في هذا المقال، شدَّني للحديث موضوعان هامان جداً. أولهما: خطبة الجمعة الماضية، وما اشتملت عليه من حكم ونصائح، هي دروس للحياة الكريمة، ذات الجودة العالية، وكعادة خطب الجمعة في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وما تشتمل عليه من دروس حياتية أخلاقية دينية هامة، لتربية النفوس، وتعديل المسارات الخاطئة في السلوك، ممّا يجعلها جديرة بأن تعرض في حصة دراسية في المدارس، ويتناولها معلم قدير، ومعلمة متمكِّنة، بالشرح والتحليل لطلابهم وطالباتهم. دعوني أعود لخطبة الجمعة الماضية، للشيح الدكتور فيصل غزواي، وأقطف من بستانها بعض الثمرات، والتي كان موضوعها في المجمل عن ( العجلة وعدم التريث )، والعجلة من طبع الإنسان، وتكوينه، وأستشهد بالآية الكريمة: ( خلق الإنسان من عجل ) كما قال (وخلق الإنسان عجولاً)، وأورد في خطبته الرائعة، مساوئ العجلة، ومحاسن الصبر والتأنّي، وأن العجلة غالباً ما تورث الندامة، فالعَجِلْ من صفاته. كما ذكر الشيخ في خطبته، مقولة لأحد السلف، يصف العجول بأنه (يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد أن يحمد، تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة) وكانت العرب تسميها ( أم الندامات ). ومن بين أسوأ صور العجلة، الحكم على الأشخاص، والمواقف،، والنيات، باستعجال دون تروٍ وفهم، ومن صورها السيئة: استعجال النتائج، واتخاذ القرارات دون تثبّت ويقين، وناقش شيخنا الفاضل من ضمن ما ناقش في خطبته، موضوع الشائعات، ونقل الأخبار والأحاديث دون تثبُّت من المصادر، وليكن قوله عزَّ وجلَّ قاعدة حياتية في التعامل: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ). وأصعب القرارات، تلك التي تؤخذ في أوقات الغضب، والتي تدمِّر العلاقات، وتهدم البيوت، وتضيع الأبناء، وتورث الندامة الشديدة، ساعة قد لا ينفع الندم! الخطبة كانت رائعة، إنما عرَّجت على بعض ماورد فيها بالمعنى أكثر منه حرفياً. حقيقي تستحق خطب الجمعة التدارس في البيوت والمدارس، جزى الله أئمة الحرمين، أحسن الجزاء، ونفع المسلمين بما يقدمون من خطب جليلة. أمّا الموضوع الآخر الهام جداً، فهو الخبر الذي نشرته الداخلية بتفكيك شبكة لتهريب المخدرات (تضم متهمين ينتمون لعدة وزارات)، وليس غريباً على وزارة الداخلية، هذا الإنجاز، فقد تعودنا متابعتها الدقيقة لمنابع الفساد، والتخريب، واجتهادها الملموس في ذلك (ما شاء الله ولا قوة إلا بالله). ولا أكتمكم، استوقفني بقوة، موضوع أن من ضمن الشبكة المجرمة والخطيرة، أناس ائتمنتهم الدولة، وعلَّمتهم، وهيأت لهم أماكن عمل شريف يعيشون من ورائه بعزة وكرامة، ثم يقودهم شيطان أهوائهم، ورغباتهم الدنيوية الدنيئة،، لأن يشاركوا في أذية وطنهم ومواطنيه! ولو افترضنا أنهم لا يكترثون لأبناء غيرهم، أفلا يتوقعون أن هذا الخطر سيداهم بيوتهم، وقد تطال الأذية فلذات أكبادهم وأهلهم؟ أيُّ أخلاق يحمل أيُّ موظف يشارك في جريمة أخلاقية، ويخون دينه، ووطنه، من أجل المال؟ فبئس المال، وبئست حياة يعيشها من سلك طريقاً قذراً يجني به مالاً. وقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) كما تعوَّذ الرسول عليه الصلاة والسلام من الخيانة ففي الحديث (اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة). الخيانة كما شرحها المفسرون معصية لله، وعمل ضدّ طهارة النفس، والخلق السليم، لها آثار سيئة جداً على المجتمعات، ويتحمل الخائن وزر أعماله في الدنيا قبل الآخرة مهما طال به الزمن، واستمتع بسوء ما اقترف، فالله يمهل ولا يهمل. إن ما تبذله الدولة -حفظها الله- من جهود جبارة للقضاء على المفاسد، ومن أهمها المخدرات، تستحق من كل المواطنين مساندتها في القضاء على هذا الشر المستطير (المخدرات) الدمار الشامل للشباب، والكشف عن كل خائن، ومتواطئ ضدّ مصلحة الوطن، وأهله، بمعنى أن الجميع مسؤول، فكيف إذا كان موظفاً في الدولة؟ فالمسؤولية تكون أكبر. نسأل الله أن يكشف موظف الدولة هذا ،كل خائن لدينه ووطنه ومجتمعه، وأن يكون عوناً للجهات المختصة في اجتثاث الفساد من جذوره. ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).