Jacques Bendelac. L'Economie Plestinienne de la De'pendance a L'Autonomie. الاقتصاد الفلسطيني من التبعية الى الاستقلال الذاتي. L'Harmattan, Paris. 1999. 158 Pages. على مدى نصف قرن بكامله كانت القضية الفلسطينية قضية سياسية خالصة. ولكن منذ قيام سلطة الحكم الذاتي غدت قضية اقتصادية ايضاً، وربما في المقام الأول. وكقضية سياسية كانت قضية فلسطين واحدة من اصعب قضايا العصر. ولكن من يطالع هذا الكتاب عن "الاقتصاد الفلسطيني" - وقد وضعه اقتصادي اسرائيلي مرموق متخصص في التنمويات - يخرج بانطباع بأن الرهان الاقتصادي للفلسطينيين لن يكون أقل صعوبة من كفاحهم السياسي. فالسلطة الفلسطينية، الوطنية، ترث، من المنظور الاقتصادي، وضعية ترزح تحت وطأة تراكم تاريخي سالب مثلث الحلقات. ففلسطين في ظل الحكم العثماني والانتداب البريطاني كانت تخضع خضوعاً شبه تام لقانون التخلف الاقتصادي المعشش في البنية الفلاحية - العشائرية للغالبية العظمى من سكانها. اما في ظل الحكم العربي المزدوج: المصري في قطاع غزة والأردني في الضفة الغربية، فقد مال التخلف العالمثالثي لفلسطين الى ان "يتأبد"، فالسلطات المصرية أهملت اهمالاً تاماً أي مشروع لتنمية قطاع غزة. أما السلطات الأردنية فكانت معنية بتنمية الضفة الشرقية التي كانت في حينه اكثر تخلفاً من الضفة الغربية. وعندما وقع الاحتلال الاسرائيلي عقب الهزيمة العربية في حزيران يونيو 1967، كان الدخل السنوي للفرد لا يزيد على 140 دولاراً في قطاع غزة و220 دولاراً في الضفة الغربية مقابل 1360 دولاراً في اسرائيل نفسها. مما يعني ان "مستوى الحياة في اسرائيل كان متفوقاً بأثني عشر ضعفاً عنه في غزة وبستة اضعاف عنه في الضفة الغربية. ومهما بدت المفارقة فجة فان الاقتصاد الفلسطيني في ظل المرحلة الاولى من الاحتلال الاسرائيلي عرف قفزة سريعة، اذ بلغ معدل نموه السنوي بين 1967 و1973 نحواً من 14 في المئة. ولكن الأزمة الاقتصادية العالمية التي اعقبت حرب تشرين الاول اكتوبر أدت الى تباطؤ نمو الاقتصاد الفلسطيني الى 7 في المئة، ثم الى 3 في المئة في الثمانينات. ثم توقف الاقتصاد الفلسطيني نهائياً عن النمو في سنوات الانتفاضة بسبب التدابير الأمنية التي اتخذتها الادارة العسكرية الاسرائيلية من منع تجول وإغلاق لبوابات العبور الى الداخل الاسرائيلي، كما بسبب اضرابات الاحتجاج من جانب التجار الفلسطينيين. وأياً ما يكن من أمر، فإن النمو السريع الذي سجله الاقتصاد الفلسطيني في ظل 27 سنة من الاحتلال الاسرائيلي لم يستتبع تنمية اقتصادية بالمعنى الحقيقي للكلمة. وصحيح ان معدل دخل الفرد قد ارتفع من 140 دولاراً عام 1967 الى 1300 دولار عام 1994 في قطاع غزة، ومن 220 دولاراً الى 2000 دولار في الضفة الغربية، الا ان الدخل الفردي الاسرائيلي ارتفع في الحقبة نفسها من 1500 دولار الى 16000 دولار، مما يعني ان الفارق في المستوى بين الاقتصاديين الاسرائيلي والفلسطيني بقي في نهاية الاحتلال تماماً كما كان في بدئه. ان يكن هذا هو الموروث التاريخي الثقيل، فما واقع الاقتصاد الفلسطيني اليوم؟ انه بائس الى حد كبير. هذا اقل ما يمكن قوله. فالغلبة في الاقتصاد الفلسطيني لا تزال مطلقة للزراعة. فهي تقدم 32 في المئة من الناتج المحلي الخام مقابل 6 في المئة في اسرائيل، و18 في المئة في البلدان العربية المجاورة. ولا تزال 25 في المئة من قوة العمالة في الضفة الغربية و20 في المئة من قوة العمالة في قطاع غزوة تعمل في الزراعة مقابل 3 في المئة فقط في اسرائيل. والزراعة الفلسطينية تعاني، فضلاً عن ذلك، من فاقة كبيرة في موارد المياه، السطحية والجوفية على حد سواء، ولا سيما ان الادارة الاسرائيلية تمارس سياسة تحيز ومحاباة صفيقة لصالح المستوطنين الاسرائيليين في الضفة والقطاع. وإجمالاً لا تزيد مساحة الأراضي القابلة للزراعة في قطاع غزة عن عشرين ألف هكتار، وفي الضفة الغربية عن مئتي ألف هكتار والحال ان الزراعة لا تزال بعلية في 95 في المئة من جملة اراضي الضفة، وان كانت نسبة الأراضي المروية في القطاع ترتفع الى 40 في المئة. وبالمقارنة مع الزراعة، فان الصناعة الفلسطينية تبدو اكثر بدائية بكثير. فالصناعة في الضفة الغربية والقطاع تستخدم 12 في المئة من قوة العمل، ولا تسهم في الناتج المحلي الخام الا بأقل من 7 في المئة. وهي بذلك تتخلف حتى عن الصناعة - المتخلفة اصلاً - في البلدان العربية المجاورة. فإجمالاً تستخدم الصناعة العربية 18 في المئة من قوة العمل وتسهم مع النفط في 32 في المئة من الناتج المحلي الخام. ويقتصر الانتاج الصناعي الفلسطيني على بعض الصناعات التحويلية الأولية مثل الأغذية والتبغ والمشروبات غير الكحولية، فضلاً عن بعض المنتجات النسيجية على سبيل المقاولة الباطنة لحساب الصناعيين الاسرائييين. وتتسم بنية الصناعة الفلسطينية بالصغر اللامتناهي لوحدات الانتاج، وبالاعتماد على العمل اليدوي والحرفي، وبغلبة مطلقة لورشات الانتاج الفردي بدلاً من المصانع بالمعنى الحديث للكلمة. ويكاد يكون الانتاج الصناعي في الضفة الغربية تابعاً تبعية مباشرة للمحصول السنوي من الزيتون. وبالمقابل، فإن الانتاج الصناعي في قطاع غزة أقل ارتهاناً للزراعة، والغلبة فيه لقطاع الملابس على القطاع الغذائي. ولا يزيد مردود الصناعة الفلسطينية عن 33 مليون دولار سنوياً مقابل 275 مليون دولار يدرها القطاع الزراعي. ويعاني الاقتصاد الفلسطيني من هشاشة كبيرة في القطاع المصرفي. فليس في الضفة والقطاع لا بنك مركزي ولا عملة وطنية. ولا يزال الشيكل الاسرائيلي هو العملة الرسمية للتداول، وان تكن وحدة الحساب هي الدينار الأردني او الدولار الاميركي. وقد كانت جميع المصارف العربية في الضفة والقطاع قد أغلقت عقب الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 لتنوب منابها ستة مصارف اسرائيلية. ولكن ابتداء من 1981 سمح لمصرف فلسطين ان يعاود فتح فرعه في غزة، ولمصرف القاهرة - عمان ان يعاود، ابتداء من 1986، فتح عدة فروع له في الضفة. بيد ان المصارف العربية، مثلها مثل المصارف الاسرائيلية من قبلها، لم تسهم مساهمة ملموسة في تمويل التوظيفات الخاصة في الصناعة والزراعة، وذلك اما بسبب ضعف رساميلها وإما لعدم الثقة في المستقبل الاقتصادي للأراضي المحتلة. ولكن ابتداء من 1994 رأى النور مصرفان فلسطينيان، وكذلك شركتا تأمين فلسطينيتان، بيد ان طبيعة الادخار الفلسطيني لا تزال تقف عقبة كأداء أمام التطور المصرفي. فالفلسطينيون يؤثرون اجمالاً الاكتناز النقدي - وهذه سمة مطردة في جميع المجتمعات التقليدية - ونادراً ما يلجأون في تداولهم الى الحسابات المصرفية. ورغم الأهمية المنقطعة النظير التي تتمتع بها الأرض الفلسطينية كموقع للسياحة التاريخية والدينية، فإن القطاع السياحي فيها لا يزال من اكثر القطاعات تخلفاً في العالم. فبيت لحم، على سبيل المثال، التي يؤمها سنوياً عشرات الالوف من الحجاج المسيحيين، ما كانت تتوفر، في 1997، على أكثر من سبعة فنادق لا يزيد حجم طاقتها الاستضافية على 350 غرفة. ولكن السلطة الفلسطينية خططت مؤخراً لمشروع "بيت لحم 2000" الذي تقدر تكاليفه بمئتي مليون دولار، والذي يتوقع إنشاء 500 غرفة فندقية و10 مطاعم وقاعة محاضرات تتسع لألف شخص. ويتولى تمويل هذا المشروع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية. وقد بديء ايضاً عام 1997 ببناء خمسة مجمعات فندقية في بلدة جرش، وفندق كبير بسعة 220 غرفة في رام الله بتمويل من البنك الاوروبي للتوظيف. ولا شك ان منطقة البحر الميت وشاطئ المتوسط في غزة يمكن ان يقدما بؤرة جديدة للقطاع السياحي في فلسطين. ولكن عدا توفر حد أدنى من الشروط الأمنية، فان تطور السياحة الفلسطينية يقتضي تعاوناً واسع النطاق مع الدولتين الاقليميتين المعنيتين: اسرائيل والاردن، وهو أمر لا تزال السلطات الاسرائيلية تبدي بصدده حذراً كبيراً، هذا اذا لم تعرقله بما تنشئه من حواجز مراقبة ونقاط تفتيش على مداخل الأرضي الفلسطينية، فضلاً عن جدار من الاسلاك الشائكة حول قطاع غزة. والواقع ان الادارة الاسرائيلية تتحمل - باعتراف الباحث الاسرائيلي - مسؤولية جسيمة عن الاختناقات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني. فهي تفرض حصاراً مائياً حقيقياً على الزراعة الفلسطينية وتقتطع حصة كبيرة من موارد المياه الجوفية في الضفة الغربية لصالح المستوطنات الاسرائيلية فيها. ثم ان التدابير الأمنية التي تتخذها عند بوابات العبور الى الداخل الاسرائيلي تجعل ارتالاً طويلة من سيارات الشحن الفلسطينية تتوقف لمدة 48 ساعة او 72 ساعة قبل ان يؤذن لها بالدخول. مما يتأدى في غالب الاحيان الى فساد حمولتها من الخضار والفواكه والدواجن. وهذا على الرغم من ان اتفاقية للاتحاد الجمركي تربط بين الكيانين الاسرائيلي والفلسطيني بموجب بروتوكول العلاقات الاقتصادية الموقع في نيسان ابريل 1994. والاخطر من ذلك، بعد، ان الادارة الاسرائيلية تتذرع بالحجج الأمنية لتقلص الى أدنى حد ممكن عدد العاملين الفلسطينيين في الداخل الاسرائيلي. فمعلوم ان ثلث اليد العاملة الفلسطينية، تعمل عادة في سوق العمل الاسرائيلية. وحتى 1992 كان عدد العمال الفلسطينيين الذين يتجهون يومياً للعمل في اسرائيل لا يقل عن 115 ألفاً. ولكن منذ توقيع اتفاقيات اوسلو ومعدل العاملين الفلسطينيين في اسرائيل يسجل تدهوراً مستمراً. وفي بحر عام 1997 زاد المعدل الوسطي الشهري على 30 الف عامل. وعلى هذا النحو سجلت معدلات البطالة في صفوف الفلسطينيين ارتفاعاً خطيراً منذ بداية فترة الحكم الذاتي. وفي نهاية 1997 كان المعدل العام لهذه البطالة قد ارتفع الى 30 في المئة من إجمالي قوة العمل الفلسطينية. مما استتبع انخفاضاً في مستوى معيشة الفلسطينيين قدره خبراء هيئة الامم المتحد بنحو 8.38 في المئة في الفترة ما بين 1992 و1996. ويتوقع الباحث الاسرائيلي المزيد من الارتفاع في معدلات البطالة الفلسطينية نظراً الى ان الادارة الاسرائيلية تتجه أكثر فأكثر الى الاستغناء عن اليد العاملة الفلسطينية وتعويضها بيد عاملة رخيصة ومأمونة مستقدمة من آسيا. لوحة الاقتصاد الفلسطيني كان يمكن اذن ان تكون قاتمة تماماً لولا عامل المساعدات الخارجية، وبخاصة منها تلك المقدمة في اطار "برنامج المعونة العاجلة للاراضي المحتلة" الذي وضعه البنك الدولي والذي عززه مؤتمر باريس للمعونة الاقتصادية للفلسطينيين برصده مبلغ 4.2 مليار دولار، تقدم على شكل هبات في مدة خمس سنوات من 1994 الى 1998. والجهات المانحة تتمثل بصورة رئيسية بالولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي والمملكة العربية السعودية واليابان والنروج. لكن يبدو ان ثمة مسافة فاصلة بين الوعود والمدفوعات الفعلية. ففي 1997 لم تتلق السلطة الفلسطينية سوى 432 مليون دولار من أصل 627 مليون دولار موعودة. ولكن المشكل لا يكمن فقط في الإخلاف بثلث حجم الوعود، بل ايضاً، وأساساً، في كيفية توظيف المساعدات الخارجية. اذ يبدو ان الوساطة الشخصية لأعضاء السلطة الفلسطينية لا مناص منها. وعلى ذمة الباحث الاسرائيلي فان "اعضاء السلطة الفلسطينية قد أنشأوا شبكة واسعة من المشاريع تمارس احتكاراً في مختلف ادارات الانتاج والتوزيع". وعلى أي حال فإن "لجنة الرقابة العامة" التي أنشأتها السلطة الفلسطينية عام 1996 نشرت تقريراً في شهر أيار مايو من ذلك العام يفيد بأن نحواً من 350 مليوناً من أموال الخزينة العامة قد ذهبت هدراً، لأسباب تتصل بظاهرة الفسار والرشوة. ومن منظور هذه الظاهرة تحديداً فإن اقل ما يمكن قوله هو انه لا وجود - على ما يبدو - لاستثناء فلسطيني لهذه القاعدة العربية المعممة.