الأرجح أن لا شيء أكثر بؤساً من النقاش في شأن الوزن العلمي للعالِم الأميركي- المصري الراحل أحمد حسن زويل (26 شباط- فبراير 1946)- (2 آب- أغسطس 2016)، من استخدام كلمة «الأول». لا معنى فعليّاً ل «الأول» في العلم، ربما بنفَسٍ قريب مما قاله المفكر الفرنسي رولان بارت في منتصف القرن العشرين، بأنّ لا كتابة أولى، وكل كتابة هي على صلة بنص سابق. لا جدوى من كل ذلك الصراخ بأنّه أول عربي ينال جائزة «نوبل» علميّة، وهي أعطيت له في 1999 عن الكيمياء. ربما اعتبر البعض أنّ الأميركي- اللبناني الياس جيمس خوري، هو أول عرب «نوبل» في العلوم، إذ نالها في 1990 عن الطب. وربما لفت آخرون إلى أن السير بيتر مدور يتحدّر من أصول لبنانيّة، ونال الجائزة في 1960 عن الطب أيضاً. في المقابل، من المستطاع المحاججة بأن زويل وُلِد في مصر ودرس فيها، ثم ذهب إلى أميركا، ونال «نوبل». لكنه نقاش أقرب إلى التفاخر منه إلى الاهتمام بالعلم. لا يكون العالِم أولاً، بل تكون إضافته إلى العلوم ووزنها وأهميتها هي موضع النقاش. في حال زويل، يضاف بعد آخر هو العمل على نقل العلوم إلى بلده الأصل، وليس مجرد التفاخر والتباهي بذلك الأصل. لمن أغضبته الكلمات السابقة، هلّا قرأتها مجدّداً، ربما لتزداد غضباً؟ وتتضمن الكلمات وصف العلماء بداية من أميركا، وليس من وطنهم الأصل. لا يمس ذلك من الوطن، لكنه يشدّد على الهويّة العلميّة لهؤلاء، وليس الوطنية أو السياسيّة. في تلك النقطة، كان زويل واضحاً، ولعل البعض أغضبهم وضوحه: أميركا لها فضل على العلماء الذين يتألّقون فيها، بفضل مؤسّساتها وعلومها ونظامها الديموقراطي الذي يسمح لهؤلاء بالتقدم استناداً إلى علومهم وإبداعات عقولهم، وليس إلى هويّاتهم. («الحياة» في 06 شباط 2000). سبب للتخلّف في منحى علمي محض، يتميّز زويل بأنّ علماً جديداً كاملاً وُلِد من رَحم إنجازه الذي مُنِح جائزة «نوبل» مكافأة عليه. صنع زويل كاميرا تعمل بالليزر، وتلتقط صوراً بسرعة تقاس بال «فيمتوثانية»، وهي جزء من مليون جزء من بليون جزء من الثانية. لو كانت ال «فيمتوثانية» سنة، لكانت الثانية قياساً إليها تساوي 31.71 مليون سنة. ليس مبالغة أن وصف زويل ذلك الإنجاز بأنّه «تجميد الزمن». لم يتوصّل أحدٌ قبله للعمل على ذلك المقياس في تصوير ما يحدث عندما تتفاعل المواد مع بعضها بعضاً. ولذا، كُرّس زويل أباً لعلم جديد هو «كيمياء الفيمتو» Femtochemistry. وحقّق للعرب ما لم يستطعه علماء العرب قبل أبداً، ليس في العلوم المعاصرة. ( «الحياة» في 4 آب 2016). ولإنصاف زويل في ذلك المنحى، تمكن مقارنته بابن الهيثم الذي ينسب إليه علم الضوئيات. لكنّ قروناً جافة علميّاً مرّت بين ابن الهيثم وزويل. في منحى علمي، توقف العرب عن الإضافة إلى مسار العلم منذ قرون طويلة، وما زال توقّفهم مستمراً، لأن إضافة زويل مصدرها علوم الولاياتالمتحدة، لا العرب. قبل أن ينال الدكتوراه، درس علوماً كانت جديدة عليه، بما فيها الليزر والفيزياء الكموميّة (كتاب زويل «عصر العلم»). والأرجح أن الملمح الثاني في تميّز زويل، هو محاولته نقل العلوم إلى وطنه الأصل، بل البلدان العربيّة كلها. في مقابلة سابقة مع «الحياة»، أوضح أنّه فوجئ بأن الحكّام وصُنّاع القرار يتجاوبون تماماً معه، وكذلك الحال بالنسبة الى رجل الشارع، لكن المشكلة هي في التنفيذ، في المؤسّسات التي لم يخترق العلم عقولها المتخشّبَة، بل أنّه لم يتردّد في استخلاص أن «النظام العربي» هو السبب في الفجوة العلمية التي تفصل حاضر العرب عن إيقاع العلوم والتكنولوجيا في العالم («الحياة» في 2 أيلول 2002).