في مقالي تحت عنوان: (العرب وإسرائيل والتصنيف العالمي لأفضل 500 جامعة) قلت إن مصر أقدم دولة في التاريخ وأقدم حضارة قد خرجت من هذا التصنيف، لتدخله إسرائيل بست جامعات ومراكز بحثية، ولا وجود لجامعة من أي قطر عربي آخر فيه، والعرب أصحاب حضارة أنصفها العلماء والمؤرخون في الغرب- حتى قبل ظهور الإسلام- بما لم ينصفها به أهلها، وقد بدت إسرائيل أمام العالم، في هذا التصنيف، جزيرة من التقدم والمدنية وسط محيط عربي من التخلف والرجعية. وأنه بالرغم من مساحة الوطن العربي وعدد سكانه وإمكاناته المادية والبشرية فإنه يتخلف عن ركب التقدم والبحث العلمي، لأن لهما حسابات أخرى، أولها: الخطأ الذي وقعت فيه أنظمتنا العربية عندما ظنت أنها تصنع التقدم بالقوانين التي تسنها، لأن التقدم والبحث العلمي ثقافة وسلوك والقوانين لا تخلق سلوكاً وثقافة، ثانيها: أن التقدم والبحث العلمي لا يترعرعان إلا في مجتمع ينعم بالحرية؛ حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية التعبير وحق كامل في المشاركة في الحياة العامة وفي الحكم، وأن الإبداع، علمياً كان أم أدبياً أم فنياً أم ثقافياً، ليس إلا موقفاً حراً واعياً. ولئن شاركني بعض القراء هذا الرأي، إلا أن البعض طرح سؤالاً حول الطريق إلى المستقبل، وما الذي يمكن إزالته من عوائق تحول دون تقدمنا، وتجعلنا مستهلكين لتقدم العالم، لا مبدعين وسباقين إلى هذا التقدم في العلم والمعرفة؟ جائزة 'نوبل' ومسؤولياتها:- لم أجد خيراً من رحلة الدكتور أحمد زويل عبر الزمن في طريقه إلى جائزة 'نوبل'، والتي نشرها في كتابه القيم بهذا العنوان، والذي أصبح على قائمة أحسن الكتب مبيعاً، حيث يقول في رحلته إنه ولئن كان لا يوجد تقدير أو شرف أعلى من هذه الجائزة من منظور مهني وعلمي، إلا أن الاستزادة من العلم سلوك متواصل، وأن هذه الجائزة تلقي على عاتقه مسؤوليات في أن يدعم فرص التقدم في العالم، وعلى الأخص وطنه العربي، ومصر مهده التي رحل منها إلى دنيا العلم والمعرفة. وفي هذا السياق فقد أكد العالم الدكتور أحمد زويل أن التقدم الحقيقي يتطلب مشاركة أهل المعرفة وتعاونهم في تحديد المشكلات الأساسية في المجتمع وإيجاد الحلول المتيسرة لها. كما أكد الدكتور أحمد زويل ما قلناه من أن ثقافة المجتمع هي سبيله إلى التقدم، عندما قرر أنه يجب أن يكون عامة الناس على دراية ووعي بالتطورات العلمية وآفاقها ومنافعها، وأن يصبح الشباب هو المستفيد الحقيقي من تلك الثقافة وبها. ليصبح التفكير العلمي شيئاً أساسياً في نسيج المجتمع وثقافته وأن المجتمعات النامية تفتقر إلى الثقافة العلمية أو تستحوذ على نصيب متواضع منها، في الوقت الذي يمتلك فيه بعضها ثقافات متعددة غنية في الأدب والإعلام والألعاب الرياضية والتاريخ. كما أضاف عدداً من الحقائق منها :الحقيقة الأولى: أنه ليس هناك أساس وراثي أو جيني لتفوق جنس أو عرق، وأن الإنسان في الدول النامية أو الدول المتخلفة، يمكن أن يبلغ أعلى المراتب إذا أتيحت له الفرصة المناسبة، عندما نخلق له مناخاً وبيئة ملائمة تساعد على تفجير طاقاته وظهور ملكاته الإبداعية، بمراعاة تفاوت درجات القدرة والإبداع في كل مجتمع، وأن الدول المتقدمة كانت يوماً دولاً نامية، قبل أن تصل إلى مكانتها الحالية. الحقيقة الثانية: أن الموقع الجغرافي أو التاريخ أو الثروات الطبيعية أو حتى القوة العسكرية، لا يشكل أي منها وحده العامل الحاسم في الدخول عبر بوابة العولمة، بل إن الدخول فيها له شروطه منها: استخدام الكمبيوتر والإنترنت، والتحلل من قيود البيروقراطية وسهولة تداول المعلومات، والشفافية والدقة والحزم في تطبيق القانون، وتحديث الإدارة لزيادة كفاءتها وتشجيع رجال الأعمال والمشروعات الفردية. الحقيقة الثالثة: أن النظام العالمي الجديد والعولمة ليسا مفتاح لحل المشاكل التي تعانيها العائلة البشرية، من انفجار سكاني وهوة اقتصادية بين الدول الغنية والدول الفقيرة أو عموماً بين الأغنياء والفقراء وخلل اجتماعي، لأن العولمة مفصلة لخدمة وأهداف القادرين والأقوياء، لأنها تخدم الجزء من العالم القادر على استثمار السوق العالمي والموارد المتاحة. الحقيقة الرابعة: أن الأمم تتفاعل وتتعاون فيما بينها لأجل مصالحها المتبادلة، فإذا ما كانت الهوة بالغة العمق والاتساع بين الذين يملكون والذين لا يملكون، فإن المصالح المشتركة بين الطرفين ستكون محدودة، فإذا ما ضاقت الفجوة فإن تدفق المعلومات (بما فيها العلوم والتكنولوجيا) سيكون أكثر يسراً، حتى لو لم تكن هناك ألفة حقيقية بين الدولتين المعنيتين. ولهذا يرى د. أحمد زويل وجوب قبول مسؤولية المشاركة والتعاون بين الدول النامية والدول المتقدمة، وهي المسؤولية التي طرحها في عدد من اقتراحاته التي نتناولها في مقال قادم بإذن الله. الجريدة الكويتية