من أصل 80 نائباً هو مجموع أعضاء مجلس النواب الأردني، فاز في الانتخابات العامة الأخيرة 53 نائباً غالبيتهم يدخلون الحياة العامة للمرة الأولى، فيما فاز 20 نائباً من المجلس السابق الثاني عشر وسبعة نواب من المجلس الحادي عشر. وتبدو هذه الحقيقة احدى السمات البارزة، ليس لمجلس النواب الأردني الجديد، وهو ثالث برلمان منتخب منذ استئناف الانتخابات النيابية العام 1989 بعد توقف دام 22 عاماً، بل وللمرحلة السياسية الجديدة التي يستعد الأردن لدخولها بعد أشهر عدة من عدم الاستقرار في الأجواء السياسية الداخلية. بمعنى آخر فإن صورة مجلس النواب الأردني المنتخب تبدو متواضعة قياساً بالمجلسين السابقين، على رغم الانتقادات القاسية للمجلس السابق، طيلة مدة ولايته وهي أربع سنوات، بالضعف والتبعية للحكومات. صورة المجلس الجديد تنعكس على هذا النحو مع أنه لم ينعقد بعد ولم يجرب، لكن وراء ذلك أسباب عدة أبرزها خلوه تقريباً من المعارضة التقليدية. فالمجلس الجديد يضم أربعة اسلاميين، ثلاثة منهم على الأقل كانوا يوصفون بالحمائم في مواجهة المتشددين داخل الحركة الاسلامية، في حين أنهم جميعاً - أي النواب الأربعة - لا يمكن تصنيفهم ضمن المعارضة الاسلامية التقليدية لأن جماعة "الاخوان المسلمين" وحزب "جبهة العمل الاسلامي" قاطعتا الانتخابات. ويضم المجلس كذلك سبعة قوميين ويساريين معتدلين أربعة منهم فازوا بعضوية مجلس النواب سابقاً. كما يضم ثلاثة نواب ينتمون - سياسياً - الى حركة "فتح"، وهؤلاء تظل مواقفهم أيضاً أقرب الى الحكومات لأنه بعكس ذلك فقد تعكس مواقفهم خلافاً بين الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية. على ان هذه الملامح المتواضعة للمجلس الجديد لا تعني بأي حال ان الانتخابات النيابية الأخيرة في الأردن لم تحمل المفاجآت. أولى هذه المفاجآت وأكبرها الهزيمة القاسية التي تلقاها "الحزب الوطني الدستوري" الذي يتزعمه عبدالهادي المجالي، شقيق رئيس الوزراء، وهو أكبر الأحزاب الوسطية وتشكل حديثاً من اندماج تسعة أحزاب، ففشل تسعة مرشحين من قائمته التي كانت تضم 11 مرشحاً ولم يفز سوى الرجلين القياديين في الحزب وهما المجالي وعبدالرؤوف الروابدة. ولم تكن هزيمة الحزب الدستوري على يد خصومه وهم المعارضة التي قاطعت الانتخابات بل على يد الحزب نفسه الذي كان يدعي أنه يمثل غالبية داخل الطيف السياسي الأردني وأنه سيخوض الانتخابات بقائمتين احداهما علنية 11 مرشحاً والثانية غير معلنة ولم يحدد عدد اعضائها، علماً بأن أحد المرشحين الذين رفض الحزب ترشيحهم على قائمته ترشح كمستقل وفاز في الانتخابات. هذه الخسارة المفاجئة سجلت للحكومة الأردنية ولرئيسها الدكتور عبدالسلام المجالي تحديداً، وهو الذي اتهمته المعارضة غير مرة برعاية "الحزب الوطني الدستوري" بقيادة شقيقه عبدالهادي وتمهيد الطريق أمام الحزب للسيطرة على مجلس النواب الجديد. نزاهة الانتخابات واعتبرت هذه الخسارة مؤشراً كبيراً ودليلاً قاطعاً على نزاهة الانتخابات النيابية وحياد الحكومة لدى ادارتها الانتخابات، مع ان المعارضة لم تعتبر هذا الحياد استراتيجياً، اذ أعرب قيادي معارض عن اعتقاده بأن الحكومة لم تكن لتقف مثل هذا الموقف لو شاركت المعارضة في الانتخابات مثلما حدث العام 1993. المفاجأة الأخرى في الانتخابات هي اخفاق جميع السيدات المرشحات وعددهن 17 سيدة في 11 دائرة انتخابية على رغم مشاركة المرأة في الاقتراع التي فاقت مشاركة الرجال من جهة والدعم غير المسبوق الذي حصلن عليه، خصوصاً من قيادة الحركة النسائية الأردنية بزعامة الأميرة بسمة من جهة أخرى، بل ان ثلاثاً منهن فقط وصلن الى المرتبة الثانية في التنافس على المقعد النيابي. وحقق نايف مولا وهو أمين عام سابق لوزارة الإعلام وسفير سابق فوزاً كبيراً على السيدة توجان فيصل، وهي معارضة مستقلة نالت شهرة واسعة وكانت السيدة الوحيدة المرشحة للفوز بسهولة في الانتخابات. وبسبب شخصيتها الخلافية جمعت حولها الكثير من المؤيدين، إلا أنها في الوقت نفسه حشدت في مواجهتها الكثير من الخصوم الذين تحالفوا مع مولا فحقق نتيجة غير متوقعة، اذ حصل على أعلى الأصوات في الدائرة الثالثة في عمان وهي أصعب الدوائر الانتخابية في الأردن، على رغم ان مولا وتوجان تنافسا على المقعد المخصص للشركس والشيشان في الدائرة وهو المقعد الذي يحصل في الأغلب على أقل الأصوات مقارنة بالمقاعد الثلاثة المخصصة للعرب المسلمين في الدائرة ذاتها. وعلى أي حال تشكل البرلمان الأردني الجديد من ثمانين عضواً غالبيتهم العظمى من الوسطيين، بمعنى أن وجود المعارضة فيه رمزي ولا يشكل أي ثقل داخل المجلس. على أن خلو البرلمان الجديد تقريباً من المعارضة التقليدية لا يعني انه سيكون على الدوام مجلساً مطواعاً في يد الحكومة وذلك لثلاثة أسباب على الأقل: الأول، ان مركز النائب الاجتماعي قد يحمل عدداً من النواب الى مناكفة الحكومات طمعاً في مزيد من الشعبية، وهذا أسلوب اتبعه عدد من النواب في أكثر من برلمان. كما ان وجود النواب كمستقلين داخل المجلس يجعل من الصعب توقع مواقفهم، خصوصاً أن جدول أعمال كل جلسة يتضمن موضوعات عدة وبالتالي فإن المواقف قد تسجل حسب المصالح. الثاني، عدم خبرة عدد كبير من النواب في الحياة العامة ودور البرلمان ضمن مؤسسات الدولة، ما قد يجعل مواقف بعضهم غير مستقرة. كما أن وجود عدد من النواب المجربين قد يمكّنهم من التأثير في مواقف زملائهم فينقسم المجلس الى موقفين أو أكثر حيال الموضوع نفسه. أما السبب الثالث فيتعلق بمبدأ فصل المنصب النيابي عن المنصب الحكومي. فعلى رغم ان الملك حسين أجاب عشية الانتخابات النيابية على سؤال عن نيته تطبيق هذا المبدأ بما يشبه عدم التمسك بهذا المبدأ، إلا أن تطبيق الفصل أو استمرار الجمع بين النيابة والوزارة سيكون لكل منهما تأثيره المباشر على أداء مجلس النواب لأن مبدأ الجمع قد يؤمن غالبية مؤيدة للحكومة، لكنه سيخلق خصوماً ممن لم يدخلوا الحكومة. كما ان مبدأ الفصل قد يخلق حال عدم استقرار في مواقف المجلس تجاه الحكومة. لكن السؤال الأهم المطروح الآن في الأردن هو: ماذا بعد انتخاب المجلس الجديد وغياب المعارضة؟ تتجه الأنظار حالياً الى مؤسستين مهمتين ستتشكلان في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة على الأرجح وهما مجلس الأعيان والحكومة وينعقد عليهما الرهان في احداث توازن سياسي جديد مع البرلمان المنتخب. تشكيل مجلس الاعيان يتشكل مجلس الأعيان مرة كل أربع سنوات وهي مدة عمر مجلس النواب ايضاً بعد اجراء الانتخابات النيابية العامة. ويتكون مجلس الأعيان من 40 عضواً، من ضمنهم رئيس المجلس، يختارهم الملك بالتعيين. ويوازي عدد الأعيان نصف عدد النواب. وثمة تكهنات كثيرة حيال تشكيلة مجلس الأعيان الجديد أجدرها بالذكر ان يعمد الملك حسين الى اختيار شخصيات عدة معارضة، خصوصاً من الاسلاميين، في خطوة تهدف الى احداث توازن بين المجلسين المؤلفين للسلطة التشريعية. فالصلاحيات الموكولة الى مجلس الأعيان هي ذاتها في مجلس النواب باستثناء سلاح طرح الثقة بالحكومة فهو في يد مجلس النواب فحسب. اما في ما يتعلق بالتشريع فللمجلسين الدور نفسه، حتى انهما عندما يختلفان حيال قانون أكثر من مرة فانهما يجتمعان في جلسة مشتركة ويصوتان على القانون مثار الخلاف. اما المؤسسة الجديدة المتوقعة والأكثر أهمية فهي الحكومة الجديدة التي جرى - عرفاً - تأليفها بعد كل انتخابات نيابية عامة. وفي ضوء تشكيلة مجلس النواب الجديد لن تواجه أي حكومة جديدة صعوبة في نيل ثقته، لكن تشكيل الحكومة الجديدة بات يتطلب مواصفات محددة، ليس في مواجهة البرلمان فحسب، بل في مواجهة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأردن. فعلى الصعيد السياسي لا بد ان تكون الحكومة الجديدة مستعدة للتعامل مع اسرائيل وتطورات عملية السلام المتعثرة، ومن ضمنها البعد الفلسطيني أيضاً. أما في شأن الوضع الداخلي فإن أمام الحكومة الجديدة مهمة اجراء اصلاحات سياسية وقانونية عدة والاتصال بالمعارضة بقصد التهدئة، خصوصاً ان المعارضة أصبحت خارج البرلمان وليس من مصلحة الدولة ان تواصل أي حكومة سياسة اقصاء المعارضة وان بدت الصورة في الفترة الأخيرة ان المعارضة هي التي أقصت نفسها. وأما على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، فعلى رغم ارتفاع احتياطي الأردن من العملات الصعبة ووصوله الى مستوى قياسي 1.5 مليار دولار، إلا أن الدولة لم تستطع حتى الآن التقدم في مجالات مكافحة البطالة والفقر وهذه ستبقى عناصر ضاغطة على الحكم في مختلف مستوياته. ويروى عن سياسي أردني بارز مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة قوله لعدد من اصدقائه أنه يتمنى، وللمرة الأولى في حياته السياسية الطويلة، ألا يعهد اليه الملك حسين بتشكيل الحكومة لأنه متأكد من أنه لن ينجح بسبب الأجندة الضخمة التي تنتظر الحكومة من جهة وانعدام وسائل الحل من جهة أخرى. وأردف قائلاً أنه متأكد من أن رئيس الوزراء الجديد لن يستطيع أن يفعل شيئاً ملموساً في مواجهة جدول أعمال الحكومة الطويل. وتبدو خيارات الملك حسين في تكليف شخصية لرئاسة الحكومة محدودة، خصوصاً إذا استبعد ثمانية شخصيات تمثل نادي رؤساء الحكومات السابقين، وفي هذه الحال تنحصر الخيارات بين خمس شخصيات من الصف الثاني، على أن تكليف رئيس غير مجرب قد يسخن الأجواء السياسية الداخلية اضافة الى اجواء العلاقة مع اسرائيل، مثلما حدث لدى رئاسة السيد عبدالكريم الكباريتي الحكومة السابقة. نادي رؤساء الحكومة وعلى العموم فإن المقولة الأردنية الدائمة عن تشكيل الحكومات الجديدة: "علمها عند الله وابي عبدالله الملك حسين" تبدو أكثر أهمية هذه المرة خصوصاً بعدما ارتفعت أسهم رئيس الحكومة الحالية الدكتور عبدالسلام المجالي بسبب ادارتها الانتخابات بحياد. لكن اسماء أخرى ترشحها التكهنات لرئاسة الحكومة الجديدة بينها شخصية واحدة من رؤساء الحكومات السابقين هو السيد زيد الرفاعي رئيس مجلس الأعيان وأربع شخصيات من خارج نادي الرؤساء هم السادة ذوقان الهنداوي وعبدالرؤوف الروابدة وعون الخصاونة والدكتور خالد الكركي. وسبق للهنداوي والكركي ان شغلا منصب رئيس الديوان الملكي الذي يشغله الخصاونة حالياً ومنصب نائب رئيس الوزراء، في حين ان الروابدة الذي انتخب للمرة الثالثة نائباً عن محاظة اربد شغل المنصب الوزاري مرات عدة منذ عشرين عاماً، وهو النائب الوحيد المرشح لشغل المنصب الجديد. في هذه الأثناء ارتفع صوت المعارضة من جديد فاعتبرت ان نتائج الانتخابات تمثل دليلاً قوياً على صحة موقفها، مستثمرة انخفاض نسبة المشاركين في الاقتراع التي بلغت ادنى مستوياتها مقارنة مع جولتي الانتخابات السابقتين في 1989 و1993. فقد تدنت نسبة المشاركين في الاقتراع قياساً بعدد الناخبين الى ما دون 45 في المئة بينما بلغت 54 في المئة ممن تسلموا بطاقاتهم الانتخابية. وتدنت النسبة بشكل واضح في العاصمة حيث بلغت 40 في المئة تقريباً. واعتبرت المعارضة ان انخفاض نسبة المقترعين من جهة، وفوز غالبية مرشحي العشائر ونواب "الخدمات" من جهة ثانية يمثلان دليلاً واضحاً على صحة موقفها. وكانت المعارضة الأردنية، وفي مقدمها الاسلاميون، قد وعدت بوضع برنامج سياسي مواز تنفذه خارج البرلمان وبوسائل التعبير السلمي المتاحة لها. وتبدو هذه الوسائل محدودة في غياب عدد كبير من الصحف الاسبوعية من جراء تطبيق قانون المطبوعات والنشر الذي وضعته الحكومة كقانون موقت. ولكن، على رغم ذلك، فإن أي حكومة مقبلة ليس من مصلحتها تجاهل المعارضة عموماً، بل سيكون على رأس أولوية اهتماماتها العناية بالأوضاع الداخلية واحداث توازن سياسي من نوع جديد. ومن كل ما سبق فإن تشكيلة مجلس النواب الجديد لم تلغ التكهنات المسبقة ازاءه من أنه سيكون مجلساً موقتاً لن يكمل مدته الدستورية وهي أربع سنوات. كما ان الحكومة الأردنية الجديدة ستواجه مهمات صعبة على رغم "تواضع" المجلس الجديد.