسود وهو يركب على حمار ويحمل في يديه تفاحتين، وحين سألت مرافقي عن السبب، قال انه عقاب للسارق، وعندما حاولت التقاط صورة أبلغني المرافق بأن تصوير منظر كهذا غير مسموح. في موقف مخصص للسيارات والباصات العاملة على خط جلال أباد والحدود مع باكستان، على مقربة من مقر وزارة الدفاع التي تهدمت معظم ابنيتها بسبب القتال، كانت محطة وداعي لمرافقي من "طالبان"، قبل ان تقلني سيارة في رحلة العودة الى بيشاور. لكن المفاجأة كانت ان حواجز "طالبان" اوقفتني على طول الطريق للاستفسار عن عدم اطلاقي لحيتي كما طلبت الحركة من الرجال الافغان قبل شهرين محذرة المخالفين من العقاب الشديد. الا ان تدخل السائق في كل مرة لافهام العناصر باللغة الفارسية أو الباشتوية كان يكفي لانقاذي والسماح لي بمتابعة السير على الطريق التي تنتشر عليها بقايا هياكل الدبابات والآليات العسكرية في الحرب المستمرة التي تلت غزو موسكولافغانستان قبل 17 عاماً