بلغ حجم الودائع في الجهاز المصرفي الفلسطيني نحو 4.2 مليار دولار، وتشير آخر احصائية الى ان نسبة التسهيلات تصل الى 35 في المئة، تسعى السلطة الفلسطينية الى رفعها لتصبح 40 في المئة. ويوجد في مناطق الحكم الذاتي حالياً 22 مصرفاً لها 10 فروع في المناطق كافة، وهي تشمل نحو 9 مصارف وطنية، و8 فروع لمصارف أردنية، ومصرفين مصريين، وثلاثة مصارف اجنبية، ومصرفاً اسرائيلياً واحداً تمت الموافقة على استمرار عمله في ظل القوانين الفلسطينية بشكل كامل. لكن يبدو ان كل ذلك لا يكفي لتلبية طلبات المؤسسات الاقتصادية في مختلف القطاعات، ولمواكبة تطور نمو الاقتصاد الفلسطيني، لا سيما في تنفيذ المساعدات التي التزمت بها الدول المانحة في مؤتمر فرانكفورت الاخير في ألمانيا والبالغة نحو 700 مليون دولار خلال العام الحالي، وهي على شكل هبات وقروض ميسرة وضمانات، خصوصاً وان معظم الجهاز المصرفي الفلسطيني يتعامل مع التحويلات التجارية، لذلك دعا محافظ سلطة النقد الفلسطينية الدكتور فؤاد بسيسو الى اقامة مصارف متخصصة في الاستثمار والتنمية، لافتاً الى ان المناطق الفلسطينية بحاجة ماسة الى مثل هذه المؤسسات، وأن "هناك فجوة في طبيعة البنوك الناشطة في الاراضي الفلسطينية، تسعى سلطة النقد لإغلاقها عبر تشجيع البنوك ذات المستوى العالمي الشامل لفتح فروع لها، وقد جرت محادثات مع عدد من هذه البنوك". حصل هذا التطور في التوجه المصرفي، في وقت يعاني فيه الوضع الفلسطيني في مناطق الحكم الذاتي من متاعب اقتصادية واجتماعية، تزيد من حراجتها حالة الفساد وسوء ادارة الاموال العامة، بينما تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي ارباك هذا الوضع من خلال اجراءات أمنية، مستهدفة في معظمها الشعب الفلسطيني، لزيادة اوضاعه سوءاً حتى اصبحت نسبة العاطلين عن العمل تزيد على الاربعين في المئة. وعلى رغم بعض التطورات الايجابية التي تلت انتقال بعض الصلاحيات الى السلطة الفلسطينية لوحظ منذ العام 1993 توقيع اتفاق أوسلو الاتجاه السلبي لتدهور اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة. وانعكس هذا التدهور على مستويات الدخل المتدنية والبطالة المتفاقمة وتزايد الفقر. فهناك ما لا يقل عن خمس السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة هم فقراء. وتكمن شدة انتشار الفقر في البطالة المتزايدة والصدمات المتتالية والحادة نتيجة اغلاق المعابر التي تمنع العمال من الوصول الى اماكن عملهم وتكبح توسيع القطاع الخاص وعملية خلق فرص العمل. ووفق دائرة الاحصاء المركزية الفلسطينية، فإن معدل البطالة كان 2.18 في المئة في شهري أيلول سبتمبر وتشرين الاول أكتوبر من العام 1995 وارتفع الى 4.28 في المئة في شهري نيسان أبريل وأيار مايو من عام 1996. وتبلغ نسبة البطالة في المتوسط 20 في المئة من الايدي العاملة خلال الفترات الاعتيادية، وتتضاعف خلال فترات اغلاق الحدود. وتشكل سياسات التصاريح وإغلاق المعابر التي تبنتها اسرائيل منذ العام 1993 عائقاً رئيسياً وتحدياً للتطور الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة. ونتيجة لذلك انخفضت العمالة الفلسطينية في اسرائيل من متوسط سنوي يقارب 11 ألف عامل في العام 1992 الى 28 ألف عامل في 1996، وتقلص بالتالي دخل هؤلاء العمال الفلسطينيين بعدما كان يشكل 5،32 في المئة من اجمالي الناتج القومي في العام 1992 الى نحو 8 في المئة في العام 1995 و6 في المئة في العام 1996. وقدرت التكلفة المزدوجة لسياسات اغلاق الحدود والتصاريح بحوالي 850 مليون دولار في العام 1995 ومليار دولار في العام 1996. لقد تحمل القطاع الخاص اكبر الخسائر جراء التراجع في العمالة والتجارة والذي نجم عن سياسات الاغلاق والتصاريح. وحتى مع التوسع الحاصل في القطاع المالي والمصرفي، فإن القطاع الخاص ككل شهد هبوطاً، وحصل تباطؤ في الاستثمار الخاص، كما ان الانتاج المحلي والتصدير لم يستطيعا التعويض تماماً عن الهبوط الحاصل في معدل العمالة في اسرائيل. وفي الوقت نفسه توسع القطاع العام بشكل كبير، وجاء هذا التوسع بشكل اساسي في التوظيف بدلاً من ان يكون في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، وازداد الانفاق الحكومي المتكرر بنسبة ثلاثة اضعاف في الفترة ما بين 1993 و1996 فقفز من 258 مليون دولار الى 779 مليون دولار. وازداد عدد الموظفين في جهاز الخدمة المدنية ايضاً بالنسبة نفسها في الفترة نفسها فارتفع من 22 ألفاً الى 75 ألفاً، ومع ذلك لم يصل الاستثمار في البنية التحتية الى اكثر من 70 مليون دولار في العام، اي ما يساوي اقل من 2 في المئة من اجمالي الناتج المحلي سنوياً. وقد حصل النمو في القطاع العام من خلال توفر مصدرين للتمويل: دعم الدول المانحة وإيرادات الضرائب، ففي الفترة ما بين 1994 و1996 تم صرف 5.1 مليار دولار من معونات الدول المانحة من خلال القطاع العام بشكل اساسي. واضافة الى الصدمات السلبية التي تسببها سياسات الاغلاق والتصاريح، يتوجب على الاقتصاد الفلسطيني ان يتعامل مع نقاط ضعف اساسية بنيوية ذات علاقة بتاريخ من الاحتلال وبمستقبل يكتنفه الغموض. وبالتحديد فإن التخلف في البنية التحتية المادية يبقي انتاجية العمل في مستوى متدن، كما ان عدم اليقين السائد فيما يتعلق باستمرار النزاع مع اسرائيل حول الارض والسيادة من شأنه ان يقلل من نشاط القطاع الخاص. ويبرز الضعف البنيوي في الاقتصاد الفلسطيني بسبب اربعة عوامل رئيسية لا تزال تشكل معوقات خطيرة لأي نمو مستقبلي ولخلق فرص العمل: علاقات سوق غير متكافئة مع اسرائيل، قيود تنظيمية خاصة بمتطلبات الادارة المدنية الاسرائيلية لقبول طلبات الاستثمار، تقليص المالية وتخلف المؤسسات، والقيود على الاستفادة من الموارد الطبيعية. الموارد البشرية وعلى رغم هذه الصورة القاتمة، يعتقد تقرير وضعه البنك الدولي ان الاقتصاد الفلسطيني يشق طريقه بالامكانات المتاحة لديه، وبوسعه ان ينطلق بسرعة نحو الانتعاش شرط معالجته بمجموعة من الاستراتيجيات الناجحة وحدوث تغييرات في البيئة السياسية المحيطة به. وأشار التقرير الى ان لدى الشعب الفلسطيني قاعدة من الثروة البشرية تتمتع بكفاءة عالية حيث يعتبر من الشعوب التي يتمتع ابناؤها بقدر جيد نسبياً من التعليم والرعاية الصحية. خصوصاً ان نسبة المتعلمين بين الفلسطينيين الذين تزيد اعمارهم على 15 عاماً تبلغ 84 في المئة. ويصل متوسط عدد السنوات التي يقضيها الفلسطيني في المدرسة حوالي ثماني سنوات، اما متوسط الاعمار بالنسبة الى الرجال الفلسطينيين فيصل الى نحو 70 عاماً وللنساء 5.73. ويوضح تقرير البنك الدولي ان هناك ما يصفه بپ"مجتمع مدني يتمتع بالحيوية والتنظيم الجيد" تربطه علاقات جيدة مع الاسواق والبنوك الدولية من خلال الجالية الفلسطينية المغتربة والمنتشرة على نطاق واسع في معظم انحاء العالم. وتقول تقديرات البنك الدولي انه نتيجة للعوامل السياسية الناجمة عن الاحتلال الاسرائيلي فإن القوة العاملة البشرية التي تعمل على تسيير الاقتصاد الفلسطيني تتراوح بين ثلث ونصف الثروة البشرية الفلسطينية. وفيما يتعلق بالاستراتيجيات المستقبلية يقترح تقرير البنك ان يتخلى الفلسطينيون عن اعتبار اسرائيل السوق الرئيسية لصادراتهم الزراعية وغيرها، وأن يتحولوا الى العالم الخارجي، بدلاً من ذلك، ما لم يحصلوا على بعض الضمانات بأن السلطات الاسرائيلية لن تقدم على اغلاق حدودها كيفما شاءت امام الفلسطينيين. ويضيف التقرير ان جذب التجارة الخارجية والاستثمارات يستلزم من الفلسطينيين وضع نظام قانوني مستقل وواضح المعالم لحماية الاعمال التجارية الخاصة من اي ضغوط حكومية وتدخلات. كما يقترح ان يتم استغلال العلاقات الفلسطينية الجيدة مع باقي دول العالم في تحويل الضفة الغربية الى مركز مالي في الشرق الاوسط والعمل على تشجيع اقامة وسائل اتصالات سلكية ولاسلكية ومراكز لمعالجة المعلومات على غرار ما قامت به الهند وبعض بلدان البحر الكاريبي. ولكن بعيداً عن مقترحات البنك الدولي، يبقى الخطر الرئيسي الذي يتعرض له الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة هو استمرار الوضع الراهن، خصوصاً فيما يتعلق بالقيود على حركة الاشخاص والبضائع عبر الحدود. واذا لم تخلق فرص عمل على نطاق واسع، سيعول على الانتاج المحلي لاستيعاب البطالة والداخلين الجدد في سوق العمل. وما لم تتم اعادة التأكيد على تحديث القطاع العام والبناء المؤسسي الفعال فهناك خطر من ان يتدهور أداء الحكومة وأن تضعف سيطرة القانون، اضافة الى تهميش المجتمع المدني، خصوصاً في ظل ظروف التدهور الاقتصادي والسياسي. وكلا هذين المصدرين للخطر سيجعلان اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة اقتصاداً فقيراً يعيش على المعونة، وذا سوق داخلي مهمش، ومعزولاً عن بقية العالم، ما سيؤدي الى الهجرة، وبخاصة بين المتعلمين، والى ابقاء رأس المال بعيداً. وفي المحصلة النهائية، فإن مساعدة المانحين ستقل وتقتصر على الدعم القصير المدى او انها ستتوقف فيما ستظل البنية التحتية في حالة سيئة، مما سيحد من فرص النمو القابل للاستمرار على المدى البعيد