عزيزي القرن المقبل، ستحل بعد أيام... من دون أن تأتي بانقلاب مباشر في كل شيء بين عشية وضحاها... فالعالم رغم انقلابه الحاد يسير طبقا لقواعد وأسس حاكمة، ولكننا نأخذ من التواريخ والازمنة دلالات وعلامات، ربما تكون فارقة على صعود اشياء وضياع أخرى في الحضيض. ومن هنا فإن الغرب الذي يقود قافلة التقدم الإنساني اليوم، ولسنوات قادمة من سنواتك، بقاؤه مرهون بدعامتين اساسيتين هما: الديموقراطية والعلم. وقد أقام على هاتين الدعامتين انطلاقته الكبرى طوال القرن الذي سبقك، وايضا انتصاراته وفتوحاته التي قدمت من بين مشاهدها المتعددة: سقوط الاتحاد السوفياتي المدوي. ويبدو ان الغرب لم يجد حتى الآن سبباً لكي يستقبلك من دونهما، الديموقراطية والعلم. فالديموقراطية اعظم نظام عرفه الانسان، والعلم الذي لولاه لنضبت الحياة على وجه الارض، قادران على تقديم المزيد من الفائدة للغرب وللعالم كله, وإذا كان النظام العالمي "القديم" انهار في العقدين الاخيرين من القرن الراحل، فإن النظام العالمي الجديد في جوهره - مع استبعاد الزوائد والشوائب - لا بد من أن يكون خليطاً من الديموقراطية والعلم، ولن يكون نظاماً للهيمنة كما يبشر البعض. أيها القرن المقبل، إن احلامنا- نحن العرب - ليست كئيبة، مع انّنا لم نحقق منها القدر الكافي. لقد تطور العرب خلال القرن العشرين، ما في ذلك شك، ولكنه تطور منقوص، بالقياس الى القدرات البشرية والمالية التي كانت متاحة. وقد اثبت الفرد العربي وهنا يحضرني الدكتور احمد زويل، انه اذا توافرت له الامكانات فإنه قادر على تحقيق المعجزات. ولكن الدكتور زويل نجح في الولاياتالمتحدة، ولولا بقاؤه هناك لما حقق انجازه العلمي الباهر. انني اتوجه برسالتي اليك ليقرأها العالم العربي، وأؤكّد أننا لن يكون لنا كأمة أي مستقبل من دون الديموقراطية والعلم. لا بد من ديموقراطية حقيقية وانتخابات حرة، والمواطن العربي ليس قاصرا أو غير مؤهل - كما يدعي بعضهم - للتعامل مع هذه الديموقراطية. إن الديموقراطية هي الشرط الضروري للتقدم والتنمية والسلام ،ومنع الحروب والقضاء على الارهاب والتطرف... وتحت ظلها يمكن ان نحفر للعلم عميقاً في التربة العربية، ونضع برامج للتقدم العلمي ومحو الامية التي تشكل بقعة سوداء في حاضرنا ومستقبلنا. وأنا متفائل بك إذ ان الظروف الحالية في خدمة العرب وليست ضدهم، ولكن عليهم ان يعرفوا كيف يستفيدون مما هو متاح، بعد ان ضيعوا فرصاً بالجملة بسبب حماقات متعددة، آخرها غزو العراق للكويت. وعلينا ان نعي أنك قرن التقدم العلمي والديموقراطي وحقوق الانسان، قرن يسعى لإخماد الحروب لا اشعالها، وقرن الفرص المتزايدة في كل مجال. ونستطيع التأكد من ذلك. اذا نظرنا الى احوالنا واحوال العالم منذ مئة عام: هل كانت الصورة كما هي الآن؟ أو هل كانت تبشر بكل ما جرى؟ ان لدينا فرصة على الاقل خلال السنوات القليلة المقبلة، لكي نصحح اخطاءنا، ونعدّ انفسنا لنكون قوماً فعالين في عصرك وايامك التي سوف تدهس الخاملين. لقرن المقبل نجيب محفوظ: فرصة لتصحيح أخطائنا