بتشكيله لأول حكومة في عهده، وبعد أقل من شهر من وفاة والده الملك الحسين بن طلال، اثبت العاهل الأردني الشاب الملك عبدالله بن الحسين انه قادر على التحرك سريعاً مثلما أثبت انه قادر على إدارة شؤون الحكم بالأسلوب ذاته الذي انتهجه والده على مدى 47 عاماً. فقبيل تكليفه عبدالرؤوف الروابدة تشكيل الحكومة الجديدة، التقى الملك عبدالله بن الحسين عدداً من الشخصيات الأردنية. وخلال الأيام التي سبقت تشكيل الحكومة دخلت بورصة الترشيحات والتوقعات لرئاستها عشرات الشخصيات من دون أن تنال احداها أولوية على الأخرى، عدا قدرة كل شخصية على الترويج لنفسها. علماً ان الروابدة لم يكن غائباً عن قائمة الترشيحات الأردنية. وبتشكيل الروابدة للحكومة الأردنية الجديدة، أعطى الملك عبدالله الانطباع بأنه يبدأ عهده برجالات والده، بل بدا واضحاً ان اختيار الروابدة لهذا الموقع جاء برغبة أو شبه توصية من الملك الراحل. فقد كان الروابدة أقوى المرشحين لرئاسة مجلس النواب بدعم واضح من القصر ومن الملك الراحل أثناء علاجه في مستشفى مايو كلينيك. وفجأة تراجع عن ترشيح نفسه قبل يومين فقط من الانتخابات 28/11/1998، مما أعطى الانطباع بأن القصر تراجع عن دعمه. لكن تلك الحادثة لم تضعف الرجل بل ان حضوره داخل مجلس النواب ومن خلال وسائل الاعلام كان واضحاً في الآونة الأخيرة. وتحدثت شائعات منذ ذلك التاريخ بأن الروابدة تلقى وعداً بموقع آخر. الروابدة لا ينتمي الى نادي رؤساء الوزارات السابقين، على رغم تميز شخصيته بين السياسيين الأردنيين. بمعنى ان الملك عبدالله باختياره له تجاوز عدداً كبيراً من رجالات الحكم السابقين في عهد والده الراحل، واختار سياسياً معروفاً وقوياً له من الخصوم مثلما له من المؤيدين. والروابدة شخصية مثيرة للجدل في الأردن، فهو يمتلك قدرات عالية وخبرات سياسية وادارية قلما توفرت لشخصية أردنية. على أن هذه الميزات ليست في مصلحته دوماً. ويذكر أن الروابدة 60 عاماً صيدلاني تخرج في الجامعة الأميركية في بيروت وتولى أول منصب وزاري له العام 1976، وتقلب في المناصب الوزارية مرات عدة حتى العام 1995 عندما شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم. وخلال تلك الفترة برزت خبرته كإداري محترف عندما تسلم منصب أمين عمان الكبرى، حيث برزت انجازاته في احياء العاصمة وشوارعها ومنازلها. وعندما استؤنفت المسيرة الديموقراطية بالانتخابات النيابية العام 1989، انتخب الروابدة نائباً عن اربد - ثاني أكبر المدن الأردنية - وفاز عن الدائرة ذاتها في دورات الانتخاب الثلاث التي اجريت منذ ذلك التاريخ ولا يزال عضواً في مجلس النواب الحالي. وكانت انتخابات 1989 نقطة بداية جديدة للروابدة الذي اتجه الى العمل السياسي بعد نجاحه الاداري المتميز فأسس حزباً سياسياً اليقظة في 1993 وظل قائداً له حتى 1996 عندما اندمجت ثمانية أحزاب سياسية تحت مسمى "الحزب الوطني الدستوري" فصار الرجل الثاني فيه. لكنه وبعد مضي أشهر قليلة قدم استقالته من الحزب الجديد الذي بات يعاني من صعوبات مالية وتنظيمية. ولم تبتعد التشكيلة الوزارية الجديدة كثيراً عن النمط التقليدي للحكومات الأردنية المتعاقبة منذ نحو نصف قرن، فهي خليط ما بين السياسيين والتكنوقراط مثلما انها تراعي الجغرافيا الأردنية والتوازنات السياسية والاجتماعية المحلية. اما عن أولويات الحكومة الجديدة فإن تشكيلة الحكومة وكتاب التكليف الملكي للروابدة ورده عليه يدلاّن على أن الشأن الاقتصادي وضرورة معالجة الاختلالات الاقتصادية والادارية يحتلان المرتبة الأولى في برنامج الحكومة. اما على الصعيد الخارجي فإن عملية السلام والعلاقات العربية تتصدر اهتمامات الحكومة الجديدة. وكانت "الوسط" سألت رئيس الوزراء الأردني الجديد عن أبرز أولويات حكومته. فاكتفى بأن كتاب التكليف الملكي ورده عليه يحملان الاجابة. وفي خطوة موازية صدرت ارادة ملكية بتعيين السيد عبدالكريم الكباريتي رئيس الوزراء السابق، وهو سياسي مستقل، رئيساً للديوان الملكي